الوقعة وما كان أول الأمر من الفرار ثم العاقبة للمتقين
 
قال يونس بن بكير وغيره عن محمد بن اسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن ابيه قال فخرج مالك بن عوف بمن معه الى حنين فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم اليها فأعدوا وتهيئوا في مضايق الوادي وأحنائه وأقبل رسول الله وأصحابه حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين يقول اين أيها الناس هلموا إلي أنا رسول الله انا رسول الله انا محمد بن عبد الله أنا محمد بن عبد الله قال فل شيء وركبت الابل بعضها بعضا فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امر الناس ومعه رهط من أهل بيته علي بن ابي طالب وأبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب واخوه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب والفضل بن العباس وقيل الفضيل بن أبي سفيان وأيمن بن أم أيمن وأسامة بن زيد ومن الناس من يزيد فيهم قثم بن العباس ورهط من المهاجرين منهم أبو بكر وعمر والعباس آخذ بحكمة بغلته البيضاء وهو عليها قد شجرها قال ورجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام هوازن وهوازن خلفه اذ أدرك طعن برمحه واذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه قال فبينما هو كذلك اذ هوى له علي بن ابي طالب ورجل من الانصار يريدانه قال فيأتي علي من خلفه فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ووثب الانصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه فانعجف عن رحله قال واجتلد الناس فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه الامام احمد عن يعقوب بن ابراهيم الزهري عن أبيه عن محمد
ابن اسحاق قال ابن اسحاق والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وكان ممن صبر يومئذ وكان حسن الاسلام حين اسلم وهو آخذ بثفر بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من هذا قال ابن أمك يا رسول الله قال ابن اسحاق ولما انهزم الناس تكلم رجال من جفاة الاعراب بما في أنفسهم من الظغن فقال ابو سفيان صخر بن حرب يعني وكان اسلامه بعد مدخولا وكانت الازلام بعد معه يومئذ قال لا تنتهي هزيمتهم دون البحر وصرخ كلدة بن الحنبل وهو مع أخيه صفوان بن أمية يعني لأمه وهو مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا بطل السحر اليوم فقال له صفوان اسكت فض الله فاك فوالله لئن يربني رجل من قريش أحب الي من أن يربني رجل من هوازن وقال الامام احمد حدثنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن سلمة أنبا اسحاق ابن عبد الله بن ابي طلحة عن أنس بن مالك أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والابل والغنم فجعلوها صفوفا يكثرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما التقوا ولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله ثم قال يا معشر الانصار أنا عبد الله ورسوله قال فهزم الله المشركين ولم يضرب بسيف ولم يطعن برمح قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ من قتل كافرا فله سلبه قال فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم وقال أبو قتادة يا رسول الله إني ضربت رجلا على حبلأ العاتق وعليه درع له فاجهضت عنه فانظر من أخذها قال فقام رجل فقال أنا أخذتها فارضه منها واعطنيها قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا ألا اعطاه أو سكت فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر والله لا يفئها الله علىاسد من اسد الله ويعطيكها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق عمر قال ولقي أبو طلحة أم سليم ومعها خنجر فقال أبو طلحة ما هذا فقالت إن دنا مني بعض المشركين أن أبعج في بطنه فقال ابو طلحة اما تسمع ما تقول أم سليم فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله اقتل من بعدها من الطلقاء انهزموا بك فقال إن الله قد كفى وأحسن يا أم سليم وقد روى مسلم منه قصة خنجر ام سليم وأبو داود قوله من قتل قتيلا فله سلبه كلاهما من حديث حماد بن سلمة به وقول عمر في هذا مستغرب والمشهور أن ذلك أبو بكر الصديق وقال الامام احمد حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا أبي ثنا نافع أبو غالب شهد أنس بن مالك فقال العلاء بن زياد العدوي يا أبا حمزة بسن أي الرجال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بعث قال ابن اربعين سنة قال ثم كان ماذا قال ثم كان بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين فتمت له ستون سنة ثم قبضه الله اليه قال بسن أي الرجال هو يومئذ قال كاشب الرجال وأحسنه وأجمله والحمه قال يا ابا حمزة وهل غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم غزوت معه يوم حنين فخرج المشركون بكرة فحملوا علينا حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا وفي
المشركين رجل يحمل علينا فيدقنا ويحطمنا فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل فهزمهم الله فولوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى الفتح فجعل يجاء بهم أسارى رجل رجل فيبايعونه على الاسلام فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إن علي نذرا لئن جيء بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيء بالرجل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال يا نبي الله تبت الى الله قال وأمسك نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يبايعه ليوفي الآخر نذره قال وجعل ينظر الى النبي صلى الله عليه وسلم ليأمره بقتله ويهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يصنع شيئا بايعه فقال يا نبي الله نذري قال لم أمسك عنه منذ اليوم الا لتوفي نذرك فقال يا رسول الله ألا أومأت الي قال إنه ليس لنبي ان يومي تفرد به احمد وقال احمد حدثنا يزيد ثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين اللهم إنك إن تشاء لا تعبد في الارض بعد اليوم إسناده ثلاثي على شرط الشيخين ولم يخرجه أحد من اصحاب الكتب من هذا الوجه وقال البخاري ثنا محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن ابي اسحاق سمع البراء بن عازب وسأله رجل من قيس أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقال لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر كانت هوازن رماة وأنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلتنا بالسهام ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وإن ابا سفيان آخذ بزمامها وهو يقول أنا النبي لا كذب ورواه البخاري عن ابي الوليد عن شعبة به وقال
انا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب
قال البخاري وقال اسرائيل وزهير عن أبي اسحاق عن البراء ثم نزل عن بغلته ورواه مسلم والنسائي عن بندار زاد مسلم وأبي موسى كلاهما عن غندر به وروى مسلم من حديث زكريا بن ابي زائدة عن أبي اسحاق عن البراء قال ثم نزل فاستنصر وهو يقول
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب
اللهم نزل نصرك قال البراء ولقد كنا اذا حمى البأس نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الشجاع الذي يحاذى به وروى البيهقي من طرق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ انا ابن العواتك وقال الطبراني ثنا عباس بن الفضل الاسقاطي ثنا عمرو بن عوف الواسطي ثنا هشيم انبا يحيى بن سعيد عن عمرو بن سعيد بن العاص عن شبابة عن ابن عاصم السلمي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين انا ابن العواتك وقال البخاري ثنا عبد الله بن يوسف أنبا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن كثير بن أفلح عن ابي محمد مولى أبي قتادة عن ابي قتادة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين
فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر فقلت ما بال الناس فقال أمر الله ورجعوا وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله فقلت من يشهد لي ثم جلست فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله فقمت فقال مالك يأبا قتادة فأخبرته فقال رجل صدق سلبه عندي فأرضه مني فقال أبو بكر لاها الله إذا تعمد إلى أسد من اسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق فأعطه فأعطانيه فابتعت به مخرافا في بني سلمة فانه لأول مال تأثلته في الاسلام ورواه بقية الجماعة الا النسائي من حديث يحيى بن سعيد به قال البخاري وقال الليث بن سعد حدثني يحيى بن سعيد عن عمرو بن كثير بن افلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة أن أبا قتادة قال لما كان يوم حنين نظرت إلي رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني فأرضرب يده فقطعتها ثم أخذني فضمني ضما شديدا حتى تخوفت ثم ترك فتحلل فدفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون فانهزمت معهم فاذا بعمر بن الخطاب في الناس فقلت له ما شأن الناس قال أمر الله ثم تراجع الناس إلى رسول الله فقال رسول الله من اقام بينة على قتيل فله سلبه فقمت لالتمس بينة على قتيلي فلم ار أحدا يشهد لي فجلست ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من جلسائه سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي فأرضه مني فقال أبو بكر كلا لا يعطيه أضيبع من قريش ويدع أسدا من اسد الله يقاتل عن الله ورسوله قال فقام رسول الله فأداه إلي فاشتريت به مخرافا فكان أول مال تأثلته وقد رواه البخاري في مواضع أخر ومسلم كلاهما عن قتيبة عن الليث بن سعد به وقد تقدم من رواية نافع أبي غالب عن انس أن القائل لذلك عمر بن الخطاب فلعله قاله متابعة لابي بكر الصديق ومساعدة وموافقة له أو قد اشتبه على الراوي والله أعلم وقال الحافظ البيهقي أنبأ الحاكم انبأ الاصم أنبأ احمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق حدثني عاصم بن عمر عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين حين رأى من الناس ما رأى يا عباس ناد يا معشر الأنصار يا اصحاب الشجرة فأجابوه لبيك لبيك فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره فلا يقدر على ذلك فيقذف درعه عن عنقه ويأخذ سيفه وترسه ثم يؤم الصوت حتى اجتمع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة فاستعرض الناس فاقتتلوا وكانت الدعوة أول ما كانت للأنصار ثم جعلت آخرا للخزرج وكانوا صبرا عند الحرب واشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركايبه
فنظر الى مجتلد القوم فقال الآن حمي الوطيس قال فوالله ما راجعه الناس الا والاسارى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتفون فقتل الله منهم من قتل وانهزم منهم من انهزم وافاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم اموالهم وابناءهم وقال ابن لهيعة عن ابي الأسود عن عروة وذكر موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح الله عليه مكة وأقر بها عينه خرج الى هوازن وخرج معه أهل مكة لم يغادر منهم أحدا ركبانا ومشاة حتى خرج النساء يمشين على غير دين نظارا ينظرون ويرجون الغنائم ولا يكرهون مع ذلك أن تكون الصدمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قالوا وكان معه ابو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وكانت امرأته مسلمة وهو مشرك لم يفرق بينهما قالوا وكان رئيس المشركين يومئذ مالك بن عوف النصري ومعه دريد بن الصمة يرعش من الكبر ومعه النساء والذراري والنعم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي حدرد عينا فبات فيهم فسمع مالك بن عوف يقول لاصحابه إذا أصبحتم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا أغماد سيوفكم واجعلوا مواشيكم صفا ونساءكم صفا فلما أصبحوا اعتزل أبو سفيان وصفوان وحكيم بن حزام وراءهم ينظرون لمن تكون الدائرة وصف الناس بعضهم لبعض وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة له شهباء فاستقبل الصفوف فأمرهم وحضهم على القتال وبشرهم بالفتح إن صبروا فبينما هم كذلك إذ حمل المشركون على المسلمين حملة رجل واحد فجال المسلمون جولة ثم ولوا مدبرين فقال حارثة بن النعمان لقد حزوت من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ادبر الناس فقلت مائة رجل قالوا ومر رجل من قريش بصفوان بن أمية فقال ابشر بهزيمة محمد وأصحابه فوالله لا يجتبرونها أبدا فقال له صفوان تبشرني بظهور الأعراب فوالله لرب من قريش أحب الي من رب من الأعراب وغضب صفوان لذلك قال عروة وبعث صفوان غلاما له فقال اسمع لمن الشعار فجاءه فقال سمعتهم يقولون يا بني عبد الرحمن يا بني عبد الله يا بني عبيد الله فقال ظهر محمد وكان ذلك شعارهم في الحرب قالوا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غشيه القتال قام في الركابين وهو على البغلة فرفع يديه الى الله يدعوه يقول اللهم إني أنشدك ما وعدتني اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا ونادى أصحابه وزمرهم يا أصحاب البيعة يوم الحديبية الله الله الكرة على نبيكم ويقال حرضهم فقال يا أنصار الله وأنصار رسوله يا بني الخزرج يا اصحاب سورة البقرة وأمر من أصحابه من ينادي بذلك قالوا وقبض قبضة من الحصباء فحصب بها وجوه المشركين ونواصيهم كلها وقال شاهت الوجوه وأقبل أصحابه اليه سراعا يبتدرون وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الآن حمي الوطيس فهزم الله أعداءه من كل ناحية حصبهم منها واتبعهم المسلمون يقتلونهم وغنمهم الله نساءهم وذراريهم وفر مالك بن عوف حتى دخل حصن الطائف هو وأناس من أشراف قومه وأسلم عند ذلك ناس كثير من اهل مكة حين رأوا نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم
وإعزازه دينه رواه البيهقي وقال ابن وهب أخبرني يونس عن الزهري أخبرني كثير بن العباس ابن عبد المطلب قال قال العباس شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث لا نفارقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي فلما التقى الناس ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار قال العباس وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عباس ناد أصحاب السمرة قال فوالله لكأنما عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا يا لبيكاه يا لبيكاه قال فاقتتلوا هم والكفار والدعوة في الأنصار وهم يقولون يا معشر الانصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا يا بني الحارث بن الخزرج فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها الى قتالهم فقال هذا حين حمي الوطيس ثم اخذ حصيات فرمى بهن في وجوه الكفار ثم قال انهزموا ورب محمد قال فذهبت انظر فاذا القتال على هيئته فيما أرى قال فوالله ما هو الا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا ورواه مسلم عن أبي الطاهر عن ابن وهب به نحوه ورواه أيضا عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري نحوه وروى مسلم من حديث عكرمة ابن عمار عن اياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من المشركين فأرميه بسهم وتوارى عني فما رديت ما صنع ثم نظرت الى القوم فاذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقوا هم وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرجع منهزما وعلي بردتان متزرا باحداهما مرتديا بالاخرى قال فاستطلق إزاري فجمعتها جمعا ومررت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا منهزم وهو على بغلته الشهباء فقال لقد رأى ابن الاكوع فزعا فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب من الأرض واستقبل به وجوههم وقال شاهت الوجوه فما خلىالله منهم إنسانا الا ملأ عينيه ترابا من تلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين وقال أبو داود الطيالسي في مسنده ثنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن عبد الله بن يسار عن أبي عبد الرحمن الفهري قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين فسرنا في يوم قايظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال السمر فلما زالت الشمس لبست لامتي وركبت فرسي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فسطاطه فقلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته قد حان الرواح يا رسول الله قال أجل ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر فقال لبيك وسعديك وأنا فداؤك فقال أسرج لي فرسي فأتاه بدفتين من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر قال فركب فرسه فسرنا يومنا
فلقينا العدو وتسامت الخيلان فقاتلناهم فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله واقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه وحدثني من كان أقرب اليه مني أنه أخذ حفنة من التراب فحثى بها وجوه العدو وقال شاهت الوجوه قال يعلى ابن عطاء فحدثنا أبناؤهم عن آبائهم قالوا ما بقي أحد الا امتلأت عيناه وفمه من التراب وسمعنا صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست الحديد فهزمهم الله عز وجل ورواه أبو داود السجستاني في سننه عن موسى بن اسماعيل عن حماد بن سلمة به نحوه وقال الامام احمد ثنا عفان ثنا عبد الواحد ابن زياد ثنا الحارث بن حصين ثنا القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال قال عبد الله بن مسعود كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والانصار فنكصنا على اعقابنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته يمضي قدما فحادت به بغلته فمال عن السرج فقلت له ارتفع رفعك الله فقال ناولني كفا من تراب فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا قال أين المهاجرين والانصار قلت هم أولاء قال أهتف بهم فهتفت بهم فجاؤا سيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب وولى المشركون أدبارهم تفرد به أحمد وقال البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم القنطري ثنا أبو قلابة ثنا أبو عاصم ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي أخبرني عبد الله بن عياض بن الحارث الانصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى هوازن في اثني عشر ألفا فقتل من أهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر قال وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من حصى فرمى بها في وجوهنا فانهزمنا ورواه البخاري في تاريخه ولم ينسب عياضا وقال مسدد ثنا جعفر بن سليمان ثنا عوف بن عبد الرحمن مولى أم برثن عمن شهد حنينا كافرا قال لما التقينا نحن ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة فجئنا نهش سيوفنا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذ غشيناه فأذا بيننا وبينه رجال حسان الوجوه فقالوا شاهت الوجوه فارجعوا فهزمنا من ذلك الكلام رواه البيهقي وقال يعقوب بن سفيان ثنا أبو سفيان ثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن ابراهيم ثنا الوليد بن مسلم حدثني محمد بن عبد الله الشعبي عن الحارث بن بدل النصري عن رجل من قومه شهد ذلك يوم حنين وعمرو بن سفيان الثقفي قالا انهزم المسلمون يوم حنين فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا عباس وأبو سفيان بن الحارث قال فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من الحصباء فرمى بها في وجوههم قال فانهزمنا فما خيل الينا إلا أن كل حجر أو شجر فارس يطلبنا قال الثقفي فأعجرت على فرسي حتى دخلت الطائف وروى يونس بن بكير في مغازيه عن يوسف بن صهيب بن عبد الله أنه لم يبق مع رسول الله يوم حنين إلا رجل واحد اسمه
زيد وروى البيهقي من طريق الكديمي ثنا موسى بن مسعود ثنا سعيد بن السائب بن يسار الطائفي عن السائب بن يسار عن يزيد بن عامر السوائي أنه قال عند انكشافة انكشفها المسلمون يوم حنين فتبعهم الكفار وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من الارض ثم اقبل على المشركون فرمى بها وجوههم وقال ارجعوا شاهت الوجوه فما أحد يلقى أخاه الا وهو يشكو قذى في عينيه ثم روى من طريقين آخرين عن أبي حذيفة ثنا سعيد بن السائب بن يسار الطائفي حدثني أبي السائب بن يسار سمعت يزيد بن عامر السوائي وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد قال فنحن نسأله عن الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين يوم حنين كيف كان قال فكان يأخذ لنا بحصاة فيرمي بها في الطست فيطن قال كنا نجد في اجوافنا مثل هذا وقال البيهقي أنبأ أبو عبد الله الحافظ ومحمد ابن موسى بن الفضل قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد بن بكير الحضرمي ثنا أبو ايوب بن جابر عن صدقة بن سعيد عن مصعب بن شيبة عن ابيه قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به ولكن أبيت أن تظهر هوازن على قريش فقلت وأنا واقف معه يا رسول الله إني أرى خيلا بلقا فقال يا شيبة إنه لا يراها الا كافر فضرب يده في صدري ثم قال اللهم أهد شيبة ثم ضربها الثانية فقال اللهم أهد شيبة ثم ضربها الثالثة ثم قال اللهم أهد شيبة قال فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب الي منه ثم ذكر الحديث في التقاء الناس وانهزام المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هزم الله المشركين وقال البيهقي أنبأ أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو محمد أحمد عبد الله المزني ثنا يوسف بن موسى ثنا هشام بن خالد ثنا الوليد بن مسلم حدثني عبد الله بن المبارك عن أبي بكر الهذلي عن عكرمة مولى ابن عباس عن شيبة بن عثمان قال لما رأيت رسولن الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قد عرى ذكرت أبى وعمى وقتل على وحمزة اياهما فقلت اليوم ادرك ثأري من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذهبت لأجيئه عن يمينه فاذا بالعباس بن عبد المطلب قائم عليه درع بيضاء كأنها فضة ينكشف عنها العجاج فقلت عمه ولن يخذله قال ثم جئته عن يساره فاذا أنا بابي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فقلت ابن عمه ولن يخذله قال ثم جئته من خلفه فلم يبق إلا أن أساوره سورة بالسيف إذ رفع شواظ من نار بيني وبينه كأنه برق فخفت أن يمحشني فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا شيب أدن مني اللهم اذهب عنه الشيطان قال فرفعت اليه بصري ولهو احب الي من سمعي وبصري فقال يا شيب قاتل الكفار وقال ابن اسحاق وقال شيبة بن عثمان بن ابي طلحة اخو بني عبد الدار قلت اليوم أدرك ثأري وكان أبوه قد قتل يوم أحد اليوم أقتل محمدا قال فأدرت برسول الله
صلى الله عليه وسلم لأقتله فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي فلم أطق ذاك وعلمت أنه ممنوع مني وقال محمد بن اسحاق وحدثني والدي اسحاق بن يسار عمن حدثه عن جبير بن مطعم قال لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين والناس يقتتلون اذا نظرت إلى مثل البجاد الاسود يهوي من السماء حتى وقع بيننا وبين القوم فاذا نمل منثور قد ملأ الوادي فلم يكن الا هزيمة القوم فما كنا نشك أنها الملائكة ورواه البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن ابن اسحاق به وزاد فقال خديج بن العوجا النصري يعني في ذلك
ولما دنونا من حنين ومائه * رأينا سوادا منكر اللون أخصفا
بملمومة شهباء لو قذفوا بها * شماريخ من عروى اذا عاد صفصفا
ولو أن قومي طاوعتني سراتهم * اذا ما لقينا العارض المتكشفا
اذا ما لقينا جند آل محمد * ثمانين ألفا واستمدوا بخندفا
وقد ذكر ابن اسحاق من شعر مالك بن عوف النصري رئيس هوازن يوم القتال وهو في حومة الوغا يرتجز ويقول
أقدم مجاج إنه يوم نكر * مثلي على مثلك يحمي ويكر
اذا أضيع الصف يوما والدبر * ثم احزألت زمر بعد زمر
كتائب يكل فيهن البصر * قد أطعن الطعنة تقدي بالسبر
حين يذم المستكن المنحجر * وأطعن النجلاء تعوي وتهر
لها من الجوف رشاش منهمر * تفهق تارات وحينا تنفجر
وثعلب العامل فيها منكسر * يا زين يا ابن همهم أين تفر
قد أنفذ الضرس وقد طال العمر * قد علم البيض الطويلات الخمر
أني في أمثالها غير غمر * إذ تخرج الحاضن من تحت الستر
وذكر البيهقي من طريق يونس بن بكير عن أبي اسحاق أنه أنشد من شعر مالك أيضا حين ولى اصحابه منهزمين وذلك قوله بعد ما أسلم وقيل هي لغيره
أذكر مسيرهم والناس كلهم * ومالك فوقه الرايات تختفق
ومالك مالك ما فوقه أحد * يوم حنين عليه التاج يأتلق
حتى لقوا الناس حين البأس يقدمهم * عليهم البيض والأبدان والدرق
فضاربوا الناس حتى لم يروا أحدا * حول النبي وحتى جنه الغسق
حتى تنزل جبريل بنصرهم * فالقوم منهزم منا ومعتلق
منا ولو غير جبريل يقاتلنا * لمنعتنا إذا أسيافنا الفلق
وقد وفى عمر الفاروق إذ هزموا * بطعنة كان منها سرجه العلق
قال ابن اسحاق ولما هزم المشركون وأمكن الله رسوله منهم قالت امرأة من المسلمين
قد غلبت خيل الله خيل اللات * والله أحق بالثبات
قال ابن هشام وقد أنشدنيه بعض أهل الرواية للشعر
قد غلبت خيل الله خيل اللات * وخيله أحق بالثبات
قال ابن اسحاق فلما انهزمت هوازن استحر القتل من ثقيف في بني مالك فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم وكانت مع ذي الخمار فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب فقاتل بها حتى قتل فأخبرني عامر بن وهب بن الاسود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتله قال أبعده الله فانه كان يبغض قريشا وذكر ابن اسحاق عن يعقوب بن عتبة أنه قتل مع عثمان هذا غلام له نصراني فجاء رجل من الانصار ليسلبه فاذا هو أغرل فصاح بأعلا صوته يا معشر العرب إن ثقيفا غرل قال المغيرة بن شعبة الثقفي فأخذت بيده وخشيت أن تذهب عنا في العرب فقلت لا تقل كذلك فداك ابي وأمي إنما هو غلام لنا نصراني ثم جعلت أكشف له القتلى فأقول له ألا تراهم مختتنين كما ترى قال ابن اسحاق وكانت راية الاحلاف مع قارب بن الاسود فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة وهرب هو وبنو عمه وقومه فلم يقتل من الاحلاف غير رجلين رجل من بني غيرة يقال له وهب ورجل من بني كبة يقال له الجلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتل الجلاح قتل اليوم سيد شباب ثقيف إلا ما كان من ابن هنيدة يعني الحارث بن أويس قال ابن اسحاق فقال العباس بن مرداس يذكر قارب بن الاسود وفراره من بني أبيه وذا الخمار وحبسه نفسه وقومه للموت
ألا من مبلغ غيلان عني * وسوف أخال يأتيه الخبير
وعروة إنما أهدي جوابا * وقولا غير قولكما يسير
بأن محمدا عبد رسول * لرب لا يضل ولا يجور
وجدناه نبيا مثل موسى * فكل فتى بخايره مخير
وبئس الأمر أمر بني قسي * بوج إذا تقسمت الامور
أضاعوا أمرهم ولكل قوم * أمير والدوائر قد تدور
فجئنا أسد غابات اليهم * جنود الله ضاحية تسير
نؤم الجمع جمع بني قسي * على حنق نكاد له نطير
وأقسم لو هموا مكثوا لسرنا * اليهم بالجنود ولم يغوروا
فكنا اسدلية ثم حتى * ابحناها وأسلمت النصور
ويوم كان قبل لدى حنين * فأقلع والدماء به تمور
من الأيام لم تسمع كيوم * ولم يسمع به قوم ذكور
قتلنا في الغبار بني حطيط * على راياتها والخيل زور
ولم يك ذو الخمار رئيس قوم * لهم عقل يعاقب أو نكير
اقام بهم على سنن المنايا * وقد بانت لمبصرها الأمور
فافلت من نجا منهم حريضا * وقتل منهم بشر كثير
ولا يغني الأمور أخو التواني * ولا الغلق الصريرة الحصور
أحانهم وحان وملكوه * أمورهم وأفلتت الصقور
بنو عوف يميح بهم جياد * أهين لها الفصافص والشعير
فلولا قارب وبنو أبيه * تقسمت المزارع والقصور
ولكن الرياسة عمموها * على يمن اشار به المشير
أطاعوا قاربا ولهم جدود * وأحلام إلى عز تصير
فان يهدوا الى الاسلام يلفوا * أنوف الناس ما سمر السمير
فإن لم يسلموا فهموا أذان * بحرب الله ليس لهم نصير
كما حكمت بني سعد وجرت * برهط بني غزية عنقفير
كأن بني معاوية بن بكر * الى الاسلام ضائنة تخور
فقلنا أسلموا إنا أخوكم * وقد برأت من الإحن الصدور
كأن القوم اذ جاؤا الينا * من البغضاء بعد السلم عور

الموضوع التالي


فصل ( هزيمة هوازن ) .

الموضوع السابق


غزوة هوازن يوم حنين