إمارة معاوية بن يزيد بن معاوية
 
أبى عبد الرحمن ويقال أبو يزيد أبو يعلى القرشى الأموى وامه أم هاشم لنت أبى هاشم ابن عتبة بن ربيعة بويع له بعد موت أبيه وكان ولى عهده من بعده فى رابع عشر ربيع الأول سنة أربع وستين وكان رجلا صالحا ناسكا ولم تطل مدته قيل إنه مكث فى الملك أربعين يوما وقيل عشرين يوما وقيل شهرين وقيل شهرا ونصف وقيل ثلاثة أشهر وعشرون يوما وقيل أربعة أشهر فالله أعلم
وكان فى مدة ولايته مريضا لم يخرج إلى الناس وكان الضحاك بن قيس هو الذى يصلي بالناس ويسد الأمور ثم مات معاوية بن يزيد هذا عن إحدى وعشرين وقيل ثلاث وعشرين سنة وثمانية عشر يوما وقيل تسع عشرة سنة وقيل ثلاث وعشرون سنة وقيل إنما عاش ثمانى عشرة سنة وقيل تسع عشرة سنة وقبل عشرون وقسل خمس وعشرون فالله أعلم وصلى عليه أخوه خالد وقيل عثمان بن عنبسة وقيل الوليد بن عتبة وهو الصحيح فانه أوصى إليه بذلك وشهد دفنه مروان بن الحكم وكان الضحاك بن قيس هو الذى يصلى بالناس بعده حتى استقر الأمر لمروان بالشام ودفن بمقابر باب الصغير بدمشق ولما حضرته الوفاة قيل له ألا توصى فقال لا أتزود مرارتها إلى آخرتى وأترك حلاوتها لبنى أمية وكان رحمه الله أبيض شديد البياض كثير الشعر كبير العينين جعد الرأس أقنى الأنف مدور الرأس جميل الوجه كثير شعر الوجه دقيقه حسن الجسم قال أبو زرعة الدمشقى معاوية وعبد الرحمن وخالد أخوه وكانوا من صالحى القوم وقال فيه بعض الشعراء وهو عبد الله بن همام البلوى
تلقاها يزيد عن أبيه * فدونكها معاوى عن يزيدا
أديروها بنى حرب عليكم * ولا ترموا بها الغرض البعيدا
ويروى أن معاوية بن يزيد هذا نادى فى الناس الصلاة جامعة ذات يوم فاجتمع الناس فقال لهم فيما قال يا أيها الناس إنى قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه فان أحببتم تركتها لرجل قوى كما تركها الصديق لعمر وإن شئتم تركتها شورى فى ستة منكم كما تركها عمر بن الخطاب وليس فيكم من هو صالح لذلك وقد تركت لكم أمركم فولوا عليكم من يصلح لكم ثم نزل ودخل منزله فلم يخرج منه حتى مات رحمه الله تعالى ويقال إنه سقى ويقال إنه طعن
ولما دفن حضر مروان دفنه فلما فرغ منه قال مروان أتدرون من دفنتم قالوا نعم معاوية ابن يزيد فقال مروان هو أبو ليلى الذى قال فيه أرثم الفزارى
إنى أرى فتنة تغلى مراجلها * والملك بعد أبى ليلى لمن غلبا
قالوا فكان الأمر كما قال وذلك أن أبا ليلى توفى من غير عهد منه إلى أحد فتغلب إلى الحجاز عبد الله بن الزبير وعلى دمشق وأعمالها مروان بن الحكم وبايع أهل خراسان سلم بن زياد حتى يتولى على الناس خليفة وأحبوه محبة عظيمة وسار فيهم سلم سيرة حسنة أحبوه عليها ثم أخرجوه من بين أظهرهم وخرج القراء والخوارج بالبصرة وعليهم نافع بن الأزرق وطردوا عنهم عبيد الله بن زياد بعد ما كانوا بايعوه عليهم حتى يصير للناس إمام فأخرجوه عنهم فذهب إلى الشام بعد فصول يطول ذكرها وقد بايعوا بعده عبد الله بن الحارث بن نوفل المعروف ببة وأمه هند بنت أبى سفيان وقد جعل على شرطة البصرة هميان بن عدى السدوسى فبايعه الناس فى مستهل جمادى الآخرة سنة أربع وستين وقد قال الفرزدق
وبايعت أقواما وفيت بعهدهم * وببة قد بايعته غير نادم
فأقام فيها أربعة أشهر ثم لزم بيته فكتب أهل البصرة إلى ابن الزبير إلى أنس بن مالك يأمره أن يصلى بالناس فصلى بهم شهرين ثم كان ما سنذكره وخرج نجدة بن عامر الحنفى باليمامة وخرج بنو ماحورا فى الأهواز وفارس وغير ذلك على ما سيأتى تفصيله قريبا إن شاء الله تعالى