سرية ابي عبيدة الى سيف البحر
 

قال الامام مالك عن وهب بن كيسان عن جابر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل وأمر عليهم ابا عبيدة بن الجراح وهم ثلثمائة قال جابر وانا فيهم فخرجنا حتى اذا كنا ببعض الطريق فنى الزاد فأتوا أبا عبيدة بازواد ذلك الجيش فجمع كله فكان مزودي تمر فكان يقوتنا كل يوم قليلا قليلا حتى فني ولم يكن يصيبنا الا تمرة تمرة قال فقلت وما تغني تمرة فقال لقد وجدنا فقدها حين فنيت قال ثم انتهينا الى البحر فاذا حوت مثل الضرب قال فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشر ليلة ثم امر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ثم أمر براحلته ثم مر تحتها فلم يصبهما أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك بنحوه وهو في الصحيحين أيضا من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلثمائة راكب وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد عيرا لقريش فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط فسمى ذلك الجيش جيش الخبط قال ونحر رجل ثلاث جزائر ثم ثلاثا فنهاه أبو عبيدة قال وألقى البحر دابة يقال لها العنبر فأكلنا منها نصف شهر وادهنا حتى ثابت الينا أجسامنا وصلحت ثم ذكر قصة الضلع فقوله في الحديث نرصد عيرا لقريش دليل على أن هذه السرية كانت قبل صلح الحديبية والله أعلم والرجل الذي نحر لهم الجزائر هو قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو بكر بن اسحاق ثنا اسماعيل بن قتيبة ثنا يحيى بن يحيى ثنا أبو خيثمة وهو زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة نتلقى عيرا لقريش وزودنا جرابا من تمر لم نجد لنا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة قال فقلت كيف كنتم تصنعون بها قال كنا نمصها كما يمص الصبي ثم نشرب عليها الماء فتكفينا يومنا الى الليل وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء فنأكله قال فانطلقنا الى ساحل البحر فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه فاذا به دابة تدعى العنبر فقال أبو عبيدة ميتة ثم قال لا بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا قال فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلثمائة حتى سمنا ولقد كنا نغرف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقتطع منه القدر كالثور أو كقدر الثور ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فاأعدهم في عينه وأخذ ضلعا من أضلاعه فاقامها ثم رحل أعظم بعير منها فمر تحتها وتزودنا من لحمها وشايق فلما قدمنا المدينة اتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم شيء من لحمه تطعمونا قال فأرسلنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل منه ورواه مسلم عن يحيىبن يحيى وأحمد بن يونس وابو داود عن النفيلي ثلاثتهم عن ابي
خيثمة زهير بن معاوية الجعفي الكوفي عن ابي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي عن جابر بن عبد الله الانصاري به
قلت ومقتضى أكثر هذه السياقات أن هذه السرية كانت قبل صلح الحديبية ولكن اوردناها ها هنا تبعا للحافظ البيهقي رحمه الله فانه أوردها بعد مؤتة وقبل غزوة الفتح والله أعلم وقد ذكر البخاري بعد غزوة مؤتة سرية اسامة بن زيد الى الحرقات من جهينة فقال حدثنا عمرو بن محمد ثنا هشيم انبأنا حصين بن جندب ثنا أبو ظبيان قال سمعت أسامة بن زيد يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الانصار رجلا منهم فلما غشيناهم قال لا اله الا الله فكف الانصاري وطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا اسامة اقتلته بعد ما قال لا اله الا الله قلت كان متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن اسلمت قبل ذلك اليوم وقد تقدم هذا الحديث والكلام عليه فيما سلف ثم روى البخاري من حديث يزيد بن ابي عبيدة عن سلمة بن الاكوع قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات علينا مرة أبو بكر ومرة اسامة بن زيد رضي الله عنهما ثم ذكر الحافظ البيهقي ها هنا موت النجاشي صاحب الحبشة على الاسلام ونعى رسول الله صلى الله عليه وسلم له الى المسلمين وصلاته عليه فروى من طريق مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى الى الناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم الى المصلى فصف بهم وكبر اربع تكبيرات أخرجاه من حديث مالك وأخرجاه أيضا من حديث ابن جريج عن عطاء عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مات اليوم رجل صالح فصلوا على أصخمة وقد تقدمت هذه الاحاديث أيضا والكلام عليها ولله الحمد
قلت والظاهر أن موت النجاشي كان قبل الفتح بكثير فان في صحيح مسلم أنه لما كتب إلى ملوك الآفاق كتب الى النجاشي وليس هو بالمسلم وزعم آخرون كالواقدي أنه هو والله أعلم وروى الحافظ البيهقي من طريق مسلم بن خالد الزنجي عن موسى بن عقبة عن ابيه عن أم كلثوم قالت لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة قال قد أهديت الى النجاشي أواق من مسك وحلة وإني لأراه قد مات ولا ارى الهدية الا سترد علي فان ردت علي أظنه قال قسمتها بينكن أو فهي لك قال فكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مات النجاشي وردت الهدية فلما ردت عليه أعطى امرأة من نسائه أوقيه من ذلك المسك وأعطى سائره أم سلمة وأعطاها الحلة والله أعلم
بسم الله الحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم غزوة الفتح الاعظم وكانت في رمضان سنة ثمان وقد ذكرها الله تعالى في القرآن في غير موضع فقال تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى الآية وقال تعالى إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا
وكان سبب الفتح بعد هدنة الحديبية ما ذكره محمد بن اسحاق حدثني الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم انهما حدثاه جميعا قالا كان في صلح الحديبية أنه من شاء أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فتواثبت خزاعة وقالوا نحن في عقد محمد وعهده وتواثبت بنو بكر وقالوا نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهرا ثم إن بنى بكر وثبوا على خزاعة ليلا بماء يقال له الوتير وهو قريب من مكة وقالت قريش ما يعلم بنا محمد وهذا الليل وما يرانا من أحد فاعانوهم عليهم بالكراع والسلاح وقاتلوهم معهم للضغن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن عمرو بن سالم ركب عند ما كان من أمر خزاعة وبني بكر بالوتير حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر الخبر وقد قال أبيات شعر فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدها إياه
يا رب إني ناشد محمدا * حلف أبيه وابينا الأتلدا
قد كنتموا ولدا وكنا والدا * ثمت أسلمنا فلم ينزع يدا
فانصر رسول الله نصرا أبدا * وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا * إن سيم خسفا وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يجري مزبدا * إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا * وجعلوا لي في كداء رصدا
وزعموا أن لست أدعوا أحدا * فهم اذل واقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا * وقتلونا ركعا وسجدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرت يا عمرو بن سالم فما برح حتى مرت بنا عنانة في السماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز وكتمهم مخرجه وسأل الله أن يعمي على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم
قال ابن اسحاق وكان السبب الذي هاجهم أن رجلا من بني الحضرمي اسمه مالك بن عباد من حلفاء الاسود بن رزن خرج تاجرا فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله فعدت بنو بكر على رجل من بني خزاعة فقتلوه فعدت خزاعة قبيل الاسلام على بني الاسود بن رزن الدئلي وهم مفخر بني كنانة واشرافهم سلمى وكلثوم وذؤيب فقتلوهم بعرفة عندا نصاب الحرم قال ابن اسحاق وحدثني رجل من الدئل قال كان بنو الاسود بن رزن يودون في الجاهلية ديتين ديتين قال ابن اسحاق فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك إذ حجز بينهم الاسلام فلما كان يوم الحديبية ودخل بنو بكر في عقد قريش ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الهدنة اغتنمها بنو الدئل من بني بكر وأرادوا أن يصيبوا من خزاعة ثأرا من أولئك النفر فخرج نوفل بن معاوية الدئلي في قومه وهو يومئذ سيدهم وقائدهم وليس كل بني بكر تابعه فبيت خزاعة وهم على الوتير ماء لهم فأصابوا رجلا منهم وتحاوزوا واقتتلوا ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا حتى حاوزوا خزاعة الى الحرم فلما انتهوا اليه قالت بنو بكر إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك فقال كلمة عظيمة لا إله اليوم يا بني بكر أصيبوا ثأركم فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم ولجأت خزاعة الى دار بديل بن ورقاء بمكة والى دار مولى لهم يقال له رافع وقد قال الاخزر ابن لعط الدئلي في ذلك
ألا هل أتى قصوى الأحابيش أننا * رددنا بني كعب بأفوق ناصل
حبسناهم في دارة العبد رافع * وعند بديل محبسا غير طائل
بدار الذليل الآخذ الضيم بعد ما * شفينا النفوس منهم بالمناصل
حبسناهم حتى اذا طال يومهم * نفخنا لهم من كل شعب بوابل
نذبحهم ذبح التيوس كأننا * أسود نباري فيهم بالقواصل
هم ظلمونا واعتدوا في مسيرهم * وكانوا لدى الانصاب أول قاتل
كأنهم بالجزع إذ يطردونهم * قفا ثور حفان النعام الجوافل
قال فاجابه بديل بن عبد مناة بن سلمة بن عمرو بن الأجب وكان يقال له بديل بن أم أصرم فقال
تعاقد قوم يفخرون ولم ندع * لهم سيدا يندوهم غير نافل
أمن خيفة القوم الاولى تزدريهم * تجيز الوتير خائفا غير آيل
وفي كل يوم نحن نحبوا حبائنا * لعقل ولا يحبى لنا في المعاقل
ونحن صبحنا بالتلاعة داركم * بأسيافنا يسبقن لوم العواذل
ونحن منعنا بين بيض وعتود * الى خيف رضوى من مجر القبائل
ويوم الغميم قد تكفت ساعيا * عبيس فجعناه بجلد حلاحل
أإن أجمرت في بيتها أم بعضكم * بجعموسها تنزون إن لم نقاتل
كذبتم وبيت الله ما إن قتلتموا * ولكن تركنا أمركم في بلابل
قال ابن اسحاق فحدثني عبد الله بن ابي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم يشد في العقد ويزيد في المدة قال ابن اسحاق ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبروه بما أصيب منهم ومظاهرة قريش بني بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين حتى لقوا أبا سفيان بعسفان قد بعثته قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشد في العقد ويزيد في المدة وقد رهبوا للذي صنعوا فلما لقي أبو سفيان بديلا قال من اين أقبلت يا بديل وظن أنه قد اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سرت الى خزاعة في هذا الساحل في بطن هذا الوادي قال فعمد أبو سفيان الى مبرك ناقته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى فقال أحلف بالله لقد جاء بديل محما ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته فقال يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أو رغبت به عني فقالت هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مشرك نجس فلم أحب أن تجلس على فراشه فقال يا بنيه والله لقد أصابك بعدي شر ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أنا بفاعل ثم اتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال عمر أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لو لم أجد لكم إلا الذر لجاهدتكم به ثم خرج فدخل على علي بن ابي طالب وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندها حسن غلام يدب بين يديهما فقال يا علي إنك امس القوم بي رحما وأقربهم مني قرابة وقد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا فاشفع لي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ويحك أبا سفيان والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه فالتفت الى فاطمة فقال يا بنت محمد هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر فقالت والله ما بلغ ببني ذلك أن يجير بين الناس وما يجير أحد على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يأبا الحسن إني ارى الامور قد اشتدت على فانصحني قال والله ما أعلم شيئا يغني عنك ولكنك سيد بني كنانة فقم فأجر بين الناس ثم الحق بارضك فقال أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا قال لا والله ما أظن ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام أبو سفيان في المسجد فقال أيها الناس إني قد اجرت بين الناس ثم ركب
بعيره فانطلق فلما أن قدم على قريش قالوا ما وراءك قال جئت محمدا فكلمته فوالله ما رد علي شيئا ثم جئت ابن ابي قحافة فوالله ما وجدت فيه خيرا ثم جئت عمر فوجدته أعدى عدو ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم وقد أشار علي بأمر صنعته فوالله ما أدري هل يغني عنا شيئا أم لا قالوا بماذا أمرك قال أمرني ان أجير بين الناس ففعلت قالوا هل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا ويحك ما زادك الرجل على أن لعب بك فما يغني عنا ما قلت فقال لا والله ما وجدت غير ذلك فائدة ذكرها السهيلي فتكلم على قول فاطمة في هذا الحديث وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما جاء في الحديث ويجير على المسلمين أدناهم قال وجه الجمع بينهما بأن المراد بالحديث من يجير واحدا ونفرا يسيرا وقول فاطمة فمن يجير عددا من غزو الامام إياهم فليس له ذلك قال كان سحنون وابن الماجشون يقولان إن أمان المرأة موقوف على إجازة الامام لقوله لام هانئ قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ قال ويروى هذا عن عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وقال أبو حنيفة لا يجوز امان العبد وفي قوله عليه السلام ويجير عليهم أدناهم ما يقتضي دخول العبد والمرأة والله أعلم وقد روى البيهقي من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قالت بنو كعب
اللهم إني ناشد محمدا * حلف أبينا وابيه الاتلدا
فانصر هداك الله نصرا عتدا * وادع عباد الله يأتوا مددا
وقال موسى بن عقبة في فتح مكة ثم إن بني نفاثة من بني الدئل أغاروا على بني كعب وهم في المدة التي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش وكانت بنو كعب في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت بنو نفاثة في صلح قريش فأعانت بنو بكر بني نفاثة وأعانتهم قريش بالسلاح والرقيق واعتزلتهم بنو مدلج ووفوا بالعهد الذي كانوا عاهدوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بني الدئل رجلان هما سيداهم سلمى ابن الاسود وكلثوم بن الاسود ويذكرون أن ممن أعانهم صفوان بن أمية وشيبة بن عثمان وسهيل ابن عمرو فاغارت بنو الدئل على بني عمرو وعامتهم زعموا نساء وصبيان وضعفاء الرجال فألجؤهم وقتلوهم حتى أدخلوهم إلى دار بديل بن ورقاء بمكة فخرج ركب من بني كعب حتى اتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له الذي اصابهم وما كان من أمر قريش عليهم في ذلك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجعوا فتفرقوا في البلدان وخرج أبو سفيان من مكة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخوف الذي كان فقال يا محمد اشدد العقد وجدد المدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك قدمت هل كان من حدث قبلكم فقال معاذ الله نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم واتى ابا بكر فقال جدد العقد وزدنا في المدة فقال أبو بكر جواري في جوار رسول
الله صلى الله عليه وسلم والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم ثم خرج فأتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال عمر بن الخطاب ما كان من حلفنا جديد فاخلقه الله وما كان منه مثبتا قطعه الله وما كان منه مقطوعا فلا وصله الله فقال له أبو سفيان جزيت من ذي رحم شرا ثم دخل على عثمان فكلمه فقال عثمان جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اتبع اشراف قريش يكلمهم فكلهم يقول عقدنا في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما يئس مما عندهم دخل على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمها فقالت إنما أنا امرأة وإنما ذلك الى رسول الله فقال لها فأمري أحد ابنيك فقالت إنها صبيان ليس مثلهما يجير قال فكلمي عليا فقالت أنت فكلمه فكلم عليا فقال له يأبا سفيان إنه ليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتات على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوار وأنت سيد قريش واكبرها وأمنعها فأجر بين عشيرتك قال صدقت وأنا كذلك فخرج فصاح ألا إني قد أجرت بين الناس ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إني قد اجرت بين الناس ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد ولا يرد جواري فقال أنت تقول يا ابا حنظلة فخرج ابو سفيان على ذلك فزعموا والله أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أدبر أبو سفيان اللهم خذ على اسماعهم وابصارهم فلا يرونا الا بغتة ولا يسمعوا بنا الا فجأة وقدم ابو سفيان مكة فقالت له قريش ما وراءك هل جئت بكتاب من محمد أو عهد قال لا والله لقد أبى علي وقد تتبعت اصحابه فما رأيت قوما لملك عليهم أطوع منهم له غير أن علي بن ابي طالب قد قال لي التمس جوار الناس عليك ولا تجير أنت عليه وعلى قومك وأنت سيد قريش واكبرها وأحقها أن تخفر جواره فقمت بالجوار ثم دخلت على محمد فذكرت له أني قد اجرت بين الناس وقلت ما أظن أن تخفرني فقال أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة فقالوا مجيبين له رضيت بغير رضى وجئتنا بما لا يغني عنا ولا عنك شيئا وإنما لعب بك علي لعمر الله ما جوارك بجائز وإن إخفارك عليهم لهين ثم دخل على امرأته فحدثها الحديث فقالت قبحك الله من وافد قوم فمت جئت بخير قال ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سحابا فقال إن هذه السحاب لتبض بنصر بني كعب فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث بعد ما خرج أبو سفيان ثم اخذ في الجهاز وأمر عائشة أن تجهزه وتخفي ذلك ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد أو الى بعض حاجاته فدخل أبو بكر على عائشة فوجد عندها حنطة تنسف وتنقي فقال لها يا بنية لم تصنعين هذا الطعام فسكتت فقال أيريد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزو فصمتت فقال يريد بني الاصفر وهم الروم فصمتت قال فلعله يريد أهل نجد فصمتت قال فلعله يريد قريشا فصمتت قال فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله اتريد أن تخرج مخرجا قال نعم قال فلعلك تريد بني الاصفر قال لا قال أتريد أهل نجد قال لا قال فلعلك تريد قريشا قال نعم قال أبو
بكر يا رسول الله أليس بينك وبينهم مدة قال الم يبلغك ما صنعوا ببني كعب قال وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بالغزو وكتب حاطب بن ابي بلتعة الى قريش وأطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على الكتاب وذكر القصة كما سيأتي وقال محمد بن اسحاق وحدثني محمد بن جعفر عن عروة عن عائشة أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تغربل حنطة فقال ما هذا امركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز قالت نعم فتجهر قال والى أين قالت ما سمى لنا شيئا غير أنه قد أمرنا بالجهاز قال ابن اسحاق ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر الى مكة وأمر بالجد والتهيؤ وقال اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها فتجهز الناس فقال حسان بن ثابت يحرض الناس ويذكر مصاب خزاعة
عناني ولم اشهد ببطحاء مكة * رجال بني كعب تحز رقابها
بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم * وقتلى كثير لم تجن ثيابها
الا ليت شعري هل تنالن نصرتي * سهيل بن عمرو حرها وعقابها
وصفوان عودا حزمن شفر استه * فهذا أوان الحرب شد عصابها
فلا تأمننا يا ابن أم مجالد * اذا احتلبت صرفا وأعصل نابها
ولا تجزعوا منها فإن سيوفنا * لها وقعة بالموت يفتح بابها