ثم دخلت سنة خمس وستين
 
فيها اجتمع إلى سليمان بن صرد نحو من سبعة عشر ألفا كلهم يطلبون الأخذ بثأر الحسين ممن قتله قال الواقدى لما خرج الناس إلى النخيلة كانوا قليلا فلم تعجب سليمان قلتهم فأرسل حكيم ابن منقذ فنادى فى الكوفة بأعلى صوته يا ثارات الحسين فلم يزل ينادى حتى بلغ المسجد الأعظم فسمع الناس فخرجوا إلى النخيلة وخرج أشراف الكوفة فكانوا قريبا من عشرين ألفا أو يزيدون فى ديوان سليمان بن صرد فلما عزم على المسير بهم لم يصف معه منهم سوى أربعة آلاف فقال
المسيب بن نجية لسليمان إنه لا ينفعك الكاره ولا يقاتل معك إلا من أخرجته النية وباع نفسه لله عز وجل فلا تنتظرن أحدا وامض لأمرك فى جهادك عدوك واستعن بالله عليهم فقام سليمان فى أصحابه وقال يا أيها الناس من كان إنما خرج لوجه الله وثواب الأخرة فذلك منا ونحن منه ومن كان خروجه معنا للدنيا فليس منا ولا يصحبنا فقال الباقون معه ما للدنيا خرجنا ولا لها طلبنا فقيل له أنسير إلى قتلة الحسين بالشام وقتلته عندنا بالكوفة كلهم مثل عمر بن سعد وغيره فقال سليمان إن ابن زياد هو الذى جهز الجيش إليه وفعل به ما فعل فاذا فرغنا منه عدنا إلى أعدائه بالكوفة ولو قاتلتوهم أولا وهم أهل مصر كم ما عدم الرجل منكم أن يرى رجلا قد قتل أباه قد قتل أخاه أو حميمه قيقع التخاذل فاذا فرغتم من الفاسق ابن زياد لكم المراد فقالوا صدقت فنادى فيهم سيروا على اسم الله تعالى فساروا عشية الجمعة لخمس مضين من ربيع الأول
وقال فى خطبته من كان خرج منكم للدنيا ذهبها وزبرجدها فليس معنا مما يطلب شىء وإنما معنا سيوف على عواتقنا ورماح فى أكفنا وزاد يكفينا حتى نلقى عدونا فأجابوه إلى السمع والطاعة والحالة هذه وقال لهم عليكم بابن زياد الفاسق اولا فليس له إلا السيف وها هو قد أقبل من الشام قاصدا العراق فصمم الناس معه على هذا الرأى فلما أزمعوا على ذلك بعث عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد أمراء الكوفة من جهة ابن الزبير إلى سليمان بن صرد يقولان له إنا نحب أن تكون أيدينا واحدة على ابن زياد وأنهم يريدن أن يبعثوا معهم جيشا ليقويهم على ما هم قد قصدوا له وبعثوا بريدا بذلك ينتظرهم حتى يقدموا عليه فتهيأ سليمان بن صرد لقدومهم عليه فى رؤس الأمراء وجلس فى أبهته والجيوش محدقة به واقبل عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن طلحة فى أشراف أهل الكوفة من غير قتلة الحسين لئلا يطمعوا فيهم وكان عمر بن سعد بن ابى وقاص فى هذه الأيام كلها لا يبيت إلا فى قصر الامارة عند عبد الله بن يزيد خوفا على نفسه فلما اجتمع الاميران عند سليمان بن صرد قالا له وأشارا عليه أن لايذهبوا حتى تكون أيديهما واحدة على قتال ابن زياد ويجهزوا معهم جيشا فان أهل الشام جمع كثير وجم غفير وهم يحاجفون عن ابن زياد فامتنع سليمان من قبول قولهما وقال إنا خرجنا لأمر لا نرجع عنه ولا نتأخر فيه فانصرف الأميران راجعين إلى الكوفة وانتظر سليمان بن صرد وأصحابه أصحابهم الذين كانوا قد واعدوهم من أهل البصرة وأهل المدائن فلم يقدموا عليهم ولا واحد منهم فقام سليمان فى أصحابه خطيبا وحرضهم على الذهاب لما خرجوا عليه وقال لو قد سمع إخوانكم بخروجكم للحقوكم سراعا فخرج سليمان وأصحابه من النخيلة يوم الجمعة لخمس مضين من ربيع الأول سنة خمس وستين فسار بهم
مراحل ما يتقدمون مرحلة إلى نحو الشام إلا تخلف عنه طائفة من الناس الذين معه فلما مروا بقبر الحسين صاحوا صيحة واحدة وتباكوا وباتوا عنده ليلة يصلون ويدعون وظلوا يوما يترحمون عليه ويستغفرون له ويترضون عنه ويتمنون أن لو كانوا ماتوا معه شهداء قلت لو كان هذا العزم والاجتماع قبل وصول الحسين إلى تلك المنزلة لكان أنفع له وأنصر من اجتماع سليمان وأصحابه لنصرته بعد أربع سنين ولما أرادوا الانصراف جعل لا يريم أحد منهم حتى يأتى القبر فيترحم عليه ويستغفر له حتى جعلوا يزدحمون أشد من ازدحامهم عند الحجر الأسود ثم ساروا قاصدين الشام فلما اجتازوا بقرقيسيا تحصن منهم زفر بن الحارث فبعث إليه سليمان بن صرد إنا لم نأت لقتالكم فأخرج إلينا سوقا فإنا إنما نقيم عندكم يوما أو بعض يوم فأمر زفر بن الحارث أن يخرج إليهم سوق وأمر للرسول إليه وهو المسيب بن نجية بفرس وألف درهم فقال أما المال فلا وأما الفرس فنعم وبعث زفر بن الحارث إلى سليمان بن صرد ورؤس الأمراء الذين معه إلى كل واحد عشرين جزورا وطعاما وعلفا كثيرا ثم خرج زفر بن الحارث فشيعهم وسار مع سليمان بن صرد وقال له إنه قد بلغنى أن أهل الشام قد جهزوا جيشا كثيفا وعددا كثيرا مع حصين بن نمير وشرحبيل بن ذى الكلاع وأدهم بن محرز الباهلى وربيعة بن مخارق الغنوى وجبلة بن عبد الله الخثعمى فقال سليمان بن صرد على الله توكلنا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ثم عرض عليهم زفر أن يدخلوا مدينته أو يكونوا عند بابها فان جاءهم أحد كان معهم عليه فأبوا أن يقبلوا وقالوا قد عرض علينا أهل بلدنا مثل ذلك فامتنعنا قال فاذا أبيتم ذلك فبادروهم إلى عين الوردة فيكون الماء والمدينة والأسواق والسباق خلف ظهوركم وما بيننا وبينكم فأنتم آمنون منه ثم أشار عليهم بما يعتمدونه فى حال القتال فقال ولا تقاتلوهم فى فضاء فانهم أكثر منكم عددا فيحيطون بكم فانى لا أرى معكم رجالا والقوم ذووا رجال وفرسان ومعهم كراديس فاحذروهم فأثنى عليه سليمان بن صرد والناس خيرا ثم رجع عنهم وسار سليمان بن صرد فبادر إلى عين الوردة فنزل غربيها واقام هناك قبل وصول أعدائه إليه واستراح سليمان وأصحابه واطمأنوا