مسير علي بن أبي طالب من المدينة إلى البصرة بدلا من الشام تتمة
 

فلما تقدم كعب بن سوار بالمصحف يدعو إليه استقبله مقدمة جيش الكوفيين وكان عبد الله بن سبأ وهو ابن السوداء وأتباعه بين يدي الجيش يقتلون من قدروا عليه من أهل البصرة لا يتوقفون في أحد فلما رأوا كعب بن سوار رافعا المصحف رشقوه بنبالهم رشقة رجل واحد فقتلوه ووصلت النبال إلى هودج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فجعلت تنادى الله الله يا بني اذكروا يوم الحساب ورفعت يديها تدعو على اولئك النفر من قتلة عثمان فضج الناس معها بالدعاء حتى بلغت الضجة إلى علي فقال ما هذا فقالوا أم المؤمنين تدعو على قتلة عثمان وأشياعهم فقال اللهم العن قتلة عثمان وجعل اولئك النفر لا يقلعون عن رشق هودجها بالنبال حتى لقى مثل القنفذ وجعلت تحرض الناس على منعهم وكفهم فحملت معه الحفيظة فطردوهم حتى وصلت الحملة إلىالموضع الذي فيه علي بن أبي طالب فقال لابنه محمد بن الحنفية ويحك تقدم بالراية فلم يستطع فأخذها علي من يده فتقدم بها وجعلت الحرب تأخذ وتعطى فتارة لأهل البصرة وتارة لأهل الكوفة وقتل خلق كثير وجم غفير ولم تر وقعة أكثر من قطع الأيدي والأرجل فيها من هذه الوقعة وجعلت عائشة تحرض الناس على اولئك النفر من قتلة عثمان ونظرت عن يمينها فقالت من هولاء القوم فقالوا نحن بكر بن وائل فقالت لكم يقول القائل
وجاؤا إلينا بالحديد كأنهم * من الغرة القعساء بكر بن وائل
ثم لجأ إليها بنو ناجية ثم بنو ضبة فقتل عنده منهم خلق كثير ويقال إنه قطعت يد سبعين رجلا وهي آخذة بخطام الجمل فلما انحنوا تقدم بنو عدي بن عبد مناف فقاتلوا قتالا شديداورفعوا رأس الجمل وجعل اولئك يقصدون الجمل وقالوا لا يزال الحرب قائما ما دام هذا الجمل واقفا ورأس الجمل في يد عمرة بن يثربي وقيل أخوه عمرو بن يثربي ثم صمد عليه علباء بن الهيثم وكان من الشجعان المذكورين فتقدم إليه عمرو الجملي فقتله ابن يثربي وقتل زيد بن صوحان وأرنث صعصعة ابن صوحان فدعاه عمار إلى البراز فبرز له فتجاولا بين الصفين وعمارا راجعون الآن يلحق عمارا بأصحابه فضربه ابن يثربى بالسيف فاتقاه عمار بدرقته بن تسعين سنة عليه فروة قد ربط وسطه بحبل ليف فقال الناس إنا لله وإنا إليه فغض فيها السيف ونشب وضربه عمار فقطع رجليه وأخذ أسيرا إلى بين يدي على فقال استبقني يا أمير المؤمنين فقال أبعد ثلاثة تقتلهم ثم أمر به فقتل واستمر زمام الجمل بعده بيد رجل كان قد استنابه فيه من بني عدي فبرز إليه ربيعة العقيلي فتجاولا حتى قتل كل واحد صاحبه وأخذ الزمام الحارث الضبي فما رأى أشد منه وجعل يقول
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل * نبارز القرن إذا القرن نزل
يقال أن أول من بايعه طلحة بيده اليمنى وكان شلاء من يوم أحد لما وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعض القوم والله إن هذا الأمر لا يتم وخرج علي إلى المسجد فصعد المنبر وعليه إزار وعمامة خز ونعلاه في يده توكأ على قوسه فبايعه عامة الناس وذلك يوم السبت التاسع عشر
ننعى ابن عفان بأطراف الأسل الموت أحلى عندنا من العسل *
ردوا علينا شيخنا ثم يجل
وقيل إن هذه الأبيات لوسيم بن عمرو الضبي فكلما قتل واحد ممن يمسك الجمل يقوم غيره حتى قتل منهم أربعون رجلا قالت عائشة ما زال جملى معتدلا حتى فقدت أصوات بني ضبة ثم أخذ الخطام سبعون رجلا من قريش وكل واحد يقتل بعد صاحبه فكان منهم محمد بن طلحة المعروف بالسجاد فقال لعائشة مريني بأمرك يا أمه فقالت آمرك أن تكون كخير ابني آدم فامتنع أن ينصرف وثبت في مكانه وجعل يقول حم لا ينصرون فتقدم إليه نفر فحملوا عليه فقتلوه وصار لكل واحد منهم بعد ذلك يدعى قتله وقد طعنه بعضهم بحربة فأنفذه وقال
وأشعث قوام بآيات ربه * قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
هتكت له بالريح جيب قميصه * فخر صريعا لليدين وللفم
فقال علي مجيبا لهم * إن عجزت عجزة لا اعتذر
يناشدتى حم والمرح شاجن فهلا تلا حم قبل التقدم
على غير شيء غير أن ليس تابعا * عليا ومن لا يتبع الحق يندم
وأخذ الخطام عمرو بن الأشرف فجعل لا يدنو منه أحد إلا حطه بالسيف فأقبل إليه الحارث بن زهير الأزدي وهو يقول
يا أمنا يا خير أم نعلم * أما ترين كما شجاع يكلم
وتجتلي هامته والمعصم
واختلفا ضربتين فقتل كل واحد صاحبه وأحدق أهل النجدات والشجاعة بعائشة فكان لا يأخذ الراية ولا بخطام الجمل إلا شجاع معروف فيقتل من قصده ثم يقتل بعد ذلك وقد فقأ بعضهم عين عدي بن حاتم ذلك اليوم ثم تقدم عبد الله بن الزبير فأخذ بحطام الجمل وهو لا يتكلم فقيل لعائشة إنه ابنك ابن أختك فقالت واثكل أسماء وجاء مالك بن الحارث الأشتر النخعي فاقتتلا فضربه الأشتر على رأسه فجرحه جرحا شديدا وضربه عبد الله ضربة خفيفة ثم اعتنقا وسقطا إلى الأرض يعتركان فجعل عبد الله بن الزبير يقول
اقتلوني ومالكا * واقتلوا مالكا معي
فجعل الناس لا يعرفون مالكا من هو وإنما هو معروف بالأشتر فحمل اصحاب علي وعائشة فخلصوهما وقد جرح عبد الله بن الزبير يوم الجمل بهذه الجراحة سبعا وثلاثين جراحة وجرح مروان بن الحكم ايضا ثم جاء رجل فضرب الجمل علي قوائمه فعقره وسقط إلى الأرض فسمع له عجيج ما سمع أشد ولا أنفذ منه وآخر من كان الزمام بيده زفر بن الحارث فعقر الجمل وهو في يده ويقال إنه اتفق هو وبجير بن دلجة على عقره ويقال إن الذي أشار بعقر الجمل علي وقيل القعقاع بن عمرو لئلا تصاب أم المؤمنين فإنها بقيت غرضا للرماة ومن يمسك بالزمام برجاسا للرماح ولينفصل هذا الموقف الذي
قد تفاني فيه الناس ولما سقط البعير إلى الأرض انهزم من حوله من الناس وحمل هودج عائشة وأنه لكالقنفذ من السهام ونادى منادى علي في الناس أنه لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح ولا يدخلوا الدور وأمر على نفرا أن يحملوا الهودج من بين القتلى وأمر محمد بن أبي بكر وعمارا أن يضربا عليها قبة وجاء إليها أخوها محمد فسألها هل وصل إليك شيء من الجراج فقالت لا وما أنت ذاك يا ابن الخثعمية وسلم عليها عمار فقال كيف أنت يا أم فقالت ليس لك بأم قال بلى وإن كرهت وجاء إليها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين مسلما فقال كيف أنت يا أمه قالت بخير فقال يغفر الله لك وجاء وجوه الناس من الأمراء والأعيان يسلمون على أم المؤمنين رضي الله عنها ويقال إن أعين بن ضبيعة المجاشعي اطلع في الهودج فقالت إليك لعنك الله فقال والله ما أرى إلا حميراء فقالت هتك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك فقتل بالبصرة وسلب وقطعت يده ورمى عريانا في خربة من خرابات الأزد فلما كان الليل دخلت أم المؤمنين البصرة ومعها أخوها محمد بن ابي بكر فنزلت في دار عبد الله بن خلف الخزاعي وهي أعظم دار بالبصرة على صفية بنت الحارث بن أبي طلحة بن عبد العزي بن عثمان بن عبد الدار وهي أم طلحة الطلحات عبد الله بن خلف وتسلل الجرحى من بين القتلى فدخلوا البصرة وقد طاف على بين القتلى فجعل كلما مر برجل يعرفه ترحم عليه ويقول يعز على أن ارى قريشا صرعى وقد مر على ما ذكر على طلحة بن عبيد الله وهو مقتول فقال لهفي عليك يا أبا محمد إنا لله وإنا إليه راجعون والله لقد كنت كما قال الشاعر
فتى كان يدنيه الغنى من صديقه * إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر
وأقام علي بظاهر البصرة ثلاثا ثم صلى على القتلى من الفريقين وخص قريشا بصلاة من بينهم ثم جمع ما وجد لأصحاب عائشة في المعسكر وأمر به أن يحمل إلى مسجد البصرة فمن عرف شيئا هو لأهلهم فليأخذه إلا سلاحاص كان في الخزائن عليه سمة السلطان وكان مجموع من قتل يوم الجمل من الفريقين عشرة آلاف خمسة من هؤلاء وخمسة من هؤلاء رحمهم الله ورضي عن الصحابة منهم وقد سأل بعض أصحاب على عليا أن يقسم فيهم أموال أصحاب طلحة والزبير فأبى عليه فطعن فيه السبائية وقالوا كيف يحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم فبلغ ذلك عليا فقال أيكم يحب أن تصير أم المؤمنين في سهمه فسكت القوم ولهذا لما دخل البصرة فض في أصحابه أموال بيت المال فنال كل رجل منهم خمسمائة وقال لكم مثلها من الشام فتكلم فيه السبائية ايضا ونالوا منه من وراء وراء