مسير أمير المؤمنين علي إلى الخوارج
 
لما عزم علي ومن معه من الجيش على البداءة بالخوارج نادى مناديه في الناس بالرحيل فعبر الجسر فصلى ركعتين عنده ثم سلك على دير عبد الرحمن ثم دير أبي موسى ثم على شاطىء الفرات فلقيه هنالك منجم فأشار عليه بوقت من النهار يسير فيه ولا يسير في غيره فأنه يخشى عليه فخالفه علي فسار على خلاف ما قال فأظفره الله وقال علي إنما أردت أن أبين للناس خطأه وخشيت أن يقول جاهل إنما ظفر لكونه وافقه وسلك على ناحية الأنبار وبعث بين يديه قيس ابن سعد وأمره أن يأتي المدائن وأن يتلقاه بنائبها سعد بن مسعود وهو أخو عبد الله بن مسعود الثقفي في جيش المدائن فاجتمع الناس هنالك على علي وبعث إلى الخوارج أن ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم حتى أقتلهم ثم أنا تارككم وذاهب إلى العرب يعني أهل الشام ثم لعل الله أن يقبل بقلوبكم ويردكم إلى خير مما أنتم عليه فبعثوا إلى علي يقولون كلنا قتل إخوانكم ونحن
مستحلون دماءهم ودماءكم فتقدم إليهم قيس بن سعد بن عبادة فوعظهم فيما ارتكبوه من الأمر العظيم والخطب الجسيم فلم ينفع وكذلك ابو أيوب الأنصاري أنبهم ووبخهم فلم ينجع ؟ وتقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إليهم فوعظهم وخوفهم وحذرهم وأنذرهم وتوعدهم وقال إنكم أنكرتم علىأمرا أنتم دعوتموني إليه فنهيتكم عنه فلم تقبلوا وها أنا وأنتم فارجعوا إلى ما خرجتم منه ولا ترتكبوا محارم الله فأنكم قد سولت لكم أنفسكم أمرا تقتلون عليه المسلمين والله لو قتلتم عليه دجاجة لكان عظيما عند الله فكيف بدماء المسلمين فلم يكن لهم جواب إلا أن تنادوا فيما بينهم أن لا تخاطبوهم ولا تكلموهم وتهيؤا للقاء الرب عز وجل الرواح الرواح إلى الجنة وتقدموا فاصطفوا للقتال وتأهبوا للنزال فجعلوا على ميمنتهم زيد بن حصن الطائي السنبسي وعلى الميسرة شريح بن أوفى وعلىخيالتهم حمزة بن سنان وعلى الرجالة حرقوص بن زهير السعدي ووقفوا مقاتلين لعلي وأصحابه وجعل علي على ميمنته حجر بن عدي وعلى الميسرة شبيث بن ربعي ومعقل بن قيس الرياحي وعلىالخيل أبا أيوب الأنصاري وعلى الرجالة أبا قتادة الأنصاري وعلى أهل المدينة وكانوا في سبعمائة قيس بن سعد بن عبادة وأمر علي ابا ايوب الأنصاري أن يرفع راية أمان للخوارج ويقول لهم من جاء إلى هذه الراية فهو آمن ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن إنه لا حاجة لنا فيكم إلا فيمن قتل إخواننا فانصرف منهم طوائف كثيرون وكانوا في أربعة آلاف فلم يبق منهم إلا ألف او أقل مع عبد الله بن وهب الراسبي فزحفوا إلى علي فقدم علي بين يديه الخيل وقدم منهم الرماة وصف الرجاله وراء الخيالة وقال لأصحابه كفوا عنهم حتى يبدؤكم وأقبلت الخوارج يقولون لا حكم إلا لله الرواح الرواح إلى الجنة فحملوا على الخيالة الذين قدمهم على ففرقوهم حتى أخذت طائفة من الخيالة إلى الميمنة وأخرى إلى الميسرة فاستقبلتهم الرماة بالنبل فرموا وجوههم وعطفت عليهم الخيالة من الميمنة والميسرة ونهض إليهم الرجال بالرماح والسيوف فأناموا الخوارج فصاروا صرعى تحت سنابك الخيول وقتل امراؤهم عبد الله بن وهب وحرقوص بن زهير وشريح بن أوفى وعبد الله بن سخبرة السلمي قبحهم الله قال أبو أيوب وطعنت رجلا من الخوارج بالرمح فانفذته من ظهره وقلت له أبشر يا عدو الله بالنار فقال ستعلم اينا أولى بها صليا قالوا ولم يقتل من أصحاب على إلا سبعة نفر وجعل علي يمشي بين القتل منهم ويقول بؤسا لكم لقد ضركم من غركم فقالوا يا أمير المؤمنين ومن غرهم قال الشيطان وأنفس بالسوء أمارة غرتهم بالأماني وزينت لهم المعاصي ونبأتهم أنهم ظاهرون ثم أمر بالجرحى من بينهم فإذا هم اربعمائة فسلمهم إلى قبائلهم ليداووهم وقسم ما وجد من سلاح ومتاع لهم وقال الهيثم بن عدي في كتاب الخوارج وحدثنا محمد بن قيس الأسدي ومنصور بن دينار عن عبد الملك
ابن ميسرة عن النزال بن سبرة أن عليا لم يخمس ما أصاب من الخوارج يوم النهروان ولكن رده إلى أهله كله حتى كان آخر ذلك مرجل أتى به فرده وقال أبو مخنف حدثنى عبد الملك بن أبي حرة أن عليا خرج في طلب ذى الثدية ومعه سليمان بن ثمامة الحنفي أبو حرة والريان بن صبرة بن هوذة فوجده الرياني في حفرة على جانب النهر في أربعين أو خمسين قتيلا قال فلما استخرج نظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع على منكبه كثدى المرأة له حلمة عليها شعرات سود فإذا مدت امتدت حتى تحاذى يده الأخرى ثم تنزل فتعود إلى منكبه كثدى المرأة فلما رآه علي قال أما والله ما كذبت لولا أن تتكلوا على العمل لأخبرتكم بما قضى الله في قتالهم عارفا للحق وقال الهيثم بن عدي في كتابه في الخوارج وحدثني محمد بن ربيعة الأخنسي عن نافع بن مسلمة الأخنسي قال كان ذو الثدية رجلا من عرنة من بجيلة وكان أسود شديد السواد له ريح منتنة معروف في العسكر وكان يرافقنا قبل ذلك وينازلنا وننازله وحدثني أبو إسماعيل الحنفي عن الريان بن صيرة الحنفي قال شهدنا النهروان مع علي فلما وجد المخدج سجد سجدة طويلة وحدثني سفيان الثوري عن محمد بن قيس الهمدانى عن رجل من قومه يكنى أبا موسى أن عليا لما وجد المخدج سجد سجدة طويلة وحدثني يونس بن أبي إسحاق حدثني إسماعيل عن حبة العرنى قال لما أقبل أهل النهروان جعل الناس يقولون الحمد لله يا أمير المؤمنين الذى قطع دابرهم فقال على وكلا والله إنهم لفى أصلاب الرجال وأرحام النساء فإذا خرجوا من بين الشرايين فقل ما يقلون أحدا إلا ألبوا أن يظهروا عليه قال وكان عبد الله بن وهب الراسبي قد قحلت مواضع السجود منه من شدة اجتهاده وكثرة السجود وكان يقال له ذو البينات وروى الهيثم عن بعض الخوارج أنه قال ما كان عبد الله بن وهب من بغضه عليا يسميه إلا الجاحد وقال الهيثم بن عدى ثنا إسماعيل عن خالد عن علقمة بن عامر قال سئل علي عن أهل النهروان أمشركون هم فقال من الشرك فروا قيل أفمنافقون قال إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا فقيل فماهم يا أمير المؤمنين قال إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم ببغيهم علينا فهذا ما أورده ابن جرير وغيره في هذا المقام