فصل في الآيات والأحاديث المنذرة بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
 
وكيف ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضه الذي مات فيه
قال الله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون وقال تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفائن مت فهم الخلدون وقال تعالى كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون وإنما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور وقال تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسجزي الله الشاكرين وهذه الآية هي التي تلاها الصديق يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعها الناس كأنهم لم يسمعوها قبل وقال تعالى إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا قال عمر بن الخطاب وابن عباس هو أجل رسول الله نعي اليه وقال ابن عمر نزلت أوسط أيام التشريق في حجة الوداع فعرف رسول الله أنه الوداع فخطب الناس خطبة أمرهم فيها ونهاهم الخطبة المشهورة كما تقدم وقال جابر رأيت رسول الله يرمي الجمار فوقف وقال لتأخذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا وقال عليه السلام لابنته فاطمة كما سيأتي إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة وإنه عارضني به العام مرتين وما أرى ذلك إلا اقتراب أجلي وفي صحيح البخاري من حديث أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن ابي هريرة قال كان رسول الله يعتكف في كل شهر رمضان عشرة ايام فلما كان من العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين يوما وكان يعرض عليه القرآن في كل رمضان فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه القرآن مرتين وقال محمد بن اسحاق رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في ذي الحجة فأقام بالمدينة بقيته والمحرم وصفرا وبعث اسامة بن زيد فبينا الناس على ذلك ابتدىء رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكواه الذي قبضه الله فيه الى ما أراده الله من رحمته
وكرامته في ليال بقين من صفر أو في أول شهر ربيع الأول فكان اول ما ابتدئ به رسول الله من ذلك فيما ذكر لي أنه خرج الى بقيع الغرقد من جوف الليل فاستغفر لهم ثم رجع الى أهله فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك قال ابن اسحاق وحدثني عبد الله بن جعفر عن عبيد بن جبر مولى الحكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثني رسول الله من جوف الليل فقال يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع فانطلق معي فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال السلام عليكم يا أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه اقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى ثم أقبل علي فقال يا أبا مويهبة إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة قال قلت بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة قال لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة ثم استغفر لاهل البقيع ثم انصرف فبدئ برسول الله وجعه الذي قبضه الله فيه لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب وإنما رواه احمد عن يعقوب بن ابراهيم عن أبيه عن محمد بن اسحاق به وقال الامام احمد ثنا أبو النضر ثنا الحكم ابن فضيل ثنا يعلى بن عطاء عن عبيد بن جبر عن أبي مويهبة قال أمر رسول الله أن يصلي على أهل البقيع فصلى عليهم ثلاث مرات فلما كانت الثالثة قال يا أبا مويهبة أسرج لي دابتي قال فركب ومشيت حتى انتهى اليهم فنزل عن دابته وأمسكت الدابة فوقف أو قال قام عليهم فقال ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس أتت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا الآخرة اشد من الأولى فليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس ثم رجع فقال يا ابا مويهبة إني أعطيت أو قال خيرت بين مفاتيح ما يفتح على أمتي من بعدي والجنة أو لقاء ربي قال فقلت بأبي أنت وأمي فاخترنا قال لأن ترد على عقبها ما شاء الله فاخترت لقاء ربي فما لبث بعد ذلك إلا سبعا أو ثمانيا حتى قبض وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال قال رسول الله نصرت بالرعب وأعطيت الخزائن وخيرت بين أن أبقى حتى ارى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل قال البيهقي وهذا مرسل وهو شاهد لحديث أبي مويهبة قال ابن اسحاق وحدثني يعقوب بن عتبة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود عن عائشة قالت رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول وارأساه فقال بل أنا والله يا عائشة وارأساه قالت ثم قال وما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك قالت قلت والله لكأني بك لو فعلت ذلك لقد رجعت الى بيتي فاعرست فيه ببعض نسائك قالت فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونام به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استعزبه في بيت ميمونة فدعا
نسائه فاستأذنهن أن يمرض في بيتي فأذن له قالت فخرج رسول الله بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن عباس ورجل آخر عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتي قال عبيد الله فحدثت به ابن عباس فقال أتدري من الرجل الآخر هو علي بن أبي طالب وهذا الحديث له شواهد ستأتي قريبا وقال البيهقي أنبأنا الحاكم أنبأنا الاصم أنبأنا احمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق حدثني يعقوب بن عتبة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت دخل علي رسول الله وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي فقلت وارأساه فقال بل أنا والله يا عائشة واراساه ثم قال وما عليك لو مت قبلي فوليت امرك وصليت عليك وواريتك فقلت والله إني لأحسب لو كان ذلك لقد خلوت ببعض ناسئك في بيتي من آخر النهار فضحك رسول الله ثم تمادى به وجعه فاستعز به وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة فاجتمع اليه أهله فقال العباس إنا لنرى برسول الله ذات الجنب فهلموا فلنلده فلدوه فأفاق رسول الله فقال من فعل هذا فقالوا عمك العباس تخوف أن يكون بك ذات الجنب فقال رسول الله إنها من الشيطان وما كان الله ليسلطه علي لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس فلد أهل البيت كلهم حتى ميمونة وإنها لصائمة وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج وهو بين العباس ورجل آهر لم تسمه تخط قدماه بالأرض قال عبيد الله قال ابن عباس الرجل الآخر علي بن أبي طالب قال البخاري حدثنا سعيد بن عفير ثنا الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لما ثقل رسول الله واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه الأرض بين عباس قال بن عبد المطلب وبين رجل آخر قال عبيد الله فأخبرت عبد الله يعني ابن عباس بالذي قالت عائشة فقال لي عبد الله بن عباس هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة قال قلت لا ابن عباس هو علي فكانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تحدث أن رسول الله لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال هو يقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد الى الناس فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير الينا بيده أن قد فعلتن قالت عائشة ثم خرج الى الناس فصلى لهم وخطبهم وقد رواه البخاري أيضا في مواضع أخر من صحيحه ومسلم من طرق عن الزهري به وقال البخاري حدثنا اسماعيل ثنا سليمان بن بلال قال هشام بن عروة أخبرني أبي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه أين أنا غدا أين أنا غدا يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء فكان في بيت
عائشة حتى مات عندها قالت عائشة رضي الله عنها فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي وقبضه الله وإن رأسه لبيت سحري ونحري وخالط ريقه ريقي قالت ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به فنظر اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقضمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به وهو مسند الى صدري انفرد به البخاري من هذا الوجه وقال البخاري أخبرنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث حدثني ابن الهاد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت مات النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لبين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لاحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وقال البخاري حدثنا حيان أنبأنا عبد الله أنبأنا يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث عليه بالمعوذات التي كان ينفث وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه ورواه مسلم من حديث ابن وهب عن يونس بن يزيد الايلي عن الزهري به والفلاس ومسلم عن محمد بن حاتم كلهم وثبت في الصحيحين من حديث ابي عوانة عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن امرأة فجاءت فاطمة تمشي لا تخطئ مشيتها مشية أبيها فقال مرحبا بابنتي فاقعدها عن يمينه أو شماله ثم سارها بشيء فبكت ثم سارها فضحكت فقلت لها خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرار وأنت تبكين فلما أن قامت قلت اخبريتي ما سارك فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما توفي قلت لها أسألك لما لي عليك من الحق لما أخبرتيني قالت أما الآن فنعم قالت سارني في الأول قال لي إن جبريل كان يعارضني في القرآن كل سنة مرة وقد عارضني في هذا العام مرتين ولا أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي فاتقي الله واصبري فنعم السلف أنا لك فبكيت ثم سارني فقال اما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة فضحكت وله طرق عن عائشة وقد روى البخاري عن علي بن عبد الله عن يحيى ابن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فجعل يشير الينا أن لا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال ألم أنهكم أن لا تلدوني قلنا كراهية المريض للدواء فقال لا يبقى أحد في البيت إلا لد وانا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم قال البخاري ورواه ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال البخاري وقال يونس عن الزهري قال عروة قالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت
بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم هكذا ذكره البخاري معلقا وقد أسنده الحافظ البيهقي عن الحاكم عن ابي بكر بن محمد بن احمد بن يحيى الأشقر عن يوسف بن موسى عن احمد بن صالح عن عنبسة عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري به وقال البيهقي أنبأنا الحاكم أنبأنا الاصم أنبأنا احمد بن عبد الجبار عن أبي معاوية عن الاعمش عن عبد الله بن مرة عن أبي الاحوص عن عبد الله بن مسعود قال لئن أحلف تسعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل قتلا أحب الي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل وذلك أن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا وقال البخاري ثنا اسحاق بن بشر حدثنا شعيب عن أبي حمزة حدثني أبي عن الزهري قال أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب عليهم أن عبد الله بن عباس أخبره أن علي بن أبي طالب خرج من عند رسول الله في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصبح بحمد الله بارئا فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له أنت والله بعد ثلاث عبد العصا وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت اذهب بنا الى رسول الله فلنسأله فيمن هذا الأمر إن كان فينا علمنا ذلك وإن كان في غيرنا علمناه فأوضى بنا فقال علي إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم انفرد به البخاري وقال البخاري ثنا قتيبة ثنا سفيان عن سليمان الاحول عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما شأنه يهجر استفهموه فذهبوا يردون عنه فقال دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني اليه فأوصاهم بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها ورواه البخاري في موضع آخر ومسلم من حديث سفيان بن عيينة به ثم قال البخاري حدثنا علي بن عبد الله ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فقال النبي صلى الله عليه وسلم هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فقال بعضهم إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول غير ذلك فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا قال عبيد الله قال ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم ورواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبدالرزاق بنحوه وقد أخرجه
البخاري في مواضع من صحيحه من حديث معمر ويونس عن الزهري به وهذا الحديث مما قد توهم به بعض الأغبياء من أهل البدع من الشيعة وغيرهم كل مدع أنه كان يريد أن يكتب في ذلك الكتاب ما يرمون اليه من مقالاتهم وهذاهو التمسك بالمتشابه وترك المحكم وأهل السنة يأخذون بالمحكم ويردون ما تشابه اليه وهذه طريقة الراسخين في العلم كما وصفهم الله عز وجل في كتابه وهذا الموضع مما زل فيه اقدام كثير من أهل الضلالات أما أهل السنة فليس لهم مذهب إلا اتباع الحق يدورون معه كيفما دار وهذا الذي كان يريد عليه الصلاة والسلام أن يكتبه قد جاء في الأحاديث الصحيحة التصريح بكشف المراد منه فإنه قد قال الامام احمد حدثنا مؤمل ثنا نافع عن ابن عمرو ثنا ابن أبي مليكة عن عائشة قالت لما كان وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قبض فيه قال ادعو لي أبا بكر وابنه لكي لا يطمع في أمر أبي بكر طامع ولا يتمناه متمن ثم قال يأبى الله ذلك والمؤمنون مرتين قالت عائشة فأبى الله ذلك والمؤمنون انفرد به احمد من هذا الوجه وقال احمد حدثنا أبو معاوية ثنا عبد الرحمن بن ابي بكر القرشي عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت لما ثقل رسول الله قال لعبد الرحمن بن ابي بكر ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه احد فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا ابا بكر انفرد به احمد من هذا الوجه ايضا وروى البخاري عن يحيى بن يحيى عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت قال رسول الله لقد هممت أن ارسل الى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى متمنون فقال يأبى الله أو يدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث ابراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال أتت امرأة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع اليه فقالت ارأيت إن جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت قال إن لم تجديني فات أبا بكر والظاهر والله أعلم أنها إنما قالت ذلك له عليه السلام في مرضه الذي مات فيه صلوات الله وسلامه عليه وقد خطب عليه الصلاة والسلام في يوم الخميس قبل أن يقبض عليه السلام بخمس أيام خطبة عظيمة بين فيها فضل الصديق من سائر الصحابة مع ما كان قد نص عليه أن يؤم الصحابة أجمعين كما سيأتي بيانه مع حضورهم كلهم ولعل خطبته هذه كانت عوضا عما أراد أن يكتبه في الكتاب وقد اغتسل عليه السلام بيد يدي هذه الخطبة الكريمة فصبوا عليه من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن وهذا من باب الاستشفاء بالسبع كما وردت بها الأحاديث في غير هذا الموضع والمقصود أنه عليه السلام اغتسل ثم خرج فصلى بالناس صم خطبهم كما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها
ذكر الاحادرث الواردة في ذلك قال البيهقي أنبأنا الحاكم أنبأنا الأصم عن احمد بن
عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق عن الزهري عن أيوب بن بشير أن رسول الله قال في مرضه أفيضوا علي من سبع قرب من سبع آبار شتى حتى أخرج فأعهد الى الناس ففعلوا فخرج فجلس على المنبر فكان أول ما ذكر بعد حمد الله والثناء عليه ذكر أصحاب أحد فاستغفر لهم ودعا لهم ثم قال يا معشر المهاجرين إنكم اصبحتم تزيدون والأنصار على هيئتها لا تزيد وإنهم عيبتي التي أوتيت اليها فأكرموا كريمهم وتجاوزوا من مسيئهم ثم قال عليه السلام ايها الناس إن عبدا من عباد الله قد خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله ففهمها أبو بكر رضي الله عنه من بين الناس فبكى وقال بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا وأموالهنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسلك يا أبا بكر انظروا إلى هذه الأبواب الشارعة في المسجد فسدوها إلا ما كان من بيت أبي بكر فاني لا أعلم أحدا عندي أفضل في الصحبة منه هذا مرسل له شواهد كثيرة وقال الواقدي حدثني فروة بن زبيد بن طوسا عن عائشة بنت سعد عن أم ذرة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت خرج رسول الله عاصبا رأسه بخرقة فلما استوى على المنبر تحدق الناس بالمنبر واستكفوا فقال والذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض الساعة ثم تشهد فلما قضى تشهده كان أول ما تكلم به أن استغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد ثم قال إن عبدا من عباد الله خير بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار العبد ما عند الله فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه وقال بأبي وأمي نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخبر وكان أبو بكر أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل رسول الله يقول له على رسلك وقال الامام احمد حدثنا أبو عامر ثنا فليح عن سالم أبي النضر عن بشر بن سعيد عن أبي سعيد قال خطب رسول الله الناس فقال إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله قال فبكى أبو بكر قال فتعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد فكان رسول الله هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به فقال رسول الله إن إمن الناس على صحبته وماله أبو بكر لو كنت متخذا خليلا غير ربى لاتخذت ابا بكر خليلا ولكن خلى الاسلام ومودته لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر وهكذا رواه البخاري من حديث أبي عامر العقدي به ثم رواه الامام احمد عن يونس عن فليح عن سالم أبي النضر عن عبيد بن حنين وبشر بن سعيد عن أبي سعيد به وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث فليح ومالك بن أنس عن سالم عن بشر بن سعيد وعبيد بن حنين كلاهما عن أبي سعيد بنحوه وقال الامام احمد حدثنا أبو الوليد ثنا هشام ثنا أبو عوانة عن عبد الملك عن ابن أبي المعلى عن أبيه أن رسول الله خطب يوما فقال إن رجلا خيره ربه بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش فيها يأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل منها وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه فبكى أبو بكر
فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تعجبون من هذا الشيخ أن ذكر رسول الله رجلا صالحا خيره ربه بين البقاء في الدنيا وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه فكان أبو بكر أعلمهم بما قال رسول الله فقال أبو بكر بل نفديك بأموالنا وأبنائنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من الناس أحد أمن علينا في صحبته وذات يده من ابن أبي قحافة ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة ولكن ود وإخاء وإيمان ولكن ود وإخاء وإيمان مرتين وإن صاحبكم خليل الله عز وجل تفرد به احمد قالوا وصوابه أبو سعيد بن المعلى فالله أعلم وقد روى الحافظ البيهقي من طريق اسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه ثنا زكريا بن عدي ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن ابي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث حدثني جندب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوفى بخمس وهو يقول قد كان لى منكم أخوة وأصدقاء وإني أبرأ الى كل خليل من خلته ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت ابا بكر خليلا وإن ربي اتخذني خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا وإن قوما ممن كان قبلكم يتخذون قبور أبينائهم وصلحائهم مساجد فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك وقد رواه مسلم في صحيحه عن اسحاق بن راهويه بنحوه وهذا اليوم الذي كان قبل وفاته عليه السلام بخمس أيام هو يوم الخميس الذي ذكره ابن عباس فيما تقدم وقد روينا هذه الخطبة من طريق ابن عباس قال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ انبأنا الحسن بن محمد بن اسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب هو ابن عوانة الاسفراييني قال ثنا محمد بن أبي بكر ثنا وهب بن جرير ثنا أبي سمعت يعلى بن حكيم يحدث عن عكرمة عن ابن عباس قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إنه ليس من الناس أحد أمن علي بنفسه وماله من ابي بكر ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلة الاسلام أفضل سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر رواه البخاري عن عبيد الله بن محمد الجعفي عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه به وفي قوله عليه السلام سدوا عني كل خوخة يعني الأبواب الصغار الى المسجد غير خوخة أبي بكر اشارة الى الخلافة أي ليخرج منها الى الصلاة بالمسلمين وقد رواه البخاري أيضا من حديث عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله خرج في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بعصابة دسماء ملتحفا بملحفة على منكبيه فجلس على المنبر فذكر الخطبة وذكر فيها الوصاة بالأنصار الى أن قال فكان آخر مجلس جلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض يعني آخر خطبة خطبها
عليه السلام وقد روى من وجه آخر عن ابن عباس باسناد غريب ولفظ غريب فقال الحافظ البيهقي أنبأنا علي بن احمد بن عبدان أنبأنا احمد بن عبيد الصفار ثنا ابن ابي قماش وهو محمد بن عيسى ثنا موسى بن اسماعيل أبو عمران الجبلي ثنا معن بن عيسى القزاز عن الحارث بن عبد الملك ابن عبد الله بن أناس الليثي عن القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابيه عن عطاء عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكا شديدا وقد عصب رأسه فقال خذ بيدي يا فضل قال فأخذت بيده حتى قعد على المنبر ثم قال نادي في الناس يا فضل فناديت الصلاة جامعة قال فاجتمعوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال أما بعد أيها الناس إنه قد دنى مني خلوف من بين أظهركم ولن تروني في هذا المقام فيكم وقد كنت أرى أن غيره غير مغن عني حتى أقومه فيكم ألا فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد ولا يقولن قائل اخاف الشحناء من قبل رسول الله ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي وان أحبكم الي من أخذ حقا إن كان له علي أو حللني فلقيت الله عز وجل وليس لأحد عندي مظلمة قال فقام منهم رجل فقال يا رسول الله لي عندك ثلاثة دراهم فقال أما أنا فلا أكذب قائلا ولا مستحلفه علي يمين فيم كانت لك عندي قال أما كذكر أنه مر بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم قال أعطه يا فضل قال وأمر به فجلس قال ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقالته الاولى ثم قال يا ايها الناس من عنده من الغلول شيء فليرده فقام رجل فقال يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله قال فلم غللتها قال كنت اليها محتاجا قال خذها منه يا فضل ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقالته الاولى وقال يا أيها الناس من أحس من نفسه شيئا فليقم أدعو الله له فقام اليه رجل فقال يا رسول الله إني لمنافق وإني لكذوب وإني لشئوم فقال عمر بن الخطاب ويحك أيها الرجل لقد سترك الله لو سترت على نفسك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مه يا ابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وأذهب عنه الشئم اذا شاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر معي وأنا مع عمر والحق بعدي مع عمر وفي اسناده ومتنه غرابة شديدة