اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الجمعة 19 رمضان 1445 هجرية
????? ?????????????????? ??????? ?? ?????? ? ??????????? ????????? ? ??? ?????? ?????? ? ? ??? ??????? ?? ????? ? ???????? ?????? ? ???????? ????? ?? ????? ????? ? ?? ???????? ??????? ??? ???????? ???? ??? ???? ????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

العلم

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي
المُجَلَّدُ العِشْرُوْنَ
الطَّبَقَةُ الثَّلاَثُوْنَ مِنَ التَّابِعِيْنَ
نُوْرُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ زِنْكِي التُّرْكِيُّ
نُوْرُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ زِنْكِي التُّرْكِيُّ
سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي
صَاحِبُ الشَّامِ، المَلِكُ العَادِلُ، نُوْرُ الدِّيْنِ، نَاصِرُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، تَقِيُّ المُلُوْكِ، لَيْثُ الإِسْلاَمِ، أَبُو القَاسِمِ مَحْمُوْدُ ابنُ الأَتَابَكِ قَسِيمِ الدَّوْلَةِ أَبِي سَعِيْدٍ زِنْكِي ابنِ الأَمِيْرِ الكَبِيْرِ آقْسُنْقُرَ التُّرْكِيُّ، السّلطَانِيُّ، المَلِكْشَاهِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي شَوَّالٍ، سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَلِي جدُّه نِيَابَةَ حَلَبَ لِلسُّلْطَانِ مَلِكْشَاه بنِ أَلب آرسلاَن السَّلْجُوْقِيِّ.
وَنَشَأَ قسيمُ الدَّوْلَة بِالعِرَاقِ، وَنَدبَهُ السُّلْطَانُ مَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه بِإِشَارَةِ المُسْتَرشِدِ لإِمْرَةِ المَوْصِلِ وَدِيَارِ بَكْرٍ وَالبِلاَدِ الشَّامِيّةِ، وَظَهَرَتْ شَهَامتُهُ وَهَيبَتُهُ وَشَجَاعَتُه، وَنَازَلَ دِمَشْقَ، وَاتَّسَعَتْ مَمَالِكُهُ، فَقُتِلَ عَلَى حِصَارِ جَعْبَرَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ، فَتَمَلَّكَ ابْنُه نُوْر الدِّيْنِ هَذَا حلبَ، وَابْنُه الآخِر المَوْصِلَ. (20/532)
وَكَانَ نُوْر الدِّيْنِ حَامِل رَايَتَيِ العَدْل وَالجِهَاد، قلَّ أَنْ تَرَى العُيُونُ مِثْلَه، حَاصرَ دِمَشْق، ثُمَّ تَمَلَّكَهَا، وَبَقِيَ بِهَا عِشْرِيْنَ سَنَةً.
افتَتَح أَوَّلاً حُصُوْناً كَثِيْرَة، وَفَامِيَةَ، وَالرَّاوندَانَ، وَقَلْعَةَ إِلبِيْرَةَ، وَعزَازَ، وَتلَّ بَاشرَ، وَمَرْعَشَ، وَعَيْنَ تَابَ، وَهَزَمَ البُرْنُسَ صَاحِبَ أَنطَاكيَة، وَقتلَهُ فِي ثَلاَثَة آلاَفٍ مِنَ الفِرَنْجِ، وَأَظهرَ السُّنَّةَ بِحَلَبَ، وَقمعَ الرَّافِضَّةَ.
(40/54)

وَبَنَى المَدَارِسَ بِحَلَبَ وَحِمْصَ وَدِمَشْقَ وَبَعْلَبَكَّ وَالجَوَامِعَ وَالمَسَاجِدَ، وَسُلِّمت إِلَيْهِ دِمَشْقُ لِلْغلاَءِ وَالخوف، فَحَصَّنهَا، وَوسَّع أَسواقهَا، وَأَنشَأَ المَارستَان وَدَار الحَدِيْث وَالمدَارس وَمَسَاجِدَ عِدَّةً، وَأَبطل المُكُوْس مِنْ دَار بطيخ وَسُوْقِ الغنمِ وَالكيَالَة وَضمَان النَّهْرِ وَالخَمْر، ثُمَّ أَخَذَ مِنَ العَدُوّ بَانِيَاسَ وَالمُنَيْطِرَةَ، وَكسر الفِرَنْجَ مَرَّات، وَدوَّخهُم، وَأَذَلَهَّم.
وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، وَافر الهَيْبَة، حسن الرَّمْي، مليح الشّكل، ذَا تَعبُّد وَخوف وَورعٍ، وَكَانَ يَتعرَّضُ لِلشَّهَادَة، سَمِعَهُ كَاتِبه أَبُو اليُسْرِ يَسْأَل الله أَنْ يَحشُرَهُ مِنْ بُطُوْنِ السِّبَاعِ وَحَوَاصِل الطَّير.
وَبَنَى دَار العَدْل، وَأَنْصَفَ الرَّعِيَّة، وَوَقَفَ عَلَى الضُّعَفَاء وَالأَيْتَام وَالمُجَاوِرِيْنَ، وَأَمر بِتكمِيْل سُور المَدِيْنَة النَّبَوِيَّة، وَاسْتخرَاجِ العينِ بِأُحُد دَفَنهَا السَّيْل، وَفتح درب الحِجَاز، وَعَمَّر الخوَانق وَالرُّبط وَالجسور وَالخَانَات بِدِمَشْقَ وَغَيْرهَا، وَكَذَا فَعلَ إِذْ ملك حَرَّانَ وَسِنْجَارَ وَالرُّهَا وَالرَّقَّة وَمَنْبِجَ وَشَيْزَر وَحِمْص وَحَمَاة وَصَرْخَد وَبَعْلَبَكَّ وَتَدمُرَ.
وَوَقَفَ كُتباً كَثِيْرَةً مُثَمَّنَة، وَكسر الفِرَنْج وَالأَرمنَ عَلَى حَارم وَكَانُوا ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، فَقَلَّ مَنْ نَجَا، وَعَلَى بَانِيَاس. (20/533)
(40/55)

وَكَانَتِ الفِرَنْج قَدِ اسْتضرَّت عَلَى دِمَشْقَ، وَجَعَلُوا عَلَيْهَا قطيعَةً، وَأتَاهُ أَمِيْر الجُيُوْش شَاور مُسْتجيراً بِهِ، فَأَكْرَمَه، وَبَعَثَ مَعَهُ جَيْشاً لِيَرُدَّ إِلَى منصبِهِ، فَانْتصرَ، لَكنه تَخَابثَ وَتلاَءم، ثُمَّ اسْتنجَدَ بِالفِرَنْجِ، ثُمَّ جَهَّز نُوْرُ الدِّيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ- جَيْشاً لَجِباً مَعَ نَائِبِهِ أَسَدِ الدِّيْنِ شِيرْكُوْه، فَافْتَتَحَ مِصْرَ، وَقهرَ دَوْلَتهَا الرَّافضيَة، وَهربت مِنْهُ الفِرَنْج، وَقُتِلَ شَاور، وَصَفَتِ الدِّيَار المِصْرِيَّة لِشِيرْكُوْه نَائِب نُوْر الدِّيْنِ، ثُمَّ لِصَلاَح الدِّيْنِ، فَأَبَاد العُبَيْدِيِّيْنَ، وَاسْتَأْصَلَهُم، وَأَقَامَ الدعوَة العَبَّاسِيَّة.
وَكَانَ نُوْر الدِّيْنِ مَلِيْح الخَطِّ، كَثِيْر المُطَالَعَة، يُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ، وَيَصُوْم، وَيَتلو، وَيُسَبِّح، وَيَتحرَّى فِي القُوْت، وَيَتجنَّب الكِبْر، وَيَتَشَبَّه بِالعُلَمَاءِ وَالأَخيَار.
ذكر هَذَا وَنَحْوَهُ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، ثُمَّ قَالَ:
رَوَى الحَدِيْثَ، وَأَسْمَعَهُ بِالإِجَازَةِ، وَكَانَ مَنْ رَآهُ شَاهَد مِنْ جَلاَلِ السَّلطَنَةِ وَهَيْبَةِ المُلْكِ مَا يَبْهَرُهُ، فَإِذَا فَاوضه، رَأَى مِنْ لَطَافته وَتوَاضعه مَا يُحَيِّرُه.
حَكَى مَنْ صَحِبَه حَضَراً وَسفراً أَنَّهُ مَا سَمِعَ مِنْهُ كلمَة فُحشٍ فِي رِضَاهُ وَلاَ فِي ضَجَرِه، وَكَانَ يُوَاخِي الصَّالِحِيْنَ، وَيزُورهُم، وَإِذَا احْتَلَم مَمَالِيْكُه أَعتَقَهُم، وَزَوَّجَهُم بِجَوَارِيه، وَمتَى تَشَكَّوْا مِنْ وُلاَتِهِ عَزَلَهُم، وَغَالِبُ مَا تَمَلَّكَه مِنَ البُلْدَانِ تَسَلَّمه بِالأَمَانِ، وَكَانَ كُلَّمَا أَخَذَ مدينَةً، أَسقطَ عَنْ رَعِيَّتِهِ قِسطاً. (20/534)
(40/56)

وَقَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ: جَاهدَ، وَانتزعَ مِنَ الكُفَّارِ نَيِّفاً وَخَمْسِيْنَ مَدِينَةً وَحِصناً، وَبَنَى بِالمَوْصِلِ جَامِعاً غَرِمَ عَلَيْهِ سَبْعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَتَرَكَ المُكُوسَ قَبْل مَوْتِه، وَبَعَثَ جُنُوْداً فَتَحُوا مِصْرَ، وَكَانَ يَمِيْلُ إِلَى التَّوَاضُعِ وَحُبِّ العُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ، وَكَاتَبَنِي مِرَاراً، وَعَزَمَ عَلَى فَتْحِ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَتُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانَ نُوْرُ الدِّيْنِ لَمْ يَنشفْ لَهُ لِبدٌ مِنَ الجِهَاد، وَكَانَ يَأْكُل مِنْ عَمل يَده، يَنسخ تَارَة، وَيَعْمَل أَغلاَفاً تَارَة، وَيَلْبَس الصُّوف، وَيُلاَزم السجَّادَة وَالمُصْحَف، وَكَانَ حنفِياً، يُرَاعِي مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَالِك، وَكَانَ ابْنُهُ الصَّالِح إِسْمَاعِيْل أَحْسَنَ أَهْل زَمَانِهِ.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: ضُربت السِّكَّة وَالخطبَة لنُوْر الدِّيْنِ بِمِصْرَ، وَكَانَ زَاهِداً، عَابِداً، متمسِّكاً بِالشَّرع، مُجَاهِداً، كَثِيْر البِرِّ وَالأَوقَافِ، لَهُ مِنَ المَنَاقِب مَا يَسْتَغرقُ الوَصْفَ.
تُوُفِّيَ: فِي حَادِي عَشَرِ شَوَّالٍ، بِقَلْعَةِ دِمَشْقَ، بِالخَوَانِيْقِ، وَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِالفصدِ، فَامْتَنَعَ، وَكَانَ مَهِيْباً فَمَا رُوجِعَ، وَكَانَ أَسْمَرَ، طَوِيْلاً، حَسنَ الصُّوْرَة، لَيْسَ بِوجهِهِ شَعرٌ سِوَى حَنَكِهِ، وَعهد بِالملك إِلَى ابْنِهِ وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً.
(40/57)

وَقَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: كَانَ أَسْمَر، لَهُ لِحيَة فِي حنكه، وَكَانَ وَاسِع الجبهَة، حسن الصُّوْرَة، حلو العينِيْنَ، طَالعتُ السِّيَر، فَلَمْ أَرَ فِيْهَا بَعْد الخُلَفَاء الرَّاشدين وَعُمَر بن عَبْدِ العَزِيْزِ أَحْسَنَ مِنْ سِيرته، وَلاَ أَكْثَر تَحرِّياً مِنْهُ لِلْعدل، وَكَانَ لاَ يَأْكُل وَلاَ يَلبس وَلاَ يَتصرف إِلاَّ مِنْ ملك لَهُ قَدِ اشترَاهُ مِنْ سهمه مِنَ الغَنِيْمَة، لَقَدْ طلبت زوجته مِنْهُ، فَأَعْطَاهَا ثَلاَثَة دَكَاكِيْنَ، فَاسْتقلَّتْهَا، فَقَالَ: لَيْسَ لِي إِلاَّ هَذَا، وَجَمِيْع مَا بِيدِي أَنَا فِيْهِ خَازنٌ لِلمُسْلِمِيْنَ.
وَكَانَ يَتهجَّد كَثِيْراً، وَكَانَ عَارِفاً بِمَذْهَب أَبِي حَنِيْفَةَ، لَمْ يَتركْ فِي بِلاَدِه عَلَى سَعَتهَا مُكساً، وَسَمِعْتُ أَن حَاصل أَوقَافه فِي البِرِّ فِي كُلِّ شَهْر تِسْعَةُ آلاَف دِيْنَارٍ صُوْرِيَّةٍ. (20/535)
قَالَ لَهُ القطب النَّيْسَابُوْرِيّ: بِاللهِ لاَ تُخَاطر بِنَفْسِك، فَإِنْ أُصبتَ فِي مَعْرَكَة لاَ يَبْقَى لِلمُسْلِمِيْنَ أَحَدٌ إِلاَّ أَخَذَهُ السَّيْف، فَقَالَ: وَمَنْ مَحْمُوْدٌ حَتَّى يُقَالَ هَذَا؟! حَفِظ الله البِلاَدَ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ.
قُلْتُ: كَانَ دَيِّناً، تَقِيّاً، لاَ يَرَى بذلَ الأَمْوَال إِلاَّ فِي نَفع، وَمَا لِلشُّعَرَاء عِنْدَهُ نَفَاق، وَفِيْهِ يَقُوْلُ أُسَامَةُ:
سُلْطَانُنَا زَاهِد وَالنَّاس قَدْ زَهِدُوا*لَهُ فُكُلٌّ عَلَى الخيرَات مُنْكَمِشُ
أَيَّامُه مِثْلُ شَهْر الصَّوْم طَاهِرَةٌ*مِنَ المَعَاصِي وَفِيْهَا الجوع وَالعطشُ
(40/58)

قَالَ مَجْد الدِّيْنِ ابْن الأَثِيْرِ فِي نَقل سِبْط الجَوْزِيّ عَنْهُ: لَمْ يَلبس نُوْر الدِّيْنِ حَرِيْراً وَلاَ ذهباً، وَمَنَع مِنْ بيع الخَمْر فِي بِلاَده - قُلْتُ: قَدْ لبس خِلْعَة الخَلِيْفَة وَالطّوق الذَّهَبِ - قَالَ: وَكَانَ كَثِيْرَ الصَّوْم، وَلَهُ أَورَاد فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَيُكثر اللعب بِالكُرَة، فَأَنْكَر عَلَيْهِ فَقير، فَكتب إِلَيْهِ: وَاللهِ مَا أَقصدُ اللعبَ، وَإِنَّمَا نَحْنُ فِي ثَغرٍ، فَرُبَّمَا وَقَعَ الصوت، فَتكُوْنُ الخَيلُ قَدْ أَدمَنَتْ عَلَى الانعطَافِ وَالكَرِّ وَالفَرِّ.
وَأُهدِيَتْ لَهُ عِمَامَةٌ مِنْ مِصْرَ مُذَهَّبَةٌ، فَأَعْطَاهَا لابْنِ حَمُّوَيْه شَيْخِ الصُّوْفِيَّةِ، فَبِيعتْ بِأَلفِ دِيْنَارٍ. (20/536)
قَالَ: وَجَاءهُ رَجُل طلبه إِلَى الشَّرع، فَجَاءَ مَعَهُ إِلَى مَجْلِس كَمَال الدِّيْنِ الشَّهْرُزُوْرِيّ، وَتَقدمه الحَاجِب يَقُوْلُ للقَاضِي: قَدْ قَالَ لَكَ: اسلك مَعَهُ مَا تَسلكُ مَعَ آحَادِ النَّاسِ.
فَلَمَّا حَضَر سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ خصمه، وَتَحَاكمَا، فَلَمْ يثبتْ لِلرَّجُلِ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَكَانَ مِلْكاً، ثُمَّ قَالَ السُّلْطَانُ: فَاشْهَدُوا أَنِّي قَدْ وَهَبْتُهُ لَهُ.
وَكَانَ يَقعد فِي دَارِ العَدْل فِي الجُمُعَة أَرْبَعَة أَيَّام، وَيَأْمر بِإِزَالَة الحَاجِب وَالبوَّابين، وَإِذَا حَضَرت الحَرْب، شدَّ قَوسَينِ وَتَرْكَاشَيْنِ، وَكَانَ لاَ يَكِلُ الجُنْدَ إِلَى الأُمَرَاءِ، بَلْ يُباشر عدَدَهُم وَخُيُولَهُم، وَأَسَرَ إِفرنجياً، فَافْتكَّ نَفْسه مِنْهُ بِثَلاَثِ مائَةِ أَلْف دِيْنَار، فَعند وُصُوْلِهِ إِلَى مَأْمنه مَاتَ، فَبنَى بِالمَالِ المَارستَانَ وَالمَدْرَسَةَ.
(40/59)

قَالَ العِمَادُ فِي (البَرْقِ الشَّامِيِّ): أَكْثَر نُوْر الدِّيْنِ عَام مَوْته مِنَ البِرّ وَالأَوقَاف وَعمَارَة المَسَاجِد، وَأَسقط مَا فِيْهِ حَرَام، فَمَا أَبقَى سِوَى الجِزْيَة وَالخَرَاج وَالعُشر، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى جَمِيْع البِلاَد، فَكَتَبتُ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلف مَنْشُوْر.
قَالَ: وَكَانَ لَهُ بِرَسْمِ نَفَقَةٍ خَاصَّةٍ فِي الشَّهْرِ مِنَ الجِزْيَةِ مَا يَبلُغُ أَلْفَي قِرْطَاسٍ يَصْرِفُهَا فِي كسوتِهِ وَمَأْكُوله وَأُجْرَةِ طَبَّاخِهِ وَخَيَّاطِهِ كُلّ سِتِّيْنَ قِرْطَاساً بِدِيْنَارٍ. (20/537)
قَالَ سِبْط الجَوْزِيّ: كَانَ لَهُ عجَائِزُ، فَكَانَ يَخِيطُ الكوَافِي، وَيَعْمَلُ السَّكَاكِرَ، فَيَبِعْنهَا لَهُ سرّاً، وَيُفْطِر عَلَى ثمنهَا.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: كَانَ مِنْ أَقوَى النَّاس قَلْباً وَبدناً، لَمْ يُرَ عَلَى ظهر فَرَس أَحَد أَشدَّ مِنْهُ، كَأَنَّمَا خلق عَلَيْهِ لاَ يَتحرك، وَكَانَ مِنْ أَحْسَن النَّاس لعباً بِالكرَة، يَجرِي الفرسُ وَيَخطِفهَا مِنَ الهوَاء، وَيَرمِيهَا بِيَدِهِ إِلَى آخِر المَيْدَان، وَيُمْسِك الجُوْكَانَ بِكُمِّه تَهَاوُناً بِأَمره، وَكَانَ يَقُوْلُ: طَالمَا تَعرضتُ لِلشَّهَادَة، فَلَمْ أُدْرِكْهَا.
(40/60)

قُلْتُ: قَدْ أَدْركهَا عَلَى فِرَاشه، وَعَلَى أَلسَنَة النَّاس: نُوْر الدِّيْنِ الشَّهِيْد، وَالَّذِي أَسقط مِنَ المُكُوْس فِي بِلاَده ذكرتُه فِي (تَارِيْخِنَا الكَبِيْر) مفصَّلاً، وَمَبْلَغُه فِي العَامِ خَمْسُ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَسِتَّةٌ وَثَمَانُوْنَ أَلفَ دِيْنَارٍ، وَأَرْبَعَة وَسَبْعُوْنَ دِيْنَاراً مِنْ نَقد الشَّام، مِنْهَا عَلَى الرّحبَة سِتَّةَ عَشَرَ أَلفَ دِيْنَار، وَعَلَى دِمَشْقَ خَمْسُوْنَ أَلْفاً وَسَبْعُ مائَةٍ وَنَيِّف، وَعَلَى المَوْصِل ثَمَانِيَة وَثَلاَثُوْنَ أَلْفَ دِيْنَار، وَعَلَى جَعْبَر سَبْعَة آلاَف دِيْنَار وَنَيِّف، وَفِي الكِتَابِ: فَأَيقنُوا أَنَّ ذَلِكَ إِنعَام مُسْتمر عَلَى الدّهور، باقٍ إِلَى يَوْم النُّشُوْر، فَـ {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُم وَاشْكُرُوا لَهُ، بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُوْر} [سَبَأُ: 15]، {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ، فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِيْنَ يُبَدِّلُوْنَهُ} [البَقَرَةُ: 181].
وَكَتَبَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. (20/538)
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: حَكَى لِي نَجْمُ الدِّيْنِ بنُ سَلاَّمٍ عَنْ وَالِدِه:
أَنَّ الفِرَنْجَ لَمَّا نَزلَتْ عَلَى دِمْيَاطَ، مَا زَال نُوْرُ الدِّيْنِ عِشْرِيْنَ يَوْماً يَصُوْمُ، وَلاَ يُفْطِرُ إِلاَّ عَلَى المَاءِ، فَضَعُفَ وَكَادَ يَتلَفُ، وَكَانَ مَهِيْباً، مَا يَجسُرُ أَحَدٌ يُخَاطِبَه فِي ذَلِكَ.
فَقَالَ إِمَامُه يَحْيَى: إِنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ يَقُوْلُ: يَا يَحْيَى، بَشِّرْ نُوْرَ الدِّيْنِ بِرَحِيْلِ الفِرَنْجِ عَنْ دِمْيَاطَ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! رُبَّمَا لاَ يُصدِّقُنِي.
فَقَالَ: قُلْ لَهُ: بِعَلاَمَةِ يَوْمِ حَارِمَ.
(40/61)

وَانتَبَهَ يَحْيَى، فَلَمَّا صَلَّى نُوْرُ الدِّيْنِ الصُّبْحَ، وَشَرَعَ يَدْعُو، هَابَهُ يَحْيَى، فَقَالَ لَهُ: يَا يَحْيَى، تُحَدِّثُنِي أَوْ أُحَدِّثُكَ؟
فَارْتَعَدَ يَحْيَى، وَخَرسَ، فَقَالَ: أَنَا أُحَدِّثُكَ، رَأَيْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذِهِ اللَّيْلَةَ، وَقَالَ لَكَ كَذَا وَكَذَا.
قَالَ: نَعَمْ، فَبِاللهِ يَا مَوْلاَنَا، مَا مَعْنَى قَوْلِه بِعَلاَمَةِ يَوْمِ حَارِمَ؟
فَقَالَ: لَمَّا التَقَينَا العَدُوَّ، خِفْتُ عَلَى الإِسْلاَمِ، فَانْفرَدْتُ، وَنَزَلْتُ، وَمَرَّغْتُ وَجْهِي عَلَى التُّرَابِ، وَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي مَنْ مَحْمُوْدٌ فِي البين، الدِّيْنُ دِيْنُكَ، وَالجُنْدُ جُنْدُكَ، وَهَذَا اليَوْمَ افْعَلْ مَا يَلِيْقُ بِكَرَمِكَ.
قَالَ: فَنَصَرَنَا اللهُ عَلَيْهِم.
وَحَكَى لِي تَاج الدِّيْنِ، قَالَ: مَا تَبسَّم نُوْر الدِّيْنِ إِلاَّ نَادراً، حَكَى لِي جَمَاعَة مِنَ المُحَدِّثِيْنَ أَنَّهُم قَرَؤُوا عَلَيْهِ حَدِيْث التَّبَسُّمِ، فَقَالُوا لَهُ: تَبسَّمْ.
قَالَ: لاَ أَبتسمُ مِنْ غَيْرِ عجب.
قُلْتُ: الخَبَر لَيْسَ بصَحِيْح، وَلَكِنَّ التَّبَسُّم مُسْتَحَبٌّ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيْكَ صَدَقَةٌ).
وَقَالَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ: مَا حَجَبنِي رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ أَسلمتُ، وَلاَ رَآنِي إِلاَّ تَبسَّم. (20/539)
وَقَبْرُ نُوْر الدِّيْنِ بِتُربته عِنْد بَابِ الخَوَّاصينَ يُزَار.
وَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ الملك الصَّالِحُ أَشْهُراً، وَسلَّم دِمَشْق إِلَى السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ، وَتَحَوَّلَ إِلَى حَلَبَ، فَدَامَ صَاحِبُهَا تِسْع سِنِيْنَ، وَمَاتَ بِالقُوْلَنْجِ، وَلَهُ عِشْرُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ شَابّاً دَيِّناً -رَحِمَهُ اللهُ-.
(40/62)




عدد المشاهدات *:
266071
عدد مرات التنزيل *:
0
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 15/12/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 15/12/2013

سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي

روابط تنزيل : نُوْرُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ زِنْكِي التُّرْكِيُّ
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  نُوْرُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ زِنْكِي التُّرْكِيُّ لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي


@designer
1