ابْنِ مُخَادِشِ بنِ مُشَمْرِجٍ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، الحُجَةُ، أَبُو الحَسَنِ السَّعْدِيُّ، المَرْوَزِيُّ.
وَلِجَدِّه مُشَمْرِجِ بنِ خَالِدٍ صُحبَةٌ.
وُلِدَ عَلِيٌّ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَارْتَحَلَ فِي طَلَبِ العِلْمِ إِلَى الآفَاقِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَهُشَيْمٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَالرَّبِيْعِ بنِ بَدْرٍ السَّعْدِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَالهِقْلِ بنِ زِيَادٍ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَدِيْنِيِّ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ الحَسَنِ الهِلاَلِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَعَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ، وَقُرَّانَ بنِ تَمَّامٍ، وَمَعْرُوْفٍ الخَيَّاطِ صَاحِبِ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ المُوَقَّرِيِّ، وَالهَيْثَمِ بنِ حُمَيْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَعَتَّابِ بنِ بَشِيْرٍ، وَحَسَّانِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَحَفْصِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَخَلَفِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيِّ، وَبَقِيَّةَ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
(22/113)
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، وَعَبْدَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الحَكِيْمُ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَوْنٍ النَّسَوِيَّانِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الطُّوْسِيُّ العَنْبَرِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ أبي عمرانَ الإسفرايينيُّ، ومحمدُ بنُ أحمدَ بنِ أبي عَوْنٍ النَّسَائِيُّ ابْنُ عَمِّ المَذْكُوْرِ، وَإِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو رَجَاءَ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيْه المَرْوَزِيُّ المُؤَرِّخُ، وَمُحَمَّدُ بنُ كرَّامٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَاشَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ خَالِدٍ المَرْوَزِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ وَالاَنَ العَدَنِيُّ، وَآخَرُوْنَ. (11/509)
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ: كَانَ يَنْزِلُ بَغْدَادَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى مَرْوَ، فَنَزَلَ قَريَةَ زَرْزَمٍ، وَكَانَ فَاضِلاً، حَافِظاً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَاشَانِيُّ: هُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ بنِ سَعْدٍ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، حَافِظٌ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ يَنْزِلُ بَغْدَادَ قَدِيْماً، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى مَرْوَ، وَاشْتَهَرَ حَدِيْثُه بِهَا.
قَالَ: وَكَانَ صَادِقاً، مُتْقِناً، حَافِظاً.
وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيْه بنِ سَنْجَانَ المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ يَقُوْلُ:
(22/114)
انْصَرَفتُ مِنَ العِرَاقِ وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، فَقُلْتُ: لَوْ بَقِيتُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً أُخْرَى، فَأَروِيَ بَعْضَ مَا جَمَعتُه مِنَ العِلْمِ، وَقَدْ عِشتُ بَعْدُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ أُخْرَى، وَأَنَا أَتَمَنَّى بَعْدَ مَا كُنْتُ أَتَمَنَّى وَقْتَ انْصِرَافِي مِنَ العِرَاقِ.
قُلْتُ: هَذَا عَلَى سَبِيْلِ التَّقْرِيْبِ، وَإِلاَّ فَلَمْ يَبْلُغِ الرَّجُلُ تِسْعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: مَشَايِخُ خُرَاسَانَ ثَلاَثَةٌ: قُتَيْبَةُ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ.
وَرِجَالُهَا أَرْبَعَةٌ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَمَرْقَنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ - قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ مَا ظَهَرَ - وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَأَبُو زُرْعَةَ. (11/510)
قُلْتُ: هَذِهِ دِقَّةٌ مِنَ الأَعْيَنِ، وَالَّذِي ظَهَرَ مِنْ مُحَمَّدٍ أَمرٌ خَفِيْفٌ مِنَ المَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيْهَا الأَئِمَّةُ فِي القَوْلِ فِي القُرْآنِ، وَتُسَمَّى مَسْأَلَةَ أَفْعَالِ التَّالينَ، فَجُمْهُوْرُ الأَئِمَّةِ وَالسَّلَفِ والخلفِ عَلَى أَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ الله، مُنَزَّلٌ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
وَبِهَذَا نَدِيْنُ اللهَ -تَعَالَى- وَبَدَّعُوا مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ، وَذَهَبَتِ الجَهْمِيَّةُ، وَالمُعْتَزِلَةُ، وَالمَأْمُوْنُ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ القَاضِي، وَخَلْقٌ مِنَ المُتَكَلِّمِيْنَ، وَالرَّافِضَةُ إِلَى أَنَّ القُرْآنَ كَلاَمَ اللهِ المُنَزَّلَ مَخْلُوْقٌ، وَقَالُوا: اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَالقُرْآنُ شَيْءٌ.
وَقَالُوا: تَعَالَى اللهُ أَنْ يُوْصَفَ بِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ.
(22/115)
وَجَرَتْ مِحْنَةُ القُرْآنِ، وَعَظُمَ البَلاَءُ، وَضُرِبَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بِالسِّيَاطِ ليَقُوْلَ ذَلِكَ - نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ فِي الدِّيْنِ -.
ثُمَّ نَشَأَتْ طَائِفَةٌ، فَقَالُوا: كَلاَمُ الله -تَعَالَى- مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَلَكِنَّ أَلفَاظَنَا بِهِ مَخْلُوْقَةٌ - يَعْنُوْنَ: تَلَفُّظَهُم وَأَصْوَاتَهُم بِهِ وَكِتَابَتَهُم لَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ - وَهُوَ حُسَيْنٌ الكَرَابِيْسِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَئِمَّةُ الحَدِيْثِ، وَبَالَغَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الحَطِّ عَلَيْهِم، وَثَبَتَ عَنْهُ أَنْ قَالَ: اللَّفظِيَّةُ جَهْمِيَّةٌ.
وَقَالَ: مَنْ قَالَ: لَفظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمَنْ قَالَ: لَفظِي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَهُوَ مُبتَدِعٌ، وَسَدَّ بَابَ الخَوضِ فِي هَذَا.
وَقَالَ أَيْضاً: مَنْ قَالَ: لَفظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، يُرِيْدُ بِهِ القُرْآنَ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: القُرْآنُ مُحْدَثٌ كَدَاوُدَ الظَاهِرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، فَبَدَّعَهُمُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَنكَرَ ذَلِكَ، وثَبَتَ عَلَى الجَزمِ بِأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَأَنَّهُ مِنْ عِلْمِ اللهِ، وَكَفَّر مَنْ قَالَ بِخَلْقِهِ، وَبَدَّعَ مَنْ قَالَ بِحُدُوثِه، وَبَدَّعَ مَنْ قَالَ: لَفظِي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ ولاَ عَنِ السَّلَفِ القَوْلُ: بِأَنَّ القُرْآنَ قَدِيْمٌ.
مَا تَفَوَّهَ أَحَدٌ مِنْهُم بِهَذَا.
فَقَولُنَا: قَدِيْمٌ، مِنَ العِبارَاتِ المُحْدَثَةِ المُبْتَدَعَةِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَنَا: هُوَ مُحْدَثٌ، بِدْعَةٌ. (11/511)
وَأَمَّا البُخَارِيُّ، فَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ الأَذْكِيَاءِ، فَقَالَ:
(22/116)
مَا قُلْتُ: أَلفَاظُنَا بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقَةٌ، وَإِنَّمَا حَرَكَاتُهُم، وَأَصْوَاتُهُم وَأَفْعَالُهُم مَخْلُوْقَةٌ، وَالقُرْآنُ المَسْمُوْعُ المَتْلُوُّ المَلْفُوْظُ المَكْتُوْبُ فِي المَصَاحِفِ كَلاَمُ اللهِ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ كِتَابَ (أَفْعَالِ العِبَادِ) مُجَلَّدٌ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ، وَمَا فَهِمُوا مَرَامَه كَالذُّهْلِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَأَبِي بَكْرٍ الأَعْيَنِ، وَغَيْرِهِم.
ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَقَالَةُ الكُلاَّبِيَّةِ، وَالأَشْعَرِيَّةِ، وَقَالُوا:
القُرْآنُ مَعْنَىً قَائِمٌ بِالنَّفْسِ، وَإِنَّمَا هَذَا المُنَزَّلُ حِكَايَتُه وَعِبَارَتُه ودَالٌّ عَلَيْهِ.
وَقَالُوا: هَذَا المَتْلُوُّ مَعْدُوْدٌ مُتَعَاقِبٌ، وَكَلاَمُ اللهِ -تَعَالَى- لاَ يَجُوْزُ عَلَيْهِ التَّعَاقُبُ، وَلاَ التَّعَدُّدُ، بَلْ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، قَائِمٌ بِالذَّاتِ المُقَدَّسَةِ.
وَاتَّسَعَ المَقَالُ فِي ذَلِكَ، وَلَزِمَ مِنْهُ أُمُورٌ وَأَلوَانٌ، تَرْكُهَا -وَاللهِ- مِنْ حُسْنِ الإِيْمَانِ - وَبِاللهِ نَتَأَيَّدُ -.
وَقَدْ كَانَ عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
كُتِبَ عَنْهُ بِضْعٌ وَسَبْعُوْنَ وَمائَةٌ بِالحَرَمَيْنِ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالجَزِيْرَةِ وَخُرَاسَانَ.
وَلَمْ يَلقَ مَالِكَ بنَ أَنَسٍ، فَاتَهُ هُوَ وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَكَانَ يَسْمَعُ فِي حَيَاتِهِمَا بِالْكُوْفَةِ وَغَيْرِهَا.
وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ مُفِيْدَةٌ، مِنْهَا: كِتَابُ (أَحْكَامِ القُرْآنِ).
قَالَ أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أُورْمَةَ الحَافِظُ: كَتَبَ عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِه:
(22/117)
أَحِنُّ إِلَى كِتَابِكَ غَيْرَ أَنِّي * أَجِلُّكَ عَنْ عِتَابٍ فِي كِتَابِ
وَنَحْنُ إِنِ التَقَيْنَا قَبْلَ مَوْتٍ * شَفَيْتُ غَلِيلَ صَدْرِي مِنْ عِتَابِي
وَإِنْ سَبَقَتْ بِنَا ذَاتُ المنَايَا * فَكَمْ مِنْ غَائِبٍ تَحْتَ التُّرَابِ؟ (11/512)
قَالَ الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ يُنْشِدُ:
وَظِيفَتُنَا مائَةٌ لِلْغَرِيـ * ـبِ فِي كُلِّ يَوْمٍ سِوَى مَا يُفَادُ
شَرِيْكِيَّةٌ أَوْ هُشَيْمِيَّةٌ * أَحَادِيْثُ فِقْهٍ قِصَارٌ جِيَادُ
قَالَ: وَأَنشَدَ مَرَّةً - وَقَدْ سَأَلُوْهُ الزِّيَادَةَ -:
لَكُمْ مائَةٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَعُدُّهَا * حَدِيْثاً حَدِيْثاً لاَ أَزِيدُكُم حَرْفَا
وَمَا طَالَ مِنْهَا مِنْ حَدِيْثٍ فَإِنَّنِي * بِهِ طَالِبٌ مِنْكُمْ عَلَى قَدْرِهِ صَرْفَا
فَإِنْ أَقْنَعَتْكُم فَاسْمَعُوهَا سَرِيحَةً * وَإِلاَّ فَجِيْؤُوا مَنْ يُحَدِّثُكُم أَلْفَا
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ خَاقَانَ، قَالَ:
وَجَّهَ بَعْضُ مَشَايِخِ مَرْوَ إِلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ بِسُكَّرٍ وَأَرُزٍّ وَثَوْبٍ، فَرَدَّهُ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ:
جَاءَنِي عَنْكَ مُرْسَلٌ بِكَلاَمِ * فِيْهِ بَعْضُ الإِيحَاشِ وَالإِحْشَامِ
فَتَعَجَّبْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: تَعَالَى * رَبُّنَا، ذِي مِنَ الأُمُورِ العِظَامِ
خَابَ سَعْيِي لَئِنْ شَرَيْتَ خَلاَقِي * بَعْد تِسْعِيْنَ حَجَّةً بِحُطَامِ
أَنَا بِالصَّبْرِ وَاحْتِمَالِي لإِخْوَا * نِي أَرْجُو حُلُولَ دَارِ السَّلاَمِ
وَالَّذِي سُمْتَنِيهِ يُزرِي بِمِثْلِي * عِنْد أَهْلِ العُقُولِ وَالأَحْلاَمِ
قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ البَاشَانِيُّ: فِي يَوْم الأَرْبعَاءِ، مُنْتَصَفَ الشَّهْرِ.
(22/118)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ المُسْتَمْلِي، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ أَبِي الفَضْلِ الهَرَّاسُ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ خُزَيْمَةَ، أَخْبَرَنَا جَدِّي؛ أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ).
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيٍّ، مِثْلَهُ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ المُسْتَمْلِي، وَأَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ الحَافِظُ، وَحُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، وَعُتْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيُّ، وَابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، وَيَعْقُوْبُ بنُ السِّكِّيْتِ، وَمُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى. (11/514)
(22/119)
الطَّبَقَةُ الثَّالِثَةَ عَشَرَ
وَلِجَدِّه مُشَمْرِجِ بنِ خَالِدٍ صُحبَةٌ.
وُلِدَ عَلِيٌّ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَارْتَحَلَ فِي طَلَبِ العِلْمِ إِلَى الآفَاقِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَشَرِيْكٍ القَاضِي، وَهُشَيْمٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَالرَّبِيْعِ بنِ بَدْرٍ السَّعْدِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَالهِقْلِ بنِ زِيَادٍ، وَيَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ المَدِيْنِيِّ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ الحَسَنِ الهِلاَلِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَعَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ، وَقُرَّانَ بنِ تَمَّامٍ، وَمَعْرُوْفٍ الخَيَّاطِ صَاحِبِ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ المُوَقَّرِيِّ، وَالهَيْثَمِ بنِ حُمَيْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَعَتَّابِ بنِ بَشِيْرٍ، وَحَسَّانِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَحَفْصِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَخَلَفِ بنِ خَلِيْفَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيِّ، وَبَقِيَّةَ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
(22/113)
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، وَعَبْدَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الحَكِيْمُ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَوْنٍ النَّسَوِيَّانِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الطُّوْسِيُّ العَنْبَرِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ أبي عمرانَ الإسفرايينيُّ، ومحمدُ بنُ أحمدَ بنِ أبي عَوْنٍ النَّسَائِيُّ ابْنُ عَمِّ المَذْكُوْرِ، وَإِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو رَجَاءَ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيْه المَرْوَزِيُّ المُؤَرِّخُ، وَمُحَمَّدُ بنُ كرَّامٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَاشَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ خَالِدٍ المَرْوَزِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ وَالاَنَ العَدَنِيُّ، وَآخَرُوْنَ. (11/509)
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ: كَانَ يَنْزِلُ بَغْدَادَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى مَرْوَ، فَنَزَلَ قَريَةَ زَرْزَمٍ، وَكَانَ فَاضِلاً، حَافِظاً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَاشَانِيُّ: هُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ بنِ سَعْدٍ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، حَافِظٌ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ يَنْزِلُ بَغْدَادَ قَدِيْماً، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى مَرْوَ، وَاشْتَهَرَ حَدِيْثُه بِهَا.
قَالَ: وَكَانَ صَادِقاً، مُتْقِناً، حَافِظاً.
وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيْه بنِ سَنْجَانَ المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ يَقُوْلُ:
(22/114)
انْصَرَفتُ مِنَ العِرَاقِ وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، فَقُلْتُ: لَوْ بَقِيتُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً أُخْرَى، فَأَروِيَ بَعْضَ مَا جَمَعتُه مِنَ العِلْمِ، وَقَدْ عِشتُ بَعْدُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ أُخْرَى، وَأَنَا أَتَمَنَّى بَعْدَ مَا كُنْتُ أَتَمَنَّى وَقْتَ انْصِرَافِي مِنَ العِرَاقِ.
قُلْتُ: هَذَا عَلَى سَبِيْلِ التَّقْرِيْبِ، وَإِلاَّ فَلَمْ يَبْلُغِ الرَّجُلُ تِسْعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: مَشَايِخُ خُرَاسَانَ ثَلاَثَةٌ: قُتَيْبَةُ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ.
وَرِجَالُهَا أَرْبَعَةٌ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَمَرْقَنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ - قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ مَا ظَهَرَ - وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَأَبُو زُرْعَةَ. (11/510)
قُلْتُ: هَذِهِ دِقَّةٌ مِنَ الأَعْيَنِ، وَالَّذِي ظَهَرَ مِنْ مُحَمَّدٍ أَمرٌ خَفِيْفٌ مِنَ المَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيْهَا الأَئِمَّةُ فِي القَوْلِ فِي القُرْآنِ، وَتُسَمَّى مَسْأَلَةَ أَفْعَالِ التَّالينَ، فَجُمْهُوْرُ الأَئِمَّةِ وَالسَّلَفِ والخلفِ عَلَى أَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ الله، مُنَزَّلٌ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
وَبِهَذَا نَدِيْنُ اللهَ -تَعَالَى- وَبَدَّعُوا مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ، وَذَهَبَتِ الجَهْمِيَّةُ، وَالمُعْتَزِلَةُ، وَالمَأْمُوْنُ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ القَاضِي، وَخَلْقٌ مِنَ المُتَكَلِّمِيْنَ، وَالرَّافِضَةُ إِلَى أَنَّ القُرْآنَ كَلاَمَ اللهِ المُنَزَّلَ مَخْلُوْقٌ، وَقَالُوا: اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَالقُرْآنُ شَيْءٌ.
وَقَالُوا: تَعَالَى اللهُ أَنْ يُوْصَفَ بِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ.
(22/115)
وَجَرَتْ مِحْنَةُ القُرْآنِ، وَعَظُمَ البَلاَءُ، وَضُرِبَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بِالسِّيَاطِ ليَقُوْلَ ذَلِكَ - نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ فِي الدِّيْنِ -.
ثُمَّ نَشَأَتْ طَائِفَةٌ، فَقَالُوا: كَلاَمُ الله -تَعَالَى- مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَلَكِنَّ أَلفَاظَنَا بِهِ مَخْلُوْقَةٌ - يَعْنُوْنَ: تَلَفُّظَهُم وَأَصْوَاتَهُم بِهِ وَكِتَابَتَهُم لَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ - وَهُوَ حُسَيْنٌ الكَرَابِيْسِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَئِمَّةُ الحَدِيْثِ، وَبَالَغَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الحَطِّ عَلَيْهِم، وَثَبَتَ عَنْهُ أَنْ قَالَ: اللَّفظِيَّةُ جَهْمِيَّةٌ.
وَقَالَ: مَنْ قَالَ: لَفظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمَنْ قَالَ: لَفظِي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَهُوَ مُبتَدِعٌ، وَسَدَّ بَابَ الخَوضِ فِي هَذَا.
وَقَالَ أَيْضاً: مَنْ قَالَ: لَفظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، يُرِيْدُ بِهِ القُرْآنَ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: القُرْآنُ مُحْدَثٌ كَدَاوُدَ الظَاهِرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، فَبَدَّعَهُمُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَنكَرَ ذَلِكَ، وثَبَتَ عَلَى الجَزمِ بِأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَأَنَّهُ مِنْ عِلْمِ اللهِ، وَكَفَّر مَنْ قَالَ بِخَلْقِهِ، وَبَدَّعَ مَنْ قَالَ بِحُدُوثِه، وَبَدَّعَ مَنْ قَالَ: لَفظِي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ ولاَ عَنِ السَّلَفِ القَوْلُ: بِأَنَّ القُرْآنَ قَدِيْمٌ.
مَا تَفَوَّهَ أَحَدٌ مِنْهُم بِهَذَا.
فَقَولُنَا: قَدِيْمٌ، مِنَ العِبارَاتِ المُحْدَثَةِ المُبْتَدَعَةِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَنَا: هُوَ مُحْدَثٌ، بِدْعَةٌ. (11/511)
وَأَمَّا البُخَارِيُّ، فَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ الأَذْكِيَاءِ، فَقَالَ:
(22/116)
مَا قُلْتُ: أَلفَاظُنَا بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقَةٌ، وَإِنَّمَا حَرَكَاتُهُم، وَأَصْوَاتُهُم وَأَفْعَالُهُم مَخْلُوْقَةٌ، وَالقُرْآنُ المَسْمُوْعُ المَتْلُوُّ المَلْفُوْظُ المَكْتُوْبُ فِي المَصَاحِفِ كَلاَمُ اللهِ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ كِتَابَ (أَفْعَالِ العِبَادِ) مُجَلَّدٌ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ، وَمَا فَهِمُوا مَرَامَه كَالذُّهْلِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَأَبِي بَكْرٍ الأَعْيَنِ، وَغَيْرِهِم.
ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَقَالَةُ الكُلاَّبِيَّةِ، وَالأَشْعَرِيَّةِ، وَقَالُوا:
القُرْآنُ مَعْنَىً قَائِمٌ بِالنَّفْسِ، وَإِنَّمَا هَذَا المُنَزَّلُ حِكَايَتُه وَعِبَارَتُه ودَالٌّ عَلَيْهِ.
وَقَالُوا: هَذَا المَتْلُوُّ مَعْدُوْدٌ مُتَعَاقِبٌ، وَكَلاَمُ اللهِ -تَعَالَى- لاَ يَجُوْزُ عَلَيْهِ التَّعَاقُبُ، وَلاَ التَّعَدُّدُ، بَلْ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، قَائِمٌ بِالذَّاتِ المُقَدَّسَةِ.
وَاتَّسَعَ المَقَالُ فِي ذَلِكَ، وَلَزِمَ مِنْهُ أُمُورٌ وَأَلوَانٌ، تَرْكُهَا -وَاللهِ- مِنْ حُسْنِ الإِيْمَانِ - وَبِاللهِ نَتَأَيَّدُ -.
وَقَدْ كَانَ عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
كُتِبَ عَنْهُ بِضْعٌ وَسَبْعُوْنَ وَمائَةٌ بِالحَرَمَيْنِ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالجَزِيْرَةِ وَخُرَاسَانَ.
وَلَمْ يَلقَ مَالِكَ بنَ أَنَسٍ، فَاتَهُ هُوَ وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَكَانَ يَسْمَعُ فِي حَيَاتِهِمَا بِالْكُوْفَةِ وَغَيْرِهَا.
وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ مُفِيْدَةٌ، مِنْهَا: كِتَابُ (أَحْكَامِ القُرْآنِ).
قَالَ أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ المُسْتَمْلِي: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أُورْمَةَ الحَافِظُ: كَتَبَ عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِه:
(22/117)
أَحِنُّ إِلَى كِتَابِكَ غَيْرَ أَنِّي * أَجِلُّكَ عَنْ عِتَابٍ فِي كِتَابِ
وَنَحْنُ إِنِ التَقَيْنَا قَبْلَ مَوْتٍ * شَفَيْتُ غَلِيلَ صَدْرِي مِنْ عِتَابِي
وَإِنْ سَبَقَتْ بِنَا ذَاتُ المنَايَا * فَكَمْ مِنْ غَائِبٍ تَحْتَ التُّرَابِ؟ (11/512)
قَالَ الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ يُنْشِدُ:
وَظِيفَتُنَا مائَةٌ لِلْغَرِيـ * ـبِ فِي كُلِّ يَوْمٍ سِوَى مَا يُفَادُ
شَرِيْكِيَّةٌ أَوْ هُشَيْمِيَّةٌ * أَحَادِيْثُ فِقْهٍ قِصَارٌ جِيَادُ
قَالَ: وَأَنشَدَ مَرَّةً - وَقَدْ سَأَلُوْهُ الزِّيَادَةَ -:
لَكُمْ مائَةٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَعُدُّهَا * حَدِيْثاً حَدِيْثاً لاَ أَزِيدُكُم حَرْفَا
وَمَا طَالَ مِنْهَا مِنْ حَدِيْثٍ فَإِنَّنِي * بِهِ طَالِبٌ مِنْكُمْ عَلَى قَدْرِهِ صَرْفَا
فَإِنْ أَقْنَعَتْكُم فَاسْمَعُوهَا سَرِيحَةً * وَإِلاَّ فَجِيْؤُوا مَنْ يُحَدِّثُكُم أَلْفَا
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ خَاقَانَ، قَالَ:
وَجَّهَ بَعْضُ مَشَايِخِ مَرْوَ إِلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ بِسُكَّرٍ وَأَرُزٍّ وَثَوْبٍ، فَرَدَّهُ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ:
جَاءَنِي عَنْكَ مُرْسَلٌ بِكَلاَمِ * فِيْهِ بَعْضُ الإِيحَاشِ وَالإِحْشَامِ
فَتَعَجَّبْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: تَعَالَى * رَبُّنَا، ذِي مِنَ الأُمُورِ العِظَامِ
خَابَ سَعْيِي لَئِنْ شَرَيْتَ خَلاَقِي * بَعْد تِسْعِيْنَ حَجَّةً بِحُطَامِ
أَنَا بِالصَّبْرِ وَاحْتِمَالِي لإِخْوَا * نِي أَرْجُو حُلُولَ دَارِ السَّلاَمِ
وَالَّذِي سُمْتَنِيهِ يُزرِي بِمِثْلِي * عِنْد أَهْلِ العُقُولِ وَالأَحْلاَمِ
قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ البَاشَانِيُّ: فِي يَوْم الأَرْبعَاءِ، مُنْتَصَفَ الشَّهْرِ.
(22/118)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ المُسْتَمْلِي، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ أَبِي الفَضْلِ الهَرَّاسُ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ خُزَيْمَةَ، أَخْبَرَنَا جَدِّي؛ أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ).
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيٍّ، مِثْلَهُ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ المُسْتَمْلِي، وَأَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ الحَافِظُ، وَحُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، وَعُتْبَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيُّ، وَابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، وَيَعْقُوْبُ بنُ السِّكِّيْتِ، وَمُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى. (11/514)
(22/119)
الطَّبَقَةُ الثَّالِثَةَ عَشَرَ
عدد المشاهدات *:
384874
384874
عدد مرات التنزيل *:
0
0
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 13/12/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 13/12/2013