فصل فيمن تخلف معذورا من البكائين وغيرهم
 

قال الله تعالى وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بان يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا باموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم فيها شك اغبياء رضوا بان يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون قد تكلمنا على تفسير هذا كله في التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة والمقصود ذكر البكائين الذين جاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملهم حتى يصحبوه في غزوته هذه فلم يجدوا عنده من الظهر ما يحملهم عليه فرجعوا وهم يبكون تأسفا على ما فاتهم من الجهاد في سبيل الله والنفقة فيه قال ابن اسحاق وكانوا سبعة نفر من الانصار وغيرهم فمن بني عمرو بن عوف سالم بن عمير وعلبة بن زيد أخو بني حارثة وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب أخو بني مازن بن النجار وعمرو بن الحمام بن الجموح أخو بني سلمة وعبد الله ابن المغفل المزني وبعض الناس يقولون بل هو عبد الله بن عمرو المزني وهرمي بن عبد الله أخو بني واقف وعرباض بن سارية الفزاري قال ابن اسحاق فبلغني أن ابن يامين بن عمير بن كعب النضري لقي أبا ليلى وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان فقال ما يبكيكما قالا جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه فاعطاهما ناضحا له فارتحلاه وزودهما شيئا من تمر فخرجا مع النبي صلى الله عليه وسلم زاد يونس بن بكير عن ابن اسحاق وأما علبة بن زيد فخرج من الليل فصلى من ليلته ما شاء الله ثم بكى وقال اللهم إنك أمرت بالجهاد ورغبت فيه ثم لم تجعل عندى ما أتقوى به ولم تجعل به ولم تجعل في يد رسولك ما ي يحملنى عليه وإنى أتصدق على كل مسلم فيه بكل مظلمة أصابني فيها في مال أو جسد أو جسد أو عرض ثم أصبح مع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين المتصدق هذه الليلة فلم يقم أحد ثم قال أين المتصدق فليقم فقام اليه فاخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبشر فوالذي نفسي بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة وقد أورد الحافظ
البيهقي ها هنا حديث أبي موسى الأشعري فقال حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا احمد بن عبد الحميد المازني حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله لهم الحملان إذ هم معه في جيش العسرة غزوة تبوك فقلت يا نبي الله إن أصحابي أرسلوني اليك لتحملهم فقال والله لا أحملكم على شيء ووافقته وهو غضبان ولا أشعر فرجعت حزينا من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مخافة أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجد في نفسه علي فرجعت إلى أصحابي فاخبرتهم بالذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم البث إلا سويعة إذ سمعت بلالا ينادي أين عبد الله بن قيس فاجبته فقال أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خذ هذين القربتين وهذين القربتين وهذين القربتين لستة أبعرة ابتاعهن حينئذ من سعد فقال انطلق بهن إلى أصحابك فقل إن الله أو إن رسول الله يحملكم على هؤلاء فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملكم على هؤلاء ولكن والله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله حين سألته لكم ومنعه لي في أول مرة ثم اعطائه إياي بعد ذلك لا تظنوا أني حدثتكم شيئا لم يقله فقالوا لي والله إنك عندنا لمصدق ولنفعلن ما أحببت قال فانطلق أبو موسى بنفر منهم حتى أتوا الذين سمعوا مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم من منعه إياهم ثم إعطائه بعد فحدثوهم بما حدثهم به أبو موسى سواء وأخرجه البخاري ومسلم جميعا عن أبي كريب عن أبي أسامة وفي رواية لهما عن أبي موسى قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين ليحملنا فقال والله ما أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه قال ثم جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهب أبل فامر لنا بست ذودعر الذرى فاخذناها ثم قلنا يعقلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه والله لا يبارك لنا فرجعنا له فقال ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم ثم قال وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها
قال ابن اسحاق وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم الغيبة حتى تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير شك ولا ارتياب منهم كعب بن مالك بن أبي كعب أخو بني سلمة ومرارة بن ربيع أخو بني عمرو بن عوف وهلال بن أمية أخو بني واقف وأبو خيثمة أخو بني سالم بن عوف وكانوا نفر صدق لا يتهمون في اسلامهم
قلت أما الثلاثة الاول فستأتي قصتهم مبسوطة قريبا إن شاء الله تعالى الذين أنزل الله فيهم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه وأما أبو خيثمة فانه عاد وعزم على اللحوق برسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي