ثم دخلت سنة اربع وثلاثين
 
قال ابو معشر فيها كانت وقعة الصواري والصحيح في قول غيره انها كانت قبل ذلك كما تقدم وفي هذه السنة تكاتب المنحرفون عن طاعة عثمان وكان جمهورهم من اهل الكوفة وهم في معاملة عبدالرحمن بن خالد بن الوليد بحمص منفيون عن الكوفة وثاروا على سعيد بن العاص امير الكوفة وتالبوا عليه ونالوا منه ومن عثمان وبعثوا الى عثمان من يناظره فيما فعل وفيما اعتمد من عزل كثير من الصحابة وتوليه جماعة من بنى امية من اقربائه واغلظوا له في القول وطلبوا منه ان كذا في الحلبية والذي في المصرية
كميل بن زياد والاشتر النخعي واسمه مالك بن الحارث وصعصعة بن صوحان واخوه زيد بن صوحان وكعب بن مالك الاوسي والاسود بن زيد بن علقمة بن قيس النخعيان وثابت بن قيس النخعى وجندب بن زهير الغامدي وجندب بن كعب الازدي وعروة بن الجعد وعمرو ابن الحمق الخزاعي
والذي في الطبري
مالك بن الحارث الأشتر وثابت بن قيس النخعى وكميل بن زياد النخعي وزيد بن صوحان العبدي وجندب بن زهير الغامدي وجندب بن كعب الازدي وعروة بن الجعد وعمرو ابن الحمق الخزاعي
يعزله ويستبدل ائمة غيرهم من السابقين ومن الصحابة حتى شق ذلك عليه جدا وبعث الى امراء الاجناد فاحضرهم عنده ليستشيرهم فاجتمع اليه معاوية بن ابي سفيان امير الشام وعمرو بن العاص امير مصر وعبدالله ابن سعد بن ابي سرح امير المغرب وسعيد بن العاص امير الكوفة وعبدالله بن عامر امير البصرة فاستشارهم فيما حدث من الامر وافتراق الكلمة فاشار فاشار عبدالله بن عامر ان يشغلهم بالغزو عما هم فيه من الشر فلا يكون هم احدهم الا نفسه وما هو فيه من دبر دابته وقمل فروته فان غوغاء الناس اذا تفرغوا وبطلوا واشتغلوا بما لا يغني وتكلموا بما لا يرضى واذا تفرقوا نفعوا انفسهم وغيرهم واشار سعيد بن العاص بأن يستاصل شأفة المفسدين ويقطع دابرهم واشار معاوية بان يرد عماله الى اقاليمهم وان لا يلتفت إلى هؤلاء وما تالبوا عليه من الشر فانهم اقل واضعف جندا واشار عبدالله بن سعد بن ابي سرح بان يتالفهم بالمال فيعطيهم منه ما يكف به شرهم ويامن غائلتهم ويعطف به قلوبهم اليه واما عمرو بن العاص فقام فقال اما بعد يا عثمان فانك قد ركبت الناس ما يكرهون فاما ان تعزل عنهم ما يكرهون واما ان تقدم فتنزل عمالك على ما هم عليه وقال له كلاما فيه غلظة ثم اعتذر إليه في السر بانه انما قال هذا ليبلغ عنه من كان حاضرا من الناس ليرضوا من عثمان بهذا فعند ذلك قرر عثمان عماله على ما كانوا عليه وتالف قلوبهم اولئك بالمال وامر بان يبعثوا الى الغزو الى الثغور فجمع بين المصالح كلها ولما رجعت العمال الى اقاليمها امتنع اهل الكوفة من ان يدخل عليهم سعيد بن العاص ولبسوا السلاح وحلفوا ان لا يمكنوه من الدخول فيها حتى يعزله عثمان ويولي عليهم ابا موسى الاشعري وكان اجتماعهم بمكان يقال له الجرعة وقد قال يومئذ الاشتر النخعي والله لا يدخلها علينا ما حملنا سيوفنا وتواقف الناس بالجرعة واحجم سعيد عن قتالهم وصمموا على منعه وقد اجتمع في مسجد الكوفة في هذا اليوم حذيفة وابو مسعود عقبة بن عمرو فجعل ابو مسعود يقول والله لا يرجع سعيد بن العاص حتى يكون دماء فجعل حذيقة يقول والله ليرجعن ولا يكون فيها محجمة من دم وما اعلم اليوم شيئا الا وقد علمته ومحمد صلى الله عليه وسلم حي والمقصود ان سعيد بن العاصص كر راجعا الى المدينة وكسر الفتنة فاعجب ذلك اهل الكوفة وكتبوا الى عثمان ان يولي عليهم ابا موسى الاشعري بذلك فاجابهم عثمان الى ما سالوا ازاحة لعذرهم وازالة لشبههم وقطعا لعللهم
وذكر سيف بن عمر ان سبب تالب الاحزاب على عثمان ان رجلا يقال له عبدالله بن سبأ كان يهوديا فاظهر الاسلام وصار الى مصر فاوحى الى طائفة من الناس كلاما اخترعه من عند نفسه مضمونه انه يقول للرجل فيقول له فرسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل منه فما تنكر أن يعود إلى هذه الدنيا وهو اشرف من اليس قد ثبت ان عيسى بن مريم سيعود الى هذه الدنيا فيقول الرجل نعم عيسى ابن مريم عليه السلام ثم يقول وقد كان اوصى الى علي بن ابي طالب فمحمد خاتم الانبياء
وعلى خاتم الاوصياء ثم يقول فهو احق بالامرة من عثمان وعثمان معتد في ولايته ما ليس له فانكروا عليه واظهروا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فافتتن به بشر كثير من اهل مصر وكتبوا الى جماعات من عوام اهل الكوفة والبصرة فتمائلوا على ذلك وتكاتبوا فيه وتواعدوا ان يجتمعوا في الانكار على عثمان وارسلوا اليه من يناظره ويذكر له ما ينقمون عليه من توليته اقرباءه وذوى رحمه وعزله كبار الصحابة فدخل هذا في قلوب كثير من الناس فجمع عثمان بن عفان نوابه من الامصار فاستشارهم فأشاروا عليه بما تقدم ذكرنا له فالله اعلم
وقال الواقدي فيما رواه عن عبدالله بن محمد عن ابيه قال لما كانت سنة اربع وثلاثين اكثر الناس بالمقالة على عثمان بن عفان ونالوا منه اقبح ما نيل من احد فكلم الناس علي بن ابي طالب ان يدخل على عثمان فدخل عليه فقال له ان الناس ورائي وقد كلموني فيك ووالله ما ادري ما اقول لك وما اعرف شيئا تجهله ولا ادلك على امر لا تعرفه انك لتعلم ما نعلم ما سبقناك الى شىء فنخبرك عنه ولا خلونا بشىء فنبلغكه وما خصصنا بامور خفى عنك ادراكها وقد رايت وسمعت وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونلت صهره وما ابن ابي قحافة باولى بعمل الحق منك ولا ابن الخطاب باولى بشىء من الخير منك وانك اقرب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رحما ولقد نلت من صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم ينالا ولا سبقاك الى شىء فالله الله في نفسك فانك والله ما تبصر من عمى ولا تعلم من جهل وان الطريق لواضح بين وان اعلام الدين لقائمة تعلم يا عثمان ان افضل عباد الله عند الله امام عادل هدى وهدى فاقام سنة معلومة وامات بدعة معلومة فوالله ان كلا لبين وان السنن لقائمة لها اعلام وان البدع لقائمة لها اعلام وان شر الناس عندالله امام جائر ضل واضل به فامات سنة معلومة واحيا بدعة متروكة واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى يوم القيامة بالامام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في جهنم فيدور فيها كما تدور الرحا ثم يرتطم في غمرة جهنم واني احذرك الله واحذرك سطوته ونقمته فان عذابه اليم شديد واحذر ان تكون امام هذه الامة المقتول فانه كان يقال يقتل في هذه الامة امام فيفتح عليها القتل والقتال الى يوم القيامة وتلبس امورها عليها ويتركون شيعا لا يبصرون الحق من الباطل يموجون فيها موجا ويمرحون فيها مرحا فقال عثمان قد والله علمت لتقولن الذي قلت اما والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا اسلمتك ولا عبت عليك ولا جئت منكرا انى وصلت رحما وسددت خلة وآويت ضائعا ووليت شبيها بمن كان عمر يولى انشدك الله يا علي هل تعلم ان المغيرة بن شعبة ليس هناك قال نعم قال فتعلم ان عمر ولاه قال نعم قال فلم تلوموني ان وليت ابن عامر في رحمه وقرابته فقال علي ساخبرك ان عمر كان كلما ولى اميرا فانما يطا على صماخيه وانه ان بلغه حرف جاء به ثم بلغ
به اقصى الغاية في العقوبة وانت لا تفعل ضعفت ورفقت على اقربائك فقال عثمان هم اقرباؤك ايضا فقال على لعمري ان رحمهم منى لقريبة ولكن الفضل في غيرهم قال عثمان هل تعلم ان عمر ولى معاوية خلافته كلها فقد وليته فقال على انشدك الله هل تعلم ان معاوية كان اخوف من عمر من يرفا غلام عمر منه قال نعم قال علي فان معاوية يقطع الامور دونك وانت تعلمها ويقول للناس هذا امر عثمان فليبلغك فلا تنكر ولا تغير على معاوية ثم خرج علي من عنده وخرج عثمان على اثره فصعد المنبر فوعظ وحذر وانذر وتهدد وتوعد وابرق وارعد فكان فيما قال الا فقد والله عبتم على بما اقررتم به لابن الخطاب ولكنه وطئكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه فدنتم له على ما احببتم او كرهتم ولنت لكم واوطات لكم كتفي وكففت يدي ولساني عنكم فاجتراتم علي اما والله لانا اعز نفرا واقرب ناصرا واكثر عددا واقمن ان قلت هلم الى الى ولقد اعددت لكم اقرانكم وافضلت عليكم فضولا وكشرت لكم عن نابي فاخرجتم منى خلقا لم اكن احسنه ومنطقا لم انطق به فكفوا السنتكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم فاني قد كففت عنكم من لو كان هو الذي يليكم لرضيتم منه دون منطقي هذا الا فما تفقدون من حقكم فوالله ما قصرت في بلوغ ما كان يبلغ من كان قبلي ثم اعتذر عما كان يعطي اقرباءه بانه من فضل ماله فقام مروان بن الحكم فقال ان شئتم والله حكمنا بيننا وبينكم السيف نحن والله وانتم كما قال الشاعر
فرشنا لكم اعراضنا فنبت بكم * مغارسكم تبنون في دمن الثرى
فقال عثمان اسكت لاسكت دعني واصحابي ما منطقك في هذا الم أتقدم اليك ان لا تنطق
فسكت مروان ونزل عثمان رضى الله عنه
وذكر سيف بن عمر وغيره ان معاوية لما ودعه عثمان حين عزم على الخروج الى الشام عرض عليه ان يرحل معه الى الشام فانهم قوم كثيرة طاعتهم للامراء فقال لا اختار بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم سواه فقال اجهز لك جيشا من الشام يكونون عندك ينصرونك فقال اني اخشى ان اضيق بهم بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم على اصحابه من المهاجرين والانصار قال معاوية فوالله يا امير المؤمنين لتغتالن او قال لتغزين فقال عثمان حسبي الله ونعم الوكيل ثم خرج معاوية من عنده وهو متقلد السيف وقوسه في يده فمر على ملأ من المهاجرين والانصار فيهم علي بن ابي طالب وطلحة والزبير فوقف عليهم واتكا على قوسه وتكلم بكلام بليغ يشتمل على الوصاة بعثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه والتحذير من اسلامه الى اعدائه ثم انصرف ذاهبا فقال الزبير ما رايت اهيب في عينى من يومه هذا وذكر ابن جرير ان معاوية استشعر الامر لنفسه من قدمته هذه إلى المدينة وذلك انه سمع حاديا يرتجز في ايام الموسم في هذا العام وهو يقول
قد علمت ضوامر المطى وضمرات عوج القسى ان الامير بعده علي وفي الزبير خلف رضى وطلحة الحامي لها ولي
فلما سمعها معاوية لم يزل ذلك في نفسه حتى كان ما كان على ما سنذكره في موضعه ان شاء الله وبه الثقة قال ابن جرير وفي هذ السنة مات ابو عبس بن جبير بالمدينة وهو بدري ومات ايضا مسطح بن اثاثة وغافل بن البكير وحج بالناس في هذه السنة عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه