وهذا ذكر بعض ما رثي به رضي الله عنه
 
قال مجالد عن الشعبي ما سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك
فكف يديه ثم أغلق بابه * وأيقن أن الله ليس بغافل
وقال لأهل الدار لا تقتلوهم * عفا الله عن كل أمرىء لم يقاتل
فكيف رأيت الله صب عليهم * العداوة والبغضاء بعد التواصل
وكيف رايت الخير أدبر بعده * عن الناس إدبار النعام الجوافل
وقد نسب هذه الأبيات سيف بن عمر إلى أبي المغيرة الأخنس بن شريق وقال سيف بن عمر وقال حسان بن ثابت
ماذا أردتم من أخي الدين باركت * يد الله في ذاك الأديم المقدد
قتلتم ولي الله في جوف داره * وجئتم بأمر جائر غير مهتد
فهلا رعيتم ذمة الله بينكم * وأوفيتم بالعهد عهد محمد
ألم يك فيكم ذا بلاء ومصدق * وأوفاكم عهدا لدى كل مشهد
فلا ظفرت أيمان قوم تبايعوا * على قتل عثمان الرشيد المسدد
وقال ابن جرير وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه
من سره الموت صرفا لا مزاج له * فليأت مأسدة في دار عثمانا
عجز ينسب إليه إذا لم يكن قد اطلع عليه وزور على لسانه وليس هو بمعصوم بل الخطأ والغفلة جائزان عليه رضي الله عنه وإنما هؤلاء الجهلة البغاة متعنتون خونة ظلمة مفترون ولهذا صمموا بعد هذا على حصره والتضييق عليه حتى منعوه الميرة والماء والخروج إلى المسجد وتهددوه بالقتل ولهذا خاطبهم بما خاطبهم به من توسعة المسجد وهو أول من منع منه ومن وقفه بئر رومة على المسلمين وهو أول من منع ماءها ومن أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا باحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة وذكر أنه لم يقتل نفسا ولا ارتد بعد إيمانه ولا زنى في جاهلية ولا إسلام بل ولا مس فرجه بيمينه بعد أن بايع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية بعد أن كتب بها المفصل ثم ذكر لهم من فضائله ومناقبه ما لعله ينجع فيهم بالكف عنه والرجوع إلى الطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر منهم فأبوا إلا الاستمرار على ما هم عليه من البغي والعدوان ومنعوا الناس من الدخول إليه والخروج من عنده حتى اشتد عليه الحال وضاق المجال ونفذ ما عنده من الماء فاستغاث بالمسلمين في ذلك فركب علي بنفسه وحمل معه قربا من الماء فبالجهد حتى أوصلها إليه بعد ما ناله من جهله اولئك كلام غليظ وتنفير لدابته وإخراق عظيم بليغ وكان قد زجرهم أتم الزجر حتى قال لهم فيما قال والله إن فارس والروم لا يفعلون كفعلكم هذا بهذا الرجل والله إنهم ليأسرون فيطعمون ويسقون فأبوا أن يقبلوا منه حتى رمى بعمامته في وسط الدار وجاءت أم حبيبة راكبة بغلة وحولها حشمها وخدمها فقالوا ما جاء بك فقالت إن عنده وصايا بني أمية لأيتام وأرامل فأحببت أن أذكره بها فكذبوها في ذلك ونالها منهم شدة عظيمة وقطعوا حزام البغلة وندت بها وكادت أو سقطت عنها وكادت تقتل لولا تلاحق بها الناس فأمسكوا بدابتها ووقع أمر كبير جدا ولم يبق يحصل لعثمان وأهله من الماء إلا ما يوصله إليهم آل عمرو بن حزم في الخفية ليلا فإنا لله وإنا إليه راجعون
مستحقبى حلق الماذى قد سفعت فوق المخاطم بيض زان أبدانا
ضحوا بأشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
وذكر ابن جرير أنهم أرادوا حز رأسه بعد قتله فصاح النساء وضربن وجوههن فيهن أمرأتاه
صبرا فدى لكم أمي وما ولدت قد ينفع الصبر في المكروه أحيانا
فقد رضينا بأرض الشام نافرة * وبالأمير وبالأخوان إخوانا
ولما وقع هذا الأمر العظيم الفضيع الشنيع أسقط في أيدي الناس فأعظموه جدا وندم أكثر هؤلاء الجهلة الخوارج بما صنعوا وأشبهوا تقدمهم ممن قص الله علينا خبرهم في كتابة العزيز من الذين عبدوا العجل في قوله تعالى ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين
إني لمنهم وإن غابوا وإن شهدوا ما دمت حيا وما سميت حسانا
لتسمعن وشيكا في ديارهم * الله أكبر يا ثارات عثمانا
ألا إن خير الناس بعد ثلاثة * قتيل النجيبي الذي جاء من مصر
يا ليت شعري وليت الطير تخبرني ما كان شأن علي وابن عفانا
وهو القائل أيضا
إن تمس دار ابن آروى منه خاوية * باب صريع وباب محرق خرب
ضحوا بأشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
فقد يصادف باغي العرف حاجته فيها ويأوى إليها المجد والحسب
يا معشر الناس ابدوا ذات انفسكم * لا يستوي الصدق عند الله والكذب
وقال الفرزدق
إن الخلافة لما إظعنت ظعنت * عن أهل يثرب إذ غير الهدى سلكوا
صارت إلى أهلها منهم ووارثها * لما رأى الله في عثمان ما انتهكوا
السافكي دمه ظلما ومعصية أي دم لاهدوا من غيتهم سفكوا
وقال راعي الإبل النميري في ذلك
عشية يدخلون بغير إذن * على متوكل أوفى وطابا

الموضوع التالي


ذكر صفته رضي الله عنه

الموضوع السابق


طريق أخرى عنه