فصل (الإختلاف في فتح دمشق صلحا او عنوة ).
 
واختلف العلماء في دمشق هل فتحت صلحا او عنوة فاكثر العلماء على انه استقر امرها على الصلح لانهم شكوا في المتقدم على الاخر افتحت عنوة ثم عدل الروم الى المصالحة او فتحت صلحا او اتفق الاستيلاء من الجانب الاخر قسرا فلما شكوا في ذلك جعلوها صلحا احتياطا
وقيل بل جعل نصفها صلحا ونصفها عنوة وهذا القول قد يظهر من صنع الصحابة في الكنيسة العظمى التي كانت اكبر معابدهم حين اخذوا نصفها وتركوا لهم نصفها والله اعلم
ثم قيل ان ابا عبيدة هو الذي كتب لهم كتاب الصلح وهذا هو الانسب والاشهر فان خالدا كان قد عزل عن الامرة وقيل بل الذي كتب لهم الصلح خالد بن الوليد ولكن اقره على ذلك ابو عبيدة فالله اعلم
وذكر ابو حذيفة اسحاق بن بشر ان الصديق توفي قبل فتح دمشق وان عمر كتب الى ابي عبيدة يعزيه والمسلمين في الصديق وانه استنابه على من بالشام وامره ان يستشير خالدا في الحرب فلما وصل الكتاب الى ابي عبيدة كتمه من خالد حتى فتحت دمشق بنحو من عشرين ليلة فقال له خالد يرحمك الله ما منعك ان تعلمني حين جاءك فقال اني كرهت ان اكسر عليك حربك وما سلطان الدنيا اريد ولا للدنيا اعمل وما ترى سيصير الى زوال وانقطاع وانما نحن اخوان وما يضر الرجل ان يليه اخوه في دينه ودنياه
ومن اعجب ما يذكر ههنا ما رواه يعقوب بن سفيان الفسوي حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبدالملك ابن محمد حدثنا راشد بن داود الصنعاني حدثني ابو عثمان الصنعاني شراحيل بن مرثد قال بعث ابو بكر خالد بن الوليد الى اهل اليمامة وبعث يزيد بن ابي سفيان الى الشام فذكر الراوى فقال خالد لاهل اليمامة الى ان قال ومات ابو بكر واستخلف عمر فبعث ابا عبيدة الى الشام فقدم دمشق فاستمد ابو عبيدة عمر فكتب عمر الى خالد بن الوليد ان يسير الى ابي عبيدة بالشام فذكر مسير
خالد من العراق الى الشام كما تقدم وهذا غريب جدا فان الذي لا يشك فيه ان الصديق هو الذي بعث ابا عبيدة وغيره من الامراء الى الشام وهو الذي كتب الى خالد بن الوليد ان يقدم من العراق الى الشام ليكون مددا لمن به واميرا عليهم ففتح الله تعالى عليه وعلى يديه جميع الشام على ما سنذكره ان شاء الله تعالى
وقال محمد بن عائذ قال الوليد بن مسلم اخبرني صفوان بن عمرو عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير ان المسلمين لما افتتحوا مدينة دمشق بعثوا ابا عبيدة بن الجراح وافدا الى ابي بكر بشيرا بالفتح فقدم المدينة فوجد ابا بكر قد توفي واستخلف عمر بن الخطاب فاعظم ان يتامر احد من الصحابة عليه فولاه جماعة الناس فقدم عليهم فقالوا مرحبا بمن بعثناه بريدا فقدم علينا اميرا
وقد روى الليث وابن لهيعة وحيوة بن شريح ومفضل بن فضالة وعمر بن الحارث وغير واحد عن يزيد بن ابي حبيب عن عبدالله بن الحكم عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر انه بعثه ابو عبيدة بريدا بفتح دمشق قال فقدمت على عمر يوم الجمعة فقال لي منذ كم لم تنزع خفيك فقلت من يوم الجمعة وهذا يوم الجمعة فقال اصبت السنة
قال الليث وبه ناخذ يعنى ان المسح على الخفين للمسافر لا يتاقت بل له ان يمسح عليهما ما شاء واليه ذهب الشافعي في القديم وقد روى احمد وابو داود عن ابي عمارة مرفوعا مثل هذا والجمهور على ما رواه مسلم عن على في تأقيت المسح للمسافر ثلاثة ايام بلياليهن وللمقيم يوم وليلة ومن الناس من فصل بين البريد ومن في معناه وغيره فقال في الاول لا يتاقت وفيما عداه بتأقت لحديث عقبة وحديث علي والله اعلم