اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الجمعة 18 شوال 1445 هجرية
???? ??????????? ???????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????????? ??????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

أمرنا

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
الكتب العلمية
علوم الحديث
زاد المعاد في هدي خير العباد
المجلد الثاني
فصل في سعيه صلى الله عليه و سلم بين الصفا و المروة
الكتب العلمية
وقال ابن حزم: وطاف صلى اللَّه عليه وسلم بين الصفا والمروة أيضاً سبعاً، راكباً على بعيره يَخُبُّ ثلاثاً، ويمشى أربعاً، وهذا مِن أوهامه وغلطه رحمه اللَّه، فإن أحداً لم يقُلْ هذا قطُّ غيره، ولا رواه أحد عن النبى صلى الله عليه وسلم البتة. وهذا إنما هو فى الطواف بالبيت، فغلِط أبو محمد، ونقله إلى الطواف بين الصفا والمروة. وأعجبُ من ذلك، استدلالُه عليه بما رواه من طريق البخارى، عن ابن عمر، ((أن النبى صلى الله عليه وسلم طافَ حينَ قَدِم مكة، واستلم الركنَ أوَّل شئ، ثم خَبَّ ثلاثةَ أطواف، ومشى أربعاً، فركع حين قَضَى طوافَه بالبيت، وصلَّى عند المَقَام رَكعتين، ثم سلَّم فانصرف، فأتى الصَّفا، فطاف بالصَّفا والمروةِ سبعة أشواط...)) وذكر باقى الحديث. قال: ولم نجد عدد الرَّمَل بين الصَّفا والمروة منصوصاً، ولكنه متفق عليه. هذا لفظه.
قلت: المتفقُ عليه: السعىُ فى بطن الوادى فى الأشواط كلِّها. وأما الرَّمَلُ فى الثلاثة الأُوَل خاصَّة، فلم يقُله، ولا نقله فيما نعلمُ غيرُه. وسألت شيخنا عنه، فقال: هذا مِن أغلاطه، وهو لم يحجَّ رحمه اللَّه تعالى.
ويشبه هذا الغلطَ، غلطُ مَن قال: إنه سعى أربَع عشرةَ مرة، وكان يحتسِبُ بذهابه ورجوعِه مرة واحدة. وهذا غلط عليه صلى اللَّه عليه وسلم، لم ينقله عنه أحد، ولا قاله أحدٌ من الأئمة الذين اشتهرت أقوالُهم، وإن ذهب إليه بعضُ المتأخرين من المنتسبين إلى الأئمة. ومما يبين بُطلان هذا القول، أنه صلى الله عليه وسلم لا خلاف عنه، أنه ختم سعيه بالمروة، ولو كان الذهابُ والرجوعُ مرة واحدة، لكان ختمُه إنما يقع على الصَّفا.
وكان صلى اللَّه عليه وسلم إذا وصل إلى المروة، رَقِىَ عليها، واستقبل البيتَ، وكبَّر اللَّهَ ووحَّده، وفعل كما فعل على الصَّفا، فلما أكمل سعيه عند المروة، أمرَ كُلَّ مَن لا هَدْى معه أن يَحِلَّ حتماً ولا بُدَّ، قارناً كان أو مفرداً، وأمرهم أن يَحِلُّوا الحِلَّ كُلَّهُ مِن وَطْءِ النِّساء، والطِّيب، ولُبس المخيط، وأن يبقوا كذلك إلى يوم التَّرْوِيَةِ، ولم يَحِلَّ هو مِن أجلِ هَدْيه. وهناك قال: ((لو اسْتَقْبَلْتُ من أَمْرى ما اسْتَدْبَرْتُ لما سُقْتُ الهَدْىَ، وَلَجعَلْتُها عُمْرَةً)).
وقد روى أنه أحلَّ هو أيضاً، وهو غلط قطعاً، قد بينَّاه فيما تقدم.
وهُناك دعا للمحلِّقين بالمغفرة ثلاثاً، وللمقصِّرين مرة. وهناك سأله سراقةُ بن مالك بن جُعْشُم عقيبَ أمره لهم بالفسخ والإحلال: هل ذلك لِعامِهم خاصة، أم للأبد؟ فقال: ((بَلْ لِلأبد)). ولم يَحِلَّ أبو بكر، ولا عُمر، ولا علىٌّ، ولا طلحةُ، ولا الزبيرُ من أجل الهَدْى.
وأما نساؤه صلى اللَّه عليه وسلم، فأحللن، وكُنَّ قارنات، إلا عائشة فإنها لم تَحِلَّ من أجل تعذُّرِ الحل عليها لحيضها، وفاطمة حلَّت، لأنها لم يكن معها هَدْى، وعلىّ رضى اللَّه عنه لم يَحِلَّ مِن أجل هَدْيه، وأمر صلى الله عليه وسلم مَن أهل بإهلالِ كإهلاله أن يُقيم على إحرامه إن كان معه هَدْى، وأن يَحِلَّ إن لم يكن معه هَدْى.
وكان يُصلِّى مدة مُقَامه بمكة إلى يوم التروية بمنزله الذى هو نازِل فيه بالمسلمين بظَاهِر مكَّة، فأقام بظاهرمكة أربعةَ أيَّام يَقْصُرُ الصَّلاة يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، فلما كان يومُ الخميس ضُحىً، توجَّه بمن معه مِن المسلمين إلى مِنَى، فأحرم بالحجِّ مَنْ كان أحلَّ منهم مِن رحالهم، ولم يدخُلُوا إلى المسجد، فأحرمُوا منه، بل أحرمُوا ومكةُ خلفَ ظهورهم، فلما وصل إلى مِنَى، نزل بها، وصلَّى بها الظهرَ والعصرَ، وبات بها، وكان ليلةَ الجمعة، فلما طلعتِ الشمسُ، سار منها إلى عرفة، وأخذ على طريق ضبٍّ على يمين طريق النَّاس اليوم، وكان مِن أصحابه الملبِّى، ومنهم المُكبِّرُ، وهو يسمَعُ ذلك ولا يُنْكِرُ على هؤلاء ولا على هؤلاء، فوجد القُبَّة قد ضُرِبَتْ له بِنَمِرَة بأمره، وهى قرية شرقى عرفات، وهى خرابٌ اليوم، فنزل بها، حتى إذا زالت الشمسُ، أمر بناقته القَصواء فَرُحِلتْ، ثم سار حتى أتى بَطن الوادى من أرض عُرَنَةَ.
فخطب النَّاسَ وهو على راحِلته خُطبة عظيمة قرَّرَ فيها قواعِد الإسلام، وهَدَمَ فيها قواعِدَ الشِّرْكِ والجاهلية، وقرَّر فيها تحريمَ المحرَّمات التى اتفقت المِللُ على تحريمها، وهى الدِّماءُ، والأموالُ، والأعراض، ووضع فيها أُمورَ الجاهلية تحتَ قدميه، ووضع فيها ربا الجاهلية كُلَّه وأبطله، وأوصاهم بالنساء خيراً، وذكر الحقَّ الذى لهن والذى عليهن، وأن الواجبَ لهن الرزقُ والكِسوةُ بالمعروف، ولم يُقدِّر ذلك بتقدير، وأباح للأزواج ضربَهن إذا أَدْخَلْن إلى بيوتهن مَنْ يكرهه أزواجُهن، وأوصى الأُمَّة فيها بالاعتصام بكتاب اللَّه، وأخبر أنهم لن يَضِلِّوا ما داموا معتصمين به، ثم أخبرهم أنهم مسؤولون عنه، واستنطقهم: بماذا يقولُون، وبماذا يشهدون، فقالوا: نشهد أنك قد بَلَّغَت وأَدَّيْتَ ونَصَحْتَ، فرفع أُصبعه إلى السماء، واستشهد اللَّهَ عليهم ثلاثَ مرات، وأمرهم أن يُبَلِّغ شاهدُهم غائبَهم.
قال ابن حزم: وأرسلت إليه أمُّ الفضل بنت الحارث الهِلالية وهى أمُّ عبد اللَّه بن عباس، بقدح لبن، فشربه أمامَ النَّاس وهو على بعيره فلما أتم الخُطبة، أمر بلالاً فأقام الصلاة، وهذا من وهمه رحمه اللَّه، فإن قِصة شربه اللبن، إنما كانت بعد هذا حين سار إلى عرفة ووقف بها، هكذا جاء فى ((الصحيحين)) مصرَّحاً به عن ميمونة: ((أن الناسَ شَكُّوا فى صِيام النبى صلى الله عليه وسلم يومَ عرفة، فأرسلت إليه بحِلاب وهو واقِف فى الموقف، فشرِب منه والناسُ ينظرون)). وفى لفظ: ((وهو واقف بعرفة)).
وموضعُ خُطبته لم يكن من الموقف، فإنه خطب بِعُرَنَة، وليست من الموقف، وهو صلى الله عليه وسلم نزَل بِنَمِرَةَ، وخطب بِعُرَنَة، ووقف بِعَرفَة، وخطب خُطبة واحدة، ولم تكن خطبتين، جلس بينهما، فلما أتمها، أمَرَ بلالاً فأذَّن، ثم أقام الصلاة، فصلَّى الظهر ركعتين أسرَّ فيهما بالقراءة، وكان يومَ الجمعة، فدل على أن المسافِر لا يُصلِّى جمعة، ثم أقام فصلَّى العصر ركعتين أيضاً ومعه أهل مكة، وصلُّوْا بصَلاتِه قصراً وجمعاً بلا ريب، ولم يأمرهم بالإتمام، ولا بترك الجمع، ومَن قال: إنه قال لهم: ((أتِمُّوا صَلاتَكُم فإنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ))، فقد غلط فيه غلطاً بيِّناً، ووهم وهما قبيحاً. وإنما قال لهم ذلك فى غزاة الفتح بجوف مكة، حيث كانوا فى ديارهم مقيمين.
ولهذا كان أصحَّ أقوالِ العلماء: أن أهل مَكّة يَقْصُرُون ويجمعون بعرفة، كما فعلُوا مع النبى صلى الله عليه وسلم، وفى هذا أوضحُ دليل، على أن سفر القصر لا يتحدَّدُ بمسافةٍ معلومة، ولا بأيام معلومة، ولا تأثير للنُّسُكِ فى قصر الصلاة البتة، وإنما التأثيرُ لما جعله اللَّه سبباً وهو السفرُ ، هذا مقتضى السنة ، ولا وجه لما ذهب إليه المحددون.
فلما فرغ من صلاته، ركب حتى أتى الموقفَ، فوقف فى ذيل الجبل عند الصَّخَراتِ، واستقبل القِبْلة، وجعل حَبْلَ المُشاة بين يديه، وكان على بعيره، فأخذَ فى الدُّعاء والتضرُّع والابتهال إلى غروب الشمس، وأمر النَّاس أن يرفعُوا عن بطن عُرَنَةَ، وأخبر أن عرفة لا تختص بموقفه ذلك، بل قال: ((وقَفْتُ هاهنا وعَرَفَةُ كُلُّها مَوْقِفٌ)).
وأرسل إلى الناس أن يكونوا على مشاعرهم، ويقفوا بها، فإنها مِن إرث أبيهم إبراهيم وهنالك أقبل ناسٌ من أهل نَجْدٍ، فسألوه عن الحجِّ، فقال: ((الحَجُّ عَرَفَةُ، مَن جَاء قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، تَمَّ حَجُّهُ، أيَّامُ مِنَى ثَلاثَةٌ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فى يَوْمَيْن، فلا إثْمَ عَلَيْهِ، ومَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عليه)).
وكان فى دعائه رافعاً يديه إلى صدره كاستطعام المسكين، وأخبرهم أنَّ خَيْرَ الدُّعَاء دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ.
وذكر من دعائه صلى الله عليه وسلم فى الموقف: ((اللَّهُمَ لَكَ الحَمْدُ كالَّذِى نَقُولُ، وخَيْراً مِمَّا نقُولُ، اللَّهُمَّ لَكَ صَلاتى وَنُسُكى، ومَحْيَاىَ، ومَمَاتِى، وَإليكَ مَآبى، ولَكَ ربِّى تُراثى، اللَّهُمَّ إنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَوَسْوَسَةِ الصَّدْرِ، وَشَتاتِ الأمْرِ، اللَّهُمَّ إنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تِجِئ به الرِّيحُ)) ذكره الترمذى.
ومما ذُكِرَ مِن دُعائه هناك: ((اللَّهُمَّ تَسْمَعُ كَلامى، وتَرَى مَكَانى، وتَعْلَمُ سرِّى وعَلانيتى، لا يخفى علَيْكَ شَئٌ مِنْ أَمْرى، أَنا البَائسُ الفَقيرُ، المُسْتَغِيثُ المُسْتَجيرُ، وَالوَجلُ المُشفِقُ، المقِرُّ المعترِفُ بِذُنُوبى، أَسْأَلكَ مَسْألةَ المِسْكين، وأبْتَهِلُ إليْكَ ابْتهالَ المُذْنِبِ الذَّلِيلِ، وَأَدْعُوكَ دُعَاءَ الخَائِفِ الضرِيرِ، مَنْ خَضَعَتْ لَكَ رَقَبَتُهُ، وفَاضَتْ لَكَ عَيْنَاهُ، وذلَّ جَسَدُهُ، ورَغِمَ أَنْفُهُ لَكَ، اللَّهُمَّ لا تَجْعلنى بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِياً، وكُن بى رَؤُوفاً رحيماً، يا خيْرَ المَسْؤُولين، ويَا خَيْرَ المُعْطِينَ)) ذكره الطبراني.
وذكر الإمام أحمد: من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَدِّه قال: كان أكثرُ دُعاءِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفة: ((لا إله إلاَّ اللَّهُ وحدَهْ لا شرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحمدُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شئ قَدِير)).
وذكر البيهقىُّ من حديث علىّ رضى اللَّهُ عنه، أنه صلَّى اللَّه عليه وسلم قال: ((أَكْثَرُ دُعائى ودُعاءِ الأَنْبيَاء مِنْ قَبْلى بِعَرَفَةَ: لا إله إلاَّ اللَّه وَحْدَه لا شَرِيكَ لَه، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهُوَ عَلى كُلِّ شَئ قَدِير، اللَّهُمَّ اجْعَل فى قَلبى نُوراً، وفى صَدْرى نُوراً، وفى سَمْعى نُوراً، وفى بَصَرى نُوراً، اللَّهُمَّ اشْرَحْ لى صَدْرِى، ويَسِّرْ لى أَمْرى، وأعُوذُ بِكَ مِنْ وَسْواسِ الصَّدْرِ، وشَتَات الأمْر، وفِتْنةِ القَبْرِ، اللَّهُمَّ إنى أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما يَلِجُ فى اللَّيْل، وشَرِّ ما يَلِجُ فى النَّهارِ، وشَرِّ مَا تَهُبُّ بِهِ الرِّياحُ، وشَرِّ بَوائِق الدَّهْر)).
وأسانيدُ هذه الأدعية فيها لين.
وهناك أُنزِلَتْ عليه: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3].
وهناك سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محرِم فمات، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يُكفَّنَ فى ثَوْبَيْهِ، ولا يُمَسَّ بِطِيبٍ، وأن يُغَسَّل بمَاءٍ وَسِدْرٍ، ولا يُغَطَّى رَأْسُه، ولا وَجْهُهُ، وأَخْبَرَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يُلَبِّى.
وفى هذه القصة اثنا عشر حُكماً.
الأول: وجوبُ غسلِ الميت، لأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم به.
الحكم الثانى: أنه لا يَنْجُسُ بالموت، لأنه لو نجس بالموت لم يَزِدْهُ غسلُه إلا نجاسة، لأن نجاسة الموتِ للحيوان عينية، فإن ساعد المنجِّسون على أنه يَطْهُرُ بالغَسل، بطل أن يكون نَجساً بالموت، وإن قالوا: لا يطهُرُ، لم يزد الغسلُ أكفانَه وثيابه وغاسله إلا نجاسة.
الحكم الثالث: أنَّ المشروعَ فى حقِّ الميت، أن يُغسَّل بماءٍ وسِدْرٍ لا يُقتصر به على الماء وحده، وقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالسدر فى ثلاثة مواضع، هذا أحدُها. والثانى: فى غسل ابنته بالماءوالسدر.والثالث: فى غسل الحائض.
وفى وجوب السِّدرِ فى حقِّ الحائِض قولان فى مذهب أحمد.
الحكم الرابع: أنَّ تغيَّر الماء بالطاهرات، لا يسلُبُه طهوريَّتَه، كما هو مذهب الجمهور، وهو أنصُّ الروايتين عن أحمد، وإن كان المتأخِّرون من أصحابه على خلافها. ولم يأمر بغسله بعد ذلك بماءٍ قَراح، بل أمر فى غَسلِ ابنته أن يجعلْنَ فى الغسلة الأخيرة شيئاً من الكافور، ولو سلبه الطَّهورِيَّة، لنهى عنه، وليس القصدُ مجردَ اكتساب المَاء من رائحته حتى يكونَ تغير مجاورة، بل هو تطييب البدنِ وتصليبه وتقويتُه، وهذا إنما يحصُل بكافُور مخالِط لا مجاوِر.
الحكم الخامس: إباحةُ الغسل للمحرم، وقد تناظر فى هذا عبدُ اللَّهِ بنُ عباس، والمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ، فَفَصَلَ بينهما أبُو أيوب الأنصارى، بأنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم اغتسلَ وهو مُحْرِمٌ. واتفقوا على أنه يغتسِل من الجنابة، ولكن كره مالك رحمه اللَّه أن يُغَيِّبَ رأسه فى الماء، لأنه نوع سِتر له، والصحيحُ أنه لا بأس به، فقد فعله عمرُ بن الخطاب وابنُ عباس.
الحكم السادس: أن المحرم غيرُ ممنوع من الماء والسِّدْرِ. وقد اختُلِفَ فى ذلك، فأباحه الشافعىُّ، وأحمد فى أظهر الروايتين عنه، ومنع منه مالك، وأبو حنيفة، وأحمد فى رواية ابنه صالح عنه. قال: فإن فعل، أهدى، وقال صاحبا أبى حنيفة: إن فعل، فعليه صدقة.
وللمانعين ثلاث علل.
إحداها: أنه يقتُل الهَوَامَّ من رأسه، وهو ممنوع من التفلِّى.
الثانية: أنه ترفُّه، وإزالةُ شَعَثٍ يُنافى الإحرام.
الثالثة: أنه يستَلِذُّ رائحتَه، فأشبه الطِّيب، ولا سيما الخطمى.
والعلل الثلاث واهية جداً، والصواب: جوازه للنص، ولم يُحرِّم اللَّهُ ورسوله على المحرِم إزالة الشَّعَثِ بالاغتسال، ولا قتل القمل، وليس السِّدْرُ من الطيب فى شئ.
الحكم السابع: أن الكفنَ مقدَّم على الميراث، وعلى الدَّيْن، لأن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر أن يُكفَّن فى ثوبيه، ولم يسأل عن وارثه، ولا عن دَيْنٍ عليه، ولو اختلف الحالُ، لسأل.
وكما أن كِسوته فى الحياة مقدَّمة على قضاء دَينه، فكذلك بعد الممات، هذا كلامُ الجمهور، وفيه خلاف شاذ لا يُعَوَّلُ عليه.
الحكم الثامن: جواز الاقتصارِ فى الكفن على ثوبين، وهما إزارٌ ورداء، وهذا قول الجمهور. وقال القاضى أبو يعلى: لا يجوز أقلُّ من ثلاثة أثواب عند القدرة، لأنه لو جاز الاقتصارُ على ثوبين، لم يجز التكفين بالثلاثة لمن له أيتام، والصحيح خلاف قوله، وما ذكرهُ يُنقض بالخشن مع الرفيع.
الحكم التاسع: أن المحرم ممنوعٌ من الطِّيب، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يُمَسَّ طيباً، مع شهادته له أنه يُبعث ملبِّياً، وهذا هو الأصل فى منع المحرِم مِن الطِّيب.
وفى ((الصحيحين)) من حديث ابن عمر: ((لا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَاب شَيْئاً مَسَّه وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَان)).
وأمر الذى أحرم فى جُبَّة بعد ما تضمَّخَ بالخَلُوق، أن تُنْزَعَ عَنْهُ الجُبَّةُ، ويُغْسَلَ عَنْهُ أَثَرُ الخَلُوقِ. فعلى هذه الأحاديث الثلاثة مدارُ منع المحرِم من الطيب. وأصرحُها هذه القصة، فإن النهى فى الحديثين الأخيرين، إنما هو عن نوع خاصٍّ من الطيب، لا سيما الخَلوقَ، فإن النهى عنه عام فى الإحرام وغيره.
وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يُقرب طيباً، أو يمس به، تناول ذلك الرأسَ، والبدن، والثياب، وأما شمُّه من غير مسٍّ، فإنما حرَّمه مَن حرَّمه بالقياس، وإلا فلفظُ النهى لا يتناوله بصريحه، ولا إجماعَ معلومٌ فيه يجب المصير إليه، ولكن تحريمُه من باب تحريم الوسائل، فإنَّ شمه يدعو إلى ملامسته فى البدنِ والثياب، كما يحرم النظر إلى الأجنبية، لأنه وسيلة إلى غيره، وما حَرُمَ تحريم الوسائِل، فإنه يُباح للحاجة، أو المصلحة الرَّاجِحة، كما يُباح النظر إلى الأَمَة المُستَامَةِ، والمخطُوبة، ومن شَهِدَ عليها، أو يعاملها، أو يَطُبُّها. وعلى هذا، فإنما يُمنع المحرمُ مِن قصد شمِّ الطيب للترفُّه واللَّذة، فأما إذا وصلت الرائحةُ إلى أَنفه من غير قصد منه، أو شمَّه قصداً لاستعلامه عند شرائه، لم يُمنع منه، ولم يجب عليه سدُّ أنفه، فالأول: بمنزلة نظر الفجأة، والثانى: بمنزلة نظر المُستام والخاطب، ومما يُوضِّح هذا، أن الذين أباحوا للمحرم استدامَة الطيب قبل الإحرام، منهم مَن صرَّح بإباحة تعمُّد شَمِّه بعد الإحرام، صرَّح بذلك أصحاب أبى حنيفة، فقالوا: فى ((جوامع الفقه)) لأبى يوسف: لا بأس بأن يشم طيباً تطيَّب به قبل إحرامه، قال صاحب ((المفيد)): إن الطِّيب يتصلُ به، فيصير تبعاً له ليدفع به أذى التعب بعد إحرامه، فيصير كالسَّحور فى حق الصائم يدفعُ به أذى الجوع والعطش فى الصوم، بخلاف الثوب، فإنه بائن عنه.
وقد اختلف الفقهاء، هل هو ممنوع من استدامته، كما هو ممنوع من ابتدائه، أو يجوز له استدامتُه؟ على قولين. فمذهب الجمهور: جوازُ استدامته اتباعاً لما ثبت بالسُّـنَّة الصحيحة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يتطيَّبُ قَبْلَ إحْرَامِهِ، ثم يُرَى وَبِيصُ الطِّيبِ فى مَفَارِقِه بَعْدَ إحْرَامِه. وفى لفظ: ((وهو يُلبِّى)) وفى لفظ: ((بَعْدَ ثَلاثٍ)). وكل هذا يدفع التأويل الباطلَ الذى تأوَّله مَن قال: إن ذلك كان قبل الإحرام، فلما اغتسل، ذهب أثره. وفى لفظ: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يُحرِمَ، تَطيَّبَ بأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، ثم يُرَى وَبِيصُ الطِّيبِ فى رَأْسِهِ وَلِحيَتِهِ بَعْدَ ذلِكَ. وللَّه ما يصنعُ التقليدُ، ونصرة الآراء بأصحابه.
وقال آخرون منهم: إن ذلك كان مختصاً به، ويردُّ هذا أمران، أحدهما: أنَّ دعوى الاختصاص، لا تُسْمَعُ إلا بِدليل.
والثانى: ما رواه أبو داود، عن عائشة، ((كنا نخرُجُ مع رسولِ صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بالسُّكِّ المُطَيَّبِ عِنْدَ الإحْرَامِ، فَإذَا عَرِقَتْ إحدَانَا، سَالَ عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهُ النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم فَلاَ يَنْهَانَا)).
الحكم العاشر: أن المُحرِم ممنوع مِن تغطية رأسه، والمراتبُ فيه ثلاث: ممنوع منه بالاتفاق، وجائزٌ بالاتفاق، ومختلَف فيه، فالأول: كلُّ متصل ملامس يُرادُ لستر الرأس، كالعِمَامَةِ، والقُبَّعَةِ، والطَّاقيةِ، والخُوذَةِ، وغيرها.
والثانى: كالخيمة، والبَيْتِ، والشَّجَرةِ، ونحوها، وقد صحَّ عنِ النبى صلى الله عليه وسلم، أنه ضُرِبَتْ لَهُ قُبَّةٌ بِنَمِرَةَ وهُوَ مُحْرِمٌ، إلا أن مالكاً منع المحرِم أن يضَعَ ثوبَه على شجرة لِيستَظِلَّ به، وخالفه الأكثرون، ومنع أصحابُهُ المحرِم أن يَمْشِىَ فى ظِلِّ المَحْمِلِ.
والثالث: كالمَحْمِل، والمَحَارَةِ، والهَوْدَجِ، فيه ثلاثة أقوال: الجواز، وهو قولُ الشافعى وأبى حنيفة رحمهما اللَّه، والثانى: المنع. فإن فعل، افتدى، وهو مذهبُ مالكٍ رحمه اللَّه. والثالث: المنع، فإن فعل، فلا فِديةَ عليه، والثلاثةُ رواياتٌ عن أحمد رحمه اللَّه.
الحكم الحادى عشر: منع المحرم من تغطية وجهه، وقد اختُلِف فى هذه المسألة. فمذهب الشافعى وأحمد فى رواية: إباحته، ومذهب مالك، وأبى حنيفة، وأحمد فى رواية: المنع منه، وبإباحته قال ستة من الصحابة: عثمانُ، وعبدُ الرحمن بن عوف، وزيدُ بن ثابت، والزبيرُ، وسعدُ بن أبى وقاص، وجابرٌ رضى اللَّه عنهم. وفيه قول ثالث شاذ: إن كان حياً، فله تغطية وجهه، وإن كان ميتاً، لم يجز تغطيةُ وجهه، قاله ابنُ حزم، وهو اللائق بظاهريته.
واحتج المبيحون بأقوال هؤلاء الصحابة، وبأصل الإباحة، وبمفهوم قوله: ((ولاَ تُخَمِّرُوا رَأسَه))، وأجابوا عن قوله: ((ولا تُخَمِّروا وجهه))، بأن هذه اللفظة غير محفوظة فيه. قال شعبة: حدثنيه أبو بشر، ثم سألتُه عنه بعد عشر سنين، فجاء بالحديث كما كان، إلا أنه قال: ((لا تُخَمِّروا رَأْسَهُ، ولاَ وَجْهَه)). قالوا: وهذا يدل على ضعفها. قالوا: وقد روى فى الحديث: ((خَمِّرُوا وَجْهَهُ، وَلا تُخَمِّروا رَأْسَهُ)).
الحكم الثانى عشر: بقاءُ الإحرامِ بعد الموت، وأنه لا ينقطِعُ به، وهذا مذهبُ عثمانَ، وعلىٍّ، وابن عباس، وغيرهم رضى اللَّه عنهم، وبه قال أحمدُ، والشافعى، وإسحاق، وقال أبو حنيفة، ومالك، والأوزاعى: ينقطع الإحرامُ بالموت، ويُصنع به كما يُصنع بالحَلال، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاثٍ)).
قالوا: ولا دليلَ فى حديث الذى وقصته راحلتُه، لأنه خاص به، كما قالُوا فى صلاته على النَّجَاشِىِّ: إنها مختصة به.
قال الجمهور: دعوى التخصيص على خلاف الأصلِ، فلا تُقبل، وقوله فى الحديث: ((فإنَّه يُبْعَثُ يَوْمَ القِيامَةِ مُلبِّياً))، إشارة إلى العِلَّة. فلو كان مختصاً به، لم يُشر إلى العِلَّة، ولا سيما إن قيل: لا يصح التعليلُ بالعِلَّة القاصرة. وقد قال نظير هذا فى شُهداء أُحُد، فقال: ((زَمِّلُوهُمْ فى ثيابهِم، بكُلُوُمهم، فإنَّهُم يُبْعَثُونَ يَومَ القيامَةِ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّم، والرِّيحُ رِيحُ المِسْكِ)). وهذا غيرُ مختص بهم، وهو نظيرُ قوله: ((كَفِّنُوهُ فى ثَوْبيهِ، فإنه يُبعث يوم القيامة مُلَبِّياً)). ولم تقولوا: إن هذا خاص بشهداء أُحُد فقط، بل عدَّيتم الحكم إلى سائر الشهداء مع إمكان ما ذكرتم من التخصيص فيه. وما الفرق؟ وشهادة النبى صلى الله عليه وسلم فى الموضعين واحدة، وأيضاً: فإن هذا الحديث موافق لأصول الشرع والحكمة التى رتب عليها المعاد، فإن العبد يُبعث على ما مات عليه، ومَن مات على حالة بُعِث عليها فلو لم يرد هذا الحديث، لكان أصول الشرع شاهدة به. واللَّه أعلم.



عدد المشاهدات *:
471297
عدد مرات التنزيل *:
94796
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 13/02/2015

الكتب العلمية

روابط تنزيل : فصل في سعيه صلى الله عليه و سلم بين الصفا و المروة
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  فصل في سعيه صلى الله عليه و سلم بين الصفا و المروة لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
الكتب العلمية


@designer
1