فصل ( ترجمة أبو جعفر رضي الله عنه ) .
 
ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب كان ابوه علي زين العابدين وجده الحسين قتلا شهيدين بالعراق وسمى الباقر لبقره العلوم واستنباطه الحكم كان ذاكرا خاشعا صابرا وكان من سلالة النبوة رفيع النسب عالي الحسب وكان عارفا بالخطرات كثير البكاء والعبرات معرضا عن الجدال والخصومات
قال ابو بلال الاشعري حدثنا محمد بن مروان عن ثابت عن محمد بن علي بن الحسين في قوله تعال اولئك يجزون الغرفة بما صبروا قال الغرفة الجنة بما صبروا علىالفقر في الدنيا وقال عبد السلام بن حرب عن زيد بن خيثمة عن ابي جعفر قال الصواعق تصيب المؤمن وغير المؤمن ولا تصيب الذاكر قلت وقد روى نحو هذا عن ابن عباس قال لو نزل من السماء صواعق عدد النجوم لم تصب الذاكر وقال جابر الجعفي قال لي محمد بن علي يا جابر اني لمحزون واني لمشتغل القلب قلت وما حزنك وشغل قلبك قال يا جابر انه من دخل قلبه صافي دين الله عز وجل شغله عما سواه يا جابر ما الدنيا وما عسى ان تكون هل هي الا مركبا ركبته او ثوبا لبسته او امرأة أصبتها يا جابر ان المؤمنين لم يطمئنوا الى الدنيا لبقاء فيها ولم يأمنوا قدوم الاخرة عليهم ولم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم من الفتنة ولم يعمهم عن نور الله ما رأوا بأعينهم من الزينة ففازوا بثواب الابرار ان اهل التقوى ايسر اهل الدنيا مؤنة واكثرهم لك معونة ان نسيت ذكروك وان ذكرت اعانوك قوالين بحق الله قوامين بامر الله قطعوا لمحبة ربهم عز وجل ونظروا الى الله والى محبته بقلوبهم وتوحشوا من الدنيا لطاعة محبوبهم وعلموا ان ذلك من امر خالقهم فأنزلوا الدنيا حيث انزلها مليكهم كمنزل نزلوه ثم ارتحلوا عنه وتركوه وكما اصبته في منامك فلما استيقظت اذا ليس في يدك منه شيء فاحفظ الله فيما استرعاك من دينه وحكمته
وقال خالد بن يزيد سمعت محمد بن علي يقول قال عمر بن الخطاب اذا رأيتم القارئ يحب الاغنياء فهو صاحب الدنيا واذا رأيتموه يلزم السلطان فهو لص وكان ابو جعفر يصلي كل يوم وليلة بالمكتوبة وروى ابن ابي الدنيا عنه قال سلاح اللئام قبيح الكلام وروى ابو الاحوص عن منصور عنه قال لكل شيء آفة وآفة العلم النسيان وقال لابنه اياك والكسل والضجر فانهما مفتاح كل خبيثة انك اذا كسلت لم تؤد حقا وان ضجرت لم تصبر على حق وقال اشد الاعمال ثلاثة ذكر الله على كل حال وانصافك من نفسك ومواساة الاخ في المال وقال خلف بن حوشب قال ابو جعفر الايمان ثابت في القلب واليقين خطرات فيمر اليقين بالقلب فيصير كأنه زبر الحديد ويخرج منه فيصير كأنه خرقة بالية وما دخل قلب عبد شيء من الكبر الا نقص من عقله بقدره او اكثر منه
وقال لجابر الجعفي ما يقول فقهاء العراق في قوله تعالى لولا ان رأى برهان ربه قال رأى يعقوب عاضا على ابهامه فقال لا حدثني ابي عن جدي علي بن ابي طالب ان البرهان الذي رآه انها حين همت به وهم بها أي طمع فيها قامت الى صنم لها مكال بالدر والياقوت في ناحية البيت فسترته بثوب ابيض خشية ان يراها او استحياء منه فقال لها يوسف ما هذا فقالت الهي استحي منه ان يراني على هذه الصورة فقال يوسف تستحين من صنم لا ينفع ولا يضر ولا يسمع ولا يبصر افلا استحي انا من الهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت ثم قال والله لا تنالين مني ابدا فهو البرهان وقال بشر بن الحارث الحافي سمعت سفيان الثوري يقول سمعت منصورا يقول سمعت محمد بن علي يقول الغني والعز يجولان في قلب المؤمن فاذا وصل لى مكان فيه التوكل أوطناه وقال ان الله يلقى في قلوب شيعتنا الرعب فاذا قام قائمنا وظهر مديننا كان الرجل منهم اجرأ من ليث وامضى من سيف وقال شيعتنا من اطاع الله عز وجل واتقاه وقال اياكم والخصومة فإنها تفسد القلب وتورث النفاق وقال الذين يخوضون في آيات الله هم اصحاب الخصومات
وقال عروة بن عبد الله سألت ابا جعفر محمد بن علي عن حلية السيف فقال لا بأس به قد حلى ابو بكر الصديق سيفه قال قلت وتقول الصديق قال فوثب وثبة واستقبل القبلة ثم قال نعم الصديق نعم الصديق فمن لم يقل الصديق فلا صدق الله له قولا في الدنيا والاخرة وقال جابر الجعفي قال لي محمد بن علي يا جابر بلغني ان قوما بالعراق يزعمون انهم يحبونا ويتناولون ابا بكروعمر ويزعمون اني امرتهم بذلك فأبلغهم عني اني الى الله منهم بريء والذي نفس محمد بيده يعني نفسه لو وليت لتقربت الى الله بدمائهم ولانالتني شفاعة محمد ص ان لم اكن استغفر لهما واترحم عليهما ان اعداء الله لغافلون عن فضلها وسابقتها فأبلغهم اني بريء منهم وممن تبرأ من ابى بكر وعمر رضي الله عنهما وقال من لم يعرف فضل ابي بكر وعمر فقد جهل السنة وقال في قوله تعالى انما وليكم الله ورسوله والذبن آمنوا الاية قال هم اصحاب محمد ص قال قلت يقولون هو علي قال من اصحاب محمد ص
وقال عبد الله بن عطاء ما رأيت العلماء عند احد اصغرمنهم عند ابي جعفر محمد بن علي قال رأيت الحكم عنده كأنه متعلم وقال كان لي اخ في عيني عظيم وكان الذي عظمه في عيني صغرالدنيا في عينه وقال جعفر بن محمد ذهبت بغلة ابي فقال لئن ردها الله علي لاحمدنه بمحامد يرضاها فما كان بأسرع من ان اتى بها بسرجها لم يفقد منها شيء فقام فركبها فلما استوى عليها وجمع اليه ثيابه رفع رأسه الى السماء وقال الحمد لله لم يزد على ذلك فقيل له في ذلك فقال فهل تركت او ابقيت شيئا جعلت الحمد كله لله عز وجل وقال عبد الله بن المبارك قال محمد بن علي من اعطى الخلق الرفق والرفق فقد اعطى الخير والراحة وحسن حاله في دنياه واخرته ومن حرمهما كان ذلك سبيلا الى كل شر وبلية الا من عصمه الله وقال ايدخل احدكم يده في كم صاحبه فيأخذ ما يريد تاما الا قال فلستم اخوانا كما تزعمون وقال اعرف مودة اخيك لك بماله في قلبك من المودة
فان القلوب تتكافأ وسمع عصافير يصحن فقال اتدري ماذا يقلن قلت لا قال يسبحن الله ويسألنه رزقهن يوما بيوم وقال تدعو الله بما تحب واذا وقع الذي تكره لم تخالف الله عز وجل فيما احب
وقال ما من عبادة افضل من عفة بطن او فرج وما من شيء احب الى الله عز وجل من ان يسأل وما يدفع القضاء الا الدعاء وان اسرع الخبر ثوابا البر واسرع الشر عقوبة البغي وكفى بالمرء عيبا ان يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه وان يأمر الناس بما لا يستطيع ان يفعله وينهى الناس بما لا يستطيع ان يتحول عنه وان يؤذي جليسه بما لا يعينه هذه كلمات جوامع موانع لا ينبغي لعاقل ان يفعلها وقال القرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق وقال ابو جعفر صحب عمر بن الخطاب رجل الى مكة فمات في الطريق فاحتبس عليه عمر حتى صلى عليه ودفنه فقل يوم الاكان عمر يتمثل بهذا البيت
وبالغ امر كان يأمل دونه * ومختلج من دون ماكان يامل
وقال ابو جعفر والله لموت عالم احب الى ابليس من موت الف عابد وقال ما اغروقت عين عبد بمائها الا حرم الله وجه صاحبها على النار فان سألت على الخدين لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة وما من شيء الا وله جزاء الا الدمعة فان الله يكفر بها بحور الخطايا ولو ان باكيا بكى من خشية الله في امة رحم الله تلك الامة وقلا بئس الاخ اخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا قلت البيت الذي كان يتمثل به قبله بيتان وهو ثالثهما وهذه الابيات تتضمن حكما وزهدا في الدنيا قال
لقد غرت الدنيا رجالا فإصبحوا بمنزلة ما بعده متحول * فساخط امر لا يبدل غيره
وراض بأمر غيره سيبدل
وبالغ امر كان يأمل دونه * ومختلع من دون ما كان يأمل

الموضوع السابق


ابو جعفر الباقر