وقعة مرج راهط ومقتل الضحاك بن قيس الفهرى رضى الله عنه
 
قد تقدم أن الضحاك كان نائب دمشق لمعاوية بن أبى سفيان وكان يصلى عنهم إذا اشتغلوا أو غابوا ويقيم الحدود ويسد الأمور فلما مات معاوية قام بأعباء بيعة يزيد ابنه ثم لما مات يزيد بايع الناس لمعاوية بن يزيد فلما مات معاوية بن يزيد بايعه الناس من دمشق حتى تجتمع الناس على إمام فلما اتسعت البيعة لابن الزبير عزم على المبايعة له فخطب الناس يوما وتكلم فى يزيد بن معاوية وذمه فقامت فتنة فى المسجد الجامع حتى اقتتل الناس فيه بالسيوف فسكن الناس ثم دخل دار الامارة من الخضراء وأغلق عليه الباب ثم اتفق مع بنى أمية على أن يركبوا إلى حسان ابن مالك بن بحدل وهو بالأردن فيجتمعوا عنده على من يراه أهلا للامارة وكان حسان يريد أن يبايع لابن أخته خالد بن يزيد ويزيد ابن ميسون وميسون بنت بحدل أخت حسان فلما ركب الضحاك معهم انخذل بأكثر الجيش فرجع إلى دمشق فامتنع بها وبعث إلى امراء الأجناد فبايعهم لابن الزبير وسار بنو أمية ومعهم مروان وعمرو بن سعيد وخالد وعبد الله ابنا يزيد بن معاوية حتى اجتمعوا بحسان بن مالك بالجابية وليس لهم قوة طائلة بالنسبة إلى الضحاك بن قيس فعزم مروان على الرحيل إلى ابن الزبير ليبايعه ويأخذ امانا منه لبنى أمية فانه كان قد امر بأجلائهم عن المدينة فسار حتى وصل إلى أذعارت فلقيه عبيد الله بن زياد مقبلا من العراق فاجتمع به ومعه حصين بن نمير وعمرو بن سعيد بن العاص فحسنوا إليه أن يدعو إلى نفسه فانه أحق بذلك من ابن الزبير الذى قد فارق الجماعة وخلع ثلاثة من الخلفاء فلم يزالوا بمروان حتى أجابهم إلى ذلك وقال له عبيد الله بن زياد وأنا ذاهب لك إلى الضحاك إلى دمشق فأخدعه لك وأخذل أمره فسار إليه وجعل يركب إليه كل يوم ويظهر له الود والنصحية والمحبة ثم حسن له أن يدعو إلى نفسه ويخلع ابن الزبير فانك أحق بالأمر منه لأنك لم تزل فى الطاعة مشهورا بالأمانة وابن الزبير خارج عن الناس فدعا الضحاك الناس إلى نفسه ثلاثة أيام فلم يصمد معه فرجع إلى الدعوة لابن الزبير ولكن انحط بها عند الناس ثم قال له ابن زياد إن من يطلب ما تطلب لا ينزل المدن والحصون وإنما ينزل الصحراء ويدعو إليه بالجنود فبرز الضحاك إلى مرج راهط فنزله وأقام ابن زياد بدمشق وبنو أمية بتدمر وخالد وعبد الله عند خالهم حسان بالجابية فكتب ابن زياد إلى مروان يأمره أن يظهر دعوته فدعا إلى نفسه وتزوج بأم خالد بن يزيد وهى أم هاشم بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة فعظم أمره وبايعه الناس واجتمعوا عليه وسار إلى مرج راهط نحو الضحاك بن قيس وركب إليه عبيد الله بن زياد وأخوه عباد بن زياد حتى اجتمع مع مروان ثلاثة عشر ألفا وبدمشق من جهته يزيد بن أبى النمر وقد أخرج عامل الضحاك منها وهو يمد مروان بالسلاح والرجال وغير ذلك ويقال كان نائبه على دمشق يومئذ عبد الرحمن بن أم الحكم وجعل مروان على ميمنته عبيد الله بن زياد وعلى ميسرته عمرو بن سعيد بن العاص وبعث الضحاك
إلى النعمان بن بشير فأمده النعمان بأهل حمص عليهم شرحبيل بن ذى الكلاع وركب إليه زفر ابن الحارث الكلابى فى أهل قنسرين فكان الضحاك فى ثلاثين ألفا على ميمنته زياد بن عمرو العقيلى وعلى ميسرته زكريا بن شمر الهلالى فتصافوا وتقاتلوا بالمرج عشرين يوما يلتقون بالمرج فى كل يوم فيقتتلون قتالا شديدا ثم أشار عبيد الله على مروان أن يدعوهم إلى الموادعة خديعة فان الحرب خديعة وأنت وأصحابك على الحق وهم على الباطل فنودى الناس بذلك ثم غدر أصحاب مروان فمالوا يقتلونهم قتالا شديدا وصبر الضحاك صبرا بليغا فقتل الضحاك بن قيس فى المعركة قتله رجل يقال له زحمة بن عبد الله من بنى كلب طعنه بحربة فأنفذه ولم يعرفه وصبر مروان وأصحابه صبرا شديدا حتى فر أولئك بين يديه فنادى مروان ألا لا تتبعوا مدبرا ثم جىء برأس الضحاك ويقال أن أول من بشره بقتله روح بن زنباع الجذامى واستقر ملك الشام بيد مروان بن الحكم وروى أنه بكى على نفسه يوم مرج راهط فقال أبعد ما كبرت وضعفت صرت إلى أن أقتل بالسيوف على الملك
قلت ولم تطل مدته فى الملك إلا تسعة أشهر على ما سنذكره
وقد كان الضحاك بن قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان ابن محارب بن فهر بن مالك أبو أنيس الفهرى أحد الصحابة على الصحيح وقد سمع من النبى ص وروى عنه أحاديث عدة وروى عنه جماعة من التابعين وهو أخو فاطمة بنت قيس وكانت أكبر منه بعشر سنين وكان أبو عبيدة بن الجراح عمه حكاه ابن أبى حاتم وزعم بعضهم أنه لا صحبة له قال الواقدى أدرك النبى ص وسمع منه قبل البلوغ وفى رواية عن الواقدى أنه قال ولد الضحاك قبل وفاة النبى ص بسنتين وقد شهد فتح دمشق وسكنها وله بها دار عند حجر الذهب مما يلى نهر بردا وكان اميرا على أهل دمشق يوم صفين مع معاوية ولما أخذ معاوية الكوفة استنابه بها فى سنة أربع وخمسون وقد روى البخارى فى التاريخ أن الضحاك قرأ سورة ص فى الصلاة فسجد فيها فلم يتابعه علقمة وأصحاب ابن مسعود فى السجود ثم استنابه معاوية عنده على دمشق فلم يزل عنده حتى مات معاوية وتولى ابنه يزيد ثم ابنه معاوية بن يزيد ثم صار امره إلى ما ذكرنا
وقد قال الامام أحمد حدثنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن سلمة أنبأنا على بن زيد عن الحسن أن الضحاك بن قيس كتب إلى الهيثم حين مات يزيد بن معاوية السلام عليك أما بعد فأنى سمعت رسول الله ص يقول إن بين يدى الساعة فتنا كقطع الليل المظلم فتنا كقطع الدخان يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه يصبح الرجل مؤمنا ويسمى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح
كافرا يبيع أقوام أخلاقهم ودينهم بعرض من الدنيا قليل وإن يزيد بن معاوية قد مات وأنتم إخواننا وأشقاؤنا فلا تسبقونا حتى نحتال لأنفسنا وقد روى ابن عساكر من طريق ابن قتية عن العباس بن الفرج الرياشى عن يعقوب بن إسحاق بن ثوبة عن حماد بن زيد قال دخل الضحاك ابن قيس على معاوية فقال معاوية منشدا له
تطاولت للضحاك حتى رددته * إلى حسب فى قومه متقاصر
فقال الضحاك قد علم قومنا أنا أحلاس الخيل فقال صدقت أنتم أحلاسها ونحن فرسانها يريد معاوية أنتم راضة وساسة ونحن الفرسان ورأى أن أصل الكلمة من الحلس وهو كساء يكون تحت البرذعة أى أنه لازم ظهر الفرس كما يلزم الحلس ظهر البعير والدابة وروى أن مؤذن دمشق قال للضحاك بن قيس والله أيها الأمير إنى لأحبك فى الله فقال له الضحاك ولكنى والله أبغضك فى الله قال ولم أصلحك الله قال لأنك تتراءى فى أذانك وتأخذ على تعليمك أجرا قتل الضحاك رحمه الله يوم مرج راهط وذلك للنصف من ذى الحجة سنة أربع وستين قاله الليث بن سعد وأبو عبيدة والواقدى وابن زير والمدائنى