وهذه ترجمة معاوية وذكر شىء من أيامه وما ورد فى مناقبه وفضائله تتمة
 

وروى البيهقى عن الامام أحمد أنه قال الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلى فقيل له فمعاوية قال لم يكن أحد أحق بالخلافة فى زمان على من على روحم الله معاوية وقال على بن المدينى
سمعت سفيان بن عيينة يقول ما كانت فى على خصلة تقصر به عن الخلافة ولم يكن فى معاوية خصلة ينازع بها عليا وقيل لشريك القاضى كان معاوية حليما فقال ليس بحليم من سفه الحق وقاتل عليا رواه ابن عساكر وقال سفيان الثورى عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه ذكر معاوية وأنه لبى عشية عرفة فقال فيه قولا شديدا ثم بلغه أن عليا لبى عشية عرفة فتركه وقال أبو بكر بن أبى الدنيا حدثنى عباد بن موسى ثنا على بن ثابت الجزرى عن سعيد بن أبى عروبة عن عمر بن عبد العزيز قال رأيت رسول الله ص فى المنام وأبو بكر وعمر جالسان عنده فسلمت عليه وجلست فبينما أنا جالس إذ أتى بعلى ومعاوية فأدخلا بيتا وأجيف الباب وأنا أنظر فما كان بأسرع من أن خرج على وهو يقول قضى لى ورب الكعبة ثم ما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهو يقول غفر لى ورب الكعبة وروى ابن عساكر عن أبى زرعة الرازى أنه قال له رجل إنى أبغض معاوية فقال له ولم قال لأنه قاتل عليا فقال له أبو زرعة ويحك إن ؟ ؟؟ معاوية رحيم وخصم معاوية خصم كريم فايش دخولك أنت بينهما رضى الله عنهما وسئل الامام أحمد عما جرى بين على ومعاوية فقرأ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون وكذا قال غير واحد من السلف
وقال الأوزاعى سئل الحسن عما جرى بين على وعثمان فقال كانت لهذا سابقة ولهذا سابقة ولهذا قرابة ولهذا قرابة فابتلى هذا وعوفى هذا وسئل عما جرى بين على ومعاوية فقال كانت لهذا قرابة ولهذا قرابة ولهذا سابقة ولم يكن لهذا سابقة فابتلينا جميعا وقال كلثوم بن جوشن سأل النضر أبو عمر الحسن البصرى فقال أبو بكر أفضل أم على فقال سبحان الله ولا سواء سبقت لعلى سوابق يشركه فيها أبو بكر واحدث على حوادث لم يشركه فيها أبو بكر أبو بكر أفضل قال فعمر أفضل أم على فقال مثل قوله فى أبى بكر ثم قال عمر أفضل ثم قال عثمان أفضل أم على فقال مثل قوله الأول ثم قال عثمان أفضل قال فعلى أفضل أم معاوية فقال سبحان الله ولا سواء سبقت لعلى سوابق لم يشركه فيها معاوية وأحدث على أحداثا شركه فيها معاوية على أفضل من معاوية وقد روى عن الحسن البصرى أنه كان ينقم على معاوية أربعة أشياء قتاله عليا وقتله حجر بن عدى واستلحاقه زياد بن أبيه ومبايعته ليزيد ابنه وقال جرير بن عبد الحميد عن مغيرة قال لما جاء خبر قتل على إلى معاوية جعل يبكى فقالت له امرأته أتبكيه وقد قاتلته فقال ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم وفى رواية أنها قالت له بالأمس تقاتلنه واليوم تبكينه
قلت وقد كان مقتل على فى رمضان سنة أربعين ولهذا قال الليث بن سعد إن معاوية بويع
له بايليا بيعة الجماعة ودخل الكوفة سنة أربعين والصحيح الذى قاله ابن اسحاق والجمهور انه بويع له بايليا فى رمضان سنة أربعين حين بلغ أهل الشام مقتل على ولكنه إنما دخل الكوفة بعد مصالحة الحسن له فى شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وهو عام الجماعة وذلك بمكان يقال له أدرج وقيل بمسكن من أرض سواد العراق من ناحية الانبار فاستقل معاوية بالأمر إلى أن مات سنة ستين قال بعضهم كان نقش خاتم معاوية لكل عمل ثواب وقيل بل كان لا قوة إلا بالله وقال يعقوب بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وسعيد بن منصور قالا ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن سويد قال صلى بنا معاوية بالنخيلة يعنى خارج الكوفة الجمعة فى الضحى ثم خطبنا فقال ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا ؟ ؟؟ ولا لتزكوا قد عرفت أنكم تفعلون ذلك ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم فقد أعطانى الله ذلك وأنتم كارهون رواه محمد بن سعد عن يعلى بن عبيد عن الأعمش به وقال محمد بن سعد حدثنا عارم ثنا حماد بن يزيد عن معمر عن الزهرى أن معاوية عمل سنتين عمل عمر ما يخرم فيه ثم إنه بعد عن ذلك وقال نعيم بن حماد حدثنا ابن فضيل عن السرى بن إسماعيل عن الشعبى حدثنى سفيان بن الليل قال قلت للحسن بن على لما قدم من الكوفة إلى المدينة يا مذل المؤمنين قال لا تقل ذلك فإنى سمعت رسول الله ص يقول لا تذهب الايام والليالي حتى يملك معاوية فعلمت أن أمر الله واقع فكرهت أن تهراق بينى وبينه دماء المسلمين وقال مجالد عن الشعبى عن الحارث الأعور قال قال على بعد ما رجع من صفين أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية فانكم لو فقدتموه رأيتم الرؤس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل وقال ابن عساكر باسناده عن أبى داود الطيالسى ثنا أيوب بن جابر عن أبى إسحاق عن الأسود بن يزيد قال قلت لعائشة ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب رسول الله ص فى الخلافة فقالت وما تعجب من ذلك هو سلطان الله يؤتيه البر والفاجر وقد ملك فرعون اهل مصر أربعمائة سنة وكذلك غيره من الكفار
وقال الزهرى حدثنى القاسم بن محمد أن معاوية حين قدم المدينة يريد الحج دخل على عائشة فكلمها خاليين لم يشهد كلامهما أحد إلا ذكوان أبو عمر عمرو ومولى عائشة فقالت أمنت أن أخبأ لك رجلا يقتلك بقتلك أخى محمدا فقال صدقتى فلما قضى معاوية كلامه معها تشهدت عائشة ثم ذكرت ما بعث الله به نبيه ص من الهدى ودين الحق والذى سن الخلفاء بعده وحضت ؟ ؟ معاوية على العدل واتباع أثرهم فقالت فى ذلك فلم يترك له عذرا فلما قضت مقالتها قال لها معاوية أنت والله العالمة العاملة بأمر رسول الله ص الناصحة المشفقة البلوغة الموعظة حضضت على الخير وامرت به ولم تأمرينا إلا بالذى هو لنا مصلحة وأنت أهل أن تطاعى وتكلمت هى ومعاوية
كلاما كثيرا فلما قام معاوية اتكأ على ذكوان وقال والله ما سمعت خطيبا ليس رسول الله ص أبلغ من عائشة وقال محمد بن سعد حدثنا خالد بن مخلد البجلى ثنا سليمان بن بلال حدثنى علقمة ابن أبى علقمة عن أمه قالت قدم معاوية بن أبى سفيان المدينة فأرسل إلى عائشة أن ارسلى بانبجانية رسول الله ص وشعره فأرسلت به معى أحمله حتى دخلت به عليه فأخذ الانبجانية فلبسها وأخذ شعره فدعا بماء فغسله وشربه وأفاض على جلده وقال الأصمعى عن الهذلى عن الشعبى قال لما قدم معاوية المدينة عام الجماعة تلقته رجال من وجوه قريش فقالوا الحمد لله الذى أعز نصرك وأعلا أمرك فما رد عليهم جوابا حتى دخل المدينة فقصد المسجد وعلا المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فانى والله ما وليت أمركم حين وليته وأنا أعلم أنكم لا تسرون بولايتى ولا تحبونها وإنى لما لم بما فى نفوسكم من ذلك ولكنى خالستكم بسيفى هذا مخالسة ولقد رمت نفسى على عمل ابن ابى قحافة فلم أجدها تقوم بذلك ولا تقدر عليه وأردتها على عمل ابن الخطاب فكانت أشد نفورا وأعظم هربا من ذلك وحاولتها على مثل سنيات عثمان فأبت على وأين مثل هؤلاء ومن يقدر على أعمالهم هيهات أن يدرك فضلهم أحد ممن بعدهم رحمة الله ورضوانه عليهم غير أنى سلكت بها طريقا لى فيه منفعة ولكم فيه مثل ذلك ولكل فيه مواكلة حسنة ومشاربة جميلة ما استقامت السيرة وحسنت الطاعة فان لم تجدونى خيركم فأنا خير لكم والله لا أحمل السيف على من لا سيف معه ومهما تقدم مما علمتموه فقد جعلته دبر أذنى وإن لم تجدونى أقوم بحقكم كله فارضوا منى ببعضه فانها بقاببة قوبها وإن السيل إذا جاء يبرى وإن قل أغنى وإياكم والفتنة فلا تهتموا بها فانها تفسد المعيشة وتكدر النعمة وتورث الاستيصال أستغفر الله لى ولكم أستغفر الله ثم نزل قال أهل اللغة القاببة البيضة والقوب الفرخ قابت البيضة تقوب إذا انفلقت عن الفرخ
والظاهر أن هذه الخطبة كانت عام حج فى سنة أربع وأربعين أو فى سنة خمسين لا فى عام الجماعة وقال الليث حدثنى علوان بن صالح بن كيسان أن معاوية قدم المدينة أول حجة حجها بعد اجتماع الناس عليه فليقيه ؟ ؟ الحسن والحسين ورجال من قريش فتوجه إلى دار عثمان بن عفان فلما دنا إلى باب الدار صاحت عائشة بنت عثمان وندبت أباها فقال معاوية لمن معه انصرفوا إلى منازلكم فان لى حاجة فى هذه الدار فانصرفوا ودخل فسكن عائشة بنت عثمان وأمرها بالكف وقال لها يا بنت أخى إن الناس أعطونا سلطاننا فأظهرنا لهم حلما تحته غضب وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد فبعناهم هذا بهذا وباعونا هذا بهذا فان أعطيناهم غير ما اشتروا منا شعوا علينا بحقنا وغمطناهم بحقهم ومع كل إنسان منهم شيعته وهو يرى مكان شيعته فان نكثناهم نكثوا بنا ثم لا ندرى أتكون
لنا الدائرة أم علينا وأن تكونى ابنة عثمان أمير المؤمنين أحب إلى أن تكونى أمة من إماء المسلمين ونعم الخلف انا لك بعد أبيك وقد روى ابن عدى من طريق على بن زيد وهو ضعيف عن أبى نضرة عن أبى سعيد ومن حديث مجالد وهو ضعيف أيضا عن أبي الوداك أبى سعيد أن رسول الله ص قال إذا رأيتم معاوية على منبر فاقتلوه وأسنده أيضا من طريق الحكم بن ظهير وهو متروك عن عاصم عن زرعن ابن مسعود مرفوعا وهذا الحديث كذب بلا شك ولو كان صحيحا لبادر الصحابة إلى فعل ذلك لأنهم كانوا لا تأخذهم فى الله لومة لائم وأرسله عمرو بن عبيد عن الحسن البصرى قال أيوب وهو كذب ورواه الخطيب البغدادى باسناد مجهول عن أبى الزبير عن جابر مرفوعا إذا رأيتم معاوية يخطب على منبرى فاقتلوه فانه أمين مأمون
وقال أبو زرعة الدمشقى عن دحيم عن الوليد عن الأوزاعى قال أدركت خلافة معاوية عدة من الصحابة منهم أسامة وسعد وجابر وابن عمر وزيد بن ثابت وسلمة بن مخلد وأبو سعيد ورافع بن خديج وأبو أمامة وأنس بن مالك ورجال أكثر وأطيب ممن سمينا بأضعاف مضاعفة كانوا مصابيح الهدى وأوعية العلم حضروا من الكتاب تنزيله ومن الدين جديده وعرفوا من الأسلام ما لم يعرفه غيرهم وأخذوا عن رسول الله ص تأويل القرآن ومن التابعين لهم بأحسان ما شاء الله منهم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وسعيد بن المسيب وعبد الله بن محيريز وفى أشباه لهم لم ينزعوا يدا من جماعة فى أمة محمد صلى الله عليه وسلم
وقال أبو زرعة عن دحيم عن الوليد عن سعيد بن عبد العزيز قال لما قتل عثمان لم يكن للناس غازية تغزو حتى كان عام الجماعة فأغزوا معاوية أرض الروم ست عشرة غزوة تذهب سرية فى الصيف ويشتوا بأرض الروم ثم تقفل وتعقبها أخرى وكان فى جملة من أغزى ابنه يزيد ومعه خلق من الصحابة فجاز بهم الخليج وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها ثم قفل بهم راجعا إلى الشام وكان آخر ما أوصى به معاوية أن قال شد خناق الروم وقال ابن وهب عن يونس عن الزهرى قال حج معاوية بالناس فى أيام خلافته مرتين وكانت أيامه عشرين سنة إلا شهرا وقال أبو بكر بن عياش حج بالناس معاوية سنة أربع وأربعين وسنة خمسين وقال غيره سنة إحدى وخمسين فالله أعلم وقال الليث بن سعد حدثنا بكير عن بشر بن سعيد أن سعد بن أبى وقاص قال ما رأيت أحدا بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب يعنى معاوية وقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهرى عن حميد بن عبد الرحمن ثنا المسور بن مخرمة أنه وفد على معاوية قال
فلما دخلت عليه حسبت أنه قال سلمت عليه فقال ما فعل طعنك على الأئمة يا مسور قال قلت ارفضنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له فقال لتكلمنى بذات نفسك قال فلم أدع شيئا أعيبه عليه إلا أخبرته به فقال لا تبرأ من الذنوب فهل لك من الذنوب تخاف أن تهلكك إن لم يغفرها الله لك قال قلت نعم إن لى ذنوبا لم تغفرها هلكت بسببها قال فما الذى يجعلك أحق بأن ترجو أنت المغفرة منى فوالله لما إلى من إصلاح الرعايا وإقامة الحدود والاصلاح بين الناس والجهاد فى سبيل الله والأمور العظام التى لا يحصيها إلا الله ولا نحصيها أكثر مما تذكر من العيوب والذنوب وإنى لعلى دين يقبل الله فيه الحسنات ويعفو عن السيئات والله على ذلك ما كنت لأخير بين الله وغيره إلا اخترت الله على غيره مما سواه ففكرت حين قال لى ما قال فعرفت أنه قد خصمنى قال فكان المسور إذا ذكره بعد ذلك دعا له بخير وقد رواه شعيب عن الزهرى عن عروة عن المسور بنحوه
وقال ابن دريد عن أبى حاتم عن العتبى قال قال معاوية يا أيها الناس ما أنا بخيركم وإن منكم لمن هو خير منى عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وغيرهما من الأفاضل ولكن عسى أن أكون أنفعكم ولاية وأنكاكم فى عدوكم وأدركم حلبا وقد رواه أصحاب محمد عن ابن سعد عن محمد بن مصعب عن أبى بكر بن أبى مريم عن ثابت مولى معاوية أنه سمع معاوية يقول نحو ذلك وقال هشام بن عمار خطيب دمشق حدثنا عمرو بن واقد ثنا يونس بن حلبس قال سمعت معاوية على منبر دمشق يوم جمعة يقول أيها الناس اعقلوا قولى فلن تجدوا أعلم بأمور الدنيا والآخرة منى أقيموا وجوهكم وصفوفكم فى الصلاة أو ليخالفن الله بين قلوبكم خذوا على أيدى سفهائكم أو ليسلطن الله عليكم عدوكم قليسومنكم سوء العذاب تصدقوا ولا يقولن الرجل إنى مقل فان صدقة المقل أفضل من صدقة الغنى وإياكم وقذف المحصنات وأن يقول الرجل سمعت وبلغنى فلو قذف أحدكم امرأة على عهد نوح لسئل عنها يوم القيامة وقال أبو داود الطيالسى حدثنا يزيد ابن طهمان الرقاشى ثنا محمد بن سيرين قال كان معاوية إذا حدث عن رسول الله ص لم يتهم ورواه أبو القاسم البغوى عن سويد بن سعيد بن همام بن إسماعيل عن أبى قبيل قال كان معاوية يبعث رجلا يقال له أبو الجيش فى كل يوم فيدور على المجالس يسأل هل ولد لأحد مولود أو قدم أحد من الوفود فاذا أخبر بذلك أثبت فى الديوان يعنى ليجرى عليه الرزق وقال غيره كان معاوية متواضعا ليس له مجالد إلا كمجالد الصبيان التى يسمونها المخاريق فيضرب بها الناس وقال هشام بن عمار عن عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال رأيت معاوية فى سوق دمشق وهو مردف وراءه وصفيا عليه قميص مرقوع الجيب وهو يسير فى أسواق دمشق وقال
الأعمش عن مجاهد إنه قال لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدى وقال هشيم عن العوام عن جبلة ابن سحيم عن ابن عمرو قال ما رأيت أحدا أسود من معاوية قال قلت ولا عمر قال كان عمر خيرا منه وكان معاوية أسود منه ورواه أبو سفيان الحيرى عن العوام بن حوشب به وقال ما رأيت أحدا بعد رسول الله ص أسود من معاوية قيل ولا أبو بكر قال كان أبو بكر وعمر وعثمان خيرا منه وهو أسود وروى من طرق عن ابن عمر مثله وقال عبد الرزاق عن معمر عن همام سمعت ابن عباس يقول ما رأيت رجلا كان أخلق بالملك من معاوية وقال حنبل بن إسحاق حدثنا أبو نعيم حدثنا ابن أبى عتيبة عن شيخ من أهل المدينة قال قال معاوية أنا أول الملوك وقال ابن أبى خيثمة حدثنا هارون بن معروف حدثنا حمزة عن ابن شوذب قال كان معاوية يقول أنا أول الملوك وآخر خليفة قلت والسنة أن يقال لمعاوية ملك ولا يقال له خليفة لحديث سفينة الخلافة بعدى ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا
وقال عبد الملك بن مروان يوما وذكر معاوية فقال ما رأيت مثله فى حلمه واحتماله وكرمه وقال قبيصة بن جابر ما رأيت أحدا أعظم حلما ولا أكثر سؤددا ولا أبعد أناة ولا ألين مخرجا ولا أرحب باعا بالمعروف من معاوية وقال بعضهم أسمع رجل معاوية كلاما سيئا شديدا فقيل له لو سطوت عليه فقال إنى لأستحى من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتى وفى رواية قال له رجل يا أمير المؤمنين ما أحلمك فقال إنى لأستحيى أن يكون جرم أحد أعظم من حلمى
وقال الأصمعى عن الثورى قال قال معاوية إنى لأستحى أن يكون ذنب أعظم من عفوى أو جهل أكبر من حلمى أو تكون عورة لا أواريها بسترى وقال الشعبي والأصمعى عن أبيه قالا جرى بين رجل يقال له أبو الجهل وبين معاوية كلام فتكلم أبو جهل بكلام فيه غمر لمعاوية فأطرق معاوية ثم رفع رأسه فقال يا أبا الجهل إياك والسلطان فانه يغضب غضب الصبيان ويأخذ أخذ الأسد وإن قليله يغلب كثير الناس ثم أمر معاوية لأبى الجهل بمال فقال أبو جهل فى ذلك يمدح معاوية
نميل على جوانبه كأنا * نميل إذا نميل على أبينا
امير المؤمنين معاوية ما اوتر إلا بواحدة قال أصاب إنه فقيه ثنا عمرو بن عباس ثنا جعفر ثنا شعبة عن أبى التياح قال سمعت حمدان عن أبان عن معاوية قال إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيناه يصليهما ولقد نهى عنهما يعنى الركعتين بعد العصر ثم قال البخارى بعد ذلك ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة حدثنا عبدان ثنا عبد الله يونس عن الزهرى حدثنى عروة أن عائشة قالت جاءت هند بنت عتبة امرأة أبى سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إلى من أن يذلوا من أهل خبائك فقال وأيضا والذى نفسى بيده فقالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك فهل على من حرج ان أطعم من الذى له عيالنا قال لا إلا بالمعروف فالمدحة فى قوله وأيضا والذى نفسى بيده وهو أنه كان يود أن هندا واهلها وكل كافر يذلوا فى حال كفرهم فلما اسلموا كان يحب ان يعزوا فأعزهم الله يعنى أهل خبائها
نقلبه لنخبر حالتيه فنخبر منها كرما ولينا
وقال الأعمش طاف الحسن بن على مع معاوية فكان معاوية يمشى بين يديه فقال الحسن ما أشبه أليتيه بأليتى هند فالتفت إليه معاوية فقال أما إن ذلك كان يعجب أبا سفيان وقال ابن أخته عبد الرحمن بن أم الحكم لمعاوية أن فلانا يشتمنى فقال له طأطىء لها فتمر فتجاوزك وقال ابن الأعرابى قال رجل لمعاوية ما رأيت أندل منك فقال معاوية بلى من واجه الرجال بمثل
هذا وقال أبو عمرو بن العلاء قال معاوية ما يسر ؟ بى بذل الكرم حمر النعم وقال ما يسر بى بذل الحلم عز النصر وقال بعضهم قال معاوية يا بنى أمية فارقوا قريشا بالحلم فوالله لقد كنت ألقى الرحل فى الجاهلية فيوسعنى شتما وأوسعه حلما فأرجع وهو لى صديق إن استنجدته أنجدنى وأثور به فيثور معى وما وضع الحلم عن شريف شرفه ولا زاده إلا كرما وقال آفة الحلم الذل وقال لا يبلغ الرجل مبلغ الرأى حتى يغلب حلمه جهله وصبره شهوته ولا يبلغ الرجل ذلك إلا بقوة الحلم وقال عبد الله بن الزبير لله در ابن هند إن كنا لنفرقه وما الليث على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا والله لوددت أنا متعنا به ما دام فى هذا الجبل حجر وأشار إلى أبى قبيس وقال رجل لمعاوية من أسود الناس فقال أسخاهم نفسا حين يسأل وأحسنهم فى المجالس خلقا وأحلمهم حين يستجهل وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى كان معاوية يتمثل بهذه الأبيات كثيرا
فما قتل السفاهة مثل حلم * يعود به على الجهل الحليم
فلا تسفه وإن ملئت غيظا * على أحد فان الفحش لوم
ولا تقطع أخا لك عند ذنب * فان الذنب يغفره الكريم
وقال القاضى الماوردى فى الأحكام السلطانية وحكى أن معاوية أتى بلصوص فقطعهم حتى بقى واحد من بينهم فقال
يمينى أمير المؤمنين أعيذهاا * بعفوك أن تلقى مكانا يشينها
يدى كانت الحسناء لو تم سترها * ولا تعدم الحسناء عيبا يشيبها
فلا خير فى الدنيا وكانت حبيبة * إذا ما شمالى فارقتها يمينها
فقال معاوية كيف أصنع بك قد قطعنا أصحابك فقالت أم السارق يا أمير المؤمنين اجعلها فى ذنوبك التى تتوب منها فخلى سبيله فكان أول حد ترك فى الأسلام وعن ابن عباس أنه قال قد علمت بم غلب معاوية الناس كانوا إذا طاروا وقع وإذا وقع طاروا وقال غيره كتب معاوية إلى نائبه زياد إنه لا ينبغى أن يسوس الناس سياسة واحدة باللين فيمرحوا ولا بالشدة فيحمل الناس على المهالك ولكن كن أنت للشدة والفظاظة والغلظة وأنا للين والألفة والرحمة حتى إذا خاف خائف وجد بابا يدخل منه وقال أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز قال قضى معاوية عن عائشة أم المؤمنين ثمانية عشر ألف دينار وما كان عليها من الدين الذى كانت تعطيه الناس وقال هشام بن عروة عن أبيه قال بعث معاوية إلى أم المؤمنين عائشة بمائة ألف
ففرقتها من يومها فلم يبق منها درهم فقالت لها خادمتها هلا أبقيت لنا درهما نشترى به لحما تفطرى عليه فقال لو ذكرتينى لفعلت وقال عطاء بعث معاوية إلى عائشة وهى بمكة بطوق قيمته مائة ألف فقبلته وقال زيد بن الحباب عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة قال قدم الحسن بن على على معاوية فقال له لأجيزنك بجائزة لم يجزها أحد كان قبلى فأعطاه أربعمائة ألف ألف ووفد إليه مرة الحسن والحسين فأجازهما على الفور بمائتى ألف وقال لهما ما أجاز بهما أحد قبلى فقال له الحسين ولم تعط أحد أفضل منا وقال ابن أبى الدنيا حدثنا يوسف بن موسى ثنا جرير بن مغيرة قال أرسل الحسن بن على وعبد الله بن جعفر إلى معاوية يسألانه المال فبعث إليهما أو إلى كل منهما بمائة ألف فبلغ ذلك عليا فقال لهما ألا تستحيان رجل نطعن فى عينه غدوة وعشية تسألانه المال فقالا بل حرمتنا أنت وجاد هو لنا وروى الأصمعى قال وفد الحسن وعبد الله بن الزبير على معاوية فقال للحسن مرحبا وأهلا بابن رسول الله وأمر له بثلاثمائة ألف وقال لابن الزبير مرحبا وأهلا بابن عمة رسول الله وأمر له بمائة ألف وقال أبو مروان المروانى بعث معاوية إلى الحسن بن على بمائة ألف فقسمها على جلسائه وكانوا عشرة فأصاب كل واحد عشرة آلاف وبعث إلى عبد الله بن جعفر بمائة ألف فاستوهبتها منه امرأته فاطمة فأطلقها لها وبعث إلى مروان بن الحكم بمائة ألف فقسم منها خمسين ألفا وحبس خمسين ألفا وبعث إلى ابن عمر بمائة ألف ففرق منها تسعين واستبقى عشرة آلف فقال معاوية إنه لمقتصد يحب الإقتصاد وبعث إلى عبد الله بن الزبير بمائة ألف فقال للرسول لم جئت بها بالنهار هلا جئت بها بالليل ثم حبسها عنده ولم يعط منها أحدا شيئا فقال معاوية إنه لخب ضب كانك به قد رفع ذنبه وقطع حبله وقال ابن دآب كان لعبد الله بن جعفر على معاوية فى كل سنة ألف ألف ويقضى له معها مائة حاجة فقدم عليه عاما فأعطاه المال وقضى له الحاجات وبقيت منها واحدة فبينما هو عنده إذ قدم أصبغهند سجسنان يطلب من معاوية أن يملكه على تلك البلاد ووعد من قضى له هذه الحاجة من ماله ألف ألف فطاف على رؤوس الأشهاد والأمراء من أهل الشام وأمراء العراق ممن قدم مع الأحنف بن قيس فكلهم يقولون عليك بعبد الله بن جعفر فقصده الدهقان فكلم فيه ابن جعفر معاوية فقضى حاجته تكملة المائة حاجة وأمر الكاتب فكتب له عهده وخرج به ابن جعفر إلى الدهقان فسجد له وحمل إليه ألف ألف درهم فقال له ابن جعفر اسجد لله واحمل مالك إلى منزلك فإنا أهل بيت لا نبيع المعروف بالثمن فبلغ ذلك معاوية فقال لأن يكون يزيد قالها أحب إلى من خراج العراق أبت بنو هاشم إلا كرما وقال غيره كان لعبد الله بن جعفر على معاوية فى كل سنة ألف ألف فاجتمع عليه فى بعض الأوقات دين خمسمائة ألف فألح عليه
غرماؤه فاستنظرهم حتى يقم على معاوية فيسأله أن يسلفه شيئا من العطاء فركب إليه فقال له ما أقدمك يا ابن جعفر فقال دين ألح على غرماؤه فقال وكم هو قال خمسمائة ألف فقضاها عنه وقال له إن الألف ألف ستأتيك فى وقتها وقال ابن سعيد حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا ابن هلال عن قتادة قال قال معاوية يا عجبا للحسن بن على شرب شربة عسل يمانية بماء رومة فقضى نحبه ثم قال لابن عباس لا يسؤك الله ولا يحزنك فى الحسن بن على فقال ابن عباس لمعاوية لا يحزننى الله ولا يسوءني ما أبقى الله أمير المؤمنين قال فأعطاه ألف ألف درهم وعروضا وأشياء وقال خذها فاقسمها فى أهلك وقال أبو الحسن المداينى عن سلمة بن محارب قال قيل لمعاوية أيكم كان أشرف أنتم أو بنو هاشم قال كنا أكثر أشرافا وكانوا هم أشرف فيهم واحد لم يكن فى بنى عبد مناف مثل هاشم فلما هلك كنا أكثر عددا وأكثر أشرافا وكان فيهم عبد المطلب لم يكن فينا مثله فلما مات صرنا أكثر عددا واكثر أشرافا ولم يكن فيهم واحد كواحدنا فلم يكن إلا كقرار العين حتى قالوا منا نبى فجاء نبى لم يسمع الأولون والآخرون بمثله محمد صلى الله عليه وسلم فمن يدرك هذه الفضيلة وهذا الشرف وروى ابن أبى خيثمة عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن على بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن عمرو بن العاص قص على معاوية مناما رأى فيه أبا بكر وعمر وعثمان وهم يحاسبون على ما ولوه فى أيامهم ورأى معاوية وهو موكل به رجلان يحاسبانه على ما عمل فى أيامه فقال له معاوية وما رأيت ثم دنانير مصر وقال ابن دريد عن أبى حاتم عن العتبى قال دخل عمرو على معاوية وقد ورد عليه كتاب فيه تعزية له فى بعض الصحابة فاسترجع معاوية فقال عمرو بن العاص
تموت الصالحون وأنت حى * تخطاك المنايا لا تموت
فقال له معاوية * أترجو أن أموت وأنت حى
فلست بميت حتى تموت
وقال ابن السماك قال معاوية كل الناس استطيع ان أرضيه إلا حاسد نعمة فانه لا يرضيه إلا زوالها وقال الزهرى عن عبد الملك عن أبى بحرية قال قال معاوية المروءة فى أربع العفاف فى الاسلام واستصلاح المال وحفظ الأخوان وحفظ الجار وقال أبو بكر الهذلى كان معاوية يقول الشعر فلما ولى الخلافة قال له أهله قد بلغت الغاية فماذا تصنع بالشعر فارتاح يوما فقال
صرمت سفاهتى وأرحت حلمى * وفى على تحملى اعتراضى
على أنى أجيب إذا دعتنى * إلى حاجاتها الحدق المراض
وقال مغيرة عن الشعبى أول من خطب جالسا معاوية حين كثر شحمه وعظم بظنه وكذا
روى عن مغيرة عن إبراهيم أنه قال أول من خطب جالسا يوم الجمعة معاوية وقال أبو المليح عن ميمون أول من جلس على المنبر معاوية واستأذن الناس فى الجلوس وقال قتادة عن سعيد بن المسيب أول من أذن وأقام يوم الفطر والنحر معاوية وقال أبو جعفر الباقر كانت أبواب مكة لا أغلاق لها وأول من اتخذ الأبواب معاوية وقال أبو اليمان عن شعيب عن الزهرى مضت السنة أن لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر وأول من ورث المسلم من الكافر معاوية وقضى بذلك بنو أمية من بعده حتى كان عمر بن عبد العزيز فراجع السنة وأعاد هشام ما قضى به معاوية وبنو أمية من بعده وبه قال الزهري ومضت السنة أن دية المعاهد كدية المسلم وكان معاوية أول من قصرها إلى النصف وأخذ النصف لنفسه وقال ابن وهب عن مالك عن الزهرى قال سألت سعيد بن المسيب عن أصحاب رسول الله ص فقال لى اسمع يا زهرى من مات محبا لأبى بكر وعمر وعثمان وعلى وشهد للعشرة بالجنة وترحم على معاوية كان حقا على الله أن لا يناقشه الحساب وقال سعيد بن يعقوب الطالقانى سمعت عبد الله بن المبارك يقول تراب فى أنف معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز وقال محمد بن يحيى بن سعيد سئل ابن المبارك عن معاوية فقال ما أقول فى رجل قال رسول الله ص سمع الله لمن حمده فقال خلفه ربنا ولك الحمد فقيل له أيهما أفضل هو أو عمر بن عبد العزيز فقال لتراب فى منخرى معاوية مع رسول الله ص خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز وقال غيره عن ابن المبارك قال معاوية عندنا محنة فمن رأيناه ينظر إليه شزرا اتهمناه على القول يعنى الصحابة وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلى وغيره سئل المعافى بن عمران أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز فغضب وقال للسائل أتجعل رجلا من الصحابة مثل رجل من التابعين معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحى الله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوا لى أصحابى واصهارى فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وكذا قال الفضل بن عتيبة وقال أبو توبة الربيع بن نافع الحلبى معاوية ستر لأصحاب محمد ص فاذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه وقال الميمونى قال لى أحمد بن حنبل يا أبا الحسن إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من الصحابة بسوء فاتهمه على الاسلام وقال الفضل ابن زياد سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له رافضى فقال إنه لم يجترىء عليهما إلا وله خبيئة سوء ما انتقص أحد احدا من الصحابة إلا وله داخلة سوء وقال ابن مبارك عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة قال ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنسانا قط إلا إنسان شتم معاوية فانه ضربه أسواطا وقال بعض السلف بينما أنا على جبل الشام إذ سمعت هاتفا يقول من أبغض الصديق فذاك زنديق ومن أبغض عمر فالى جهنم زمرا ومن
أبغض عثمان فذاك خصمه الرحمن ومن أبغض عليا فذاك خصمه النبى ومن أبغض معاوية سحبته الزبانية إلى جهنم الحامية يرمى به فى الحامية الهاوية وقال بعضهم رأيت رسول الله ص وعنده أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ومعاوية إذ جاء رجل فقال عمر يا رسول الله هذا يتنقصنا فكأنه انتهره رسول الله ص فقال يا رسول الله إنى لا أتنقص هؤلاء ولكن هذا يعنى معاوية فقال ويلك أوليس هو من أصحابى قالها ثلاثا ثم أخذ رسول الله ص حربة فناولها معاوية فقال جابها فى لبته فضربه بها وانتبهت فبكرت إلى منزلى فاذا ذلك الرجل قد اصابته الذبحة من الليل ومات وهو راشد الكندى وروى ابن عساكر عن الفضيل بن عياض أنه كان يقول معاوية من الصحابة من العلماء الكبار ولكن ابتلى بحب الدنيا وقال العتبى قيل لمعاوية أسرع إليك الشيب فقال كيف لا ولا ازال أرى رجلا من العرب قائما على رأسى يلقح لى كلاما يلزمنى جوابه فان أصبت لم أحمد وإن أخطأت سارت بها البرود وقال الشعبى وغيره أصابت معاوية فى آخر عمره لوقة وروى ابن عساكر فى ترجمة خديج الخصى مولى معاوية قال اشترى معاوية جارية بيضاء جميلة فأدخلتها عليه مجردة وبيده قضيب فجعل يهوى به إلى متاعها يعنى فرجها ويقول هذا المتاع لو كان لى متاع اذهب بها إلى يزيد بن معاوية ثم قال لا ادع لى ربيعة بن عمرو الجرشى وكان فقيها فلما دخل عليه قال إن هذه اتيت بها مجردة فرأيت منها ذاك وذاك وإنى أردت أن أبعث بها إلى يزيد قال لا تفعل يا أمير المؤمنين فانها لا تصلح له فقال نعم ما رأيت قال ثم وهبها لعبد الله بن مسعدة الفزارى مولى فاطمة بنت رسول الله ص وكان أسود فقال له بيض بها ولدك وهذا من فقه معاوية وتحريه حيث كان نظر إليها بشهوة ولكنه استضعف نفسه عنها فتحرج أن يهبها من ولده يزيد لقوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء وقد وافقه على ذلك الفقيه ربيعة بن عمرو الجرشى الدمشقى
وذكر ابن جرير أن عمرو بن العاص قدم فى أهل مصر إلى معاوية فقال لهم فى الطريق إذا دخلتم على معاوية فلا تسلموا عليه بالخلافة فانه لا يحب ذلك فلما دخل عليه عمرو وقبلهم قال معاوية لحاجبه أدخلهم وأوعز إليه أن يخوفهم فى الدخول ويرعبهم وقال إنى لأظن عمرا قد تقدم إليهم فى شىء فلما أدخلوهم عليه وقد أهانوهم جعل أحدهم إذا دخل يقول السلام عليك يا رسول الله فلما نهض عمرو من عنده قال قبحكم الله نهيتكم عن أن تسلموا عليه بالخلافة فسلمتم عليه بالنبوة
وذكر أن رجلا سأل من معاوية أن يساعده فى بناء داره باثنى عشر ألف جذع من الخشب
فقال له معاوية أين دارك قال بالبصرة وكم اتساعها قال فرسخان فى فرسخين قال لا تقل دارى بالبصرة ولكن قل البصرة فى دارى وذكر أن رجلا دخل بابن معه فجلسا على سماط معاوية فجعل ولده يأكل أكلا ذريعا فجعل معاوية يلاحظه وجعل أبوه يريد ان ينهاه عن ذلك فلا يفطن فلما خرجا لامه أبوه وقطعه عن الدخول فقال له معاوية أين ابنك التلقامة قال اشتكى قال قد علمت أن أكله سيورثه داء قال ونظر معاوية إلى رجل وقف بين يديه يخاطبه وعليه عباءة فجعل يزدريه فقال يا أمير المؤمنين إنك لا تخاطب العباءة إنما يخاطبك من بها وقال معاوية أفضل الناس من إذا أعطى شكر وإذا ابتلى صبر وإذا غضب كظم وإذا قد غفر وإذا وعد أنجز وإذا أساء استغفر وكتب رجل من أهل المدينة إلى معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه إذا الرجال ولدت أولادها واضطربت من كبر أعضادها وجعلت أسقامها تعتادها فهى زروع قددنا حصادها فقال معاوية نعى إلى نفسى
وقال ابن أبى الدنيا حدثنى هارون بن سفيان عن عبد الله السهمى حدثنى ثمامة بن كلثوم أن آخر خطبة خطبها معاوية أن قال أيها الناس إن من زرع قد استحصد وإنى قد وليتكم ولن يليكم أحد بعدى خير منى وإنما يليكم من هو شر منى كما كان من وليكم قبلى خيرا منى ويا يزيد إذا دنا أجلى فول غسلى رجلا لبيبا فان اللبيب من الله بمكان فلينعم الغسل وليجهر بالتكبير ثم اعمد إلى منديل فى الخزانة فيه ثوب من ثياب رسول الله ص وقراضة من شعره واظفاره فاستودع القراضة أنفى وفمى واذنى وعينى واجعل ذلك الثوب مما يلى جلدى دون لفافى ويا يزيد احفظ وصية الله فى الوالدين فاذا أدرجتمونى فى جريدتى ووضعتمونى فى حفرتى فخلوا معاوية وارحم الراحمين وقال بعضهم لما احتضر معاوية جعل يقول
لعمرى لقد عمرت فى الدهر برهة * ودانت لى الدنيا بوقع البواتر
واعطيت حمر المال والحكم والنهى * ولى سلمت كل الملوك الجبابر
فأضحى الذى قد كان مما يسرنى * كحكم مضى فى المزمنات الغوابر
فياليتنى لم أعن فى الملك ساعة * ولم أسمع فى لذات عيش نواضر
وكنت كذى طمرين عاش ببلغة فلم يك حتى زار ضيق المقابر
وقال محمد بن سعد أنبأنا على بن محمد عن محمد بن الحكم عمن حدثه أن معاوية لما احتضر أوصى بنصف ماله أن يرد إلى بيت المال كأنه أراد لأن يطيب له لأن عمر بن الخطاب قاسم عماله وذكروا أنه فى آخر عمره اشتد به البرد فكان إذا لبس أو تغطى بشىء ثقيل يغمه فاتخذ له
ثوبا من حواصل الطير ثم ثقل عليه بعد ذلك فقال تبا لك من دار ملكتك أربعين سنة عشرين أميرا وعشرين خليفة ثم هذا حالى فيك ومصيرى منك تبا للدنيا ولمحبيها وقال محمد بن سعد أنبأنا أبو عبيدة عن أبى يعقوب الثقفى عن عبد الملك بن عمير قال لما ثقل معاوية وتحدث الناس بموته قال لأهله احشوا عينى إثمدا واوسعول رأسى دهنا ففعلوا وغرقوا وجهه بالدهن ثم مهد له مجلس وقال اسندونى ثم قال إيذنوا للناس فليسلموا على قياما ولا يجلس أحد فجعل الرجل يدخل فيسلم قائما فيراه مكتحلا متدهنا فيقول متقول الناس إن أمير المؤمنين لما به وهو أصح الناس فلما خرجوا من عنده قال معاوية فى ذلك
وتجلدى للشامتين أريهم * أنى لريب الدهر لا أتضعضع
وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع
قال وكان به النقابة يعنى لوقة فمات من يومه ذلك رحمه الله وقال موسى بن عقبة لما نزل بمعاوية الموت قال يا ليتنى كنت رجلا من قريش بذى طوى ولم أل من هذا الأمر شيئا وقال أبو السائب المخزومى لما حضرت معاوية الوفاة تمثل بقول الشاعر
إن تناقش يكن نقاشك يا رب * عذابا لا طوق لى بالعذاب
أو تجاوز تجاوز العفو واصفح * عن مسء ذنوبه كالتراب
وقال بعضهم لما احتضر معاوية جعل أهله يقلبونه فقال لهم أى شيخ تقلبون إن نجاه الله من عذاب النار غدا
وقال محمد بن سيرين جعل معاوية لما احتضر يضع خدا على الأرض ثم يقلب وجهه ويضع الخد الآخر ويبكى ويقول اللهم إنك قلت فى كتابك إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء اللهم فاجعلنى فيمن تشاء أن تغفر له وقال العتبى عن أبيه تمثل معاوية عند موته بقول بعضهم وهو فى السياق
هو الموت لا منجا من الموت والذى * نحاذر بعد الموت أدهى وافظع
ثم قال اللهم أقل العثرة واعف عن الزلة وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرج غيرك فانك واسع المغفرة ليس لذى خطيئة من خطيئته مهرب إلا إليك ورواه ابن دريد عن أبى حاتم عن أبى عبيدة عن أبى عمرو بن العلاء فذكر مثله وزاد ثم مات وقال غيره أغمى عليه ثم أفاق فقال لأهله اتقوا الله فان الله تعالى يقى من اتقاه ولا يقى من لا يتقى ثم مات رحمه الله وقد روى أبو مخنف عن عبد الله بن نوفل قال لما مات معاوية صعد الضحاك بن قيس المنبر فخطب الناس واكفان معاوية على يديه فقال بعد حمد الله والثناء عليه إن معاوية الذى كان سور
العرب وعونهم وجدهم قطع الله به الفتنة وملكه على العباد وفتح به البلاد الا إنه قد مات وهذه أكفانه فنحن مدرجوه فيها ومدخلوه قبره ومخلون بينه وبين عمله ثم هول البرزخ إلى يوم القيامة فمن كان منكم يريد أن يشهده فليحضر عند الأولى ثم نزل وبعث البريد إلى يزيد بن معاوية يعلمه ويستحثه على المجى
ولا خلاف أنه توفى بدمشق فى رجب سنة ستين فقال جماعة ليلة الخميس للنصف من رجب سنة ستين وقيل ليلة الخميس لثمان بقين من رجب سنة ستين قاله ابن إسحاق وغير واحد وقيل لأربع خلت من رجب قاله الليث وقال سعد بن إبراهيم لمستهل رجب قال محمد بن إسحاق والشافعى صلى عليه ابنه يزيد وقد ورد من غير وجه أنه أوصى إليه أن يكفن فى ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كساه إياه وكان مدخرا عنده لهذا اليوم وأن يجعل ما عنده من شعره وقلامة أظفاره فى فمه وأنفه وعينيه وأذنيه وقال آخرون بل كان ابنه يزيد غائبا فصلى عليه الضحاك بن قيس بعد صلاة الظهر بمسجد دمشق ثم دفن فقيل بدار الامارة وهى الخضراء وقيل بمقابر باب الصغير وعليه الجمهور فالله أعلم وكان عمره إذ ذاك ثمانيا وسبعين سنة وقيل جاوز الثمانين وهو الأشهر والله أعلم ثم ركب الضحاك بن قيس فى جيش وخرج ليتلقى يزيد بن معاوية وكان يزيد بحوارين فلما وصلوا إلى ثنية العقاب تلقتهم أثقال يزيد وغذا يزيد راكب على بختى وعليه الحزن ظاهر فسلم عليه الناس بالإمارة وعزوه فى أبيه وهو يخفض صوته فى رده عليهم والناس صامتون لا يتكلم معه إلا الضحاك بن قيس فانتهى إلى باب توما فظن الناس أنه يدخل منه إلى المدينة فأجازه مع السور حتى انتهى إلى الباب الشرقى فقيل يدخل منه لأنه باب خالد فجازه حتى أتى الباب الصغير فعرف الناس أنه قاصد قبر أبيه فلما وصل إلى باب الصغير ترجل عند القبر ثم دخل فصلى على أبيه بعد ما دفن ثم انفتل فلما خرج من المقبرة أتى بمراكب الخلافة فركب
ثم دخل البلد وامر فنودى فى الناس إن الصلاة جامعة ودخل الخضراء فاغتسل ولبس ثيابا حسنة ثم خرج فخطب الناس أول خطبة خطبها وهو أمير المؤمنين فقال بعد حمد الله والثناء عليه أيها الناس إن معاوية كان عبدا من عبيد الله أنعم الله عليه ثم قبضه إليه وهو خير ممن بعده ودون من قبله ولا أزكيه على الله عز وجل فانه أعلم به إن عفى عنه فبرحمته وإن عاقبه فبذنبه وقد وليت الأمر من بعده ولست آسى على طلب ولا أعتذر من تفريط وإذا أراد الله شيئا كان وقال لهم فى خطبته هذه وإن معاوية كان يغزيكم فى البحر وإنى لست حاملا أحدا من المسلمين فى البحر وإن معاوية كان يشتيكم بأرض الروم ولست مشتيا أحدا بأرض الروم وإن معاوية كان يخرج لكم العطاء أثلاثا وأنا أجمعه لكم كله قال فافترق الناس عنه وهم لا يفضلون
عليه أحدا وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت الشافعى يقول بعث معاوية وهو مريض إلى ابنه يزيد فلما جاءه البريد ركب وهو يقول
جاء البريد بقرطاس يخب به * فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
قلنا لك الويل ماذا فى صحيفتكم * قال الخليفة أمسى مثقلا وجعا
فمادت الأرض أو كادت تميد بنا * كأن أغبر من أركانها انقلعا
ثم انبعثنا إلى خوص مضمرة نرمى الفجاج بها ما نأتلى سرعا
فما نبالى إذا بلغن أرجلنا * ما مات منهن بالمرمات أو طلعا
لما انتهينا وباب الدار منصفق * بصوت رملة ريع القلب فانصدعا
من لا تزل نفسه توفى على شرف * توشك مقاليد تلك النفس أن تقعا
أودى ابن هند وأودى المجد يتبعه * كأنا جميعا خليطا سالمين معا
أغر أبلج يستسقى الغمام به * لو قارع الناس عن أحلامهم قرعا
لا يرقع الناس ما أوهى وإن جهدوا * أن يرقعوه ولا يوهون ما رقعا
وقال الشافعى سرق يزيد هذين البيتين من الأعشى ثم ذكر أنه دخل قبل موت أبيه دمشق وأنه أوصى إليه وهذا قد قاله ابن إسحاق وغير واحد ولكن الجمهور على أن يزيد لم يدخل دمشق إلا بعد موت أبيه وأنه صلى على قبره بالناس كما قدمناه والله أعلم وقال أبو الورد العنبرى يرثى معاوية رضى الله عنه
ألا أنعى معاوية بن حرب * نعاة الحل للشهر الحرام
نعاه الناعيات بكل فج * خواضع فى الأزمة كالسهام
فهاتيك النجوم وهن خرس * ينحن على معاوية الهمام
وقال أيمن بن خريم يرثيه أيضا * رمى الحدثان نسوة آل حرب
بمقدار سمدن له سمودا
فرد شعورهن السود بيضا * ورد وجوههن البيض سودا
فانك لو شهدت بكاء هند * ورملة إذ يصفقن الخدودا
وقال ابن السماك قال معاوية كل الناس استطيع ان أرضيه إلا حاسد نعمة فانه لا يرضيه إلا زوالها وقال الزهرى عن عبد الملك عن أبى بحرية قال قال معاوية المروءة فى أربع العفاف فى الاسلام واستصلاح المال وحفظ الأخوان وحفظ الجار وقال أبو بكر الهذلى كان معاوية يقول الشعر فلما ولى الخلافة قال له أهله قد بلغت الغاية فماذا تصنع بالشعر فارتاح يوما فقال
بكيت بكاء معولة قريح أصاب الدهر واحدها الفريدا