وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن
 
لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب
قال أبو مخنف عن أبى جناب عن عدى بن حرملة عن عبد الله بن حرملة عن عبد الله بن سليم والمذرى بن المشمعل الأسديين قالا أقبل الحسين فلما نزل شرف قال لغلمانه وقت السحر استقوا من الماء فأكثروا ثم ساروا إلى صدر النهار فسمع الحسين رجلا يكبر فقال له مم كبرت فقال رأيت النخيلة فقال له الأسديان إن هذا المكان لم ير أحد منه نخيلة فقال الحسين فماذا تريانه رأى فقالا هذه الخيل قد أقبلت فقال الحسين أما لنا ملجأ نجعله فى ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد فقالا بلى ذو حسم فأخذ ذات اليسار إليها فنزل وأمر بأبنيته فضربت وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمى وهم مقدمة الجيش الذين بعثهم ابن زياد حتى وقفوا فى مقابلته فى نحو الظهيرة والحسين وأصحابه معتمون متقلدون سيوفهم فأمر الحسين أصحابه أن يترووا من الماء ويسقوا خيولهم وأن يسقوا خيول أعدائهم أيضا وروى هو وغيره قالوا لما دخل وقت الظهر أمر الحسين الحجاج بن مسروق الجعفى فأذن ثم خرج الحسين فى إزار ورداء ونعلين فخطب الناس من أصحابه وأعدائه واعتذر إليهم فى مجيئه هذا إلى ههنا بأنه قد كتب إليه أهل الكوفة أنهم ليس لهم إمام وإن أنت قدمت علينا بايعناك وقاتلنا معك ثم أقيمت الصلاة فقال الحسين للحر تريد أن تصلى بأصحابك قال لا ولكن صل أنت ونحن نصلى وراءك فصلى بهم الحسين ثم دخل إلى خيمته واجتمع به أصحابه وانصرف الحر إلى جيشه وكل على أهبته فلما كان وقت العصر صلى بهم الحسين ثم انصرف فخطبهم وحثهم على السمع والطاعة له وخلع من عاداهم من الادعياء السائرين فيكم بالجور فقال له الحر إنا لا ندرى ما هذه الكتب ولا من كتبها فأحضر الحسين خرجين مملوءين كتبا فنثرها بين يديه وقرأ منها طائفة فقال الحر لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك فى شىء وقد أمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد فقال الحسين الموت أدنى من ذلك ثم قال الحسين لأصحابه اركبوا فركبوا النساء فلما أراد الانصراف حال القوم بينه وبين الانصراف فقال الحسين للحر ثكلتك امك ماذا تريد
فقال له الحر أما والله لو غيرك يقولها لى من العرب وهو على مثل الحال التى أنت عليها لأقتصن منه ولما تركت أمه ولكن لا سبيل إلى ذكر أمك إلا بأحسن ما نقدر عليه وتقاول القوم وتراجعوا فقال له الحر إنى لم أومر بقتالك وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة على ابن زياد فإذا أبيت فخذ طريقا لا يقدمك الكوفة ولا تردك إلى المدينة واكتب أنت إلى يزيد واكتب انا إلى ابن زياد إن شئت فلعل الله أن يأتى بأمر يرزقنى فيه العافية من أن أبتلى بشىء من أمرك قال فأخذ الحسين يسارا عن طريق العذيب والقادسية والحر بن يزيد يسايره وهو يقول له يا حسين إنى أذكرك الله فى نفسك فانى أشهد لئن قاتلت لتقتلن ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى فقال له الحسين أفبالموت تخوفنى ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وقد لقيه وهو يريد نصرة رسول الله ص فقال أين تذهب فانك مقتول فقال
سأمضى وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وآسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق خوفا ان يعيش ويرغما
ويروى على صفة أخرى * سأمضى وما بالموت عار على امرىء
إذا ما نوى حقا ولم يلف مجرما
فان مت لم أندم وإن عشت لم ألم * كفى بك موتا أن تذل وترغما
فلما سمع ذلك الحر منه تنحى عنه وجعل يسير بأصحابه ناحية عنه فانتهوا إلى عذيب الهجانات وإذا سفر أربعة أى أربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم يخبون ويجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال له الكامل قد أقبلوا من الكوفة يقصدون الحسين ودليلهم رجل يقال له الطرماح بن عدى راكب على فرس وهو يقول
يا ناقتى لا تذعرى من زجرى * وشمرى قبل طلوع الفجر
بخير ركبان وخير سفر * حتى تحلى بكريم النجر
الماجد الحر رحيب الصدر * أتى به الله لخير أمر
ثمت أبقاه بقاء الدهر
فأراد الحر أن يحول بينهم وبين الحسين فمنعه الحسين من ذلك فلما خلصوا إليه قال لهم أخبرونى عن الناس وراءكم فقال له مجمع بن عبد الله العامرى أحد النفر الأربعة لاما أشراف الناس فهم إلب عليك لأنهم قد عظمت رشوتهم وملئت غرائرهم يستميل بذلك ودهم ويستخلص به نصيحتهم فهم إلب واحد عليك وأما سائر الناس فأفئدتهم تهوى إليك وسيوفهم غدا مشهورة عليك قال
لهم فهل لكم برسولى علم قالوا ومن رسولك قال قيس بن مسهر الصيداوى قالوا نعم أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك فصلى عليك وعلى أبيك ولعن زياد وأباه ودعا الناس إلى نصرتك وأخبرهم بقدومك فأمر به فألقى من رأس القصر فمات فترقرت عينا الحسين وقرأ قوله تعالى فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر الآية ثم قال اللهم اجعل منازلهم الجنة نزلا واجمع بيننا وبينهم فى مستقر من رحمتك ورغائب مدخور ثوابك ثم إن الطرماح بن عدى قال للحسين انظر فما معك لا أرى معك أحدا إلا هذه الشرذمة اليسيرة وإنى لأرى هؤلاء القوم الذين يسايرونك أكفاء لمن معك فكيف وظاهر الكوفة مملوء بالخيول والجيوش يعرضون ليقصدونك فأنشدك الله إن قدرت أن لا تتقدم إليهم شبرا فافعل فان أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به من ملوك غسان وحمير ومن النعمان بن المنذر ومن الأسود والأحمر والله إن دخل علينا ذل قط فأسير معك حتى أنزلك القرية ثم تبعث إلى الرجال من باجا وسلمى من طىء ثم أقم معنا ما بدا لك فأنا زعيم بعشرة آلاف طائى يضربون بين يديك بأسيافهم والله لا يوصل إليك أبدا ومنهم عين تطرف فقال له الحسين جزاك الله خيرا فلم يرجع عما هو بصدده فودعه الطرماح ومضى الحسين فلما كان من الليل أمر فتيانه أن يستقوا من الماء كفايتهم ثم سرى فنعس فى مسيره حتى خفق برأسه واستيقظ وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين ثم قال رأيت فارسا على فرس وهو يقول القوم يسيرون والمنايا تسرى إليهم فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا فلما طلع الفجر صلى بأصحابه وعجل الركوب ثم تياسر فى مسيره حتى انتهى إلى تينوى فاذاراكب متنكب قوسا قد قدم من الكوفة فسلم على الحر بن يزيد ولم يسلم على الحسين ودفع إلى الحر كتابا من ابن زياد ومضمونه أن يعدل بالحسين فى السير إلى العراق فى غير قرية ولا حصن حتى تأتيه رسله وجنوده وذلك يوم الخميس الثانى من المحرم سنة إحدى وستين فلما كان من الغد قدم عمر بن سعد بن أبى وقاص فى أربعة آلاف وكان قد جهزه ابن زياد فى هؤلاء إلى الديلم فاستعفاه عمر بن سعد من ذلك فقال له ابن زياد إن شئت عفيتك وعزلتك عن ولاية هذه البلاد التى قد استنبتك عليها فقال حتى أنظر فى أمرى فجعل لا يستشير أحدا إلا نهاه عن المسير إلى الحسين حتى قال له ابن أخته حمزة بن المغيرة بن شعبة إياك أن تسير إلى الحسين فتعصى ربك وتقطع رحمك فوالله لأن تخرج من سلطان الأرض كلها أحب إليك من أن تلقى الله بدم الحسين فقال إنى أفعل إن شاء الله تعالى ثم أن عبيد الله بن زياد تهدده وتوعده بالعزل والقتل فسار إلى الحسين فنازله فى المكان الذى ذكرنا ثم بعث إلى الحسين الرسل ما الذى أقدمك فقال
كتب إلى اهل الكوفة أن أقدم عليهم فاذ قد كرهونى فأنا راجع إلى مكة وأذركم فلما بلغ عمر بن سعد هذا قال أرجو أن يعافينى الله من حربه وكتب إلى ابن زياد ذلك فرد عليه ابن زياد أن حل بينهم وبين الماء كما فعل بالتقى الزكى المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان واعرض على الحسين أن يبايع هو ومن معه لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية فاذا فعلوا ذلك رأينا رأينا وجعل أصحاب عمر بن سعد يمنعون أصحاب الحسين من الماء وعلى سرية منهم عمرو بن الحجاج فدعا عليهم بالعطش فمات هذا الرجل من شدة العطش ثم إن الحسين طلب من عمر بن سعد أن يجتمع به بين العسكرين فجاء كل واحد منهما فى نحو من عشرين فارسا فتكلما طويلا حتى ذهب هزيع من الليل ولم يدر أحد ما قالا ولكن ظن بعض الناس أنه سأله أن يذهب معه إلى يزيد بن معاوية إلى الشام ويتركا العسكرين متواقفين فقال عمر إذا يهدم ابن زياد داري فقال الحسين أنا أبنيها لك أحسن مما كانت قال إذا يأخذ ضياعى قال أنا أعطيك خيرا منها من مالى بالحجاز قال فتكره عمر بن سعد من ذلك وقال بعضهم بل سأل منه إما أن يذهبا إلى يزيد أو يتركه يرجع إلى الحجاز أو يذهب إلى بعض الثغور فيقاتل الترك فكتب عمر إلى عبيد الله بذلك فقال نعم قد قبلت فقام الشمر بن ذى الجوشن فقال لا والله حتى ينزل على حكمك هو وأصحابه ثم قال والله لقد بلغنى أن حسينا وابن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل فقال له ابن زياد فنعم ما رأيت
وقد روى أبو مخنف حدثنى عبد الرحمن بن جندب عن عقبة بن سمعان قال لقد صحبت الحسين من مكة إلى حين قتل والله ما من كلمة قالها فى موطن إلا وقد سمعتها وإنه لم يسأل أن يذهب إلى يزيد فيضع يده إلى يده ولا أن يذهب إلى ثغر من الثغور ولكن طلب منهم أحد أمرين إما أن يرجع من حيث جاء وإما أن يدعوه يذهب فى الأرض العريضة حتى ينظر ما يصير أمر الناس إليه ثم إن عبيد الله بعث شمر بن ذى الجوشن فقال اذهب فان جاء حسين وأصحابه على حكمى وإلا فمر عمر بن سعد أن يقاتلهم فان تباطأ عن ذلك فاضرب عنقه ثم أنت الأمير على الناس وكتب إلى عمر بن سعد يتهدده على توانيه فى قتال الحسين وأمره إن لم يجىء الحسين إليه أن يقاتله ومن معه فانهم مشاقون فاستأمن عبيد الله بن أبى المحل لبنى عمته أم البنين بنت حرام من على وهم العباس وعبد الله وجعفر وعثمان فكتب لهم ابن زياد كتاب أمان وبعثه عبيد الله بن المحل مع مولى له يقال له كرمان فلما بلغهم ذلك قالوا أما أمان ابن سمية فلا نريده وإنا لنرجو أمانا خيرا من امان ابن سمية ولما قدم شمر بن ذى الجوشن على عمر بن سعد بكتاب عبيد الله بن زياد قال عمر أبعد الله دارك وقبح ما جئت به والله إنى لأظنك الذى صرفته عن الذى عرضت عليه من الأمور الثلاثة التى طلبها الحسين فقال له شمر فأخبرنى ما أنت صانع أتقاتلهم أنت أو تاركى وأياهم
فقال له عمر لا ولا كرامة لك أنا أتولى ذلك وجعله على الرجالة ونهضوا إليهم عشية يوم الخميس التاسع من المحرم فقام شمر بن ذى الجوشن فقال أين بنو أختنا فقام إليه العباس وعبد الله وجعفر وعثمان بنو على بن أبى طالب فقال أنتم آمنون فقالوا إن أمنتنا وابن رسول الله ص وإلا فلا حاجة لنا بأمانك قال ثم نادى عمر بن سعد فى الجيش يا خيل الله اركبى وابشرى فركبوا وزحفوا إليهم بعد صلاة العصر من يومئذ هذا وحسين جالس أمام خيمته محتبيا بسيفه ونعس فخفق برأسه وسمعت أخته الضجة فدنت منه فأيقظته فرجع برأسه كما هو وقال إنى رأيت رسول الله ص فى المنام فقال لى إنك تروح إلينا فلطمت وجهها وقالت يا ويلتنا فقال ليس لك الويل يا أختاه اسكنى رحمك الرحمن وقال له أخوة العباس بن على يا أخى جاءك القوم فقال اذهب إليهم فسلهم ما بدا لهم فذهب إليهم فى نحو من عشرين فارسا فقال ما لكم فقالوا جاء أمر الأمير إما أن تأتوا على حكمه وإما أن نقاتلكم فقال مكانكم حتى أذهب إلى أبى عبد الله فأعلمه فرجع ووقف أصحابه فجعلوا يتراجعون القول ويؤنب بعضهم بعضا يقول أصحاب الحسين بئس القوم أنتم تريدون قتل ذرية نبيكم وخيار الناس فى زمانهم ثم رجع العباس بن على من عند الحسين إليهم فقال لهم يقول لكم أبو عبد الله انصرفوا عشيتكم هذه حتى ينظر فى أمره الليلة فقال عمر بن سعد لشمر بن ذى الجوشن ما تقول فقال أنت الأمير والرأى رأيك فقال عمر بن الحجاج بن سلمة الزبيدى سبحان الله والله لو سألكم ذلك رجل من الدليم لكان ينبغى إجابته وقال قيس بن الأشعث أجبهم إلى ما سألوك فلعمرى ليصبحنك بالقتال غدوة وهكذا جرى الأمر فان الحسين لما رجع العباس قال له ارجع فارددهم هذه العشية لعلنا نصلى لربنا هذه الليلة ونستغفره وندعوه فقد علم الله منى أنى أحب الصلاة له وتلاوة كتابه والاستغفار والدعاء وأوصى الحسين فى هذه الليلة إلى أهله وخطب أصحابه فى أول الليل فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على رسوله بعبارة فصيحة بليغة وقال لأصحابه من أحب أن ينصرف إلى أهله فى ليلته هذه فقد أذنت له فان القوم إنما يريدوننى فقال مالك بن النضر على دين ولى عيال فقال هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه حجلا ليأخذ كل منكم بيد رجل من أهل بيتى ثم اذهبوا فى بسيط الأرض فى سواد هذا الليل إلى بلادكم ومدائنكم فان القوم إنما يريدوننى فلو قد أصابونى لهوا عن طلب غيرى فاذهبوا حتى يفرج الله عز وجل فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه لا بقاء لنا بعدك ولا أرانا الله فيك ما نكره فقال الحسين يا بنى عقيل حسبكم بمسلم أخيكم أذهبوا فقد أذنت لكم قالوا فما تقول الناس إنا تركنا شيخنا وسيدنا ونبى عمومتنا خير الأعمام لم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف رغبة فى الحياة الدنيا لا والله لا نفعل ولكن نفديك
بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك وقال نحو ذلك مسلم بن عوسجة الأسدى وكذلك قال سعيد بن عبد الله الحنفى والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله ص فيك والله لو علمت أنى أقتل دونك ألف قتلة وأن الله يرفع اشرع بذلك القتل عنك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك لأحببت ذلك وإنما هى قتلة واحدة وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا من وجه واحد فقالوا والله لا نفارقك وأنفسنا الفداء لك نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا وأبداننا فاذا نحن قتلنا وفينا وقضينا ما علينا وقال أخوة العباس لا أرانا الله يوم فقدك ولا حاجة لنا فى الحياة بعدك وتتابع أصحابه على ذلك وقال
وقال أبو مخنف حدثنى الحارث بن كعب وأبو الضحاك عن على بن الحسين زين العابدين قال إنى لجالس تلك العشية التى قتل أبى فى صبيحتها وعمتى زينب تمرضنى إذا اعتزل أبى فى خبائه ومعه أصحابه وعنده حوى مولى أبى ذر الغفارى وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبى يقول
يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالأشراق والآصيل
من صاحب أو طالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل
قال الزبير بن بكار وحدثنى محمد بن الضحاك قال لما أراد الحسين الخروج من مكة إلى الكوفة مر بباب المسجد الحرام وقال
وإنما الأمر إلى الجليل وكل حى سالك السبيل
فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى حفظتها وفهمت ما أراد فخنقتنى العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت أن البلاء قد نزل وأما عمتى فقامت حاسرة حتى انتهت إليه فقالت واثكلاه ليت الموت أعدمنى الحياة اليوم ماتت أمى فاطمة وعلى أبى وحسن أخى يا خليفة الماضى وثمال الباقى فنظر إليها وقال يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان فقالت بأبى أنت وأمى يا أبا عبد الله استقتلت ولطمت وجهها وشقت جيبها وخرت مغشيا عليها فقام إليها فصب على وجهها الماء وقال يا أخيه اتق الله واصبرى وتعزى بعزاء الله واعلمى أن أهل الأرض يموتون وأن أهل السماء لا يبقون وأن كل شىء هالك إلا وجه الله الذى خلق الخلق بقدرته ويميتهم بقهره وعزته ويعيدهم فيعبدونه وحده وهو فرد وحده واعلمى أن أبى خير منى وأمى خير منى وأخى خير منى ولى ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة حسنة ثم خرج عليها أن لا تفعل شيئا من هذا بعد مهلكه ثم أخذ بيدها فردها إلى عندى ثم خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يدنوا بيوتهم بعضها من بعض حتى تدخل الأطناب بعضها فى بعض وأن لا يجعلوا للعدو مخلصا إليهم إلا من جهة واحدة وتكون البيوت عن أيمانهم وعن شمائلهم ومن ورائهم وبات الحسين وأصحابه طول ليلهم يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون وخيول حرس عدوهم تدور من ورائهم عليها عزرة بن قيس
الأحمسى والحسين يقرأ ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب الآية فسمعها رجل من تلك الخيل التى كانت تحرس من أصحاب إبن زياد فقال نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا الله منكم قال فعرفته فقلت لزيد بن حضير أتدرى من هذا قال لا فقلت هذا أبو حرب السبيعى عبيد الله بن شمير وكان مضحاكا بطالا وكان شريفا شجاعا فاتكا وكان سعيد بن قيس ربما حبسه فى خبائه فقال له يزبد بن حصين يا فاسق متى كنت من الطيبين فقال من أنت ويلك قال أنا يزيد بن حصين قال أنا لله هلكت والله عدو الله علام يريد قتلك قال فقلت له يا أبا حرب هل لك أن تتوب من ذنوبك العظام فوالله إنا لنحن الطيبون وأنكم لأنتم الخبيثون قال نعم وأنا على ذلك من الشاهدين قال ويحك أفلا ينفعك معرفتك قال فانتهره عزرة بن قيس أمير السرية التى تحرسنا فانصرف عنا قالوا فلما صلى عمر بن سعد الصبح بأصحابه يوم الجمعة وقيل يوم السبت وكان يوم عاشوراء إنتصب للقتال وصلى الحسين أيضا بأصحابه وهم إثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا ثم إنصرف فصفهم فجعل على ميمنته زهير بن القين وعلى الميسرة حبيب بن المطهر وأعطى رايته العباس بن على أخاه وجعلوا البيوت بما فيها من الحرم وراء ظهورهم وقد أمر الحسين من الليل فحفروا وراء بيوتهم خندقا وقذفوا فيه حطبا وخشبا وقصبا ثم أضرمت فيه النار لئلا يخلص أحد إلى بيوتهم من ورائها وجعل عمر بن سعد على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدى وعلى الميسرة شمر بن ذى الجوشن وأسم ذى الجوشن شرحبيل بن الأعور بن عمرو بن معاوية من بنى الضباب بن كلاب وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسى وعلى الرجالة شبيث بن ربعى وأعطى الراية لوردان مولاه وتواقف الناس فى ذلك الموضع فعدل الحسين إلى خيمة قد نصبت فاغتسل فيها وانطلى بالنورة وتطيب بمسك كثير ودخل بعده بعض الأمراء ففعلوا كما فعل فقال بعضهم لبعض ما هذا فى هذه الساعة فقال بعضهم دعنا منك والله ما هذه بساعة باطل فقال يزيد بن حصين والله لقد علم قومى أنى ما أحببت الباطل شابا ولا كهلا ولكن والله إنى لمستبشر بما نحن لاحقون والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء القوم فيقتلوننا ثم ركب الحسين على فرسه وأخذ مصحفا فوضعه بين يديه ثم استقبل القوم رافعا يديه يدعو بما تقدم ذكره اللهم أنت ثقتى فى كل كرب ورجائى فى كل شدة إلى آخره وركب إبنه على بن الحسين وكان ضعيفا مريضا فرسا يقال له الأحمق ونادى الحسين أيها الناس اسمعوا منى نصيحة أقولها لكم فأنصت الناس كلهم فقال بعد حمد
الله والثناء عليه أيها الناس إن قبلتم منى وأنصفتمونى كنتم بذلك أسعد ولم يكن لكم على سبيل وإن لم تقبلوا منى فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن عليكم غمة ثم اقضوا إلى ولا تنظرون وإن وليى الله الذى نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين
فلما سمع ذلك أخواته وبناته ارتفت أصواتهن بالبكاء فقال عند ذلك لا يبعد الله ابن عباس يعنى حين أشار عليه أن يخرج بالنساء معه ويدعهن بمكة إلى أن ينتظم الأمر ثم بعث أخاه العباس فسكتهن ثم شرع يذكر للناس فضله وعظمة نسبه وعلو قدره وشرفه ويقول راجعوا أنفسكم وحاسبوها هل يصلح لكم قتال مثلى وأنا ابن بنت نبيكم وليس على وجه الأرض ابن بنت نبى غيرى وعلى أبى وجعفر ذو الجناحين عمى وحمزة سيد الشهداء عم أبي وقال لى رسول الله ص ولأخى هذان سيدا شباب أهل الجنة فان صدقتمونى بما أقول فهو الحق فوالله ما تعمدت كذبة منذ علمت أن الله يمقت على الكذب وإلا فاسألوا أصحاب رسول الله ص عن ذلك جابر بن عبد الله وأبا سعيد وسهل بن سعد وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبرونكم بذلك ويحكم إما تتقون الله أما فى هذا حاجز لكم عن سفك دمى فقال عند ذلك شمر بن ذى الجوشن هو يعبد الله على حرف إن كنت أدرى ما يقول فقال له حبيب بن المطهر والله يا شمر إنك لتعبد الله على سبعين حرفا وأما نحن فوالله إنا لندرى ما يقول وإنه قد طبع على قلبك ثم قال أيها الناس ذرونى أرجع إلى مأمنى من الأرض فقالوا ما يمنعك أن تنزل على حكم بنى عمك فقال معاذ الله إنى عذت بربى وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ثم أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها ثم قال أخبرونى أتطلبوني بقتيل لكم قتلته أو مال لكم أكلته أو بقصاصة من جراحه قال فأخذوا لا يكلمونه قال فنادى يا شبيث بن ربعى يا حجار بن أبجر يا قيس بن الأشعث يا زيد بن الحارث ألم تكتبوا إلى أنه قد أينعت الثمار وأخضر الجناب فأقدم علينا فانك إنما تقدم على جند مجندة فقالوا له لم نفعل فقال سبحان الله والله لقد فعلتم ثم قال يا أيها الناس إذ قد كرهتمونى فدعونى أنصرف عنكم فقال له قيس بن الأشعث ألا تنزل على حكم بنى عمك فانهم لن يؤذوك ولا ترى منهم إلا ما تحب فقال له الحسين أنت أخو أخيك أتريد أن تطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم ابن عقيل لا والله لا أعطيهم بيدى إعطاء الذليل ولا أقر لهم إقرار العبيد
قال وأقبلوا يزحفون نحوه وقد تحيز إلى جيش الحسين من أولئك طائفة قريب من ثلاثين فارسا فيما قيل منهم الحر بن يزيد أمير مقدمة جيش ابن زياد فاعتذر إلى الحسين مما كان منهم
قال ولو أعلم أنهم على هذه النية لسرت معك إلى يزيد فقبل منه الحسين ثم تقدم بين يدى أصحاب الحسين فخاطب عمر بن سعد فقال ويحكم ألا تقبلون من ابن بنت رسول الله ص ما يعرض عليكم من الخصال الثلاث واحدة منها فقال لو كان ذلك إلى قبلت
قال وخرج من أصحاب الحسين زهير بن القين على فرس له شاك فى السلاح فقال يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم ونحن حتى الآن أخوة وعلى دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف فاذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا أمة وأنتم أمة إن الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيه لينظر ما نحن وأنتم عاملون إنا ندعوكم إلى نصره وخذلان الطاغية ابن الطاغية عبيد الله بن زياد فأنكم لم تدركوا منهما إلا سوء عموم سلطانها يسملان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثلان بكم ويقتلان أماثلكم وقراءكم أمثال حجر بن عدى وأصحابه وهانىء بن عروة وأشباهه قال فسبوه وأثنوا على ابن زياد ودعوا له وقالوا لا ننزع حتى نقتل صاحبك ومن معه فقال لهم إن ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية فان أنتم لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم خلوا بين هذا الرجل وبين ابن عمه يزيد بن معاوية نذهب حيث شاء فلعمرى إن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين قال فرماه شمر بن ذى الجوشن بسهم وقال له اسكت اسكت الله نامتك أبرمتنا بكثرة كلامك فقال له زهير يا ابن البوال على عقبية إياك أخاطب إنما أنت بهيمة والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين فابشر بالخزى يوم القيامة والعذاب الأليم فقال له شمر إن الله قاتلك وصاحبك بعد ساعة فقال له زهير أبالموت تخوفنى فوالله للموت معه أحب إلى من الخلود معكم ثم إن زهيرا أقبل على الناس رافعا صوته يقول عباد الله لا يغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافى وأشباهه فوالله لا ينال شفاعة محمد ص قوم أهرقوا دماء ذريته وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم
وقال الحر بن يزيد لعمر بن سعد أصلحك الله أمقاتل أنت هذا الرجل قال إى والله قتالا أيسره أن تسقط الرؤس وتطيح الأيدى وكان الحر من أشجع أهل الكوفة فلامه بعض أصحابه على الذهاب إلى الحسين فقال له والله إنى أخير نفسى بين الجنة والنار ووالله لا أختار على الجنة غيرها ولو قطعت وحرقت ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين فاعتذر إليه بما تقدم ثم قال يا أهل الكوفة لامكم الهبل أدعوتم الحسين إليكم حتى إذا أتاكم أسلمتموه رغم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه ومنعتموه التوجه فى بلاد الله العريضة الوسيعة التى لا يمنع فيها الكلب والخنزير وحلتم بينه وبين الماء الفرات الجارى الذى يشرب منه الكلب والخنزير وقد صرعهم
العطش بئس ما خلفتم محمدا فى ذريته لاسقاكم الله يوم الظما الأكبر إن لم تتوبوا وترجعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا فى ساعتكم هذه فحملت عليه رجاله لهم ترميه بالنبل فأقبل حتى وقف أمام الحسين وقال لهم عمر بن سعد لو كان الأمر لى لأحببت الحسين إلى ما طلب ولكن أبى على عبيد الله بن زياد وقد خاطب أهل الكوفة وأنبهم ووبخهم وسبهم فقال لهم الحر بن يزيد ويحكم منعتم الحسين ونساءه وبناته الماء الفرات الذى يشرب منه اليهود والنصارى ويتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه فهو كالأسير فى أيديكم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا
قال فتقدم عمر بن سعد وقال لمولاه يا دريد أدن رايتك فأدناها ثم شمر عمر عن ساعده ورمى بسهم وقال أشهدوا أنى أول من رمى القوم قال فترامى الناس بالنبال وخرج يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله فقالا من يبارز فبرز لهما عبيد الله بن عمر الكلبى بعد استئذانه الحسين فقتل يسارا أولا ثم قتل سالما بعده وقد ضربه سالم ضربة أطار أصابع يده اليسرى وحمل رجل يقال له عبد الله بن حوزة حتى وقف بين يدى الحسين فقال له يا حسين أبشر بالنار فقال له الحسين كلا ويحك إنى أقدم على رب رحيم وشفيع مطاع بل أنت أولى بالنار قالوا فانصرف فوقصته فرسه فسقط وتعلقت قدمه بالركاب وكان الحسين قد سأل عنه فقال أنا ابن حوزة فرفع الحسين يده وقال اللهم حزه إلى النار فغضب ابن حوزة وأراد أن يقحم عليه الفرس وبينه وبينه نهر فحالت به الفرس فانقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقى جانبه الآخر متعلقا بالركاب وشد عليه مسلم بن عوسجة فضربه فأطار رجله اليمنى وغارت به فرسه فلم يبقى حجر يمر به إلا ضربه فى رأسه حتى مات
وروى أبو مخنف عن أبى جناب قال كان منا رجل يدعى عبد الله بن عمير من بنى عليم كان قد نزل الكوفة واتخذ دارا عند بئر الجعد من همدان وكانت معه امرأة له من النمر بن قاسط فرأى الناس يتهيئون للخروج إلى قتال الحسين فقال والله لقد كنت على قتال أهل الشرك حريصا وإنى لأرجو أن يكون جهادى مع ابن بنت رسول الله ص لهؤلاء أفضل من جهاد المشركين وأيسر ثوابا عند الله فدخل إلى امرأته فأخبرها بما هو عازم عليه فقالت أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك افعل وأخرجنى معك قال فخرج بها ليلا حتى أتى الحسين ثم ذكر قصة رمى عمر بن سعد بالسهم وقصة قتله يسار مولى ابن زياد وسالم مولى ابن زياد وأن عبد الله ابن عمير استأذن الحسين فى الخروج إليهما فنظر إليه الحسين فرأى رجلا آدم طويلا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين فقال الحسين إنى لأحسبه للأقران قتالا اخرج إن شئت
فخرج فقالا له من أنت فانتسب لهما فقالا لا نعرفك إلا من خير منكما ثم شد على يسار فكان كأمس الذاهب فانه لمشتغل به إذ حمل عليه سالم مولى ابن زياد فصاح به صائح قد رهقك العبد قال فلم ينتبه حتى غشية فضربه على يده اليسرى فأطار أصابعه ثم مال على الكلبى فضربه حتى قتله وأقبل يرتجز ويقول
إن تنكرانى فأنا ابن كلب نسبى * بيتى فى عليم حسبى
إنى امرؤ ذو مروءة وعضب
ولست بالخوار عند الكرب * إنى زعيم لك أم وهب
بالطعن فيهم مقدما والضرب * ضرب غلام مؤمن بالرب
فأخذت أم وهب عمودا ثم أقبلت نحو زوجها تقول له فداؤك أبى وأمى قاتل دون الطيبين ذرية محمد عليه السلام فأقبل إليها يردها نحو النساء فأقبلت تجاذبه ثوبه قالت دعنى أكون معك فناداها الحسين انصرفى إلى النساء فاجلسى معهن فانه ليس على النساء قتال فانصرفت إليهن
قال وكثرت المبارزة يومئذ بين الفريقين والنصر فى ذلك لأصحاب الحسين لقوة بأسهم وأنهم مستميتون لاعاصم لهم إلا سيوفهم فأشار بعض الأمراء على عمر بن سعد بعدم المبارزة وحمل عمر بن الحجاج أمير ميمنة جيش ابن زياد وجعل يقول قاتلوا من مرق من الدين وفارق الجماعة فقال له الحسين ويحك يا حجاج أعلى تحرض الناس أنحن مرقنا الدين وأنت تقيم عليه ستعلمون إذا فارقت أرواحنا أجسادنا من أولى بصلى النار وقد قتل فى هذه الحملة مسلم بن عوسجة وكان أول من قتل من أصحاب الحسين فمشى إليه الحسين فترحم عليه وهو على آخر رمق وقال له حبيب بن مطهر ابشر بالجنة فقال له بصوت ضعيف بشرك الله بالخير ثم قال له حبيب لولا أنى أعلم أنى على أثرك لاحقك لكنت أقضى ما توصى به فقال له مسلم بن عوسجة أوصيك بهذا وأشار إلى الحسين إلى أن تموت دونه قالوا ثم حمل شمر بن ذى الجوشن بالميسرة وقصدوا نحو الحسين فدافعت عنه الفرسان من أصحابه دفاعا عظيما وكافحوا دونه مكافحة بليغة فأرسلوا يطلبون من عمر بن سعد طائفة من الرماة الرجالة فبعث إليهم نحوا من خمسمائة فجعلوا يرمون خيول أصحاب الحسين فعقروها كلها حتى بقى جميعهم رجاله ولما عقروا جواد الحر ابن يزيد نزل عنه وفى يده السيف كأنه ليث وهو يقول
إن تعقروا بى فانا ابن الحر * أشجع من ذى لبد هزبر
ويقال إن ابن عمر بن سعد أمر بتقويض تلك الأبنية التى تمنع من القتال من أتى ناحيتها فجعل أصحاب الحسين يقتلون من يتعاطى ذلك فأمر بتحريقها فقال الحسين دعوهم يحرقونها فانهم
لا يستطيعون أن يجوزوا منها وقد أحرقت وجاء شمر بن ذى الجوشن قبحه الله إلى فسطاط الحسين فطعنه برمحه يعنى الفسطاط وقال إيتونى بالنار لأحرقه على من فيه فصاحت النسوة وخرجن منه فقال له الحسين أحرقك الله بالنار وجاء شبيث بن ربعى إلى شمر قبحه الله فقال له ما رأيت أقبح من قولك ولا من فعلك وموقفك هذا أتريد أن ترعب النساء فاستحى وهم بالرجوع وقال حميد بن مسلم قلت لشمر سبحان الله إن هذا لا يصلح لك أتريد أن تجمع على نفسك خصلتين تعذب بعذاب الله وتقتل الولدان والنساء والله إن فى قتلك الرجال لما ترضى به أميرك قال فقال لى من أنت قلت لا أخبرك من أنا وخشيت أنى إن أخبرته فعرفنى أن يسوءنى عند السلطان
وشد زهير بن القين فى رجال من أصحاب الحسين على شمر بن ذى الجوشن فأزالوه عن موقفه وقتلوا أبا عزة الضبابى وكان من أصحاب شمر وكان الرجل من أصحاب الحسين إذا قتل بان فيهم الخلل وإذا قتل من أصحاب ابن زياد الجماعة الكثيرة لم يتبين ذلك فيهم لكثرتهم ودخل عليهم وقت الظهر فقال الحسين مروهم فليكفوا عن القتال حتى نصلى فقال رجل من أهل الكوفة إنها لا تقبل منكم فقال له حبيب بن مطهر ويحك أتقبل منكم ولا تقبل من آل رسول الله ص وقاتل حبيب قتالا شديدا حتى قتل رجلا يقال له بديل بن صريم من بنى عقفان وجعل يقول
أنا حبيب وأبى مطهر * فارس هيجاء وحرب مسعر