سنة عشرين ومائة من الهجرة
 
فيها غزا سليمان بن هشام بلاد الروم وافتتح فيها حصونا وفيها غزا اسحاق بن مسلم العقيلي ثومان شاه وافتتحها وخرب اراضيها وفيها غزا مروان بن محمد بلاد الترك وفيها كانت وفاة اسد ابن عبد الله القسري امير خراسان وكاننت وفاته بسبب انه كانت له دبيلة في جوفه فلما كان مهرجان هذه السنة قدمت الدهاقين وهم امراء المدن الكبار من سائر البلدان بالهدايا والتحف على اسد وكان فيمن قدم نائب هراة ودهقانها واسم دهقانها خراسان شاة فقدم بهدايا عظيمة وتحف عزيزة وكان من جملة ذلك قصر من ذهب وقصر من فضة واباريق من ذهب وضحاف من ذهب وفضة وتفاصيل من حرير تلك البلاد الوان ملونة فوضع ذلك كله بين يدي اسد حتى امتلأ المجلس ثم قام الدهقان خطيبا فامتدح اسدا بخصال حسنة على عقله ورياسته وعدله ومنعه اهله وخاصته ان يظلموا احدا من الرعايا بشيء قل او كثر وانه قهر الخان الاعظم وكان في مائة الف
فكسره وقتله وانه يفرح بما يفد اليه من الاموال وهو بما خرج من يده افرح واشد سرورا فأثنى عليه اسد واجلسه ثم فرق اسد جميع تلك الهدايا والاموال وما هناك اجمع على الامراء والاكابر بين يديه حتى لم يبق منه شيء ثم قام من مجلسه وهو عليل من تلك الدبيلة ثم افاق إفاقه وجيء بهدية كمثرى فجعل يفرقها على الحاضرين واحدة واحدة فألقى الى دهقان خراسان واحدة فانفجرت دبيلته وكان فيها حتفه واستخلف على عمله جعفر بن حنظلة البهراني فمكث اميرا اربعة اشهر حتى جاء عهد نصر بن سيار في رجب منها فعلى هذا تكون وفاة اسد في صفر من هذه السنة وقد قال ابن عرس العبدي يرثيه نعى اسد بن عبد الله ناع
ببلخ وافق المقدار يسري
فجودي عين بالعبرات سحا
اتاه حمامه في جوف ضيع
اتاه حمامه في جوف صيغ
كتائب قد يجيبون المنادي
سقيت الغيث انك كنت غيثا * فريغ القلب للمك المطاع
وما لقضاء ربك من دفاع * الم يحزنك تفريق الجماع
وكم بالضيع من بطل شجاع وكم بالضيع من بطل شجاع على جرد مسومة سراع مريعا عند مرتاد النجاع
وفيها عزل هشام خالد بن عبد الله القسري عن نيابة العراق وذلك انه انحصر منه لما كان يبلغه من اطلاق عبارة فيه وانه كان يقول عنه ابن الحمقاء وكتب اليه كتابا فيه غلطة فرد عليه هشام ردا عنيفا ويقال انه حسده على سعة ما حصل له من الاموال والحواصل والغلات حتى قيل انه كان دخله في كل سنة ثلاثة عشر الف الف دينار وقيل درهم ولولده يزيد بن خالد عشرة الاف الف وقيل انه وفد اليه رجل من الزام امير المؤمنين من قريش يقال له ابن عمرو فلم يرحب به ولم يعبأ به فكتب اليه هشام يعنفه ويبكته على ذلك وانه حال وصول هذا الكتاب اليه يقوم من فوره بمن حوله من اهل مجلسه فينطلق على قدميه حتى يأتي باب ابن عمرو صاغرا ذليلا مستأذنا عليه متنصلا اليه مما وقع فأن اذن لك والا فقف على بابه حولا غير متحلل من مكانك ولا زائل ثم امرك اليه إن شاء عزلك وان شاء ابقاك وان شاء انتصر وان شاء عفا وكتب الى ابن عمرو يعلمه بما كتب الى خالد وامره ان وقف بين يديه ان يضربه عشرين سوطا على رأسه ان رأى ذلك مصلحة ثم ان هشاما عزل خالدا واخفى ذلك وبعث البريد الى نائبه على اليمين وهو يوسف ابن عمرو فولاه امرة العراق وامره بالمسير اليها والقدوم علها في ثلاثين راكبا فقدموا الكوفة وقت السحر فدخلوها فلما أذن المؤذن امره يوسف بالاقامة فقال الى ان يأتي الامام يعني خالدا
فانتهره وامره بالاقامة وتقدم يوسف فصلى وقرأ اذا وقعت الواقعة و سأل سائل ثم انصرف فبعث الى خالد وطارق واصحابهما فاحضروا فأخذ منهم اموالا كثيرة صادر خالدا بمائة الف الف درهم وكانت ولاية خالد في شوال سنة خمسين ومائة وعزل عنها في جمادى الاولى من هذه السنة اعني سنة عشرين ومائة وفي هذا الشهر قدم يوسف بن عمر على ولاية العراق مكان خالد بن عبد الله القسري واستناب على خراسان جديع بن علي الكرماني وعزل حعفر بن حنظلة الذي كان استنابه اسد ثم ان يوسف بن عمر عزل جديعا في هذه السنة عن خراسان وولى عليها نصر ابن سيار وذهب جميع ما كان اقتناه وحصله خالد من العقار والاملاك وهلة واحدة وقد كان اشار عليه بعض اصحابه لما بلغهم عتب هشام عليه ان يبعث اليه يعرض عليه بعض املاكه فما احب منها اخذه وما شاء ترك وقالوا له لان يذهب البعض خير من ان يذهب الجميع مع العزل والاخراق فامتنع من ذلك واغتر بالدنيا وعزت نفسه عليه ان يذل ففجأة العزل وذهب ما كان حصله وجمعه ومنعه واستقرت ولاية يوسف بن عمر على العراق وخراسان واستقرت نيابة نصر بن سيار على خراسان فتمهدت البلاد وامن العباد والله الحمد والمنة وقد قال سوار بن الاشعري في ذلك اضحت خراسان بعد الخوف آمنة
لما اتى يوسفا اخبار مالقيت * من ظلم كل غشوم الحكم جبار
اختار نصرا لها نصر بن سيار
وفي هذه السنة استبطأت شيعة ال العباس كتاب محمد بن علي اليهم وقد كان عتب عليهم في اتباعهم ذلك الزنديق الملقب بخداش وكان خرميا وهو الذي احل لهم المنكرات وجنس المحارم والمصاهرات فقتله خالد القسري كما تقدم فعتب عليهم محمد بن علي في تصديقهم له واتاعهم اياه علي الباطل فلما استبطأوا كتابه اليهم بعث اليهم رسولا يخبرلهم امره وبعثواهم ايضا رسولا فلما جاء سولهم اعلمه محمد بماذا عتب عليهم بسبب الخرمي ثم ارسل مع الرسول كتابا مختوما فلما فتحوه لم يجدوا فيه سوى بسم الله الرحمن الرحيم تعلموا انه انما عتبنا عليكم بسبب الخرمي ثم ارسل رسولا اليهم فلم يصدقه كثير منهم وهموا به ثم جاءت من جهته عصى ملويا عليها حديد ونحاس فعلموا ان هذا اشارة لهم الى انهم عصاة وانهم مختلفون كاختلاف الوان النحاس والحديد قال ابن جرير وحج بالناس فيها محمد بن هشام المخزومي فيما قاله ابو معشر قال وقد قيل ان الذي حج بالناس سليمان بن هشام بن عبد الملك وقيل ابنه يزيد بن هشام فالله سبحانه وتعالى اعلم