ثم دخلت سنة احدى وعشرين وكانت وقعة نهاوند
 
وهي وقعة عظيمة جدا لها شأن رفيع ونبأ عجيب وكان المسلمون يسمونها فتح الفتوح
قال ابن إسحق والواقدي كانت وقعة نهاوند في سنة إحدى وعشرين وقال سيف كانت في سنة سبع عشرة وقيل في سنة تسع عشرة والله أعلم وإنما ساق أبو جعفر بن جرير قصتها في هذه السنة فتبعناه في ذلك وجمعنا كلام هؤلاء الأئمة في هذا الشأن سياقا واحدا حتى دخل سياق بعضهم في بعض قال سيف وغيره وكان الذي هاج هذه الوقعة أن المسلمين لما افتتحوا الأهواز ومنعوا جيش العلاء من أيديهم واستولوا على دار الملك القديم من اصطخر مع ما حازوا من دار مملكتهم حديثا وهي المدائن وأخذ تلك المدائن والأقاليم والكور والبلدان الكثيرة فحموا عند ذلك واستجاشهم يزدجر الذي تقهقر من بلد إلى بلد حتى صار إلى اصبهان مبعدا طريدا لكنه في اسرة من قومه وأهله وماله وكتب إلى ناحية نهاوند وما ولاها من الجبال والبلدان فتجمعوا وتراسلوا حتى كمل لهم من الجنود مالم يجتمع لهم قبل ذلك فبعث سعد إلى عمر يعلمه بذلك وثار أهل الكوفة على سعد في غضون هذا الحال فشكوة في كل شيء حتى قالوا لايحسن يصلى كان الذي نهض
بهذه الشكوى رجل يقال له الجراح بن سنان الأسدي في نفر معه فلما ذهبوا إلى عمر فشكوه قال لهم عمر إن الدليل على ماعندكم من الشر نهوضكم في هذا الحال عليه وهو مستعد لقتال أعداء الله وقد جمعوالكم ومع هذا لايمنعني أن أنظر في أمركم ثم بعث محمد بن مسلمة وكان رسول العمال فلما قدم محمد بن مسلمة الكوفة طاف على القبائل والعشائر والمساجد بالكوفة فكل يثني على سعد خيرا إلا ناحية الجراح بن سنان فانهم سكتوا فلم يذموا ولم يشكروا حتى انتهى إلى بني عبس فقام رجل يقال له أبو سعدة أسامة بن قتادة فقال أما إذا ناشدتنا فان سعدا لا يقسم بالسوية ولا يعدل في الرعية ولايغزو في السرية فدعا عليه سعد فقال اللهم إن كان قالها كذبا ورياءا وسمعة فاعم بصره وكثر عياله وعرضه لمضلات الفتن فعمى واجتمع عنده عشر بنات وكان يسمع بالمرأة فلا يزال حتى يأتيها فيجسها فاذا عثر عليه قال دعوة سعد الرجل المبارك ثم دعا سعد الجراح واصحابه فكل اصابته فارعة في جسده ومصيبة في ماله بعد ذلك واسنفر محمد بن مسلمة أهل الكوفة لغزو أهل نهاوند في غضون ذلك عن أمر عمر بن الخطاب ثم سار سعد ومحمد بن مسلمة والجراح واصحابه حتى جاءوا عمر فسأله عمر كيف يصلي فأخبره أنه يطول في الأوليين ويخفف في الأخريين وما آلوا ما اقتديت به من صلاة رسول الله ص فقال له عمر ذاك الظن بك يا أبا إسحق وقال سعد في هذه القصة لقد أسلمت خامس خمسة ولقد كنا ومالنا طعام إلا ورق الحبلة حتى تقرحت أشداقنا وإني لأول رجل رمى بسهم في سبيل الله ولقد جمع لي رسول الله ص أبويه وما جمعهما لأحد قبلي ثم أصبحت بنو أسد يقولون لا يحسن يصلي وفي رواية يغرر بي على الاسلام لقد خبت إذا ضل عملي ثم قال عمر لسعد من أستخلفت على الكوفة فقال عبد الله بن عبد الله ابن عتبان فأقره عمر على نيابته الكوفة وكان شيخا كبيرا من اشراف الصحابة حليفا لبني الحبلى من الأنصار واستمر سعد معزولا من غير عجز ولا خيانة ويهدد اولئك النفر وكان يوقع بهم بأسا ثم ترك ذلك خوفا من أن لايشكو أحدا أميرا
والمقصود أن أهل فارس اجتمعوا من كل فج عميق بأرض نهاوند حتى اجتمع منهم مائة ألف وخمسون ألف مقاتل وعليهم الفيرزان ويقال بندار ويقال ذو الحاجب وتذامروا فيما بينهم وقالو إن محمدا الذي جاء العرب لم يتعرض لبلادنا ولا أبو بكر الذي قام بعده تعرض لنا في دار ملكنا وإن عمر بن الخطاب هذا لما طال ملكه انتهك حرمتنا وأخذ بلادنا ولم يكفه ذلك حتى أغزانا في عقر دارنا وأخذ بيت المملكة وليس بمنته حتى يخرجكم من بلادكم فتعاهدوا وتعاقدوا على أن يقصدوا البصرة والكوفة ثم يشغلوا عمر عن بلاده وتواثقوا من أنفسهم وكتبوا بذلك عليهم كتابا فلما كتب سعد بذلك إلى عمر وكان قد عزل سعدا في غضون ذلك شافه سعد عمر بما
تمالؤا عليه وتصدوا إليه وأنه قد اجتمع منهم مائة وخمسون ألفا وجاء كتاب عبد الله بن عبد الله ابن عتبان من الكوفة إلى عمر مع قريب بن ظفر العبدي بأنهم قد اجتمعوا وهم منحرفون متذامرون على الاسلام وأهله وأن المصلحة يا أمير المؤمنين أن نقصدهم فنعالجهم عما هموا به وعزموا عليه من المسير إلى بلادنا فقال عمر لحامل الكتاب ما اسمك قال قريب قال ابن من قال ابن ظفر فتفاءل عمر بذلك وقال ظفر قريب ثم امر فنودى للصلاة جاممعة فاجتمع الناس وكان أول من دخل المسجد لذلك سعد بن ابي وقاص فتفاءل عمر أيضا بسعد فصعد عمر المنبر حتى اجتمع الناس فقال إن هذا يوم له مابعده من الأيام ألا وإني قد هممت بأمر فاسمعوا وأجيبوا وأوجزوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم إني قد رأيت أن أسير بمن قبلي حتى أنزل منزلا وسطا بي هذين المصرين فاستفر الناس ثم أكون لهم ردءا حتى يفتح الله عليهم فقام عثما وعلى وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف في رجال من أهل الرأي فتكلم كل منهم بانفراده فأحسن وأجاد واتفق رأيهم على أن لايسير من المدينة ولكن يبعث البعوث ويحصرهم برأيه ودعائه وكان من كلام علي رضي الله عنه أن قال يا أمير المؤمنين إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة هو دينه الذي أظهر وجنده الذي أعزه وأمده بالملائكة حتى بلغ ما بلغ فنحن على موعود من الله والله منجز وعده وناصر جنده ومكانك منهم يا أمير المؤمنين مكان النظام من الخرز يجمعه ويمسكه فاذا انحل تفرق ما فيه وذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا والعرب اليوم وإن كانو قليلا فهم كثير عزيز بالاسلام فأقم مكانك واكتب إلى اهل الكوفة فهم أعلام العرب ورؤساؤهم فليذهب منهم الثلثان ويقيم الثلث واكتب إلى أهل البصرة يمدونهم أيضا وكان عثمان قد أشار في كلامه أن يمدهم في جيوش من أهل اليمن والشام ووافق عمر على الذهاب إلى ما بين البصرة والكوفة فرد على علي عثمان في موافقته على الذهاب إلى مابين البصرة والكوفة كما تقدم ورد رأي عثمان فيم أستار به من استمداد أهل الشام خوفا على بلادهم إذا قل جيوشها من الروم ومن أهل اليمن خوفا على بلادهم من الحبشة فأعجب عمر قول علي وسر به وكان عمر إذا استشار أحدا لايبرم أمرا حتى يشاور العباس فلما أعجبه كلام الصحابة في هذا المقام عرضه على العباس فقال يا أمير المؤمنين خفض عليك فانما اجتمع هؤلاء الفرس لنقمة تنزل عليهم ثم قال عمر اشيروا على بمن أوليه أمر الحرب وليكن عراقيا فقالوا أنت أبصر بجندك يا أمير المؤمنين فقال ما والله لأولين رجلا يكون أول الأسنة إذا لقيها غدا قالوا من يا أمير المؤمنين قال النعمان بن مقرن فقالوا هو لها وكان النعمان قد كتب إلى عمر وهو على كسكر وسأله أن يعزله عنها ويوليه قتال أهل نهاوند فلهذا أجابه إلى ذلك وعينه له ثم كتب عمر إلى حذيفة أن يسير من الكوفة بجنود
منها وكتب الى ابي موسى ان يسير بجنود البصرة وكتب الى النعمان وكان بالبصرة ان يسير بمن هناك من الجنود الى نهاوند وإذا اجتمع الناس فكل امير على جيشه والامير على الناس كلهم النعمان بن مقرن فاذا قتل فحذيفة بن اليمان فان قتل فجرير بن عبدالله فان قتل فقيس بم مكشوح فان قتل قيس ففلان ثم فلان حتى عد سبعة احدهم المغيرة بن شعبة وقيل لم يسم فيهم والله اعلم
وصور الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر امير المؤمنين الى النعمان بن مقرن سلام عليك فاني احمد اليك الله الذي لا اله الا هو واما بعد فانه قد بلغني ان جموعا من الاعاجم كثيرة وقد جمعوا لكم بمدينة نهاوند فاذا اتاك كتابي هذا فسر بأمر الله وبعون الله وبنصر الله بمن معك من المسلمين ولا توطئهم وعرا فتؤذيهم ولا تمنعهم حقهم فتكفرهم ولا تدخلهم غيضة فان رجلا من المسلمين احب الى من مائة الف دينار والسلام عليك فسر في وجهك ذلك حتى تاتي ماه فاني قد كتب الى اهل الكوفة ان يوافوك بها فاذا اجتمع اليك جنودك فسر الى الفيرزان ومن جمع معه من الاعادجم من اهل فارس وغيرهم واستنصروا واكثروا من لا حول ولا قوة الا بالله وكتب عمر الى نائب الكوفة عبد الله بن عبدالله ان يعين جيشا ويبعثهم الى نهاوند وليكن الأمير عليهم حذيفة بن اليمان حتى ينتهي الى النعمان بن مقرن فان قتل النعمان فحذيفة فان قتل فنعيم بن مقرن وولي السائب بن الأقرع قسم الغنائم فسار حذيفة في جيش كثيف نحو النعمان ابن مقرن ليوافوه بماه وسار مع حذيفة خلق كثير من امراء العراق وقد ارصد في كل كورة ما يكفيها من المقاتله وجعل الحرس في ناحية واحتاطوا احتياطا عظيما ثم انتهوا الى النعمان ابن مقرن حيث اتعدوا فدفع حذيفة بن اليمان الى النعمان كتاب عمر وفيه المر له بما يعتمده في هذه الوقعة فكل جيش المسلمين في ثلاثين الفا من المقاتله فيما رواه سيف عن الشعبي فمنهم من سادات الصحابة ورءوس العرب خلق كثير وجم غفير منهم عبد الله بن عمر امير المؤمنين وجرير بن عبد الله البجلي وحذيفة بن اليمان والمغيرة بن شعبة وعمرو بن معدي كرب الزبيدي وطليحة بن خويلد الأسدي وقيس بن مكشوح المرادي فسار الناس نحو نهاوند وبعث النعمان بن مقرن الامير بين يديه طليعة ثلاثة وهم طليحة وعمرو بن معدي كرب الزبيدي وعمرو بن ابي سلمة ويقال له عمرو بني ثبي ايضا ليكشفوا له خبر القوم وما هم عليه فسارت الطليعة يوما وليلة فرجع عمرو بن ثبي فقيل له ما رجعك فقال كنت في ارض العجم وقتلت ارض جاهلها وقتل ارضا عالمها ثم رجع بعده عمرو بن معدي كرب وقال لم نر أحدا وخفت ان يؤخذ علينا الطريق ونفذ طليحة ولم يحفل برجوعهما فسار بعد ذلك نحوا من بضعة عشر فرسخا حتى انتهى الى نهاوند ودخل في العجم وعلم من أخبارهم ما أحب ثم رجع الى النعمان فأخبره بذلك وأنه ليس بينه وبين نهاوند
شيء يكرهه فسار النعمان على تعبئته وعلى المقدمة نعيم بن مقرن وعلى المجنبتين حذيفة وسويد بن مقرن وعلى المجردة القعقاع بن عمرو وعلى الساقة مجاشع بن مسعود حتى انتهوا الى الفرس وعليهم الفيرزان ومعه من الجيش كل من غاب عن القادسية في تلك الأيام المتقدمة وهو في مائة وخمسين الفا فلما تراءا الجمعان كبر النعمان وكبر المسلمون ثلاث تكبيرات فزلزلت الأعاجم ورعبوا من ذلك رعبا شديدا ثم امر النعمان بحط الاثقال وهو واقف فحط الناس اثقالهم وتركوا رحالهم وضربوا خيامهم وقبابهم وضربت خيمة للنعمان عظيمة وكان الذين ضربوا اربعة عشر من اشراف الجيش وهم حذيفة بن اليمان وعتبة بن عمرو والمغيرة بن شعبة وبشير بن الخصاصية وحنظلة الكاتب وابن الهوير وربعي بن عامر وعامر بن مطر وجرير بن عبد الله الحميري وجرير بن عبد الله البحلي والاقرع بن عبد الله الحميري والاشعث بن قيس الكندي وسعيد بن قيس الهمداني ووائل بن حجر فلم ير بالعراق خيمة عظيمة اعظم من بناء هذا الخيمة وحين حطو الاثقال امر النعمان بالقتال وكان يوم الاربعاء فاقتتلوا ذلك اليوم والذي بعده والحرب سجال فلما كان يوم الجمعة انحجزوا في حصنهم وحاصرهم المسلمون فأقاموا عليهم ماشاء الله والأعاجم يخرجون اذا ارادوا ويرجعون الى حصونهم اذا ارادوا وقد بعث امير الفرس يطلب رجلا من المسلمين ليكلمه فذهب اليه المغيرة بن شعبة فذكر من عظم ما رأى عليه من لبسه ومجلسه وفيما خاطبه به من الكلام في احتقار العرب واستهانته بهم وانهم كانوا اطول الناس جوعا واقلهم دار وقدرا وقال ما يمنع هؤلاء الأساورة حولي ان ينتظموكم بالنشاب الا مجا من جيفكم فان تذهبوا نخل عنكم وان تأبوا نزركم مصارعكم قال فتشهدت وحمد الله وقلت لقد كنا اسوأ حالا مما ذكرت حتى بعث الله رسوله فوعدنا النصر في الدنيا والخير في الآخرة وما زلنا نتعرف من ربنا النصر منذ بعث الله رسوله الينا وقد جئناكم في بلادكم وانا لن نرجع الى ذلك الشقاء ابدا حتى نغلبكم على بلادكم وما في ايديكم اونقتل بأرضكم فقال اما والله ان الأعور لقد صدقكم ما في نفسه فلما طال على المسلمين هذا الحال واستمر جمع النعمان بن مقرن اهل الراي من الجيش وتشاوروا في ذلك وكيف يكون من أمرهم حتى يتواجهوا هم والمشركون في صعيد واحد فتكلم عمرو بن ابي سلمة اولا وهو اسن من كان هناك فقال ان بقاءهم على ماهم عليه اضر عليهم من الذي يطلبه منهم وابقى على المسلمين فرد الجميع عليه وقالوا انا لعلى يقين من اظهار ديننا وانجاز موعود الله لنا وتكلم عمرو بن معدي كرب فقال ناهدهم وكاثرهم ولا تخفهم فردوا جميعا عليه وقالوا انما تناطح بنا الجدران والجدران اعوان لهم علينا وتكلم طليحة الأسدي فقال إنهما لم يصيبا واني ارى ان تبعث سرية فتحدق بهم ويناوشوهم بالقتال ويحمشوهم فاذا برزوا اليهم فليفروا الينا هرابا فاذ استطردوا
وراءهم وانتموا الينا عزمنا ايضا على الفرار كلنا فانهم حينئد لايشكون في الهزيمة فيخرجون من حصونهم عن بكرة ابيهم فاذا تكامل خروجهم رجعنا اليهم فجالدناهم حتى يقضى الله بيننا فاستجاد الناس هذا الرأي وامر النعمان على المجردة القعقاع بن عمرو وامرهم ان يذهبوا الى البلد فيحاصروهم وحدهم ويهربوا بين ايديهم اذا برزوا اليهم ففعل الققاع ذلك فلما برزوا من حصونهم نكص القعقاع بمن معه ثم نكص ثم نكص فاغتنمها الأعاجم ففعلوا ما ظن طليحة وقالوا هي هي فخرجوا بأجمعهم ولم يبق بالبلد من المقاتلة الا من يحفظ لهم الأبواب حتى انتهوا الى الجيش والنعمان بن مقرن على تعبئته وذلك في صدر نهار جمعة فعزم الناس على مصادمتهم فنهاهم النعمان وأمرهم ان لايقاتلوا حتى تزول الشمس وتهب الأرواح وينزل النصر كما كان رسول الله ص بفعل وألح الناس على النعمان في الحملة فلم يفعل وكان رجلا ثابتا فلما حان الزوال صلى بالمسلمين ثم ركب برذونا له احوى قريبا من الأرض فجعل يقف على كل راية ويحثهم على الصبر ويأمرهم بالثبات ويقدم الى المسلمين انه يكبر الأولى فيتأهب الناس للحملة ويكبر الثانية فلا يبقى لأحد اهبة ثم الثالثة ومعها الحملة الصادقة ثم رجع الى موقفه وتعبت الفرس تعبئة عظيمة واصطفوا صفوفا هائلة في عددوعدد لم ير مثله وقد تغلغل كثير منهم بعضهم في بعض والقوا حسك الحديد وراء ظهورهم حتى لايمكنهم الهرب ولا الفرار ولا التحيز ثم ان النعمان بن مقرن رضي الله عنه كبر الأولى وهز الراية فتأهب الناس للحملة ثم كبر الثانية وهز الراية فتأهبوا ايضا ثم كبر الثالثة وحمل وحمل الناس على المشركين وجعلت راية النعمان تنقض على الفرس كانقضاض العقاب على الفريسة حتى تصافحوا بالسيوف فاقتتلوا قتالا لم يعهد مثله في موقف من المواقف المتقدمة ولا سمع المسامعون بوقعة مثلها قتل من المشركين ما بين الزوال الى الظلام من القتلى ما طبق وجه الأرض دما بحيث ان الدواب كانت تطبع فيه حتى قيل ان الأمير النعمان بن مقرن زلق به حصانة في ذلك الدم فوقع وجاءه سهم في خاصرته فقتله ولم يشعر به أحجد سوى اخيه سويد وقيل نعيم وقيل غطاه بثوبه واخفى موته ودفع الراية الى حذيفة بن اليمان فأقام حذيفة اخاه نعيما مكانه وأمر بكتم موته حتى ينفصل الحال لئلا ينهزم الناس فلما اظلم الليل انهزم المشركون مدبرين وتبعهم المسلمون وكان الكفار قد قرنوا منهم ثلاثين الفا بالسلاسل وحفروا حولهم خندقا فلما انهزموا وقعوا في الخندق وفي تلك الأودية نحو مائة الف وجعلوا يتساقطون في اودية بلادهم فهلك منهم بشر كثير نحو مائة الف او يزيدون سوى من قتل في المعركة ولم يفلت منهم الا الشريد وكان الفيرزان اميرهم قد صرع في المعركة فانفلت وانهزم واتبعه نعيم بن مقرن وقدم القعقاع بين يديه
وقصد الفيرزان همدان فلحقه القعقاع وادركه عند ثنية همدان وقد اقبل منها بغلل كثير وحمر تحمل عسلا فلم يستطع الفيرزان صعودها منهم وذلك لحينه فترجل وتعلق في الجبل فاتبعه القعقاع حتى قتله وقال المسلمون يومئذ ان لله جنودا من عسل ثم غنموا ذلك العسل وماخالطه من الأحمال ووسميت تلك الثنية ثنية العسل ثم لحق القعقاع بقية المنهزمين منهم الى همدان وحاصرها وحوى ما حولها فنزل اليه صاحبها وهو خسر شنوم فصالحه عليها ثم رجع القعقاع الى حذيفة ومن معه من المسلمين وقد دخلوا بعد الوقعة نهاوند عنوة وقد جمعوا الأسلاب والمغانم الى صاحب الأقباض وهو السائب ابن الأقرغ ولما سمع أهل ماه بخبر اهل همدان بعثوا الى حذيفة وأخذوا لهم منه الأمان وجاء رجل يقل له الهرند وهو صاحب نارهم فسأل من حذيفة الأمان ويدفع اليهم وديعة عنده لكسرى ادخرها لنوائب الزمان فأمنه حذيفة وجاء ذلك الرجل بسفطين مملوءتين جوهرا ثمينا لا يقوم غير ان المسلمين لم يعبئوا به واتفق رأيهم على بعثه لعمر خاصة وارسلوه صحبة الأخماس السائب بن الأرقع وأرسل قبله بالفتح مع طريف بن سهم ثم قسم حذيفة بقية الغنيمة في الغانمين ورضخ ونفل لذوي النجدات وقسم لمن كان قد ارصد من الجيوش لحفظ ظهور المسلمين من ورائهم ومن كان رداءا لهم ومنسوبا اليهم واما امير المؤمنين فانه كان يدعو الله ليلا ونهارا لهم دعاء الحوامل المقربات وابتهال ذوي الضرورات وقد استبطأ الخبر عنهم فبينا رجل من المسلمين ظاهر المدينة اذا هو براكب فسأله من أين اقبل فقال من نهاوند فقال ما فعل الناس قال فتح الله عليهم وقتل الأمير وغنم المسلمون غنيمة عظيمة اصاب الفارس ستة آلاف والراجل الفان ثم فاته وقدم ذلك الرجل المدينة فأخبره الناس وشاع الخبر حتى بلغ امير المؤمنين فطلبه فسأله عمن اخبره فقال راكب فقال انه لم يجئني وانما هو رجل من الجن وهو بريدهم واسمه عثيم ثم قدم طريف بالفتح بعد ذلك بايام وليس معه سوى الفتح فسأله عمن قتل النعمان فلم يكن معه علم حتى قدم الذين معهم الأخماس فأخبروا بالأمر على جليته فإذا ذلك قد الجنى شهد الوقعة ورجع سريعا الى قومه نذيرا ولما اخبر عمر بمقتل النعمان بكى وسأل السائب وعمن قتل من المسلمين فقال فلان وفلان وفلان لاعيان الناس واشرافهم
ثم قال وآخرون من افناد الناس ممن لايعرفهم امير المؤمنين فجعل يبكي ويقول وما ضرهم ان لايعرفهم امير المؤمنين لكن الله يعرفهم وقد اكرمهم بالشهادة وما يصنعون بمعرفة عمر ثم امر بقسمة الخمس على عادته وحملت ذانك السفطان الى منزل عمر ورجعت الرسل فلما اصبح عمر طلبهم فلم يجدهم فارسل في اثرهم البرد فما لحقهم البريد الا بالكوفة
قال السائب بن الأقرع فلما انخت بعيري بالكوفة أناخ البريد على عرقوب بعيري وقال
اجب امير المؤمنين فقلت لماذا فقال لا ادري فرجعنا على اثرنا حتى انتهيت اليه قال مالي ولك يا ابن ام السائب بل مالا بن ام السائب ومالي قال فقلت وما ذاك يا امير المؤمنين فقال ويحك والله ان هو الا ان نمت في الليلة التي خرجت فيها فباتت ملائكة الله تسحبني الى ذينك السفطين وهما يشتعلان نارا ويقولون لنكوينك بهما فاقول اني ساقسمهما بين المسلمين فاذهب بهما لا ابالك فبعهما فاقسمهما في اعطية المسلمين وارزاقهم فانهم لايدرون ما وهبوا ولم تدر انت معهم
قال السائب فأخذتهما حتى جئت بهما مسجد الكوفة وغشيتني التجار فابتاعهما مني عمرو بن حريث المخزومي بالفى الف ثم خرج بهما الى ارض الأعاجم فباعهما باربعة آلاف الف فما زال اكثر اهل الكوفة مالا بعد ذلك قال سيف ثم قسم ثمنهما بين الغانمين فنال كل فارس اربعة آلاف درهم من ثمن السفطين قال الشعبي وحصل للفارس من اصل الغنيمة ستة آلاف وللراجل الفان وكان المسلمون ثلاثين الفا
قال وافتتحت نهاوند في اول سنة تسع عشرة لسبع سنين من امارة عمر ورواه سيف عن عمرو ابن محمد عنه وبه عن الشعبي قال لما قدم سبي نهاوند الى المدينة جعل ابو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة ابن شعبة لايلقى منهم صغيرا الا مسح رأسه وبكى وقال اكل عمر كبدي وكان اصل ابي لؤلؤة من نهاوند فأسرته الروم ايام فارس واسرته المسلمون بعد فنسب الى حيث سبى قالوا ولم تقم للاعاجم بعد هذه الوقعة قائمة واتحف عمر الذين ابلوا فيها بالفين تشريفا لهم واظهارا لشأنهم
وفي هذه السنة افتتح المسلمون ايضا بعد نهاوند مدينة حبي ؟ وهي مدينة اصبهان بعد قتال كثير وامور طويلة فصالحوا المسلمين وكتب لهم عبد الله بن عبد الله كتاب امان وصلح وفر منهم ثلاثون نفرا الى كرمان لم يصالحوا المسلمين وقيل ان الذي فتح اصبهان هو النعمان بن مقرن وانه قتل بها ووقع امير المجرس وهو ذو الحاجبين عن فرسه فانشق بطنه ومات وانهزم اصحابه والصحيح ان الذي فتح اصبهان عبد الله بن عبد الله بن عتبان الذي كان نائب الكوفة وفيها افتتح ابو موسى قم وقاشان وافتتح سهيل بن عدي مدينة كرمان
وذكر ابن جرير عن الواقدي ان عمرو بن العاص سار في جيش معه الى طرابلس قال وهي برقة فافتتحها صلحا على ثلاثة عشر الف دينار في كل سنة
قال وفيها بعث عمرو بن العاص عقبة بن نافع الفهري الى زويلة ففتحها بصلح وصار ما بين برقة الى زويلة سلما للملسلمين قال وفيها ولى عمر عمار بن ياسر على الكوفة بدل زياد بن حنظلة الذي ولاه بعد عبد الله بن عبد الله بن عتبان وجعل عبد الله بن مسعود على بيت المال فاشتكى
اهل الكوفة من عمار فاستعفى عمار من عمله فعزله وولي جبير بن مطعم وامره ان لايعلم احدا وبعث المغيرة بن شعبة امرأته الى امرأة جبير يعرض عليها طعاما للسفر فقالت اذهبي فأتيني به فذهب المغيرة الى عمر فقال بارك الله يا امير المؤمنين فيمن وليت على الكوفة فقال وما ذاك وبعث الى جبير بن مطعم فعزله وولي المغيرة بن شعبة ثانية فلم يزل عليها حتى مات عمر رضي الله عنهم قال وفيها حج عمر واستخلف على المدينة زيد بن ثابت وكان عما له على البلدان المتقدمون في السنة التي قبلها سوى الكوفة
قال الواقدي وفيها توفي خالد بن الوليد بحمص وأوصى الى عمر بن الخطاب وقال غيره توفي سنة ثلاث وعشرين وقيل بالمدينة والأول اصح وقال غيره وفيها توفي العلاء بن الحضرمي فولى عمر مكانه ابا هريرة وقد قيل ان العلاء توفي قبل هذا كما تقدم والله اعلم
وقال ابن جرير فيما حكاه عن الواقدي وكان أمير دمشق في هذه السنة عمير بن سعيد وهو ايضا على حمص وحوران وقنسرين والجزيرة وكان معاوية على البلقاء والأردن وفلسطين والسواحل وانطاكية وغير ذلك