اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الجمعة 18 شوال 1445 هجرية
? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????????? ???????????? ???????? ??? ????? ??? ??? ???? ????? ????????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ???????? ?????????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

الجنة

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
الكتب العلمية
النكاح
زاد المعاد في هدي خير العباد
المجلد الخامس
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن طلق ثلاثاً بكلمة واحدة 3
الكتب العلمية
وأما تلك المسالك الوَعْرَةُ التى سلكتموها فى حديثِ أبى الصهباء، فلا يَصِحُّ شىء منها.
أما المسلكُ الأول، وهو انفرادُ مسلم بروايته، وإعراضُ البخارى عنه، فَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْهُ عَارُهَا، وما ضرَّ ذلك الحديثَ انفرادُ مسلم به شيئاً، ثم هل تقبلون أنتم، أو أحدٌ مثل هذا فى كُلِّ حديثٍ يَنْفَرِدُ به مسلم عن البخارى، وهل قال البخارىُّ قطُّ: إن كُلِّ حديث لم أُدْخِلْه فى كتابى، فهو باطل، أو ليس بحجة، أو ضعيف، وكم قد احتج البخارىُّ بأحاديث خارجَ الصحيح ليس لها ذكر فى ((صحيحه))، وكم صحَّح مِن حديث خارجٍ عن صحيحه. فأما مخالفةُ سائرِ الروايات له عن ابن عباس، فلا ريبَ أن عن ابن عباس روايتين صحيحتين بلا شك. إحداهُهما: تُوافق هذا الحديثَ، والأُخرى: تُخالفه، فإن أسقطنا رواية برواية، سَلِمَ الحديثُ على أنه بحمد الله سالم. ولو اتفقتِ الرواياتُ عنه على مخالفته، فله أسوةُ أمثاله، وليس بأوَّلِ حديث خالفه روايه، فنسألكم: هل الأخذُ بما رواه الصحابى عندكم، أو بما رآه؟ فإن قلتم: الأخذُ بروايته، وهو قولُ جمهوركم، بل جمهورُ الأمة على هذا، كفيتُمونا مؤونة الجوابِ. إن قلتُم: الأخذُ برأيه، أَريناكُم مِن تناقضكم ما لا حِيلة لكم فى دفعه، ولا سيما عن ابن عباس نفسِه، فإنه روى حديث بَريرة وتخييرها، ولم يكن بيعُها طلاقاً، ورأى خلافَه، وأن بيعَ بالأمة طلاقُها، فأخذتُم وأصبتُم بِروايته، وتركتم رأيه، فهلا فعلتُم ذلك فيما نحن فيه، وقلتم: الرواية معصومة، وقولُ الصحابى غيرُ معصوم، ومخالفته لما رواه يحتمِلُ احتمالاتٍ عديدة من نسيان أو تأويل، أو اعتقاد مُعارِض راجحٍ فى ظنه، أو اعتقادِ أنه منسوخ أو مخصوص، أو غير ذلك من الاحتمالات، فكيف يسوغُ ترك روايته مع قيام هذه الاحتمالات؟ وهل هذا إلا تركُ معلوم لِمظنون، بل مجهول؟ قالوا: وقد روى أبو هريرة رضى الله عنه حديثَ التسبيعِ من ولُوغ الكلب، وأفتى بخلافه، فأخذتُم بروايته، وتركتُم فتواه. ولو تتبعنا ما أخذتُم فيه بروايةِ الصحابى دونَ فتواه، لطال.
قالُوا: وأما دعواكم نسخ الحديث، فموقوفة على ثبوت معارض مُقاوم متراخ، فأين هذا؟
وأما حديثُ عكرمة، عن ابن عباس فى نسخ المراجعة بعد الطلاق الثلاث، فلو صحَّ، لم يكن فيه حجة، فإنه إنما فيه أن الرَّجل كان يُطَلِّقُ امرأته ويُراجعها بغير عدد، فنُسِخَ ذلك، وقُصِرَ على ثلاث، فيها تنقطع الرجعة، فأين فى ذلك الإلزام بالثلاث بفم واحد، ثم كيف يستمرُّ المنسوخ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر، وصدراً من خلافة عمر، لا تعلم به الأمة، وهو من أهم الأمور المتعلقة بحل الفروج، ثم كيف يقول عمر: إن الناس قد استعجلوا فى شىء كانت لهم فيه أناة، وهل للأمة أناة فى المنسوخ بوجه ما؟، ثم كيف يُعارض الحديثُ الصحيحُ بهذا الذى فيه على بن الحسين ابن واقد، وضعفُه معلوم؟
وأما حملُكم الحديثَ على قول المطلِّق: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، ومقصودُه التأكيد بما بعد الأول، فسياقُ الحديث مِن أوله إلى آخره يردُّه، فإنَّ هذا الذى أوَّلتم الحديثَ عليه لا يتغيرُ بوفاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولا يختِلفُ على عهده وعهدِ خُلفائه، وهَلُمَّ جراً إلى آخر الدهر، ومن ينويه فى قصد التأكيد لا يُفَرِّقُ بين بَرٍّ وفاجر، وصادق وكاذب، بل يردُّه إلى نيته، وكذلك مَن لا يقبله فى الحكم لا يقبلُه مطلقاً بَراً كان أو فاجراً.
وأيضاً فإن قوله: إن الناس قد استعجلوا وتتابعوا فى شىء كانت لهم فيه أناة، فلو أنا أمضيناه عليهم. إخبار من عمر بأن الناس قد استعجلوا ما جعلهم الله فى فُسحة منه، وشَرَعَهُ متراخياً بعضه عن بعض رحمةً بهم، ورفقاً وأناة لهم، لئلا يندم مطلِّق، فيذهب حبيبُه مِن يديه مِن أول وهلة، فَيَعِزُّ عليه تدارُكه، فجعل له أناةً ومُهلةً يستعتِبُه فيها، ويرضيه ويَزولُ ما أحدثه العتبُ الداعى إلى الفراقُ، ويُراجع كُلٌّ منهما الذى عليه بالمعروف، فاستعجلوا فيما جعل لهم فيه أناة ومُهلة، وأوقعوه بفم واحد، فرأى عمر رضى الله عنه أنه يلزمُهم ما التزموه عقوبةً لهم، فإذا عَلِمَ المطلِّق أن زوجته وسكنه تحرُم عليه من أول مرة بجمعه الثلاثَ، كفَّ عنها، ورجع إلى الطلاق المشروع المأذون فيه، وكان هذا مِن تأديب عمر لرعيته لما أكثرُوا مِن الطلاق الثلاث، كما سيأتى مزيدُ تقريره عند الاعتذار عن عمر رضى الله عنه فى إلزامه بالثلاث، هذا وجهُ الحديث الذى لا وجه له غيرُه، فأين هذا من تأويلكم المستكرَهِ المستبعَدِ الذى لا تُوافقه ألفاظُ الحديث، بل تنبُو عنه، وتُنافره.
وأما قولُ مَنْ قال: إن معناه كان وقوعَ الطلاق الثلاث الآن على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدةً، فإن حقيقة هذا التأويل: كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُطَلِّقُونَ واحدة، وعلى عهد عمر صاروا يطلِّقون ثلاثاً، والتأويلُ إذا وصل إلى هذا الحد، كان مِن باب الالغاز والتحريف، لا من باب بيان المراد، ولا يَصِحُّ ذلك بوجه ما، فإن الناسَ ما زالوا يُطلِّقون واحدة وثلاثاً، وقد طلَّق رجالٌ نساءهم على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، فمنهم من ردَّها إلى واحدة، كما فى حديث عكرمة عن ابن عباس. ومنهم من أنكر عليه، وغَضِبَ، وجعله متلاعباً بكتاب الله، ولم يُعْرَفْ ما حكم به عليهم، وفيهم من أقَّره لتأكيد التحريم الذى أوجبه اللعان، ومنهم من ألزمه بالثلاث، لكون ما أتى به من الطلاق آخر الثلاث، فلا يَصِحُّ أن يقال: إن الناس ما زالوا يطلقون واحدة إلى أثناء خلافة عمر، فطلقوا ثلاثاً، ولا يَصِحُّ أن يقال: إنهم قد استعجلوا فى شىء كانت لهم فيه أناة، فنمضيه عليهم، ولا يُلائم هذا الكلام الفرق بين عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين عهده بوجه ما، فإنه ماضِ منكم على عهده وبعدَ عهده.
ثم إن فى بعض ألفاظِ الحديث الصحيحة: ألم تعلم أنه من طلَّق ثلاثاً جُعِلَتْ وَاحِدَة على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
وفى لفظ: أما عَلِمْتَ أن الرجل كان إذا طلَّق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى بكر، وصدراً من خلافة عمر، فقال ابن عباس: بلى كان الرجلُ إذا طلَّق امرأتَه ثلاثاً قبل أن يدخُلَ بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى بكر، وصدراً من إمارة عمر، فلما رأى الناس يعنى عمر قد تتايعوا فيها، قال: أجيزوهن عليهم، هذا لفظُ الحديث، وهو بأصح إسناد، وهو لا يحتمِلُ ما ذكرتُم من التأويل بوجه ما، ولكن هذا كله عَمَلُ من جعل الأدلة تبعاً للمذهب، فاعتقد، ثم استدل. وأما من جعل المذهب تبعاً للدليل، واستدل، ثم اعتقد، لم يمكنه هذا العمل.
وأما قول من قال: ليس فى الحديث بيانُ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان هَوُ الذى يجعلُ ذلك، ولا أنه علم به، وأقرَّه عليه، فجوابه أن يقال: سُبْحَانَك هذا بهتان عظيم أن يستمِرَّ هذا الجعلُ الحرام المتضمِّن لتغيير شرع الله وَدِينه، وإباحة الفَرْجِ لمن هو عليه حرامٌ، وتحريمُه على من هو عليه حلالٌ على عهدِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه خير الخلف، وهم يفعلونه، ولا يعلمونه، ولا يعلمه هو، والوحى يَنْزِلُ عليه، وهو يُقِرُّهم عليه، فَهَبْ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلمُه، وكان الصحابةُ يعلمونه، ويُبدِّلون دينَه وشرعَه، واللَّهُ يعلمُ ذلك، ولا يُوحيه إلى رسوله، ولا يُعلمه به، ثم يتوفَّى اللَّهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم، والأمرُ علي ذلك، فيستمِرُّ هذا الضلالُ العظيم، والخطأُ المبين عند كم مدة خِلافةِ الصديق كُلِّها، يُعْمَلُ به ولا يُغيَّر إلى أن فارق الصديقُ الدنيا، واستمر الخطأ والضلالُ المركَّب صدراً مِن خلافة عمر، حتى رأي بعد ذلك برأيه أن يُلزِمَ الناسَ بالصَّواب، فهل فى الجهل بالصحابة، وما كانُوا عليهم فى عهد نبيهم وخلفائه أقبحُ من هذا، وتَاللِّهِ لو كان جعلُ الثَلاث واحدةً خطأً محضاً، لكان أسهلَ من هذا الخطأ الذى ارتكبتموه، والتأويلِ الذى تأولتموه، ولو تركتم المسألةَ بهيأتها، لكان أقوى لِشأنها من هذه الأدلة والأجوبة.
قالُوا: وليس التحاكُم فى هذه المسألة إلى مقلِّد متعصِّبٍ، ولا هيَّابٍ للجمهور، ولا مستوحِش مِن التفرُّد إذا كان الصوابُ فى جانبه، وإنما التحاكُم فيها إلى راسخٍ فى العلم قد طال فيه باعُه، ورحُبَ بنيله ذِرَاعُه، وفرَّق بين الشبهة والدليل، وتلقَّى الأحكامَ مِن نفس مِشكاة الرسول، وعرفَ المراتبَ، وقام فيها بالواجبِ، وباشر قلبُه أسرارَ الشريعة وحِكَمَها الباهِرَة، وما تضمَّنته مِن المصالح الباطنة والظاهرة، وخاض فى مثل هذه المضايق لُججها، واستوفى مِن الجانبين حُجَجَها، واللَّه المستعانُ، وعليه التُّكلان.
قالوا: وأما قولُكم: إذا اختلفت علينا الأحاديثُ، نظرنا فيما عليه الصحابةُ رضى الله عنهم، فنعم واللَّهِ وحيَّهلا بِيَرَكِ الإسلام، وعِصابة الإيمان.
فَلاَ تَطَلَّبْ لِىَ الأَعْوَاضَ بَعْدَهُمُ فَإِنَّ قَلْبِىَ لاَ يَرْضَى بِغَيْرِهم
ولكن لا يليق بكم أن تدعونا إلى شىء، وتكونُوا أول نافرٍ عنه، ومخالفٍ له، فقد تُوفى النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن أكثرَ مِن مائة ألف عَيْنٍ كُلُّهم قد رآه وسَمِعَ منه، فهل صَحَّ لكُم عن هؤلاء كُلِّهم، أو عُشْرِهم، أو عُشْرِ عشرهم، أو عُشرِ عُشْرِ عُشْرِهِم القولُ بلزوم الثلاثِ بفمٍ واحد؟ هذا ولو جَهِدْتُم كُلِّ الجهد لم تُطيقوا نقلَه عن عشرين نفساً منهم أبداً مع اختلافٍ عنهم فى ذلك، فقد صحَّ عن ابن عباس القولان، وصحَّ عن ابن مسعود القولُ باللزوم، وصحَّ عنه التوقف، ولو كاثرنَاكُم بالصحابة الذين كان الثلاثُ على عهدهم واحدةً، لكانوا أضعافَ من نُقِلَ عنه خلافُ ذلك، ونحن نُكاثِرُكم بكُلِّ صحابى مات إلى صدرٍ مِن خلافة عمر، ويكفينا مقدَّمُهم، وخيرُهم وأفضلُهم، ومن كان معه من الصحابة على عهده، بل لو شئنا لقلنا، ولصدقنا: إن هذا كان إجماعاً قديماً لم يَخْتَلِفْ فيه على عهد الصديق اثنانِ، ولكن لم ينقرِضْ عصرُ المجمعين حتى حدث الاختلافُ، فلم يستقرَّ الإجماعُ الأول حتى صار الصحابةُ على قولين، واستمرَّ الخلافُ بين الأمة فى ذلك إلى اليوم، ثم نقول: لم يُخالف عمر إجماعَ من تقدَّمه، بل رأى إلزامَهم بالثلاثِ عقوبةً لهم لما عَلِمُوا أنه حرام، وتتايعُوا فيه، ولا ريبَ أن هذا سائغ للأئمة أن يُلزموا الناسَ بما ضيَّقوا به على أنفسهم، ولم يقبلوا فيه رخصةَ الله عز وجل وتسهيلَه، بل اختاروا الشدة والعُسر، فكيف بأميرِ المؤمنين عمرَ بنِ الخطاب رضى الله عنه، وكمال نظره للأمة، وتأديبه لهم، ولكن العقوبة تختلفُ باختلافِ الأزمنة والأشخاص، والتمكن من العلم بتحريم الفعل المعاقب عليه وخفائه، وأمير المؤمنين عمر رضى الله عنه لم يَقُلْ لهم: إن هذا عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو رأي رآه مصلحةً للأمة يكفُّهم بها عن التسارع إلى إيقاع الثلاث، ولهذا قال: فلو أنا أمضيناهُ عليهم، وفى لفظ آخر:
((فأجيزوهن عليهم)) أفلا يُرى أن هذا رأي منه رآه للمصلحة لا إخبارٌ عن رسول صلى الله عليه وسلم، ولما علم رضى الله عنه أن تلك الأناة والرخصة نعمة من الله على المطلِّق، ورحمةٌ به، وإحسانٌ إليه، وأنه قابلها بضدِّها، ولم يقبل رخصةَ الله، وما جعله له من الأناة عاقبه بأن حال بينه وبينها، وألزمه ما ألزمه مِن الشدة والاستعجال، وهذا موافقٌ لقواعد الشريعة، بل هو موافق لحكمة الله فى خلقه قدراً وشرعاً، فإن الناس إذا تعدَّوا حدودَه، ولم يَقِفُوا عندها، ضيَّق عليهم ما جعله لمن اتقاه من المخرج، وقد أشار إلى هذا المعنى بعينه مَنْ قال مِن الصحابة للمطلِّق ثلاثاً: إنك لو اتقيتَ الله، لجعل لك مخرجاً، كما قاله ابن مسعود، وابنُ عباس. فهذا نظر أمير المؤمنين، ومن معه من الصحابة، لا أنه رضى الله عنه غيَّرَ أحكام الله، وجعل حلالها حراماً، فهذا غايةُ التوفيق بين النصوص، وفعل أمير المؤمنين ومن معه، وأنتم لم يُمكنكم ذلك إلا بإلغاء أحد الجانبين، فهذا نهاية أقدام الفريقين فى هذا المقام الضَّنْكِ، والمعترَكِ الصَّعبِ، وباللَّه التوفيق.
حُكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العبد يُطلِّقُ زوجتَه تطليقتين، ثم يُعتَقُ بعد ذلك، هل تَحِلُّ له بدون زوج وإصابة؟
روى أهلُ السنن: مِن حديث أبى الحسن مولى بنى نوفل، أنه استفتى ابنَ عباس فى مملوكٍ كانت تحته مملوكة، فطلقها تطليقتين، ثم عُتِقا بعد ذلك، هل يصلُح له أن يخطُبَها؟ قال: نعم قضى بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
وفى لفظ: قال ابنُ عباس: بَقِيَتْ لك واحدةٌ، قضى به رسولُ الله.
قال الإمام أحمد: عن عبد الرازق، أن ابنَ المبارك قال لمعمر: من أبو حسن هذا؟ لقد تحمَّل صخرةً عظيمة انتهى.
قال المنذرى: وأبو حسن هذا قد ذُكِرَ بخير وصلاح، وقد قال على بن المدينى: هو منكرُ الحديث، وقال النسائى: ليس بالقوى.
وإذا عُتِقَ العبدُ والزوجة فى حِباله، ملك تمامَ الثلاث، وإن عُتِقَ وقد طلَّقها اثنتين، ففيها أربعةُ أقوال للفقهاء.
أحدها: أنها لا تحِلُّ له حتى تنكِحَ زوجاً غيره حرة كانت أو أمة، وهذا قولُ الشافعى، وأحمد فى إحدى الروايتين بناء على أن الطلاقَ بالرجال، وأن العبدَ إنما يملِكُ طلقتين ولو كانت زوجتُه حرة.
والثانى: أن له أن يعقِدَ عليها عقداً مستأنفاً مِن غير اشتراط زوج وإصابة، كما دلَّ عليه حديثُ عُمر بن معتِّب هذا، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، وهو قولُ ابن عباس، وأحدُ الوجهين للشافعية، ولهذا القول فقه دقيق، فإنها إنما حرمتها عليه التطليقتانِ لنقصه بالرق، فإذا عُتِقَ وهى فى العدة، زال النقصُ، ووُجِدَ سببُ ملك الثلاث، وآثارُ النكاح باقية، فملك عليها تمامَ الثلاث، وله رجعتُها، وإن عُتقَ بعد انقضاءِ عدتها، بانت منه، وحلَّت له بدون زوجٍ وإصابة، فليس هذا القولُ ببعيد فى القياس.
والثالث: أن له أن يَرتَجعَها فى عِدتها، وأن ينكحها بعدها بدون زوج وإصابة، ولو لم يعتق، وهذا مذهبُ أهل الظاهر جميعِهم، فإن عندهم أن العبد والحرَّ فى الطلاق سواء.
وذكر سُفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبى معبد مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضى الله عنهما: أن عبداً له طلَّق امرأته تطليقتين، فأمره ابنُ عباس أن يُراجِعَها، فأبى، فقال ابنُ عباس: هى لك فاستحِلَّها بملك اليمين.
والقول الرابع: أن زوجتَه إن كانت حرةً، ملك عليها تمامَ الثلاث، وإن كانت أمةً، حرمت عليه حتى تنكِحَ زوجاً غيره، وهذا قولُ أبى حنيفة.
وهذا موضع اختلف فيه السلفُ والخلف على أربعة أقوال.
أحدها: أن طلاقَ العبد والحر سواء، وهذا مذهبُ أهل الظاهر جميعهم، حكاه عنهم أبو محمد بن حزم، واحتجُّوا بعُموم النصوص الواردة فى الطلاق، وإطلاقها، وعدم تفريقها بين حر وعبد، ولم تُجمِعِ الأمةُ على التفريق، فقد صحَّ عن ابن عباس أنه أفتى غلاماً له برجعة زوجته بعد طلقتين، وكانت أمة. وفى هذا النقلِ عن ابن عباس نظر، فإن عبد الرزاق روى عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، أن أبا معبد أخبره، أن عبداً كان لابن عباس، وكانت له امرأة جارية لابن عباس، فطلقها فبتَّها، فقال له ابنُ عباس: لا طلاق لك فارجعها.
قال عبدُ الرزاق: حدثنا معمر، عن سِماك بن الفضل، أن العبد سأل ابن عمر رضى الله عنهما، فقال: لا ترجع إليها وإن ضُرِب رأسُكَ.
فمأخذ هذه الفتوى، أن طلاق العبد بيد سيده، كما أن نِكاحَه بيده، كما روى عبد الرحمن بن مهدى، عن الثورى، عن عبد الكريم الجزرى، عن عطاء، عن ابن عباس قال: ليس طلاق العبد ولا فرقته بشىء.
وذكر عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن أبى الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول فى الأمة والعبد: سيِّدُهما يجمعُ بينهما، ويفرق، وهذا قول أبى الشعثاء، وقال الشعبى: أهلُ المدينة لا يرون للعبد طلاقاً إلا بإذن سيده، فهذا مأخذُ ابن عباس، لا أنه يرى طلاق العبد ثلاثاً إذا كانت تَحته أمة، وما علمنا أحداً من الصحابة قال بذلك.
والقول الثانى: أن أَىَّ الزوجين إن رُق كان الطلاقُ بسبب رقه اثنتين، كما روى حمادُ بن سلمة، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: الحرُّ يُطلق الأمة تطليقتين، وتعتدُّ بحيضتين، والعبدُ يطلِّق الحرة تطليقتين، وتعتد ثلاث حِيض، وإلى هذا ذهب عثمان البتِّى.
والقولُ الثالث: أن الطلاق بالرجال، فيملِكُ الحرُّ ثلاثاً. وإن كانت زوجته أمة، والعبد ثنتين وإن كانت زوجته حرة، وهذا قولُ الشافعى ومالك وأحمد فى ظاهر كلامه، وهذا قولُ زيد بن ثابت، وعائشة، وأمِّ سلمة أمَّى المؤمنين، وعثمانَ بن عفان، وعبدِ الله بن عباس، وهذا مذهب القاسم، وسالم، وأبى سلمة، وعمر بن عبد العزيز، ويحيى بن سعيد، وربيعة، وأبى الزناد،وسليمان بن يسار، وعمرو بن شعيب، وابنِ المسيّب، وعطاء.
والقول الرابع: أن الطلاقَ بالنساء كالعِدة، كما روى شعبة عن أشعث بن سوَّار، عن الشعبى، عن مسروق، عن ابن مسعود. السنة: الطلاقُ والعِدةُ بالنساء.
وروى عبد الرزاق: عن محمد بن يحيى وغيرِ واحد، عن عيسى عن الشعبى عن اثنى عشر من صحابة النبى صلى الله عليه وسلم، قالوا: الطلاق والعِدة بالمرأة، هذا لفظُه، وهذا قولُ الحسن، وابن سيرين، وقتادة، وإبراهيم، والشعبى، وعكرمة، ومجاهد، والثورى، والحسن بن حى، وأبى حنيفة وأصحابه.
فإن قيل: فما حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه المسألة؟ قيل: قد قال أبو داود: حدثنا محمد بن مسعود، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن مظاهر بن أسلم، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضى الله عنها، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((طَلاَقُ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وقُرْؤُها حَيْضَتَانِ)).
وروى زكريا بن يحيى الساجى، حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسى، حدثنا عُمَرُ بن شبيب المُسْلى، حدثنا عبد الله بن عيسي، عن عطيَّة، عن ابن عمر رضى الله عنهما، قال: قال رسول الله: ((طَلاَقُ الأَمَةِ ثِنْتَانِ، وعِدَّتُها حَيْضَتَانِ)). وقال عبدُ الرزاق: حدثنا بن جريج، قال: كتب إلىَّ عبدُ الله بن زياد بن سمعان، أن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصارى، أخبره عن نافع، عن أمِّ سلمة أم المؤمنين، أن غلاماً لها طلَّق امرأةً له حرةً تطليقتين، فاستفتت أمُّ سلمة النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: ((حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيرَه))، وقد تقدَّم حديثُ عمر بن معتِّب، عن أبى حسن، عن ابن عباس رضى الله عنه، ولا يُعرف عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم غيرُ هذه الآثار الأربعة على عُجَرِهَا وبُجَرِهَا.
أما الأولُ: فقال أبو داود: هو حديث مجهول، وقال الترمذى: حديث غريب لا نعِرفه إلا من حديث مظاهر بن أسلم، ومظاهر لا يُعرف له فى العلم غيرُ هذا الحديث انتهى. وقال أبو القاسم ابن عساكر فى ((أطرافه)) بعد ذكر هذا الحديث: روى أسامةُ بن زيد بن أسلم، عن أبيه، أنه كان جالساً عند أبيه، فأتاه رسولُ الأمير، فأخبره أنه سأل القاسمَ بن محمد، وسالم بن عبد الله عن ذلك، فقالا هذا، وقالا له: إن هذا ليسَ فى كتاب الله، ولا سنةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن عَمِل به المسلمون. قال الحافظ: فدّل على أن الحديث المرفوعَ غيرُ محفوظ. وقال أبو عاصم النبيل: مظاهر ابن أسلم ضعيف، وقال يحيى بن معين: ليس بشىء، مع أنه لا يُعرف، وقال أبو حاتم الرازى: منكر الحديث. وقال البيهقى: لو كان ثابتاً لقُلنا به إلا أنّا نُثبتُ حديثاً يرويه من نجهل عدالته.
وأما الأثر الثانى: ففيه عمر بن شبيب المُسْلى ضعيف، وفيه عطية وهو ضعيف أيضاً.وأما الأثر الثالث: ففيه ابن سمعان الكذاب، وعبد الله بن عبد الرحمن مجهول.
وأما الأثر الرابع: ففيه عمر بن معتِّب، وقد تقدم الكلامُ فيه.
والذى سلم فى المسألة الآثار عن الصحابة رضى الله عنهم والقياس.
أما الآثار، فهى متعارضة كما تقدم، فليس بعضُها أولى من بعض، بقى القياسُ، وتجاذَبه طرفانِ: طرف المطلِّق، وطرف المطلَّقة. فمن راعى طرف المطَلِّق، قال: هو الذى يملِكُ الطلاق، وهو بيده، فيتنصَّفُ برقه كما يتنصَّف نصابُ المنكوحات برقه، ومن راعى طرف المطلَّقة، قال: الطلاقُ يقع عليها، وتلزمُها العدة والتحريم وتوابعُها، فَتنصَّف برقها كالعدة، ومن نصف برق أىِّ الزوجين كان راعى الأمرين، وأعملَ الشبهين، ومن كملهُ وجعله ثلاثاً رأى أن الآثار لم تثبت، والمنقولُ عن الصحابة، متعارِض، والقياسُ كذلك، فلم يتعلَّق بشىء من ذلك، وتمسَّك بإطلاق النصوص الدالة على أن الطلاق الرجعى طلقتان، ولم يُفرِّقِ اللَّهُ بين حر وعبد، ولا بينَ حرة وأمة، {ومَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيَّاً} [مريم: 64] قالوا: والحكمة التى لأجلها جعل الطلاق الرجعى اثنتين فى الحر والعبد سواءٌ، قالوا: وقد قال مالك: إن له أن ينكِحَ أربعاً كالحُرِّ، لأن حاجتَه إلى ذلك كحاجة الحر، وقال الشافعىُّ وأحمدُ: أجله فى الإيلاء كأجلِ الحر، لأن ضرر الزوجة فى الصورتين سواء. وقال أبو حنيفة: إن طلاقَه وطلاقَ الحر سواء إذا كانت امرأتاهما حرتينِ إعمالاً لإطلاق نصوص الطلاق، وعمومها للحر والعبد.
وقال أحمد بن حنبل والناسُ معه: صيامُه فى الكفارات كلِّها، وصيامُ الحر سواء، وحدُّه فى السرقة والشراب، وحدُّ الحر سواء. قالوا: ولو كانت هذه الآثارُ أو بعضُها ثابتاً، لما سبقتُمونا إليه، ولا غلبتُمونا عليه، ولو اتفقت اثارُ الصحابة لم نَعْدُهَا إلى غيرها، فإن الحقَّ لا يعدُوهم، وباللَّه التوفيق.
حُكم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بأن الطلاق بيدِ الزوج لا بيدِ غيره
قال الله تعالى:{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49]، وقال: {وإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحوهُنّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] فجعل الطلاق لمن نكح، لأن له الإمساك، وهو الرجعة، وروى ابن ماجه فى ((سننه)): من حديث ابن عباس، قال: أتى النبىَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسولَ الله، سيِّدى زوَّجنى أمتَه، وهو يُريد أن يفرِّق بينى وبينَها. قال: فَصَعِدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المنبرَ، فقال: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أَمَتَهُ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، إنَّما الطَّلاَقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ)).
وقد روى عبدُ الرزاق، عن ابنِ جُريج، عن عطاء، عن ابنِ عباس رضى الله عنهما ؛ كان يقول: طلاقُ العبدِ بيدِ سيِّده، إن طلَّق، جاز، إن فرق، فهى واحدة إذا كانا له جميعاً، فإن كان العبدُ له، والأمةُ لغيره، طلَّق السيدُ أيضاً إن شاء.
وروى الثورىُّ، عن عبد الكريم الجزرى، عن عطاء، عنه: ليس طلاقُ العبد ولا فرقتُه بشىء.وذكر عبدُ الرزاق، حدثنا ابن جريج، أخبرنى أبو الزبير سمع جابراً يقول فى الأمة والعبد: سيدُهما يجمعُ بينهما ويُفرِّق.
وقضاءُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقُّ أن يُتبع. وحديثُ ابن عباس رضى الله عنهما المتقدِّم، وإن كان فى إسناده ما فيه، فالقرآنُ يَعْضُدُه، وعليه عملُ الناس.
حُكم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيمن طلَّق دونَ الثلاث، ثم راجعها بعدَ زوج أنها على بقية الطلاقِ
ذكر ابنُ المبارك، عن عثمانَ بنِ مِقْسَمٍ، أنه أخبره، أنه سمع نُبَيْهَ بنَ وهب، يُحدِّث عن رجل من قومه، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قضى فى المرأة يُطلِّقُها زوجُها دونَ الثلاث، ثم يرتجِعُها بعد زوج أنها على ما بقى من الطلاق.
وهذا الأثر وإن كان فيه ضعيف ومجهول، فعليه أكابرُ الصحابة، كما ذكر عبد الرزاق فى ((مصنفه))، عن مالك، وابن عيينة، عن الزُّهرى، عن ابن المسيِّب، وحُميد بن عبد الرحمن، وعُبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود، وسُليمان ابن يسار، كلهم يقول: سمعتُ أبا هُريرة يقول: سمعتُ عمر بن الخطاب يقول: أيُّما امرأةٍ طلَّقها زوجُها تطليقةً أو تطليقتين، ثم تركها حتَّى تَنْكِحَ زوجاً غيره، فيموتَ عنها، أو يُطَلقَها ثم ينكحهَا زوجُها الأول، فإنها عنده على ما بقى مِن طلاقها.
وعن على بن أبى طالب، وأبى بن كعب، وعمران بن حصين رضى الله عنهم مثله.
قال الإمام أحمد : هذا قولُ الأكابر مِن أصحاب النبىِّ صلى الله عليه وسلم .
وقال ابنُ مسعود، وابنُ عمر، وابنُ عباس، رضى الله عنهم : تعودُ على الثلاث، قال ابنُ عباس رضى الله عنهما : نِكاح جديدٌ، وطلاقٌ جديد .
وذهب إلى القولِ الأوَّلِ أهلُ الحديث، فيهم أحمدُ، والشافعىُّ، ومالكُ، وذهب إلى الثانى أبو حنيفة، هذا إذا أصابها الثانى، فإن لم يُصبها فهى على ما بقى من طلاقها عند الجميع . وقال النخعى : لم أسمع فيها اختلافاً، ولو ثبت الحديثُ لكان فصلَ النزاع فى المسألة، ولو اتفقت اثارُ الصحابة، لكانت فصلاً أيضاً .
وأما فقه المسألة فمتجاذب، فإن الزَّوج الثانى إذا هَدَمَتْ إصابتُه الثلاثَ، وأعادتها إلى الأول بطلاقٍ جديدٍ، فما دُونها أولى، وأصحابُ القول الأول يقولون : لما كانت إصابة الثانى شرطاً فى حِلِّ المطلقة ثلاثاً للأول لم يكن بُدٌّ مِن هدمها وإعادتها على طلاق جديدٍ، وأما مَنْ طُلِّقَت دونَ الثلاث، فلم تُصادِف إصابة الثانى فيها تحريماً يُزيلُه، ولا هى شرطٌ فى الحِلِّ للأول، فلم تَهْدِمْ شيئاً، فوجودُها كعدمها بالنسبة إلى الأول، وإحلالها له، فعادت على ما بقى كما لو لم يُصبها، فإن إصابتَه لا أثر لها البتة، ولا نكاحه، وطلاقُه معلَّق بها بوجه ما، ولا تأثيرَ لها فيه .
حُكم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فى المطلقة ثلاثاً لا تَحِلُّ للأول حتى يطأَهَا الزوجُ الثانى

ثبت فى ((الصحيحين)): عن عائشة رضىَ اللَّهُ عنها، أن امرأةَ رِفاعة القُرظِىّ جاءت إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ الله، إن رِفاعة طلَّقنى، فَبَتَّ طلاقى، وإنى نكحتُ بعدَه عبدَ الرحمن بنَ الزُّبير القُرظى، وإنَّ ما معه مثلُ الهُدْبَةِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لَعَلَّكِ تُريدِينَ أَنْ تَرْجِعى إلى رِفَاعَةَ. لاَ، حَتَّى تَذُوقى عُسَيْلَتَهُ ويَذُوقَ عُسَيْلَتَك)).
وفى سنن النسائى: عن عائشةَ رضىَ الله عنها، قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((العُسَيْلَةُ: الجِماعُ وَلَوْ لَمْ يُنْزِل)).
وفيها عن ابن عمر، قال: سُئِلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امرأتَه ثلاثاً، فيتزوَّجُها الرجُل، فَيُغْلِقُ البابَ، ويُرخى السِّتر، ثم يُطلِّقها قبل أن يدخُلَ بها؟ قال: ((لاَ تَحِلُّ لِلأَوَّلِ حَتَّى يُجامِعَها الآخَرُ)).
فتضمن هذا الحكم أموراً.
أحدهما: أنه لا يُقبل قولُ المرأة على الرجل أنه لا يقدِرُ على جماعها.
الثانى: أن إصابةَ الزوج الثانى شرط فى حلها للأول، خلافاً لمن اكتفى بمجرد العقد، فإن قوله مردود بالسنة التى لا مرد لها.
الثالث: أنه لا يُشترط الإنزال، بل يكفى مجردُ الجماع الذى هو ذوقُ العسيلة.
الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم لم يجعلْ مجردَ العقد المقصود الذى هو نكاح رغبة كافياً، ولا اتصال الخلوة به، وإغلاق الأبواب، وإرخاء الستور حتى يتّصل به الوطءُ، وهذا يدل على أنه لا يكفى مجرد عقد التحليل الذى لا غرضَ للزوج والزوجة فيه سوى صورةِ العقد، وإحلالها للأول بطريق الأولى، فإنه إذا كان عقد الرغبة المقصود للدوام غيرَ كافٍ حتى يوجد فيه الوطء، فكيف يكفى عقدُ تيسٍ مستعار لِيحلَّها لا رغبة له فى إمساكها، إنما هو عارِيَّة كحمار العشرين المستعار للضِّراب؟
حُكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المرأة تُقيم شاهداً واحداً على طلاقِ زوجها والزَّوجُ منكر
ذكر ابنُ وضَّاح عن ابن أبى مريم، عن عمرو بن أبى سلمة، عن عمرو بن أبى سلمة، عن زهير بن محمد، عن ابن جُريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذَا ادَّعَتِ المَرْأَةُ طَلاَقَ زَوْجهَا، فَجَاءَتْ عَلَى ذَلكَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَدْلِ، استُحْلِفَ زَوْجُهَا، فإِنْ حَلَفَ بَطَلَتْ عَنْهُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ، وإنْ نَكَلَ فَنُكُولُه بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ آخَرَ، وَجَازَ طَلاقُه))، فتضمَّن هذا الحكمُ أربعةَ أمور.
أحدُها: أنه لا يُكتفى بشهادة الشاهد الواحِدِ فى الطلاق، ولا مَع يمين المرأة، قال الإمام أحمد: الشاهدُ واليمين إنما يكون فى الأموال خاصة لا يقعُ فى حدٍّ، ولا نِكاح، ولا طلاق، ولا إعتاق، ولا سرقة، ولا قتل. وقد نصَّ فى رواية أخرى عنه على أن العبدَ إذا ادَّعى أن سيدَه أعتقه، وأتى بشاهد، حلف مع شاهده، وصار حراً، واختاره الخِرقى، ونص أحمد فى شريكين فى عبد ادَّعى كُلُّ واحد منهما أن شريكَه أعتق حقَّه منه، وكانا مُعسِرَيْنِ عدلين، فللعبد أن يحلفَ مع كُلِّ واحد منهما، ويصيرَ حراً، ويحلِفَ مع أحدهما، ويصيرَ نصفُه حراً، ولكن لا يعرف عنه أن الطلاق يثبتُ بشاهدٍ ويمين.
وقد دلَّ حديثُ عمرو بن شعيب هذا على أنه يثُبت بشاهِدٍ ونكولِ الزوج، وهو الصوابُ إن شاء الله تعالى، فإن حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، لا يُعرف من أئمة الإسلام إلا من احتج به، وبنى عليه وإن خالفه فى بعضِ المواضع، وزهيرُ بن محمد، الراوى عن ابن جريج، ثقة محتج به فى ((الصحيحين))، وعمرو بن أبى سلمة، هو أبو حفص التنيسى، محتج به فى ((الصحيحين)) أيضاً، فمن احتجَّ بحديث عمرو بن شعيب، فهذا من أصح حديثه.
الثانى: أن الزوجَ يُستحلف فى دعوى الطلاق إذا لم تَقُمْ للمرأة به بينة، لكن إنما استحلفه مع قوة جانب الدعوى بالشاهد.
الثالث: أنه يحكم فى الطلاق بشاهدٍ، ونكول المدَّعى عليه، وأحمد فى إحدى الروايتين عنه يحكُم بوقوعه بمجرَّد النكول من غير شاهد، فإذا ادَّعت المرأة على زوجها الطلاقَ، وأحلفناه لها فى إحدى الروايتين، فَنَكَلَ، قضى عليه، فإذا أقامت شاهداً واحداً ولم يَحلف الزوج على عدم دعواها، فالقضاء بالنكول عليه فى هذه الصورة أقوى.
وظاهر الحديث: أنه لا يُحكم على الزوج بالنكول إلا إذا أقامت المرأةُ شاهداً واحداً، كما هو إحدى الروايتين عن مالك، وأنه لا يُحكم عليه بمجرد دعواها مع نكوله، لكن من يقضى عليه به يقول: النكولُ إما إقرارٌ، وإما بينة، وكلاهما يُحكم به، ولكن ينتقِضُ هذا عليه بالنكولِ فى دعوى القِصاص، ويُجاب بأن النكولَ بدل استغنى به فيما يُباح بالبدل، وهو الأموالُ وحقوقها دون النكاح وتوابعه.
الرابع: أن النكولَ بمنزلة البينة، فلما أقامت شاهداً واحداً وهو شطرُ البينة كان النكولُ قائماً، مقام تمامها.
ونحن نذكرُ مذاهبَ الناس فى هذه المسألة، فقال أبو القاسم بن الجلاب فى ((تفريعه)): وإذا ادعت المرأةُ الطلاقَ على زوجها لم يُحَلَّف بدعواها، فإن أقامت على ذلك شاهداً واحداً، لم تُحلف مع شاهدها، ولم يثبُتِ الطلاقُ على زوجها، وهذا الذى قاله لا يُعلم فيه نزاع بين الأئمة الأربعة، قال: ولكن يحلف لها زوجُها، فإن حلف، برىءَ من دعواها.
قلتُ: هذا فيه قولان للفقهاء، وهما روايتان عن الإمام أحمد. إحداهما: أنه يحلِفُ لدعواها، وهو مذهب الشافعى، ومالك، وأبى حنيفة. والثانية: لا يحلف. فإن قلنا: لا يحلف، فلا إشكال، وإن قلنا: يحلف، فنكل عن اليمين، فهل يقضى عليه بطلاق زوجته بالنكول؟ فيه روايتان عن مالك، إحداهما: أنها تطلُقُ عليه بالشاهد والنكول عملاً بهذا الحديث، وهذا اختيارُ أشهب، وهذا فيه غايةُ القوة، لأن الشاهد والنكول سببان مِن جهتين مختلفتين، فقوى جانبُ المدعى بهما، فحكم له، فهذا مقتضى الأثر والقياس.
والرواية الثانية عنه: أن الزوج إذا نَكَلَ عن اليمين، حُبِسَ، فإن طال حبسُه، تُرِكَ. واختلفت الرواية عن الإمام أحمد، هل يقضى بالنكول فى دعوى المرأة الطلاق؟ على روايتين. ولا أثر عنده لإقامة الشاهدِ الواحد، بل إذا ادعت عليه الطلاقَ، ففيه روايتان فى استحلافه، فإن قلنا: لا يُستحلف، لم يكن لدعواها أثر، وإن قلنا: يستحلف، فأبى فهل يُحكم عليه بالطلاق؟ فيه روايتان، وسيأتى إن شاء الله تعالى الكلامُ فى القضاء بالنكول، وهل هو إقرار أو بدل، أو قائم مقام البينة فى موضعه من هذا الكتاب؟.



عدد المشاهدات *:
471146
عدد مرات التنزيل *:
94777
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 20/02/2015

الكتب العلمية

روابط تنزيل : فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن طلق ثلاثاً بكلمة واحدة 3
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن طلق ثلاثاً بكلمة واحدة 3 لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
الكتب العلمية


@designer
1