وهذه ترجمة معاوية وذكر شىء من أيامه وما ورد فى مناقبه وفضائله
 
وهو معاوية بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى القرشى الأموى أبو عبد الرحمن خال المؤمنين وكاتب وحى رسول رب العالمين وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس اسلم معاوية عام الفتح وروى عنه أنه قال أسلمت يوم القضية ولكن كتمت إسلامى من أبى ثم علم بذلك فقال لى هذا أخوك يزيد وهو خير منك على دين قومه فقلت له لم آل نفسى جهدا قال معاوية ولقد دخل على رسول الله ص مكة فى عمرة القضاء وإنى لمصدق به ثم لما دخل عام الفتح أظهرت إسلامى فجئته فرحب بى وكتبت بين يديه قال الواقدى وشهد معه حنينا وأعطاه مائة من الإبل وأربعين اوقية من ذهب وزنها بلال وشهد اليمامة وزعم بعضهم أنه هو الذى قتل مسيلمة حكاه ابن عساكر وقد يكون له شرك فى قتله وإنما الذى طعنه وحشى وجلله أبو دجانة سماك بن خرشة بالسيف وكان أبوه من سادات قريش وتفرد بالسؤدد بعد يوم بدر ثم لما أسلم حسن بعد ذلك إسلامه وكان له مواقف شريفة وآثار محمودة فى يوم اليرموك وما قبله وما بعده وصحب معاوية رسول الله ص وكتب الوحى بين يديه مع الكتاب وروى عن رسول الله ص أحاديث كثيرة فى الصحيحين وغيرهما من السنن والمسانيد وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين قال أبو بكر بن أبى الدنيا كان معاوية طويلا أبيض جميلا إذا ضحك انقلبت شفته العليا وكان يخضب حدثنى محمد بن يزيد الأزدى ثنا أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز عن أبى عبد رب قال رأيت معاوية يصفر لحيته كأنها الذهب وقال غيره كان أبيض طويلا أجلح أبيض الرأس واللحيةة يخضبهما بالحناء والكتم وقد أصابته لوقة فى آخر عمره فكان يستر وجهه ويقول رحم الله عبدا دعا لي بالعافية فقد رميت فى أحسنى وما يبدو منى ولولا هواى فى يزيد لأبصرت رشدى وكان حليما وقورا رئيسا سيدا فى الناس كريما عادلا شهما وقال المدائنى عن صالح بن كيسان قال رأى بعض متفرسى العرب معاوية وهو صبى صغير فقال إنى لأظن هذا الغلام سيسود قومه فقالت هند ثكلته إن كان لا يسود إلا قومه وقال الشافعى قال أبو هريرة رأيت هندا بمكة كأن وجهها فلقة قمر وخلفها من عجيزتها مثل الرجل الجالس ومعها صبى يلعب فمر رجل فنظر إليه فقال إنى لأرى غلاما إن عاش ليسودن قومه فقالت هند إن لم يسد إلا قومه فأماته الله وهو معاوية بن أبى سفيان وقال محمد بن سعد أنبأنا على بن محمد بن عبد الله بن أبى سيف قال نظر أبو سفيان يوما إلى معاوية وهو غلام فقال لهند إن ابنى هذا لعظيم الرأس وإنه لخليق أن يسود قومه فقالت هند قومه فقط ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة وكانت هند تحمله وهو صغير وتقول
إن بنى معرق كريم * محبب فى أهله حليم
ليس بفحاش ولا لئيم * ولا ضجور ولا سؤوم
صخر بنى فهر به زعيم * لا يخلف الظن ولا يخيم
قال فلما ولى عمر يزيد بن أبى سفيان ما ولاه من الشام خرج إليه معاوية فقال أبو سفيان لهند كيف رأيت صار ابنك تابعا لابنى فقالت إن اضطربت خيل العرب فستعلم أين يقع ابنك مما يكون فيه ابنى فلما مات يزيد بن أبى سفيان سنة بضع عشرة وجاء البريد إلى عمر بموته رد عمر البريد إلى الشام بولاية معاوية مكان أخيه يزيد ثم عزى أبا سفيان فى ابنه يزيد فقال يا أمير المؤمنين من وليت مكانه قال أخوه معاوية قال وصلت رحما يا أمير المؤمنين وقالت هند لمعاوية فيما كتبت به إليه والله يا بنى إنه قل أن تلد حرة مثلك وإن هذا الرجل قد استنهضك فى هذا الأمر فاعمل بطاعته فيما أحببت وكرهت وقال له أبوه يا بنى إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخرنا فرفعهم سبقهم وقدمهم عند الله وعند رسوله وقصر بنا تأخيرنا فصاروا قادة وسادة وصرنا أتباعا وقد ولوك جسيما من أمورهم فلا تخافهم فانك تجرى إلى امد فنافس فان بلغته أورثته عقبك فلم يزل معاوية نائبا على الشام فى الدولة العمرية والعثمانية مدة خلافة عثمان وافتتح فى سنة سبع وعشرين جزيرة قبرص وسكنها المسلمون قريبا من ستين سنة فى أيامه ومن بعده ولم تزل الفتوحات
والجهاد قائما على ساقه فى أيامه فى بلاد الروم والفرنج وغيرها فلما كان من أمره وأمر أمير المؤمنين على ما كان لم يقع فى تلك الأيام فتح بالكلية لا على يديه ولا على يدى على وطمع فى معاوية ملك الروم بعد أن كان قد أخشاه واذله وقهر جنده ودحاهم فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب على تدانى إلى بعض البلاد فى جنود عظيمة وطمع فيه فكتب معاوية إليه والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمى عليك ولأخرجنك من جميع بلادك ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف وبعث يطلب الهدنة ثم كان من أمر التحكيم ما كان وكذلك ما بعده إلى وقت اصطلاحه مع الحسن بن على كما تقدم فانعقدت الكلمة على معاوية واجمعت الرعايا على بيعته فى سنة إحدى وأربعين كما قدمنا فلم يزل مستقلا بالأمر فى هذه المدة إلى هذه السنة التى كانت فيها وفاته والجهاد فى بلاد العدو قائم وكلمة الله عالية والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض والمسلمون معه فى راحة وعدل وصفح وعفو
وقد ثبت فى صحيح مسلم من طريق عكرمة بن عمار عن أبى زميل سماك بن الوليد عن ابن عباس قال قال أبو سفيان يا رسول الله ثلاثا أعطنيهن قال نعم قال تؤمرنى حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال نعم وذكر الثالثة وهو أنه أراد أن يزوج رسول الله ص بابنته الأخرى عزة بنت أبى سفيان واستعان على ذلك باختها أم حبيبة فقال إن ذلك لا يحل لى وقد تكلمنا على ذلك فى جزء مفرد وذكرنا أقوال الائمة واعتذارهم عنه ولله الحمد والمقصود منه أن معاوية كان من جملة الكتاب بين يدى رسول الله ص الذين يكتبون الوحى وروى الامام أحمد ومسلم والحاكم فى مستدركه من طريق أبى عوانة الوضاح ابن عبد الله اليشكرى عن أبى حمزة عمران بن أبى عطاء عن ابن عباس قال كنت ألعب مع الغلمان فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء فقلت ما جاء إلا إلى فاختب على باب فجاءنى فخطانى خطاة أو خطاتين ثم قال اذهب فادع لى معاوية وكان يكتب الوحى قال فذهبت فدعوته له فقيل إنه يأكل فأتيت رسول الله ص فقلت إنه يأكل فقال اذهب فادعه فأتيته الثانية فقيل إنه يأكل فأخبرته فقال في الثالثة لا أشبع الله بطنه قال فما شبع بعدها وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة فى دنياه وأخراه أما فى دنياه فانه لما صار إلى الشام أميرا كان يأكل فى اليوم سبع مرات يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها ويأكل فى اليوم سبع أكلات بلحم ومن الحلوى والفاكهة شيئا كثيرا ويقول والله ما أشبع وإنما أعيا وهذه نعمة ؟ ؟ ومعدة يرغب فيها كل الملوك وأما فى الآخرة فقد أتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الذى رواه البخارى وغيرهما من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله ص قال اللهم إنما أنا بشر فأيما عبد سببته أو جلدته
أو دعوت عليه وليس لذلك أهلا فاجعل ذلك كفارة وقربة تقر به بها عندك يوم القيامة فركب مسلم من الحديث الأول وهذا الحديث فضيلة لمعاوية ولم يورد له غير ذلك وقال المسيب بن واضح عن أبى إسحاق الفزارى عن عبد الملك بن أبى سليمان عن عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس قال أتى جبريل إلى رسول الله ص فقال يا محمد اقرىء معاوية السلام واستوص به خيرا فانه أمين الله على كتابه ووحيه ونعم الأمين ثم أورده ابن عساكر من وجه آخر عن عبد الملك بن أبى سليمان ثم أورده أيضا من رواية على وجابر بن عبد الله أن رسول الله ص استشار جبريل فى استكتابه معاوية فقال استكتبه فانه امين ولكن فى الأسانيد إليهما غرابة ثم أورد عن على فى ذلك غرائب كثيرة عن غيره أيضا وقال أبو عوانة عن سليمان عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن زهير بن الأقمر الزبيدى عن عبد الله بن عمرو قال كان معاوية يكتب للنبى ص وقال أبو القاسم الطبرانى حدثنا أحمد بن محمد الصيدلانى ثنا السرى عن عاصم ثنا عبد الله بن يحيى بن أبى كثير عن أبيه هشام بن عروة عن عائشة قالت لما كان يوم أم حبيبة من النبى ص دق الباب داق فقال النبى ص انظروا من هذا قالوا معاوية قال ائذنوا له فدخل وعلى أذنه قلم يخط به فقال ما هذا القلم على أذنك يا معاوية قال قلم أعددته لله ولرسوله فقال له جزاك الله عن نبيك خيرا والله ما استكتبتك إلا بوحى من الله وما أفعل من صغيرة ولا كبيرة إلا بوحى من الله كيف بك لو قمصك الله قمصا يعنى الخلافة فقامت أم حبيبة فجلست بين يديه وقالت يا رسول الله وإن الله مقمصه قميصا قال نعم ولكن فيه هنات وهنات فقالت يا رسول الله فادع الله له فقال اللهم اهده بالهدى وجنبه الردى واغفر له الآخرة والأولى قال الطبرانى تفرد به السرى عن عاصم عن عبد الله بن يحيى بن أبى كثير عن هشام وقد أورد ابن عساكر بعد هذا أحاديث موضوعة والعجب منه مع حفظه واطلاعه كيف لا ينبه عليها وعلى نكارتها وضعف رجالها والله الموفق للصواب وقد أوردنا من طريق أبى هريرة وأنس وواثلة بن الأسقع مرفوعا الأمناء ثلاثة جبريل وأنا ومعاوية ولا يصح من جميع وجوهه ومن رواية ابن عباس الأمناء سبعة القلم واللوح وإسرافيل وميكائيل وجبريل وأنا ومعاوية وهذا أنكر من الأحاديث التى قبله وأضعف إسنادا وقال الامام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدى عن معاوية يعنى ابن صالح عن يونس بن سيف عن الحارث بن زياد عن أبى رهم عن العرباض بن سارية السلمى قال سمعت رسول الله ص يدعونا إلى السحور فى شهر رمضان هلم إلى الغداء المبارك ثم سمعته يقول اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب تفرد به أحمد ورواه ابن جرير من حديث ابن مهدى وكذلك رواه
أسد بن موسى وبشر بن السرى وعبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح باسناده مثله وفى رواية بشر بن السرى وأدخله الجنة ورواه ابن عدى وغيره من حديث عثمان بن عبد الرحمن الجمحى عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله ص اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب وقال محمد بن سعد ثنا سليمان بن حرب والحسين بن موسى الأشيب قال ثنا أبو هلال محمد بن سليم ثنا جبلة بن عطية عن مسلمة بن مخلد وقال الأشهب قال أبو هلال أو عن رجل عن مسلمة بن مخلد وقال سليمان بن حرب أو حدثه مسلمة عن رجل أنه رأى معاوية ياكل فقال لعمرو بن العاص إن ابن عمك هذا لمخضد قال اما أنى أقول لك هذا وقد سمعت رسول الله ص يقول اللهم علمه الكتاب ومكن له فى البلاد وقه العذاب وقد أرسله غير واحد من التابعين منهم الزهرى وعروة بن رويم وجرير بن عثمان الرحبى الحمصى ويونس بن ميسرة بن حلبس وقال الطبرانى ثنا أبو زرعة واحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقيان قالا ثنا أبو مسهر ثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبى عميرة المربى وكان من أصحاب النبى ص أن رسول الله ص قال لمعاوية اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب قال ابن عساكر وهذا غريب والمحفوظ بهذا الاسناد حديث العرباض الذى تقدم ثم روى من طريق الطبرانى عن أبى زرعة عن أبى مسهر عن سعيد عن ربيعة عن عبد الرحمن بن أبى عميرة المزنى قال سمعت رسول الله ص يقول لمعاوية اللهم اجعله هاديا مهديا واهده واهد به وقال الأمام أحمد حدثنا على بن بحر ثنا الوليد بن مسلم ثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبى عميرة عن النبى ص أنه ذكر معاوية فقال اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به وهكذا رواه الترمذى عن محمد بن يحيى عن أبى مسهر عن سعيد بن عبد العزيز به وقال حسن غريب وقد رواه عمر بن عبد الواحد ومحمد بن سليمان الحرانى كما رواه الوليد بن مسلم وابو مسهر عن سعيد عن ربيعة بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبى عميرة ورواه محمد بن المصفى عن مروان بن محمد الطاطرى عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبى إدريس عن ابن أبي عميرة أن رسول الله ص دعا لمعاوية فقال اللهم علمه العلم واجعله هاديا مهديا واهده واهد به وقد رواه سلمة بن شبيب وصفوان بن صالح وعيسى بن هلال وأبو الأزهر عن مروان الطاطرى ولم يذكر أبا إدريس فى اسناده ورواه الطبرانى عن عبدان بن أحمد عن على بن سهل الرملى عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن عبد الرحمن بن أبى عميرة المزنى أنه سمع رسول الله ص وذكر معاوية فقال اللهم اجعله هاديا مهديا واهده قال ابن عساكر وقول الجماعة هو الصواب وقد اعتنى ابن عساكر بهذا الحديث واطنب فيه وأطيب
واطرب وافاد واجاد واحسن الانتقاد فرحمه الله كم له من موطن قد تبرز فيه على غيره من الحفاظ والنقاد وقال الترمذى حدثنا محمد بن يحيى ثنا عبد الله بن محمد النفيلى ثنا عمرو بن واقد عن يونس بن حلبس عن أبى إدريس الخولانى قال لما عزل عمر بن الخطاب عمير بن سعد عن الشام وولى معاوية قال للناس عزل عمر عميرا وولى معاوية فقال عمر لا تذكروا معاوية إلا بخير فانى سمعت رسول الله ص يقول اللهم اهد به تفرد به الترمذى وقال غريب وعمرو ابن واقد ضعيف هكذا ذكره أصحاب الأطراف فى مسند عمير بن سعد الأنصارى وعندى أنه ينبغى أن يكون من رواية عمر بن الخطاب ويكون الصواب فقال عمر لا تذكروا معاوية إلا بخير ليكون عذرا له فى توليته له ومما يقوى هذا ان هشام بن عمار قال حدثنا ابن أبى السائب وهو عبد العزيز بن الوليد بن سليمان قال وسمعت أبى يذكر أن عمر بن الخطاب ولى معاوية بن أبى سفيان فقالوا ولى حدث السن فقال تلوموننى فى ولايته وأنا سمعت رسول الله ص يقول اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به وهذا منقطع يقويه ما قبله
قال الطبرانى حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا نعيم بن حماد ثنا محمد بن شعيب بن سابور ثنا مروان بن جناح عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن عبد الله بن بسر أن رسول الله ص استشار أبا بكر وعمر فى أمر فقال أشيروا على فقالا الله ورسوله أعلم فقال ادعوا معاوية فقال أبو بكر وعمر أما فى رسول الله ص ورجلين من رجال قريش ما يتقنون امرهم حتى يبعث رسول الله ص إلى غلام من غلمان قريش فقال ادعو لى معاوية فدعى له فلما وقف بين يديه قال رسول الله ص أحضروه أمركم وأشهدوه أمركم فانه قوى أمين ورواه بعضهم عن نعيم وزاد وحملوه أمركم ثم ساق ابن عساكر أحاديث كثيرة موضوعة بلا شك فى فضل معاوية أضربنا عنها صفحا واكتفينا بما اوردناه من الأحاديث الصحاح والحسان والمستجادات عما سواها من الموضعات والمنكرات
ثم قال ابن عساكر واصح ما روى فى فضل معاوية حديث أبى حمزة عن ابن عباس أنه كان كاتب النبى ص منذ أسلم أخرجه مسلم فى صحيحه وبعده حديث العرباض اللهم علم معاوية الكتاب وبعده حديث ابن أبى عمير اللهم اجعله هاديا مهديا قلت وقد قال البخارى فى كتاب المناقب ذكر معاوية بن أبى سفيان حدثنا الحسن بن بشر ثنا المعافى عن عثمان ابن الأسود عن ابن ابى مليكة قال أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس فأتى ابن عباس فقال أوتر معاوية بعد العشاء فقال دعه فانه قد صحب رسول الله ص حدثنا ابن أبى مريم ثنا نافع بن عمر ثنا ابن أبى مليكة قال قيل لابن عباس هل لك فى
امير المؤمنين معاوية ما اوتر إلا بواحدة قال أصاب إنه فقيه ثنا عمرو بن عباس ثنا جعفر ثنا شعبة عن أبى التياح قال سمعت حمدان عن أبان عن معاوية قال إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيناه يصليهما ولقد نهى عنهما يعنى الركعتين بعد العصر ثم قال البخارى بعد ذلك ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة حدثنا عبدان ثنا عبد الله يونس عن الزهرى حدثنى عروة أن عائشة قالت جاءت هند بنت عتبة امرأة أبى سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إلى من أن يذلوا من أهل خبائك فقال وأيضا والذى نفسى بيده فقالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك فهل على من حرج ان أطعم من الذى له عيالنا قال لا إلا بالمعروف فالمدحة فى قوله وأيضا والذى نفسى بيده وهو أنه كان يود أن هندا واهلها وكل كافر يذلوا فى حال كفرهم فلما اسلموا كان يحب ان يعزوا فأعزهم الله يعنى أهل خبائها
وقال الامام أحمد حدثنا روح ثنا أبو أمية عمرو بن يحيى بن سعيد قال سمعت جدى يحدث أن معاوية أخذ الاداوة بعد أبى هريرة فتبع رسول الله ص بها وكان أبو هريرة قد اشتكى فبينما هو يوضىء رسول الله ص إذ رفع رأسه إليه مرة أو مرتين وهو يتوضأ فقال يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله واعدل قال معاوية فما زلت أظن أنى سأبتلى بعمل لقول النبى ص حتى ابتليت تفرد به أحمد ورواه أبو بكر بن أبى الدنيا عن أبى إسحاق الهمذانى سعيد بن زنبور بن ثابت عن عمرو ابن يحيى بن سعيد ورواه ابن منده من حديث بشر بن الحكم عن عمرو بن يحيى به وقال أبو يعلى حدثنا سويد بن سعيد ثنا عمرو بن يحيى بن سعيد عن جده عن معاوية قال اتبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فلما توضأ نظر إلى فقال يا معاوية إن وليت أمرا فاتق واعدل فما زلت اظن أنى مبتلى بعمل حتى وليت ورواه غالب القطان عن الحسن قال سمعت معاوية يخطب وهو يقول صببت يوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه فرفع رأسه إلى فقال أما إنك ستلى أمر أمتى بعدى فاذا كان ذلك فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم وقال فما زلت أرجو حتى قمت مقامى هذا وروى البيهقى عن الحاكم بسنده إلى إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عبد الملك بن عمير قال قال معاوية والله ما حملنى على الخلافة إلا قول رسول الله ص إن ملكت فأحسن قال البيهقى إسماعيل بن إبراهيم هذا ضعيف إلا أن للحديث شواهد وروى ابن عساكر باسناده عن نعيم بن حماد ثنا محمد بن حرب عن أبى بكر بن ابى مريم ثنا محمد بن زياد عن عوف بن مالك الأشجعى قال بينما أنا راقد فى كنيسة يوحنا وهى يومئذ مسجد يصلى فيها إذا انتبهت من نومى فاذا أنا بأسد يمشى بين يدى فوثبت إلى سلاحى فقال الأسد مه إنما أرسلت إليك
برسالة لتبلغها قلت ومن ارسلك قال الله أرسلنى إليك لتبلغ معاوية السلام وتعلمه أنه من أهل الجنة فقلت له ومن معاوية قال معاوية بن أبى سفيان ورواه الطبرانى عن أبى يزيد القراطيسى عن المعلى بن الوليد القعقاعى عن محمد بن حبيب الخولانى عن أبى بكر بن عبد الله بن أبى مريم الغسانى وفيه ضعف وهذا غريب جدا ولعل الجميع مناما ويكون قوله إذا انتهيت من نومى مدرجا لم يضبطه ابن أبى مريم والله أعلم
وقال محمد بن عائذ عن الوليد عن ابن لهيعة عن يونس عن الزهرى قال قدم عمر الجابية فنزع شرحبيل وامر عمرو بن العاص بالمسير إلى مصر ونفى الشام على أميرين أبى عبيدة ويزيد ثم توفى أبو عبيدة فاستخلف عياض بن غنم ثم توفى يزيد فأمر معاوية مكانه ثم نعاه عمر لأبى سفيان فقال لأبى سفيان احتسب يزيد بن أبى سفيان قال من أمرت مكانه قال معاوية فقال وصلت رحما يا أمير المؤمنين فكان معاوية على الشام وعمير بن سعد حتى قتل عمر رضى الله عنهم وقال محمد بن إسحاق مات أبو عبيدة فى طاعون عمواس واستخلف معاذا فمات معاذ واستخلف يزيد بن أبى سفيان فمات واستخلف أخاه معاوية فأقره عمر وولى عمرو بن العاص فلسطين والأردن ومعاوية دمشق وبعلبك والبلقاء وولى سعد بن عامر بن جذيم حمص ثم جمع الشام كلها لمعاوية بن أبى سفيان ثم أمره عثمان بن عفان على الشام وقال إسماعيل بن أمية افرد عمر معاوية بامرة الشام وجعل له فى كل شهر ثمانين دينارا والصواب أن الذى جمع لمعاوية الشام كلها عثمان بن عفان واما عمر فانه إنما ولاه بعض أعمالها وقال بعضهم لما عزيت هند فى يزيد بن أبى سفيان ولم يكن منها قيل لها إنه قد جعل معاوية أميرا مكانه فقالت أو مثل معاوية يجعل خلفا من أحد فوالله لو أن العرب اجتمعت متوافرة ثم رمى به فيها لخرج من أى أعراضها نواحيها شاء وقال آخرون ذكر معاوية عند عمر فقال دعوا فتى قريش وابن سيدها إنه لمن يضحك فى الغضب ولا ينال منه إلا على الرضا ومن لا ياخذ من فوق رأسه إلا من تحت قدميه وقال ابن أبى الدنيا حدثنى محمد بن قدامة الجوهرى حدثنى عبد العزيز بن يحيى عن شيخ له قال لما قدم عمر بن الخطاب الشام تلقاه معاوية فى موكب عظيم فلما دنا من عمر قال له أنت صاحب الموكب قال نعم يا أمير المؤمنين قال هذا حالك مع ما بلغنى من طول وقوف ذوى الحاجات ببابك قال هو ما بلغك من ذلك قال ولم تفعل هذا لقد هممت أن آمرك بالمشى حافيا إلى بلاد الحجاز قال يا أمير المؤمنين إنا بأرض جواسيس العدو فيها كثيرة فيجب أن نظهر من عز السلطان ما يكون فيه عز للاسلام وأهله ويرهبهم به فان أمرتنى فعلت وإن نهيتنى انتهيت فقال له عمر يا معاوية ما سألتك عن شىء إلا تركتنى فى مثل رواجب الضرس لئن كان ما قلت حقا إنه
لرأى أريت ولئن كان باطلا إنه لخديعة أديت قال فمرنى يا أمير المؤمنين بما شئت قال لا آمرك ولا أنهاك فقال رجل يا أمير المؤمنين ما أحسن ما صدر الفتى عما اوردته فيه فقال عمر لحسن موارده ومصادره جشمناه ما جشمناه وفى رواية أن معاوية تلقى عمر حين قدم الشام ومعاوية فى موكب كثيف فاجتاز بعمر وهو وعبد الرحمن بن عوف راكبان على حمار ولم يشعر بهما فقيل له إنك جاوزت أمير المؤمنين فرجع فلما رأى عمر ترجل وجعل يقول له ما ذكرنا فقال عبد الرحمن بن عوف ما أحسن ما صدر عما أوردته فيه يا أمير المؤمنين فقال من أجل ذلك جشمناه ما جشمناه
وقال عبد الله بن المبارك فى كتاب الزهد اخبرنا محمد بن ذئب عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر قال قدم علينا معاوية وهو أبيض نص وباص أبض الناس واجملهم فخرج إلى الحج مع عمر فكان عمر ينظر إليه فيعجب منه ثم يضع إصبعه على متن معاوية ثم يرفعها عن مثل الشراك فيقول بخ بخ نحن إذا خير الناس أن جمع لنا خير الدنيا والآخرة فقال معاوية يا أمير المؤمنين سأحدثك انا بأرض الحمامات والريف والشهوات فقال عمر سأحدثك ما بك إلا إلطافك نفسك بأطيب الطعام وتصبحك حتى تضرب الشمس متنيك وذووا الحاجات وراء الباب فقال يا امير المؤمنين علمنى امتثل قال فلما جئنا ذا طوى أخرج معاوية حلة فلبسها فوجد عمر منها ريحا كأنه ريح طيب فقال يعمد أحدكم فيخرج حاجا مقلا حتى إذا جاء أعظم بلدان الله حرمة أخرج ثوبيه كأنهما كانا فى الطيب فلبسهما فقال معاوية إنما لبستهما لأدخل فيهما على عشيرتى وقومى والله لقد بلغنى أذاك ههنا وبالشام فالله يعلم أنى لقد عرفت الحياء فيه ثم نزع معاوية ثوبيه ولبس ثوبيه اللذين أحرم فيهما
وقال أبو بكر بن أبى الدنيا حدثنى أبى عن هشام بن محمد عن أبى عبد الرحمن المدنى قال كان عمر بن الخطاب إذا رأى معاوية قال هذا كسرى العرب وهكذا حكى المدائنى عن عمر أنه قال ذلك وقال عمرو بن يحيى بن سعيد الأموى عن جده قال دخل معاوية على عمر وعليه حلة خضراء فنظر إليها الصحابة فلما رأى ذلك عمر وثب إليه بالدرة فجعل يضربه بها وجعل معاوية يقول يا أمير المؤمنين الله الله فى فرجع عمر إلى مجلسه فقال له القوم لم ضربته يا أمير المؤمنين وما فى قومك مثله فقال والله ما رأيت إلا خيرا وما بلغنى إلا خير ولو بلغنى غير ذلك لكان منى إليه غير ما رأيتم ولكن رأيته وأشار بيده فأحببت أن أضع منه ما شمخ وقد قال أبو داود حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقى ثنا يحيى بن حمزة ثنا ابن أبى مريم أن القاسم بن مخيمرة اخبره أن أبا مريم الأزدى أخبره قال دخلت على معاوية فقال ما أنعمنا بك أبا فلان وهى كلمة تقولها
العرب فقلت حديث سمعته أخبرك به سمعت رسول الله ص يقول من ولاه الله شيئا من امر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجتة ؟ ؟ وخلته وفقره قال فجعل معاوية حين سمع هذا الحديث رجلا على حوائج الناس ورواه الترمذى وغيره
وقال الامام أحمد حدثنا مروان بن معاوية الفزارى ثنا حبيب بن الشهيد عن أبى مجلز قال خرج معاوية على الناس فقاموا له فقال سمعت رسول الله ص يقول من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار وفى رواية قال خرج معاوية على ابن عامر وابن الزبير فقام له ابن عامر ولم يقم له ابن الزبير فقال معاوية لابن عامر إجلس فانى سمعت رسول الله ص يقول من أحب ان يتمثل له العباد قياما فليتبوأ مقعده من النار ورواه أبو داود والترمذى من حديث حبيب بن الشهيد وقال الترمذى حديث حسن وروى أبو داود من حديث الثورى عن ثور بن يزيد عن راشد بن سعد المقرى الحمصى عن معاوية قال قال رسول الله ص إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم قال كلمة سمعها معاوية نفعه الله بها تفرد به أحمد يعنى أنه كان جيد السيرة حسن التجاوز جميل العفو كثير الستر رحمه الله تعالى وثبت فى الصحيحين من حديث الزهرى عن حميد بن عبد الرحمن عن معاوية أنه قال سمعت رسول الله ص يقول من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين وإنما أنا قاسم والله يعطى ولا يزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتى أمر الله وهم ظاهرون وفى رواية وهم على ذلك وقد خطب معاوية بهذا الحديث مرة ثم قال وهذا مالك ابن يخامر يخبر عن معاذ أن رسول الله ص قال وهم بالشام يحث بهذا أهل الشام على مناجزة أهل العراق وإن أهل الشام هم الطائفة المنصورة على من خالفها وهذا مما كان يحتج به معاوية لأهل الشام فى قتالهم أهل العراق وقال الليث بن سعد فتح معاوية قيسارية سنة تسع عشرة فى دولة عمر بن الخطاب وقال غيره وفتح قبرص سنة خمس وقيل سبع وقيل ثمان وعشرين فى أيام عثمان قالوا وكان عام غزوة المضيق يعنى مضيق القسطنطينية فى سنة ثنتين وثلاثين فى أيامه وكان هو الأمير على الناس عامئذ وجمع عثمان لمعاوية جميع الشام وقيل إن عمر هو الذى جمعها له والصحيح عثمان واستقضى معاوية فضالة بن عبيد بعد أبى الدرداء ثم كان ما كان بينه وبين على بعد قتل عثمان على سبيل الاجتهاد والرأى فجرى بينهما قتال عظيم كما قدمنا وكان الحق والصواب مع على ومعاوية معذور عند جمهور العلماء سلفا وخلفا وقد شهدت الأحاديث الصحيحة بالأسلام للفريقين من الطرفين اهل العراق وأهل الشام كما ثبت فى الحديث الصحيح
تمرق مارقة على خير فرقة من المسلمين فيقتلها أدنى الطائفتين إلى الحق فكانت المارقة الخوارج وقتلهم على وأصحابه ثم قتل على فاستقل معاوية بالأمر سنة إحدى وأربعين وكان يغزو الروم فى كل سنة مرتين مرة فى الصيف ومرة فى الشتاء ويأمر رجلا من قومه فيحج بالناس وحج هو سنة خمسين وحج ابنه يزيد سنة إحدى وخمسين وفيها أوفى التى بعدها أغزاه بلاد الروم فسار معه خلق كثير من كبراء الصحابة حتى حاصر القسطنطينية وقد ثبت فى الصحيح أول جيش يغزو القسطنطينة مغفور لهم وقال وكيع عن الأعمش عن أبى صالح قال كان الحادى يحدو بعثمان فيقول
إن الأمير بعده على * وفى الزبير خلف مرضى
فقال كعب بل هو صاحب البغلة الشهباء يعنى معاوية فقال يا أبا إسحاق تقول هذا وههنا على والزبير وأصحاب محمد ص فقال أنت صاحبها ورواه سيف عن بدر بن الخليل عن عثمان ابن عطية الأسدى عن رجل من بنى أسد قال ما زال معاوية يطمع فيها منذ سمع الحادى فى أيام عثمان يقول
إن الأمير بعده على * وفى الزبير خلف مرضى
فقال كعب كذبت بل صاحب البغلة الشهباء بعده يعنى معاوية فقال له معاوية فى ذلك فقال نعم أنت الأمير بعده ولكنها والله لا تصل إليك حتى تكذب بحديثى هذا فوقعت فى نفس معاوية
وقال ابن أبى الدنيا حدثنا محمد بن عباد المكى ثنا سفيان بن عيينة عن أبى هارون قال قال عمر إياكم والفرقة بعدى فان فعلتم فان معاوية بالشام وستعلمون إذا وكلتم إلى رأيكم كيف يستبزها دونكم ورواه الواقدى من وجه آخر عن عمر رضى الله عنه وقد روى ابن عساكر عن عامر الشعبى أن عليا حين بعث جرير بن عبد الله البجلى إلى معاوية قبل وقعة صفين وذلك حين عزم على على قصد الشام وجمع الجيوش لذلك وكتب معه كتابا إلى معاوية يذكر له فيه أنه قد لزمته بيعته لانه قد بايعه المهاجرون والأنصار فان لم تبايع استعنت بالله عليك وقاتلتك وقد أكثرت القول فى قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إلى أحملك وإياهم على كتاب الله فى كلام طويل وقد قدمنا أكثره فقرأه معاوية على الناس وقام جرير فخطب الناس وأمر فى خطبته معاوية بالسمع والطاعة وحذره من المخالفة والمعاندة ونهاه عن إيقاع الفتنة بين الناس وأن يضرب بعضهم بعضا بالسيوف فقال معاوية انتظر حتى آخذ رأى أهل الشام فلما كان بعد ذلك أمر معاوية مناديا فنادى فى الناس الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس صعد المنبر فخطب فقال الحمد لله الذى جعل الدعائم للأسلام أركانا والشرائع للأيمان برهانا يتوقد مصباحه
بالسنة فى الأرض المقدسة التى جعلها الله محل الأنبياء والصالحين من عباده فأحلها أهل الشام ورضيهم لها ورضيها لهم لما سبق فى مكنون علمه من طاعتهم ومناصحتهم اولياءه فيها والقوام بأمره الذابين عن دينه وحرماته ثم جعلهم لهذه الأمة نظاما وفى أعلام الخير عظاما يردع الله بهم الناكثين ويجمع بهم الألفة بين المؤمنين والله نستعين على إصلاح ما تشعث من أمور المسلمين وتباعد بينهم بعد القرب والألفة اللهم انصرنا على قوم يوقظون نائما ويخيفون آمنا ويريدون هراقة دمائنا وإخافة سبلنا وقد يعلم الله أنا لا نريد لهم عقابا ولا نهتك لهم حجابا غير أن الله الحميد كسانا من الكرامة ثوبا لن ننزعه طوعا ما جاوب الصدى وسقط الندى وعرف الهدى وقد علمنا أن الذى حملهم على خلافنا البغى والحسد لنا فالله نستعين عليهم أيها الناس قد علمتم أنى خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأنى خليفة أمير المؤمنين عثمان عليكم وأنى لم أقم رجلا منكم على خزائه قط وإنى ولى عثمان وابن عمه قال الله تعالى فى كتابه ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وقد علمتم أنه قتل مظلوما وأنا أحب أن تعلمونى ذات أنفسكم فى قتل عثمان
فقال أهل الشام بأجمعهم بل نطلب بدمه فأجابوه إلى ذلك وبايعوه ووثقوا له أن يبذلوا فى ذلك أنفسهم وأموالهم أو يدركوا بثأره أو يفنى الله أرواحهم قبل ذلك فلما رأى جرير من طاعة أهل الشام لمعاوية ما رأى أفزعه ذلك وعجب منه وقال معاوية لجرير إن ولانى على الشام ومصر بايعته على أن لا يكون لاحد بعده على بيعة فقال اكتب إلى علي بما شئت وأنا أكتب معك فلما بلغ عليا الكتاب قال هذه خديعة وقد سألنى المغيرة بن شعبة أن أولى معاوية الشام وأنا بالمدينة فأبيت ذلك وما كنت متخذ المضلين عضدا ثم كتب إلى جرير بالقدوم عليه فما قدم إلا وقد اجتمعت العساكر إلى على وكتب معاوية إلى عمرو بن العاص وكان معتزلا بفلسطين حين قتل عثمان وكان عثمان قد عزله عن مصر فاعتزل بفلسطين فكتب إليه معاوية يستدعيه ليستشيره فى أموره فركب إليه فاجتمعا على حرب على وقد قال عقبة بن أبى معيط فى كتاب معاوية إلى على حين سأله نيابة الشام ومصر فكتب إلى معاوية يؤنبه ويلومه على ذلك ويعرض بأشياء ؟ ؟ فيه
معاوى إن الشام شامك فاعتصم * بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا
فان عليا ناظر ما تجيبه * فأهد له حربا يشيب النواصيا
وحام عليها بالقتال وبالقنا * ولا تك مخشوش الذراعين وانيا
وإلا فسلم إن فى الأمن راحة * لمن لا يريد الحرب فاختر معاويا
وإن كتابا يا ابن حرب كتبته * على طمع جان عليك الدواهيا
سألت عليا فيه مالا تناله * ولو نلته لم يبق إلا لياليا
إلى أن ترى منه الذى ليس بعدها * بقاء فلا تكثر عليك الأمانيا
الساعة الواحدة وقال أبو القاسم البغوى حدثنا بشر بن الوليد الكندى ثنا إسحاق بن سعد عن سعيد أن عائشة قالت لأبى هريرة أكثرت الحديث عن رسول الله ص يا أبا هريرة قال إنى والله ما كانت تشغلنى عنه المكحلة والخضاب ولكن أرى ذلك شغلك عما استكثرت من حديثى قالت لعله وقال أبو يعلى حدثنا إبراهيم الشامى ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبى رافع أن رجلا من قريش أتى أبا هريرة فى حلة وهو يتبختر فيها فقال يا أبا هريرة إنك تكثر الحديث عن رسول الله ص فهل سمعته يقول فى حلتى هذه شيئا قال والله إنكم لتؤذوننا ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه ما حدثتكم بشىء سمعت أبا القاسم ص يقول إن رجلا ممن كان قبلكم بينما هو يتبختر فى حلة إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة فوالله ما أدرى لعله كان من قومك أومن رهطك شك أبو يعلى وقال محمد بن سعد حدثنا محمد بن عمر حدثنى كثير بن زيد عن الوليد بن رباح قال سمعت أبا هريرة يقول لمروان والله ما أنت بوال وإن الوالى لغيرك فدعه يعنى حين أرادوا يدفنون الحسن مع رسول الله ص ولكنك تدخل فيما لايعنيك إنما تريد بهذا إرضاء من هو غائب عنك يعنى معاوية قال فأقبل عليه مروان مغضبا فقال يا أبا هريرة إن الناس قد قالوا إنك أكثرت على رسول الله ص الحديث وإنما قدمت قبل وفاة النبى ص بيسير فقال أبو هريرة نعم قدمت ورسول الله ص بخيبر سنة سبع وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات وأقمت معه حتى توفى أدور معه فى بيوت نسائه وأخدمه وأنا والله يومئذ مقل وأصلى خلفه وأحج وأغزو معه فكنت والله أعلم الناس بحديثه قد والله سبقنى قوم بصحبته والهجرة إليه من قريش والأنصار وكانوا يعرفون لزومى له فيسألونى عن حديثه منهم عمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير فلا والله ما يخفى على كل حديث كان بالمدينة وكل من أحب الله ورسوله وكل من كانت له عند رسول الله ص منزلة وكل صاحب له وكان أبو بكر صاحبه فى الغار وغيره وقد أخرجه رسول الله ص أن يساكنه يعرض بأبى مروان الحكم بن العاص ثم قال أبو هريرة ليسألنى أبو عبد الملك عن هذا وأشباهه فانه يجد عندى منه علما جما ومقالا قال فوالله ما زال مروان يقصر عن أبى هريرة ويتقيه بعد ذلك ويخافه ويخاف جوابه وفى رواية أن أبا هريرة قال لمروان إنى أسلمت وهاجرت اختيارا وطوعا واحببت رسول الله ص حبا شديدا وأنتم أهل الدار وموضع الدعوة أخرجتم الداعى من أرضه وآذيتموه وأصحابه وتأخر إسلامكم عن إسلامى إلى الوقت المركوه إليكم فندم مروان على كلامه له واتقاه وقال ابن أبى خيثمة حدثنا هارون بن معروف ثنا محمد بن سلمة ثنا محمد بن إسحاق عن
ومثل على تغترره بخدعة وقد كان ما خربت من قبل بانيا
ولو نشبت أظفاره فيك مرة * فراك ابن هند بعد ما كنت فاريا
وقد روى من غير وجه أن أبا مسلم الخولانى وجماعة معه دخلوا على معاوية فقالوا له أنت تنازع عليا أم أنت مثله فقال والله إنى لأعلم أنه خير منى وأفضل واحق بالأمر منى ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما وأنا ابن عمه وأنا أطلب بدمه وامره إلى فقولوا له فليسلم إلى قتلة عثمان وأنا أسلم له أمره فأتوا عليا فكلموه فى ذلك فلم يدفع إليهم أحدا فعند ذلك صمم أهل الشام على القتال مع معاوية وعن عمرو بن شمر عن جابر الجعفى عن عامر الشعبى وأبى جعفر الباقر قال بعث على رجلا إلى دمشق ينذرهم أن عليا قد نهد فى أهل العراق إليكم ليستعلم طاعتكم لمعاوية فلما قدم أمر معاوية فنودى فى الناس الصلاة جامعة فملأوا المسجد ثم صعد المنبر فقال فى خطبته إن عليا قد نهد إليكم فى أهل العراق فما الرأى فضرب كل منهم على صدره ولم يتكلم أحد منهم ولا رفعوا إليه أبصارهم وقام ذو الكلاع فقال يا أمير المؤمنين عليك الرأى وعلينا الفعال ثم نادى معاوية فى الناس أن أخرجوا إلى معسكركم فى ثلاث فمن تخلف بعدها فقد أحل بنفسه فاجتمعوا كلهم فركب ذلك الرجل إلى على فأخبره فأمر على مناديا فنادى الصلاة جامعة فاجتمعوا فصعد المنبر فقال إن معاوية قد جمع الناس لحربكم فما الرأى فقال كل فريق منهم مقالة واختلط كلام بعضهم فى بعض فلم يدر على مما قالوا شيئا فنزل عن المنبر وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب والله بها ابن آكلة الأكباد ثم كان من أمر الفريقين بصفين ما كان كما ذكرناه مبسوطا فى سنة ست وثلاثين وقد قال أبو بكر بن دريد أنبأنا أبو حاتم عن أبى عبيدة قال قال معاوية لقد وضعت رجلى فى الركاب وههممت يوم صفين بالهزيمة فما منعنى إلا قول ابن الاطنابة حيث يقول
أبت لى عفتى وأبى بلائى * وأخذى الحمد بالثمن الربيح
وإكراهى على المكروه نفسى * وضربى هامة البطل المشيح
وقولى كلما جشأت وجاشت * مكانك تحمدى أو تستريحى