فصل ( إصابة جعفر وأصحابه ) .
 
قال ابن اسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن أم عيسى الخزاعية عن أم جعفر بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب عن جدتها اسماء بنت عميس قالت لما اصيب جعفر وأصحابه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دبغت أربعين مناء وعجنت عجيني وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتني ببني جعفر فأتيته بهم فشمهم وذرفت عيناه فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك ابلغك عن جعفر وأصحابه شيء قال نعم أصيبوا هذا اليوم قالت فقمت أصيح واجتمع الي النساء وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما فانهم قد شعلوا بامر صاحبهم وهكذا رواه الامام أحمد من حديث ابن اسحاق ورواه ابن اسحاق من طريق عبد الله بن ابي بكر عن أم عيسى عن أم عون بنت محمد بن جعفر عن أسماء فذكر الأمر بعمل الطعام والصواب أنها أم جعفر وأم عون وقال الامام أحمد حدثنا سفيان ثنا جعفر بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال لما جاء نعي جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم أمر يشغلهم أو أتاهم ما يشغلهم وهكذا رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة عن جعفر بن خالد بن سارة المخزومي المكي عن أبيه عن عبد الله بن جعفر وقال الترمذي حسن ثم قال محمد بن اسحاق حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لما أتى نعي جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن قالت فدخل عليه رجل فقال يا رسول الله إن النساء عييننا وفتننا قال أرجع اليهم فأسكتهن قالت فذهب ثم رجع فقال له مثل ذلك قالت يقول وربما ضر التكلف يعني أهله قالت قال فاذهب فأسكتهن فان أبين فاحثوا في افواههن التراب قالت وقلت في نفسي أبعدك الله فوالله ما تركت نفسك وما أنت بمطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وعرفت أنه لا يقدر يحثي في افواههن التراب إنفرد به ابن اسحاق من هذا الوجه وليس في شيء من الكتب وقال البخاري ثنا قتيبة ثنا عبد الوهاب سمعت يحيى بن سعيد قال أخبرتني عمرة قالت سمعت عائشة تقول لما قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الحزن قالت عائشة وأنا اطلع من صاير الباب شق فأتاه رجل فقال أي رسول الله إن نساء جعفر وذكر بكاءهن فامره أن ينهاهن قالت فذهب الرجل ثم أتى فقال والله لقد غلبننا فزعمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فاحث في أفواههن من التراب قالت عائشة رضي الله عنها فقلت أرغم الله أنفك فوالله ما أنت تفعل ذلك وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي من طرق عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عمرةعنها وقال الامام أحمد حدثنا وهب بن جرير ثنا أبي سمعت محمد بن أبي يعقوب يحدث عن الحسن بن سعيد عن عبد الله بن جعفر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا استعمل عليهم زيد بن حارثة وقال إن قتل زيد أو استشهد فأميركم جعفر فان قتل أو استشهد
فأميركم عبد الله بن رواحة فلقوا العدو فاخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل ثم اخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله عليه وأتى خبرهم النبي صلى الله عليه وسلم فخرج الى الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال إن إخوانكم لقوا العدو وإن زيدا أخذ الراية فقاتل حتى قتل أو استشهد ثم أخذ الراية بعده جعفر بن أبي طالب فقاتل حتى قتل أو استشهد ثم اخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل أو استشهد ثم أخذ الراية سيفا من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه قال ثم أمهل آل جعفر ثلاثا ان يأتهم ثم أتاهم فقال لا تبكوا على أخي بعد اليوم أدعوا لي بني أخي قال فجيء بنا كأننا أفراخ فقال ادعوا لي الحلاق فجيء بالحلاق فحلق رؤسنا ثم قال أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي ثم أخذ بيدي فأشالها وقال اللهم اخلف جعفرا في أهله بارك لعبد الله في صفقة يمينه قالها ثلاث مرات قال فجاءت أمنا فذكرت له يتمنا وجعلت تفرح له فقال العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة ورواه أبو داود ببعضه والنسائي في السير بتمامه من حديث وهب بن جرير به وهذا يقتضي أنه عليه الصلاة والسلام أرخص لهم في البكاء ثلاثة أيام ثم نهاهم عنه بعدها ولعله معنى الحديث الذي رواه الامام أحمد من حديث الحكم بن عبد الله بن شداد عن اسماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها لما أصيب جعفر تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت تفرد به أحمد فيحتمل أنه أذن لها في التسلب وهو المبالغة في البكاء وشق الثياب ويكون هذا من باب التخصيص لها بهذا لشدة حزنها على جعفر أبي أولادها وقد يحتمل أن يكون أمرا لها بالتسلب وهو المبالغة في الاحداد ثلاثة ايام ثم تصنع ما شاءت مما يفعله المعتدات على أزواجهن من الاحداد المعتاد والله أعلم ويروى تسلى ثلاثا أي تصبري ثلاثا وهذا بخلاف الرواية الاخرى والله أعلم فأما الحديث الذي قال الامام احمد حدثنا يزيد ثنا محمد بن طلحة ثنا الحكم بن عيينة عن عبد الله بن شداد عن أسماء بنت عميس قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر فقال لا تحدي بعد يومك هذا فانه من افراد احمد أيضا وإسناده لا بأس به ولكنه مشكل إن حمل على ظاهره لانه قد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميتها أكثر من ثلاثة أيام الا على زوج أربعة اشهر وعشرة فإن كان ما رواه الامام أحمد محفوظا فتكون مخصوصة بذلك أو هو أمر بالمبالغة في الاحداد هذه الثلاثة أيام كما تقدم والله أعلم
قلت ورثت أسماء بنت عميس زوجها بقصيدة تقول فيها
فآليت لا تنفك نفسي حزينة * عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فلله عينا من رأى مثله فتى * أكر وأحمى في الهياج وأصبرا
ثم لم تنشب أن انقضت عدتها فخطبها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فتزوجها فأولم وجاء الناس للوليمة فكان فيهم علي بن أبي طالب فلما ذهب الناس استأذن علي ابا بكر رضي الله عنهما في أن يكلم اسماء من وراء الستر فأذن له فلما اقترب من الستر نفحه ريح طيبها فقال لها علي على وجه البسط من القائلة في شعرها
فآليت لا تنفك نفسي حزينة * عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
قالت دعنا منك يا أبا الحسن فانك امرؤ فيك دعابة فولدت للصديق محمد بن ابي بكر ولدته بالشجرة بين مكة والمدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ذاهب الى حجة الوداع فأمرها أن تغتسل وتهل وسيأتي في موضعه ثم لما توفي الصديق تزوجها بعده علي بن أبي طالب وولدت له أولادا رضي الله عنه عنها وعنهم أجمعين