وَكَيْفَ قِسْمَةُ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مُجَازَفَةً أَوْ قَبْضَةً قَبْضَةً لَمَّا لَمْ يَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي النَّهْدِ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ هَذَا بَعْضًا وَهَذَا بَعْضًا وَكَذَلِكَ مُجَازَفَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْقِرَانُ فِي التَّمْرِ
2483- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلاَثُ مِائَةٍ وَأَنَا فِيهِمْ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ فَكَانَ يُقَوِّتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلاَّ تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ فَقُلْتُ وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ قَالَ ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا"
[الحديث 2483- أطرافه في: 2983 ، 4360 ، 4361 ، 4362 ، 5493 ، 5494]
2484- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "خَفَّتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ وَأَمْلَقُوا فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ؟ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَادِ فِي النَّاسِ فَيَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ فَبُسِطَ لِذَلِكَ نِطَعٌ وَجَعَلُوهُ عَلَى النِّطَعِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا وَبَرَّكَ عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ"
[الحديث 2484- طرفه في: 2982]
2485- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَنَنْحَرُ جَزُورًا فَتُقْسَمُ عَشْرَ قِسَمٍ فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ"
2486- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ
(5/128)
وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ"
قوله: "كتاب الشركة" كذا للنسفي وابن شبويه، وللأكثر "باب" ولأبي ذر "في الشركة" وقدموا البسملة وأخرها. والشركة بفتح المعجمة وكسر الراء، وبكسر أوله وسكون الراء، وقد تحذف الهاء، وقد يفتح أوله مع ذلك فتلك أربع لغات. وهي شرعا: ما يحدث بالاختيار بين اثنين فصاعدا من الاختلاط لتحصيل الربح، وقد تحصل بغير قصد كالإرث، قوله: "الشركة في الطعام والنهد" أما الطعام فسيأتي القول فيه في باب مفرد، وأما النهد فهو بكسر النون وبفتحها إخراج القوم نفقاتهم على قدر عدد الرفقة، يقال تناهدوا وناهد بعضهم بعضا قاله الأزهري وقال الجوهري نحوه لكن قال: على قدر نفقة صاحبه، ونحوه لابن فارس، وقال ابن سيده: النهد العون. وطرح نهده مع القوم أعانهم وخارجهم، وذلك يكون في الطعام والشراب. وقيل. فذكر قول الأزهري. وقال عياض مثل قول الأزهري إلا أنه قيده بالسفر والخلط، ولم يقيده بالعدد. وقال ابن التين: قال جماعة هو النفقة بالسوية في السفر وغيره، والذي يظهر أن أصله في السفر، وقد تتفق رفقة فيضعونه في الحضر كما سيأتي في آخر الباب من فعل الأشعريين، وأنه لا يتقيد بالتسوية إلا في القسمة، وأما في الأكل فلا تسوية لاختلاف حال الآكلين، وأحاديث الباب تشهد لكل ذلك. وقال ابن الأثير: هو ما تخرجه الرفقة عند المناهدة إلى الغزو، وهو أن يقتسموا نفقتهم بينهم بالسوية حتى لا يكون لأحدهم على الآخر فضل، فزاده قيدا آخر وهو سفر الغزو، والمعروف أنه خلط الزاد في السفر مطلقا، وقد أشار إلى ذلك المصنف في الترجمة حيث قال: "يأكل هذا بعضا وهذا بعضا" وقال القابسي: هو طعام الصلح بين القبائل، وهذا غير معروف، فإن ثبت فلعله أصله. وذكر محمد بن عبد الملك التاريخي أن أول من أحدث النهد حضين - بمهملة ثم معجمة مصغر - الرقاشي. قلت وهو بعيد لثبوته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وحضين لا صحبة له، فإن ثبتت احتملت أوليته فيه في زمن مخصوص أو في فئة مخصوصة. قوله: "والعروض" بضم أوله جمع عرض بسكون الراء مقابل النقد، وأما بفتحها فجميع أصناف المال، وما عدا النقد يدخل فيه الطعام فهو من الخاص بعد العام ويدخل فيه الربويات، ولكنه اغتفر في النهد لثبوت الدليل على جوازه. واختلف العلماء في صحة الشركة كما سيأتي. قوله: "وكيف قسمة ما يكال ويوزن" أي هل يجوز قسمته مجازفة أو لا بد من الكيل في المكيل والوزن في الموزون، وأشار إلى ذلك بقوله: "مجازفة أو قبضة قبضة" أي متساوية. قوله: "لما لم تر المسلمون بالنهد بأسا" هو بكسر اللام وتخفيف الميم، وكأنه أشار إلى أحاديث الباب، وقد ورد الترغيب في ذلك، وروى أبو عبيدة في "الغريب" عن الحسن قال: "أخرجوا نهدكم فإنه أعظم للبركة وأحسن لأخلاقكم". قوله: "وكذلك مجازفة الذهب والفضة" كأنه ألحق النقد بالعرض للجامع بينهما وهو المالية، لكن إنما يتم ذلك في قسمة الذهب مع الفضة، أما قسمة أحدهما خاصة - حيث يقع الاشتراك في الاستحقاق - فلا يجوز إجماعا قاله ابن بطال. وقال ابن المنير: شرط مالك في منعه أن يكون مصكوكا والتعامل فيه بالعدد. فعلى هذا يجوز بيع ما عداه جزافا، ومقتضى الأصول منعه، وظاهر كلام البخاري جوازه، ويمكن أن يحتج له بحديث جابر في مال البحرين، والجواب عن ذلك أن قسمة العطاء ليس على حقيقة القسمة، لأنه غير مملوك للآخذين قبل التمييز، والله أعلم. قوله: "والقران في التمر" يشير إلى حديث ابن عمر الماضي في المظالم، وسيأتي أيضا بعد بابين. ثم ذكر المصنف في الباب
(5/129)
أربعة أحاديث: أحدها حديث جابر في بعث أبي عبيدة بن الجراح إلى جهة الساحل، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب المغازي، وشاهد الترجمة منه قوله: "فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع" الحديث. وقال الداودي ليس في حديث أبي عبيدة ولا الذي بعده ذكر المجازفة لأنهم لم يريدوا المبايعة ولا البدل، وإنما يفضل بعضهم بعضا لو أخذ الإمام من أحدهم للآخر. وأجاب ابن التين بأنه إنما أراد أن حقوقهم تساوت فيه بعد جمعه لكنهم تناولوه مجازفة كما جرت العادة. ثانيها حديث سلمة بن الأكوع في إرادة نحر إبلهم في الغزو، والشاهد منه جمع أزوادهم ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة، وهو ظاهر فيما ترجم به من كون أخذهم منها كان بغير قسمة مستوية، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى. وقوله فيه: "أزواد" في رواية المستملي: "أزودة" وقوله: "وأملقوا" أي افتقروا. قوله: "وبرك" بتشديد الراء أي دعا بالبركة، وقوله: "فاحتثى" بسكون المهملة بعدها مثناة مفتوحة ثم مثلثة افتعل من الحثي وهو الأخذ بالكفين. ثالثها حديث رافع بن خديج في تعجيل صلاة العصر، وهو من الأحاديث المذكورة في غير مظنتها، وقد ذكر المصنف في المواقيت من هذا الوجه عن رافع تعجيل المغرب، وفي هذا تعجيل العصر، والغرض منه هنا قوله: "فننحر جزورا فيقسم عشر قسم" قال ابن التين في حديث رافع الشركة في الأصل، وجمع الحظوظ في القسم، ونحر إبل المغنم، والحجة على من زعم أن أول وقت العصر مصير ظل الشيء مثليه. وقوله: "نضيجا" بالمعجمة وبالجيم أي استوى طبخه. رابعها حديث أبي موسى قوله: "عن بريد" هو بالموحدة والراء مصغرا. قوله: "إذا أرملوا" أي فني زادهم، وأصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل من القلة كما قيل في {ذَا مَتْرَبَةٍ}. قوله: "فهم مني وأنا منهم" أي هم متصلون بي، وتسمى "من" هذه الاتصالية كقوله: "لست من دد"، وقيل: المراد فعلوا فعلي في هذه المواساة. وقال النووي: معناه المبالغة في اتحاد طريقهما واتفاقهما في طاعة الله تعالى. وفي الحديث فضيلة عظيمة للأشعريين قبيلة أبي موسى، وتحديث الرجل بمناقبه، وجواز هبة المجهول، وفضيلة الإيثار والمواساة، واستحباب خلط الزاد في السفر وفي الإقامة أيضا. والله أعلم.
(5/130)
2483- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلاَثُ مِائَةٍ وَأَنَا فِيهِمْ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ فَكَانَ يُقَوِّتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلاَّ تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ فَقُلْتُ وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ قَالَ ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا"
[الحديث 2483- أطرافه في: 2983 ، 4360 ، 4361 ، 4362 ، 5493 ، 5494]
2484- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "خَفَّتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ وَأَمْلَقُوا فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ؟ فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَادِ فِي النَّاسِ فَيَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ فَبُسِطَ لِذَلِكَ نِطَعٌ وَجَعَلُوهُ عَلَى النِّطَعِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا وَبَرَّكَ عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ"
[الحديث 2484- طرفه في: 2982]
2485- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَنَنْحَرُ جَزُورًا فَتُقْسَمُ عَشْرَ قِسَمٍ فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ"
2486- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ
(5/128)
وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ"
قوله: "كتاب الشركة" كذا للنسفي وابن شبويه، وللأكثر "باب" ولأبي ذر "في الشركة" وقدموا البسملة وأخرها. والشركة بفتح المعجمة وكسر الراء، وبكسر أوله وسكون الراء، وقد تحذف الهاء، وقد يفتح أوله مع ذلك فتلك أربع لغات. وهي شرعا: ما يحدث بالاختيار بين اثنين فصاعدا من الاختلاط لتحصيل الربح، وقد تحصل بغير قصد كالإرث، قوله: "الشركة في الطعام والنهد" أما الطعام فسيأتي القول فيه في باب مفرد، وأما النهد فهو بكسر النون وبفتحها إخراج القوم نفقاتهم على قدر عدد الرفقة، يقال تناهدوا وناهد بعضهم بعضا قاله الأزهري وقال الجوهري نحوه لكن قال: على قدر نفقة صاحبه، ونحوه لابن فارس، وقال ابن سيده: النهد العون. وطرح نهده مع القوم أعانهم وخارجهم، وذلك يكون في الطعام والشراب. وقيل. فذكر قول الأزهري. وقال عياض مثل قول الأزهري إلا أنه قيده بالسفر والخلط، ولم يقيده بالعدد. وقال ابن التين: قال جماعة هو النفقة بالسوية في السفر وغيره، والذي يظهر أن أصله في السفر، وقد تتفق رفقة فيضعونه في الحضر كما سيأتي في آخر الباب من فعل الأشعريين، وأنه لا يتقيد بالتسوية إلا في القسمة، وأما في الأكل فلا تسوية لاختلاف حال الآكلين، وأحاديث الباب تشهد لكل ذلك. وقال ابن الأثير: هو ما تخرجه الرفقة عند المناهدة إلى الغزو، وهو أن يقتسموا نفقتهم بينهم بالسوية حتى لا يكون لأحدهم على الآخر فضل، فزاده قيدا آخر وهو سفر الغزو، والمعروف أنه خلط الزاد في السفر مطلقا، وقد أشار إلى ذلك المصنف في الترجمة حيث قال: "يأكل هذا بعضا وهذا بعضا" وقال القابسي: هو طعام الصلح بين القبائل، وهذا غير معروف، فإن ثبت فلعله أصله. وذكر محمد بن عبد الملك التاريخي أن أول من أحدث النهد حضين - بمهملة ثم معجمة مصغر - الرقاشي. قلت وهو بعيد لثبوته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وحضين لا صحبة له، فإن ثبتت احتملت أوليته فيه في زمن مخصوص أو في فئة مخصوصة. قوله: "والعروض" بضم أوله جمع عرض بسكون الراء مقابل النقد، وأما بفتحها فجميع أصناف المال، وما عدا النقد يدخل فيه الطعام فهو من الخاص بعد العام ويدخل فيه الربويات، ولكنه اغتفر في النهد لثبوت الدليل على جوازه. واختلف العلماء في صحة الشركة كما سيأتي. قوله: "وكيف قسمة ما يكال ويوزن" أي هل يجوز قسمته مجازفة أو لا بد من الكيل في المكيل والوزن في الموزون، وأشار إلى ذلك بقوله: "مجازفة أو قبضة قبضة" أي متساوية. قوله: "لما لم تر المسلمون بالنهد بأسا" هو بكسر اللام وتخفيف الميم، وكأنه أشار إلى أحاديث الباب، وقد ورد الترغيب في ذلك، وروى أبو عبيدة في "الغريب" عن الحسن قال: "أخرجوا نهدكم فإنه أعظم للبركة وأحسن لأخلاقكم". قوله: "وكذلك مجازفة الذهب والفضة" كأنه ألحق النقد بالعرض للجامع بينهما وهو المالية، لكن إنما يتم ذلك في قسمة الذهب مع الفضة، أما قسمة أحدهما خاصة - حيث يقع الاشتراك في الاستحقاق - فلا يجوز إجماعا قاله ابن بطال. وقال ابن المنير: شرط مالك في منعه أن يكون مصكوكا والتعامل فيه بالعدد. فعلى هذا يجوز بيع ما عداه جزافا، ومقتضى الأصول منعه، وظاهر كلام البخاري جوازه، ويمكن أن يحتج له بحديث جابر في مال البحرين، والجواب عن ذلك أن قسمة العطاء ليس على حقيقة القسمة، لأنه غير مملوك للآخذين قبل التمييز، والله أعلم. قوله: "والقران في التمر" يشير إلى حديث ابن عمر الماضي في المظالم، وسيأتي أيضا بعد بابين. ثم ذكر المصنف في الباب
(5/129)
أربعة أحاديث: أحدها حديث جابر في بعث أبي عبيدة بن الجراح إلى جهة الساحل، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب المغازي، وشاهد الترجمة منه قوله: "فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع" الحديث. وقال الداودي ليس في حديث أبي عبيدة ولا الذي بعده ذكر المجازفة لأنهم لم يريدوا المبايعة ولا البدل، وإنما يفضل بعضهم بعضا لو أخذ الإمام من أحدهم للآخر. وأجاب ابن التين بأنه إنما أراد أن حقوقهم تساوت فيه بعد جمعه لكنهم تناولوه مجازفة كما جرت العادة. ثانيها حديث سلمة بن الأكوع في إرادة نحر إبلهم في الغزو، والشاهد منه جمع أزوادهم ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة، وهو ظاهر فيما ترجم به من كون أخذهم منها كان بغير قسمة مستوية، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى. وقوله فيه: "أزواد" في رواية المستملي: "أزودة" وقوله: "وأملقوا" أي افتقروا. قوله: "وبرك" بتشديد الراء أي دعا بالبركة، وقوله: "فاحتثى" بسكون المهملة بعدها مثناة مفتوحة ثم مثلثة افتعل من الحثي وهو الأخذ بالكفين. ثالثها حديث رافع بن خديج في تعجيل صلاة العصر، وهو من الأحاديث المذكورة في غير مظنتها، وقد ذكر المصنف في المواقيت من هذا الوجه عن رافع تعجيل المغرب، وفي هذا تعجيل العصر، والغرض منه هنا قوله: "فننحر جزورا فيقسم عشر قسم" قال ابن التين في حديث رافع الشركة في الأصل، وجمع الحظوظ في القسم، ونحر إبل المغنم، والحجة على من زعم أن أول وقت العصر مصير ظل الشيء مثليه. وقوله: "نضيجا" بالمعجمة وبالجيم أي استوى طبخه. رابعها حديث أبي موسى قوله: "عن بريد" هو بالموحدة والراء مصغرا. قوله: "إذا أرملوا" أي فني زادهم، وأصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل من القلة كما قيل في {ذَا مَتْرَبَةٍ}. قوله: "فهم مني وأنا منهم" أي هم متصلون بي، وتسمى "من" هذه الاتصالية كقوله: "لست من دد"، وقيل: المراد فعلوا فعلي في هذه المواساة. وقال النووي: معناه المبالغة في اتحاد طريقهما واتفاقهما في طاعة الله تعالى. وفي الحديث فضيلة عظيمة للأشعريين قبيلة أبي موسى، وتحديث الرجل بمناقبه، وجواز هبة المجهول، وفضيلة الإيثار والمواساة، واستحباب خلط الزاد في السفر وفي الإقامة أيضا. والله أعلم.
(5/130)
عدد المشاهدات *:
506982
506982
عدد مرات التنزيل *:
154927
154927
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 11/07/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 11/07/2013