شىء من اخبار طاعون عمواس
 
الذي توفي فيه ابو عبيدة ومعاذ ويزيد بن ابي سفيان وغيرهم من اشراف الصحابة وغيرهم اورده ابن جرير في هذه السنة
قال محمد بن اسحاق عن شعبة عن المختار بن عبدالله البجلي عن طارق بن شهاب البجلي قال اتينا ابا موسى وهو في داره بالكوفة لنتحدث عنده فلما جلسنا قال لا تحفوا فقد اصيب في الدار انسان بهذا السقم ولا عليكم ان تتنزهوا عن هذه القرية فتخرجوا في فسيح بلادكم ونزهها حتى يرتفع هذا البلاء فاني ساخبركم بما يكره مما يتقى من ذلك ان يظن من خرج انه لو قام مات ويطن من اقام فاصابه ذلك انه لو خرج لم يصبه فاذا لم يظن ذلك هذا المرء المسلم فلا عليه ان يخرج وان يتنزه عنه اني كنت مع ابي عبيدة بن الجراح بالشام عام طاعون عمواس فلما اشتعل الوجع وبلغ ذلك عمر كتب الى ابي عبيدة ليستخرجه منه ان سلام عليك اما بعد فانه قد عرضت لي اليك حاجة اريد ان اشافهك بها فعزمت عليك اذا نظرت في كتاب هذا ان لا تضعه من يدك حتى تقبل الي قال فعرف ابو عبيدة انه انما اراد ان يستخرجه من الوباء فقال يغفر الله لامير المؤمنين ثم كتب اليه يا امير المؤمنين اني قد عرفت حاجتك الى واني في جند من المسلمين لا اجد بنفسي رغبة عنهم فلست اريد فراقهم حتى يقضى الله في وفيهم امره وقضاءه فخلني من عزمتك يا امير المؤمنين ودعنى في جندي فلما قرا عمر الكتاب بكى فقال الناس يا امير المؤمنين امات ابو عبيدة قال لا وكان قد قال ثم كتب اليه سلام عليك اما بعد فانك انزلت الناس ارضا عميقة فارفعهم الى ارض مرتفعة نزهة قال ابو موسى فلما اتاه كتابه دعاني فقال يا ابا موسى ان كتاب امير المؤمنين قد جاءني بما ترى فاخرج فارتد للناس منزلا حتى اتبعك بهم فرجعت الى منزلى لارتحل فوجدت صاحبتي قد اصيبت فرجعت اليه وقلت والله لقد كان في اهلي حدث فقال لعل صاحبتك قد اصيبت قلت نعم فامر ببعير فرحل له فلما وضع رجله في غرزه طعن فقال والله لقد اصبت ثم سار بالناس حتى نزل الجابية ورفع عن الناس الوباء
وقال محمد بن اسحاق عن ابان بن صالح عن شهر بن حوشب عن رابة رجل من قومه وكان قد خلف على امه بعد ابيه وكان قد شهد طاعون عمواس قال لما اشتغل الوجع قام ابو عبيدة في الناس خطيبا فقال ايها الناس ان هذا الوجع رحمة بكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وان ابا عبيدة يسال الله ان يقسم لابي عبيدة حظه فطعن فمات واستخلف على الناس معاذ بن جبل فقام خطيبا بعده فقال ايها الناس ان هذا الوجع رحمة بكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وان معاذ يسال الله تعالى ان يقسم لآل معاذ حظهم فطعن ابنه عبدالرحمن فمات ثم قام فدعا لنفسه فطعن في راحته فلقد رايته ينظر اليها ثم يقلب ظهر كفه ثم يقول ما احب أن لي بما فيك شيئا من الدنيا فلما مات استخلف على الناس عمر بن العاص فقام فيهم خطيبا فقال ايها الناس ان هذا الوجع اذا وقع فانما يشتعل اشتعال النار فتحصنوا منه في الجبال فقال ابو وائل الهذلي كذبت والله لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وانت شر من حماري هذا فقال والله ما ارد عليك ما تقول وايم الله لا نقيم عليه قال ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا ودفعه الله عنهم
قال فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من راي عمرو بن العاص فوالله ما كرهه قال ابن اسحاق ولما انتهى الى عمر مصاب ابي عبيدة ويزيد بن ابي سفيان امر معاوية على جند دمشق وخراجها وامر شرحبيل بن حسنة على جند الاردن وخراجها
وقال سيف بن عمر عن شيوخه قالوا لما كان طاعون عمواس وقع مرتين لم ير مثلهما وطال مكثه وفنى خلق كثير من الناس حتى طمع العدو وتخوفت قلوب المسلمين لذلك
قلت ولهذا قدم عمر بعد ذلك الى الشام فقسم مواريث الذين ماتوا لما اشكل امرها على الامراء وطابت قلوب الناس بقدومه وانقمعت الاعداء من كل جانب لمجيئه الى الشام ولله الحمد والمنة
وقال سيف بعد ذكره قدوم عمر بعد طاعون عمواس في آخر سنة سبع عشرة قال فلما اراد القفول الى المدينة في ذي الحجة منها خطب الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال الا اني قد وليت عليكم وقضيت الذي علي في الذي ولاني الله من امركم ان شاء الله فبسطنا بينكم فيأكم ومنازلكم ومغازيكم وابلغناكم ما لدينا فجندنا لكم الجنود وهيأنا لكم العروج وبوأنا لكم ووسعنا عليكم ما بلغ فيؤكم وما قاتلتم عليه من شامكم وسمينا لكم اطعماتكم وامرنا لكم باعطياتكم وارزاقكم ومغانمكم فمن علم منكم شيئا ينبغى العمل به فليعلمنا نعمل به ان شاء الله ولا قوة الا بالله قال وحضرت الصلاة فقال الناس لو امرت بلالا فاذن فامره فاذن فلم يبق احد كان ادرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال يؤذن الا بكى حتى بل لحيته وعمر اشدهم بكاء وبكى من لم يدركه لبكائهم ولذكره صلى الله عليه وسلم
وذكر ابن جرير في هذه السنة من طريق سيف بن عمر عن ابي المجالد ان عمر بن الخطاب
بعث ينكر على خالد بن الوليد في دخوله الى الحمام وتدلكه بعد النورة بعصفر معجون بخمر فقال في كتابه ان الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنه كما حرم ظاهر الاثم وباطنه وقد حرم مس الخمر فلا تمسوها اجسامكم فانها نجس فان فعلتم فلا تعودوا فكتب اليه خالد انا قتلناها فعادت غسولا غير خمر فكتب اليه عمر انى اظن ان آل المغيرة قد ابتلوا بالجفاء فلا اماتكم الله عليه فانتهى لذلك
قال سيف واصاب اهل البصرة تلك السنة الطاعون ايضا فمات بشر كثير وجم غفير رحمهم الله ورضى عنهم اجمعين قالوا وخرج الحارث بن هشام في سبعين من اهله الى الشام فلم يرجع منهم الا اربعة فقال المهاجر بن خالد في ذلك
من يسكن الشام يعرس به * والشام ان لم يفننا كارب
افنى بنى ريطة فرسانهم * عشرون لم يقصص لهم شارب
ومن بنى اعمامهم مثلهم * لمثل هذا يعجب العاجب
طعنا وطاعونا مناياهم * ذلك ما خط لنا الكاتب