وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [111 التوبة ]: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} إلى قوله: {وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْحُدُودُ الطَّاعَةُ
2782- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ قَالَ سَمِعْتُ الْوَلِيدَ بْنَ الْعَيْزَارِ ذَكَرَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ: "الصَّلاَةُ عَلَى مِيقَاتِهَا قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَسَكَتُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي".
2783- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا".
(6/3)
2784- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلاَ نُجَاهِدُ قَالَ لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ".
2785- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو حَصِينٍ أَنَّ ذَكْوَانَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ قَالَ لاَ أَجِدُهُ قَالَ هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ قَالَ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ".
قوله: "باب فضل الجهاد والسير" بكسر المهملة وفتح التحتانية جمع سيرة، وأطلق ذلك على أبواب الجهاد لأنها متلقاة من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته.قوله: "وقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} الآيتين إلى قوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}" كذا للنسفي وابن شبويه، وساق في رواية الأصيلي وكريمة الآيتين جميعا، وعند أبي ذر إلى قوله: {وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً} ثم قال: إلى قوله: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} والمراد بالمبايعة في الآية ما وقع في ليلة العقبة من الأنصار أو أعم من ذلك، وقد ورد ما يدل على الاحتمال الأول عند أحمد عن جابر، وعند الحاكم في "الإكليل" عن كعب بن مالك، وفي مرسل محمد بن كعب "قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت، قال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم. قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: الجنة. قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل " فنزل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى} الآية". قوله: "قال ابن عباس: الحدود الطاعة" وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} يعني طاعة الله، وكأنه تفسير باللازم، لأن من أطاع وقف عند امتثال أمره واجتناب نهيه. حديث ابن مسعود "أي العمل أفضل" وقد تقدم الكلام عليه في المواقيت، وأغرب الداودي فقال في شرح هذا الحديث: إن أوقع الصلاة في ميقاتها كان الجهاد مقدما على بر الوالدين، وإن أخرها كان البر مقدما على الجهاد.ولا أعرف له في ذلك مستندا، فالذي يظهر أن تقديم الصلاة على الجهاد والبر لكونها لازمة للمكلف في كل أحيانه، وتقديم البر على الجهاد لتوقفه على إذن الأبوين. وقال الطبري: إنما خص صلى الله عليه وسلم هذه الثلاثة بالذكر لأنها عنوان على ما سواها من الطاعات، فإن من ضيع الصلاة المفروضة حتى يخرج وقتها من غير عذر مع خفة مؤنتها عليه وعظيم فضلها فهو لما سواها أضيع، ومن لم يبر والديه مع وفور حقهما عليه كان لغيرهما أقل برا، ومن ترك جهاد الكفار مع شدة عدواتهم للدين كان لجهاد غيرهم من الفساق أترك، فظهر أن الثلاثة تجتمع في أن من حافظ عليها كان لما سواها أحفظ، ومن ضيعها كان لما سواها أضيع. الثاني: حديث ابن عباس "لا هجرة بعد الفتح" وسيأتي شرحه بعد أبواب في "باب وجوب النفير". الثالث: حديث عائشة "جهادكن الحج" ، وقد تقدم شرحه في كتاب الحج، ووجه دخوله في هذا الباب من تقريره صلى الله عليه وسلم لقولها: "نرى
(6/4)
الجهاد أفضل الأعمال". الرابع: قوله: "حدثنا إسحاق" كذا للأكثر غير منسوب، وللأصيلي وابن عساكر: "حدثنا إسحاق بن منصور" وأما أبو علي الجياني فقال: لم أره منسوبا لأحد، وهو إما ابن راهويه أو ابن منصور. قوله: "جاء رجل" لم أقف على اسمه. قوله: "قال لا أجده" هو جواب النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: "قال هل تستطيع" كلام مستأنف. ولمسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه بلفظ: "قيل: ما يعدل الجهاد؟ قال: لا تستطيعونه: فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثة كل ذلك يقول: لا تستطيعونه. وقال في الثالثة: مثل الجهاد في سبيل الله" الحديث. وأخرج الطبراني نحو هذا الحديث من حديث سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه وقال في آخره: "لم يبلغ العشر من عمله" وسيأتي بقية الكلام عليه في الباب الذي يليه. قوله: "قال ومن يستطيع ذلك" في رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان "قال لا أستطيع ذلك" وهذه فضيلة ظاهرة للمجاهد في سبيل الله تقتضي أن لا يعدل الجهاد شيء من الأعمال، وأما ما تقدم في كتاب العيدين من حديث ابن عباس مرفوعا: "ما العمل في أيام أفضل منه في هذه - يعني أيام العشر - قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد" فيحتمل أن يكون عموم حديث الباب خص بما دل عليه حديث ابن عباس، ويحتمل أن يكون الفضل الذي في حديث الباب مخصوصا بمن خرج قاصدا المخاطرة بنفسه وماله فأصيب كما في بقية حديث ابن عباس "خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء" فمفهومه أن من رجع بذلك لا ينال الفضيلة المذكورة. لكن يشكل عليه ما وقع في آخر حديث الباب(1): "وتوكل الله للمجاهد إلخ" ويمكن أن يجاب بأن الفضل المذكور أولا خاص بمن لم يرجع، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون لمن يرجع أجر في الجملة كما سيأتي البحث فيه في الذي بعده. وأشد مما تقدم في الإشكال ما أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء مرفوعا: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا بلى. قال: ذكر الله" فإنه ظاهر في أن الذكر بمجرده أفضل من أبلغ ما يقع للمجاهد وأفضل من الإنفاق مع ما في الجهاد والنفقة من النفع المتعدي. قال عياض: اشتمل حديث الباب على تعظيم أمر الجهاد، لأن الصيام وغيره مما ذكر من فضائل الأعمال قد عدلها كلها الجهاد حتى صارت جميع حالات المجاهد وتصرفاته المباحة معادلة لأجر المواظب على الصلاة وغيرها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "لا تستطيع ذلك " وفيه أن الفضائل لا تدرك بالقياس وإنما هي إحسان من الله تعالى لمن شاء، واستدل به على أن الجهاد أفضل الأعمال مطلقا لما تقدم تقريره. وقال ابن دقيق العيد: القياس يقتضي أن يكون الجهاد أفضل الأعمال التي هي وسائل لأن الجهاد وسيلة إلى إعلان الدين ونشره وإخماد الكفر ودحضه، ففضيلته بحسب فضيلة ذلك والله أعلم. قوله: "قال أبو هريرة إن فرس المجاهد ليستن" أي يمرح بنشاط. وقال الجوهري هو أن يرفع يديه ويطرحهما معا. وقال غيره أن يلج في عدوه مقبلا أو مدبرا. وفي المثل "استنت الفصال حتى القرعي" يضرب لمن يتشبه بمن هو فوقه، وقوله: "في طوله" بكسر المهملة وفتح الواو وهو الحبل الذي يشد به الدابة ويمسك طرفه ويرسل في المرعى، وقوله: "فيكتب له حسنات" بالنصب على أنه مفعول ثان أي يكتب له الاستنان حسنات، وهذا القدر ذكره أبو حصين عن أبي صالح هكذا موقوفا، وسيأتي بعد بضعة وأربعين بابا في
ـــــــ
(1) ذكرت في الباب الذي يليه.
(6/5)
"باب الخيل ثلاثا" من طريق زيد بن أسلم عن أبي صالح مرفوعا ويأتي بقية الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى.
(6/6)
باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه و ماله في سبيل الله
...
2782- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ قَالَ سَمِعْتُ الْوَلِيدَ بْنَ الْعَيْزَارِ ذَكَرَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ: "الصَّلاَةُ عَلَى مِيقَاتِهَا قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَسَكَتُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي".
2783- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا".
(6/3)
2784- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلاَ نُجَاهِدُ قَالَ لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ".
2785- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو حَصِينٍ أَنَّ ذَكْوَانَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ قَالَ لاَ أَجِدُهُ قَالَ هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ قَالَ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ".
قوله: "باب فضل الجهاد والسير" بكسر المهملة وفتح التحتانية جمع سيرة، وأطلق ذلك على أبواب الجهاد لأنها متلقاة من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته.قوله: "وقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} الآيتين إلى قوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}" كذا للنسفي وابن شبويه، وساق في رواية الأصيلي وكريمة الآيتين جميعا، وعند أبي ذر إلى قوله: {وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً} ثم قال: إلى قوله: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} والمراد بالمبايعة في الآية ما وقع في ليلة العقبة من الأنصار أو أعم من ذلك، وقد ورد ما يدل على الاحتمال الأول عند أحمد عن جابر، وعند الحاكم في "الإكليل" عن كعب بن مالك، وفي مرسل محمد بن كعب "قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت، قال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم. قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: الجنة. قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل " فنزل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى} الآية". قوله: "قال ابن عباس: الحدود الطاعة" وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} يعني طاعة الله، وكأنه تفسير باللازم، لأن من أطاع وقف عند امتثال أمره واجتناب نهيه. حديث ابن مسعود "أي العمل أفضل" وقد تقدم الكلام عليه في المواقيت، وأغرب الداودي فقال في شرح هذا الحديث: إن أوقع الصلاة في ميقاتها كان الجهاد مقدما على بر الوالدين، وإن أخرها كان البر مقدما على الجهاد.ولا أعرف له في ذلك مستندا، فالذي يظهر أن تقديم الصلاة على الجهاد والبر لكونها لازمة للمكلف في كل أحيانه، وتقديم البر على الجهاد لتوقفه على إذن الأبوين. وقال الطبري: إنما خص صلى الله عليه وسلم هذه الثلاثة بالذكر لأنها عنوان على ما سواها من الطاعات، فإن من ضيع الصلاة المفروضة حتى يخرج وقتها من غير عذر مع خفة مؤنتها عليه وعظيم فضلها فهو لما سواها أضيع، ومن لم يبر والديه مع وفور حقهما عليه كان لغيرهما أقل برا، ومن ترك جهاد الكفار مع شدة عدواتهم للدين كان لجهاد غيرهم من الفساق أترك، فظهر أن الثلاثة تجتمع في أن من حافظ عليها كان لما سواها أحفظ، ومن ضيعها كان لما سواها أضيع. الثاني: حديث ابن عباس "لا هجرة بعد الفتح" وسيأتي شرحه بعد أبواب في "باب وجوب النفير". الثالث: حديث عائشة "جهادكن الحج" ، وقد تقدم شرحه في كتاب الحج، ووجه دخوله في هذا الباب من تقريره صلى الله عليه وسلم لقولها: "نرى
(6/4)
الجهاد أفضل الأعمال". الرابع: قوله: "حدثنا إسحاق" كذا للأكثر غير منسوب، وللأصيلي وابن عساكر: "حدثنا إسحاق بن منصور" وأما أبو علي الجياني فقال: لم أره منسوبا لأحد، وهو إما ابن راهويه أو ابن منصور. قوله: "جاء رجل" لم أقف على اسمه. قوله: "قال لا أجده" هو جواب النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: "قال هل تستطيع" كلام مستأنف. ولمسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه بلفظ: "قيل: ما يعدل الجهاد؟ قال: لا تستطيعونه: فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثة كل ذلك يقول: لا تستطيعونه. وقال في الثالثة: مثل الجهاد في سبيل الله" الحديث. وأخرج الطبراني نحو هذا الحديث من حديث سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه وقال في آخره: "لم يبلغ العشر من عمله" وسيأتي بقية الكلام عليه في الباب الذي يليه. قوله: "قال ومن يستطيع ذلك" في رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان "قال لا أستطيع ذلك" وهذه فضيلة ظاهرة للمجاهد في سبيل الله تقتضي أن لا يعدل الجهاد شيء من الأعمال، وأما ما تقدم في كتاب العيدين من حديث ابن عباس مرفوعا: "ما العمل في أيام أفضل منه في هذه - يعني أيام العشر - قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد" فيحتمل أن يكون عموم حديث الباب خص بما دل عليه حديث ابن عباس، ويحتمل أن يكون الفضل الذي في حديث الباب مخصوصا بمن خرج قاصدا المخاطرة بنفسه وماله فأصيب كما في بقية حديث ابن عباس "خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء" فمفهومه أن من رجع بذلك لا ينال الفضيلة المذكورة. لكن يشكل عليه ما وقع في آخر حديث الباب(1): "وتوكل الله للمجاهد إلخ" ويمكن أن يجاب بأن الفضل المذكور أولا خاص بمن لم يرجع، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون لمن يرجع أجر في الجملة كما سيأتي البحث فيه في الذي بعده. وأشد مما تقدم في الإشكال ما أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء مرفوعا: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا بلى. قال: ذكر الله" فإنه ظاهر في أن الذكر بمجرده أفضل من أبلغ ما يقع للمجاهد وأفضل من الإنفاق مع ما في الجهاد والنفقة من النفع المتعدي. قال عياض: اشتمل حديث الباب على تعظيم أمر الجهاد، لأن الصيام وغيره مما ذكر من فضائل الأعمال قد عدلها كلها الجهاد حتى صارت جميع حالات المجاهد وتصرفاته المباحة معادلة لأجر المواظب على الصلاة وغيرها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "لا تستطيع ذلك " وفيه أن الفضائل لا تدرك بالقياس وإنما هي إحسان من الله تعالى لمن شاء، واستدل به على أن الجهاد أفضل الأعمال مطلقا لما تقدم تقريره. وقال ابن دقيق العيد: القياس يقتضي أن يكون الجهاد أفضل الأعمال التي هي وسائل لأن الجهاد وسيلة إلى إعلان الدين ونشره وإخماد الكفر ودحضه، ففضيلته بحسب فضيلة ذلك والله أعلم. قوله: "قال أبو هريرة إن فرس المجاهد ليستن" أي يمرح بنشاط. وقال الجوهري هو أن يرفع يديه ويطرحهما معا. وقال غيره أن يلج في عدوه مقبلا أو مدبرا. وفي المثل "استنت الفصال حتى القرعي" يضرب لمن يتشبه بمن هو فوقه، وقوله: "في طوله" بكسر المهملة وفتح الواو وهو الحبل الذي يشد به الدابة ويمسك طرفه ويرسل في المرعى، وقوله: "فيكتب له حسنات" بالنصب على أنه مفعول ثان أي يكتب له الاستنان حسنات، وهذا القدر ذكره أبو حصين عن أبي صالح هكذا موقوفا، وسيأتي بعد بضعة وأربعين بابا في
ـــــــ
(1) ذكرت في الباب الذي يليه.
(6/5)
"باب الخيل ثلاثا" من طريق زيد بن أسلم عن أبي صالح مرفوعا ويأتي بقية الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى.
(6/6)
باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه و ماله في سبيل الله
...
عدد المشاهدات *:
504320
504320
عدد مرات التنزيل *:
154601
154601
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 13/07/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 13/07/2013