اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم السبت 12 شوال 1445 هجرية
????? ???????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ????????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ??????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? ? ????? ?????? ????? ?????? ???? ??????? ??? ???????? ???? ??? ???? ????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

أعوذ

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
الكتب العلمية
السيرة النبوية
زاد المعاد في هدي خير العباد
المجلد الثالث
فصل في غزوة أُحُد
الكتب العلمية
ولما قتل الله أشرافَ قريشٍ ببدر، وأُصيبُوا بمصيبةٍ لم يُصابُوا بمثلها، ورَأَسَ فيهم أبو سفيانَ بنُ حربٍ لِذهاب أكابرهم، وجاء كما ذكرنا إلى أطرافِ المدينة فى غزوة السَّويق، ولم يَنَلْ ما فى نفسه، أخذ يُؤلِّبُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين، ويجمِّع الجموعَ، فجمع قريباً مِن ثلاثةِ آلافٍ من قريش، والحلفاء، والأحابيش، وجاؤوا بنسائهم لئِلا يَفِرُّوا، وليحاموا عنهن، ثم أقبل بهم نحوَ المدينة، فنزل قريباً من جبل أُحُد بمكان يقال لهُ: عَيْنَيْنِ، وذلك فى شوَّال مِن السنة الثالثةِ،
واستشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابًَه أَيخرُج إليهم، أم يمكثُ فى المدينة ؟ وكان رأُيُه ألا يخرجُوا من المدينة، وأن يتحصَّنُوا بها، فإن دخلوها، قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة، والنِّساء مِن فوق البيوت، ووافقه على هذا الرأى عبدُ الله بن أُبَىّ، وكان هو الرأىَ، فبادر جماعةٌ مِن فُضلاء الصحابة ممن فاته الخروجُ يوم بدر، وأشاروا عليه بالخروج، وأَلحُّوا عليه فى ذلك، وأشار عبد الله بن أُبَىّ بالمُقام فى المدينة، وتابعه على ذلك بعضُ الصحابةِ، فألحَّ أولئك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهض ودخل بيته ، ولَبِسَ لأْمَتَهُ، وخرج عليهم، وقد انثنى عزمُ أُولئك، وقالوا: أكْرَهْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم على الخُروج، فقالوا: يا رسولَ الله؛ إن أحببتَ أن تَمْكُثَ فى المدينة فافعَلْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا يَنبَغِى لِنَبِىٍّ إذَا لَبِسَ لأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَهُ وبَيْنَ عدوِّه)).
فخرج رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فى ألف من الصحابة، واستعمل ابنَ أُمِّ مكتُوم على الصلاة بمن بقى فى المدينة، وكان رسولُ الله رأى رؤيا، وهو بالمدينةِ، رأى أن فى سيفِه ثُلْمَةً، ورأى أن بقراً تُذبح، وأنه أدخل يده فى درع حَصِينةٍ، فتأوَّل الثُّلمة فى سيفه برجل يُصاب مِن أهل بيته، وتأوَّل البقرَ بِنَفَرٍ من أصحابه يُقتلون، وتأوَّل الدِّرع بالمدينة.
فخرج يوم الجمعة، فلما صار بالشَّوْط بَيْنَ المدينةِ وأُحُد، انخزَلَ عبدُ الله ابن أُبَىّ بنحو ثُلثِ العسكر، وقال: تُخالفنى وتسمَعُ مِن غيرى، فتبعهم عبدُ الله بن عمرو بن حرام، والد جابر بن عبد الله يوبِّخهم ويحضُّهم على الرجوع، ويقول: تعَالَوْا قاتِلُوا فى سبيل الله، أو ادفعوا. قالوا: لو نَعلَمُ أنكم تُقاتلون، لم نرجع، فرجع عنهم، وسبَّهم، وسأله قوم من الأنصار أن يستعينوا بحُلفائهم مِن يهود، فأبى، وسلك حرَّة بنى حارثة، وقال: ((مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى القَوْمِ مِنْ كَثَبٍ)) ؟، فخرج به بعضُ الأنصارِ حتى سلَك فى حائط لِبعض المنافقين، وكان أعمى، فقام يحثو الترابَ فى وجوه المسلمين ويقول: لا أُحِلُّ لكَ أن تدخُلَ فى حائطى إن كنتَ رسولَ اللهِ ، فابتدره القومُ لِيقتلوه، فقال: ((لا تقتُلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصرِ)).
ونفذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلَ الشِّعبَ مِن أُحُد فى عُدْوَةِ الوَادِى، وجعلَ ظهرَه إلى أُحُد، ونهى الناسَ عَنِ القِتَال حتى يأمرهمْ، فلما أصبحَ يومَ السبت، تَعَبَّى للقتال، وهو فى سبعِمائة، فيهم خمسون فارساً، واستعمل على الرُّماة وكانوا خمسين عبدَ الله بن جُبير، وأمره وأصحابَه أن يَلزمُوا مركزهم، وألا يُفارقُوه، ولو رأى الطيرَ تتخطفُ العسكر، وكانوا خلفَ الجيش، وأمرَهُم أنْ يَنْضَحُوا المُشرِكِينَ بالنَّبْلِ، لِئَلا يأتُوا المُسْلِمِينَ مِنْ وَرَائِهِم.
فظاهر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ دِرعَيْن يومئِذٍ، وأعطى اللِّواء مُصْعَبَ بنَ عُمير، وجعل على إحدى المجَنِّبَتَيْنِ الزبيرَ بنَ العوام، وعلى الأخرى المُنذرَ بنَ عمرو، واستعرض الشبابَ يومئذٍ، فردَّ مَن استصغره عن القتال، وكان منهم عبدُ الله بنُ عمر، وأُسامَة بن زيد، وأُسَيْدُ بن ظَهِيرٍ، والبراءُ بن عازب، وزيد بن أرقم، وزيدُ بن ثابت، وعَرَابةُ بن أوس، وعمرو بنُ حَزْمٍ، وأجازَ مَن رآهُ مُطِيقاً، وكان مِنهم سَمُرَةُ بنُ جُنْدَبٍ، ورافعُ بن خَديج، ولهما خمسَ عشْرة سنة. فقيل: أجاز مَن أجاز لبلوغه بالسِّنِّ خمس عشرة سنةً، وردَّ مَن رَدَّ لِصغره عن سِنِّ البُلُوغ، وقالت طائفة: إنما أجازَ مَنْ أجاز لإطاقته، وردَّ مَن رَدَّ لِعدم إطاقته، ولا تأثيرَ للبلوغ وعدمِه فى ذلك قالوا: وفى بعض ألفاظ حديث ابن عمر: (( فلمَّا رَآنى مُطِيقاً أَجَازَنى )).
وتعبَّتْ قريشٌ للقتال، وهم فى ثلاثةِ آلافٍ، وفيهم مائتا فارسٍ، فجعلوا على ميمنتهم خالدَ بن الوليـد، وعلى الميسرةِ عِكرمةَ بنَ أبى جهل، ودفعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سيفَه إلى أبى دُجَانَة سِمَاكِ بن خَرَشَةَ، وكان شُجاعاً بطلاً يَخْتَالُ عِند الحرب.
وكان أوَّلَ مَنْ بَدَر مِن المشركين أبو عامر الفاسِقُ، واسمه عبد عَمْرِو بن صَيْفِى، وكان يُسمَّى (( الرَّاهبَ ))، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسِقَ، وكان رأس الأوس فى الجاهلية، فلما جاء الإسلامُ، شَرِقَ به، وجاهَرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالعَدَاوة، فخرج مِنَ المدينة، وذهب إلى قُريش يُوَلِّبُهُم عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ويحضُّهم على قِتاله، ووعدَهم بأن قومَه إذا رأوه أطاعُوه، ومالُوا معه، فكان أوَّل مَنْ لَقِىَ المسلمينَ، فنادى قومَه، وتعرَّف إليهم، فَقَالُوا له: لا أنعم اللهُ بكَ عيناً يَا فَاسِقُ، فقال: لقد أصابَ قومى بعدى شرٌ، ثم قاتل المسلمين قِتالاً شديداً، وكان شِعارُ المُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ: أَمِتْ.
وأبلى يومئذ أبو دُجَانَةَ الأنصارىُّ، وطلحةُ بنُ عبيد الله، وأسدُ الله وأسدُ رسوله حمزةُ بنُ عبد المطَّلب، وعلىُّ بنُ أبى طالب، وأنسُ بن النضر، وسعدُ بنُ الربيع.
وكانت الدولةُ أوَّلَ النهارِ للمسلمين على الكفَّار، فانهزم عدوُّ اللهِ ، وولَّوا مُدْبِرينَ حتى انتَهَوْا إلى نِسائهم، فلما رأى الرُمَاةُ هزيمتَهم، تركوا مركَزَهم الذى أمرهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بحفظه، وقالوا: يا قومُ الغنيمةَ، فذكَّرهم أميرُهم عهدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يسمعُوا، وظنوا أن ليس للمشركين رجعةٌ، فذهبُوا فى طلب الغنيمةِ، وأخْلُوا الثَّغْرَ، وكرَّ فُرسَانُ المشركين، فوجدوا الثَّغْر خالياً، قد خلا مِن الرُّماة، فجازُوا منه، وتَمكَّنُوا حتى أقبل آخِرهُم، فأحاطُوا بالمسلمين، فأكرم اللهُ مَنْ أكرمَ منهم بالشهادة، وهم سبعون ، وتولَّى الصَّحَابة،
وخلَصَ المشركون إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فجرحُوا وجهَه، وكسروا رَباعِيَّتَه اليُمْنى، وكانت السُّفلى، وهَشَمُوا البيضة على رأسه ورمَوْهُ بالحِجَارة حتى وقع لِشقه، وسقط فى حُفرة مِن الحُفَرِ التى كان أبو عامر الفاسِقُ يَكيدُ بها المسلمين، فأخذ علىُّ بيده، واحتضنه طلحةُ بنُ عُبيد الله، وكان الذى تولَّى أذاه صلى الله عليه وسلم عَمْرُو بنُ قَمِئَةَ، وعُتُبَةُ بنُ أبى وقاص، وقيل: إن عبد الله بن شهاب الزهرىَّ، عمّ محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى، هو الذى شجَّهُ.
وقُتِلَ مصعبُ بن عمير بين يديه، فدفع اللِّواء إلى علىِّ بن أبى طالب، ونشبت حَلَقَتَانِ مِن حلق المِغْفَرِ فى وجهه، فانتزعهما أبو عبيدة بن الجرَّاح، وعضَّ عليهما حتى سقطت ثنيتاه مِن شدَّةِ غوصِهِمَا فى وجْهِهِ
وامتصَّ مَالكُ بنُ سنان والد أبى سعيد الخدرى الدَّمَ مِن وجنته، وأدركه المشركون يُريدُونَ ما اللهُ حائلٌ بينَهُم وبينَه، فحال دُونَه نفرٌ مِن المسلمين نحو عشرة حتى قُتِلُوا، ثم جالدهم طلحةُ حتى أجهضهم عنه، وترَّسَ أبو دُجانة عليه بظهره، والنبل يقع فيه، وهو لا يتحرَّك، وأصيبت يومئذ عينُ قتادة بن النعمان، فأتى بها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فردَّها عليه بيده، وكانَتْ أصحَّ عينيه وأحسنَهما، وصرخ الشيطانُ بأعلى صوتِهِ: إنَّ محمداً قَد قُتِلَ، ووقع ذلك فى قلوب كثيرٍ من المسلمين، وفرَّ أكثرُهم، وكان أمرُ الله قدراً مقدوراً.
ومر أنسُ بنُ النَّضر بقوم من المسلمين قد ألقَوا بأيديهم، فقال: ما تنتظِرُونَ ؟ فقالوا: قُتِلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فقال: ما تَصْنَعُونَ فى الحياة بعده ؟ قومُوا فموتُوا على ما مَاتَ عليه، ثم استقبلَ الناسَ، ولقى سعدَ بنَ معاذ فقال: يَا سَعْدُ؛ إنى لأَجِدُ رِيحَ الجَنَّةِ مِنْ دُونِ أُحُد، فقاتل حتى قُتِلَ، ووُجِدَ به سبعونَ ضَربة،
وجُرِحَ يومئذ عبد الرحمن بن عوف نحواً من عشرينَ جِراحة.
وأقبل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نحوَ المسلمين، وكان أوَّل مَن عرفه تحتَ المِغْفَرِ كعبُ بن مالك، فصاحَ بأعلى صوته: يا معشرَ المسلمين؛ أَبْشِرُوا هذا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه أن اسْكُت، واجتمع إليه المسلمونَ ونهضُوا معه إلى الشِّعب الذى نزل فيه، وفيهم أبو بكر، وعمر، وعلى، والحارث بنُ الصِّمَّة الأنصارى وغيرُهم، فلما استندوا إلى الجبل، أدركَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أُبىُّ بنُ خَلَف على جواد له يُقال له: العَوْذ، زعم عدوُّ اللهِ أنه يقتُل عليه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فلما اقترب منه، تناول رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحربةَ مِن الحارث بنً الصِّمَّةِ، فطعنَه بها فجاءت فى تَرْقُوتِهِ، فكرَّ عدوُّ الله منهزِمَاً، فقال له المشركون: واللهِ ما بك من بأسٍ، فقال: واللهِ لو كان ما بى بأهلِ ذِى المَجَازِ، لماتُوا أجمعُون، وكانَ يَعْلِفُ فرسَه بمكةَ ويقولُ: أقْتُلُ عليه محمداً، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (( بَلْ أنَا أَقْتُلُه إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى )) فلما طعنَه، تَذكَّر عدوُّ الله قوله: (( أنا قاتِلهُ ))، فأيقن بأنه مقتول مِن ذلك الجرح، فمات منه فى طريقه بِسَرِفَ مَرْجِعَهُ إلى مكَّةَ.
وجاءَ علىّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء ليشرب منه، فوجده آجناً، فرده، وغسل عن وجهه الدم، وصبَّ على رأسه، فأراد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يعلُوَ صخرةً هُنالك، فلم يَسْتَطِع لِما به، فجلس طلحةُ تحتَه حتى صَعِدَهَا، وحانتِ الصلاةُ، فصلَّى بهم جالساً، وصار رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فى ذلك اليوم تحتَ لِواء الأنصار.
وشدَّ حنظلةُ الغسيل وهو حنظلةُ بن أبى عامر على أبى سفيان، فلما تمكَّن منه، حَمَلَ على حنظلة شَدَّادُ بنُ الأسود فقتله، وكان جُنُباً، فإنه سَمِعَ الصَّيْحَـةَ، وهو على امرأته، فقَامَ مِن فَوره إلى الجهاد، فأخبرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أصْحَابَهُ: (( أنَّ المَلائِكَةَ تُغَسِّلُهُ )) ثم قال: (( سَلُوا أَهْلَهُ: مَا شَأْنُهُ )) ؟ فسألُوا امرأته، فَأَخْبَرَتْهُمُ الخَبَرَ. وجعل الفقهاءُ هذا حُجة، أن الشهيدَ إذا قُتِلَ جُنباً، يُغسَّل اقتداءً بالملائكة.
وقتل المسلمون حامِلَ لواءِ المشركينَ، فرفَعَتْهُ لهم عَمْرَةُ بنتُ علقمةَ الحارِثِيَّة، حتى اجتمعوا إليه، وقاتلت أُمُّ عُمارة، وهى نُسيبة بنتُ كعب المازنية قِتالاً شديداً، وَضَرَبَتْ عمرَو بن قَمِئَةَ بالسَّيْفِ ضَرَبَاتٍ فَوَقَتْهُ دِرعانِ كانتا عليه، وضربها عمرو بالسِّيْفِ، فجرحها جُرحاً شديداً على عاتقها.
وكان عمرو بن ثابتِ المعروفُ بالأُصَيْرم من بنى عبد الأشهل يأبى الإسلامَ، فلما كان يَوْمَ أُحُدٍ، قذف اللهُ الإسلامَ فى قلبه للحُسْنى التى سبقت له منه، فأسلم وأخذ سيفَه، ولَحِقَ بالنبى صلى الله عليه وسلم، فقَاتل فأُثْبِتَ بالجِرَاحِ، ولم يعلم أحدٌ بأمره، فلما انجلت الحرب، طاف بنو عبد الأشهل فى القتلى، يلتمِسُون قتلاهم، فوجَدوا الأُصَيْرمَ وبهِ رَمَقٌ يسير، فقالوا: واللهِ إن هذا الأصيرمَ، ما جاء به ؟ لقد تركناه وإنه لَمُنْكِرٌ لهذا الأمر، ثم سألوه ما الَّذِى جاء بك ؟ أَحَدَبٌ عَلى قَوْمِكَ، أم رغبةٌ فى الإسلام ؟ فقال: بل رغبةٌ فى الإسلام، آمنتُ باللهِ ورسوله، ثم قاتلتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصابنى ما تَرَوْنَ، ومات من وقته، فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (( هُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ )). قال أبو هريرة: ولم يُصَلِّ للهِ صَلاَةً قَطُّ.
ولما انقضَتِ الحربُ، أشرف أبو سفيان على الجبل، فنادى: أفيكُم محمد ؟ فلم يُجيبُوهُ، فقال: أفيكُمُ ابنُ أبى قُحَافة ؟ فلم يُجيبوه. فقال: أفيكُم عُمرُ بنُ الخطاب ؟ فلم يجيبوه، ولم يَسْأَلْ إلاَّ عن هؤلاء الثلاثة لِعلمه وعِلم قومه أن قِوَامَ الإسلام بهم، فقال: أمَّا هَؤلاء، فقد كُفيتُموهم، فلم يَملِكُ عُمَر نفسَه أن قال: يَا عَدُوَّ اللهِ؛ إنَّ الَّذِينَ ذكرتَهُمْ أحياءٌ، وقد أبقى اللهُ لَكَ ما يَسُوءُكَ، فقال: قَدْ كان فى القوم مُثْلَةٌ لم آمُر بها، ولم تسؤْنى، ثم قال: أعْلُ هُبَلُ. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (( ألا تُجِيبُونَه )) ؟ فَقَالُوا: ما نقُولُ ؟ قال: (( قُولُوا: اللهُ أَعْلَى وأَجَلُّ ))، ثم قال: لَنَا العُزَّى ولا عُزَّى لكم. قال: (( ألا تُجِيبُونَه )) ؟ قالُوا: ما نقول ؟ قال: (( قولُوا: اللهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكم )). فأمرهم بجوابه عند افتخاره بآلهته، وبِشرْكِهِ تعظيماً للتوحيد، وإعلاماً بعزة مَنْ عبده المسلمون، وقوةِ جانبه، وأنه لا يُغلب، ونحن حزبُه وجُنده، ولم يأمرهم بإجابته حين قال: أفيكم محمد ؟ أفيكم ابنُ أبى قُحافة ؟ أفيكم عمر ؟ بل قد رُوى أنه نهاهم عن إجابته، وقال: (( لا تُجيبوه ))، لأن كَلْمَهُمْ لم يكن بَرَدَ بَعْدُ فى طلب القوم، ونارُ غيظهم بعد متوقِّدة، فلما قال لأصحابه: أما هؤلاء فقد كُفيتموهم، حمىَ عمر بنُ الخطاب، واشتد غضبُه وقال: كذبْت يا عدوَّ الله، فكان فى هذا الإعلام من الإذلال، والشجاعة، وعدمِ الجُبن، والتعرفِ إلى العدو فى تلك الحال، ما يُوذِنُهم بقوة القوم وبَسالتهم، وأنهم لم يَهِنُوا ولم يَضْعُفُوا، وأنه وقومَه جديرون بعدم الخوفِ منهم، وقد أبقى اللهُ لهم ما يسوؤهُم منهم، وكان فى الإعلام ببقاء هؤلاء الثلاثة وهلة بعد ظنَّهِ وظنِّ قومه أنهم قد أُصيبوا من المصلحة، وغيظ العدو وحِزبِهِ، والفتِّ فى عَضُدِهِ ما ليس فى جوابه حين سأل عنهم واحداً واحداً، فكان سؤالُه عنهم، ونعيُهم لِقومه آخِر سهام العدو وكيده، فصبر له النبىُّ صلى الله عليه وسلم حتى استوفى كيده، ثم انتدب له عُمَرُ، فرد سِهَام كيدِهِ عليه، وكان تركُ الجوابِ أولاً عليه أحسن، وذكره ثانياً أحسن، وأيضاً فإن فى ترك إجابته حين سأل عنهم إهانةً له، وتصغيراً لشأنه، فلما منَّته نفسُه موتَهم، وظنَّ أنهم قد قتِلُوا، وحصل بذلك من الكِبر والأشر ما حصل، كان فى جوابه إهانةٌ له، وتحقيرٌ، وإذلالٌ، ولم يكن هذا مخالفاً لقول النبى صلى الله عليه وسلم: (( لا تُجِيبُوه ))، فإنه إنما نهى عن إجابته حين سأل: أفيكم محمّدٌ ؟ أفيكم فلانٌ ؟ أفيكم فلانٌ ؟ ولم ينه عن إجابته حين قال: أما هؤلاء، فقَد قُتِلُوا، وبكل حال، فلا أحسنَ من ترك إجابته أولاً، ولا أحسنَ من إجابته ثانياً.
ثمَّ قال أبو سفيان: يَوْمٌ بِيوم بَدْرٍ، والحَرْبُ سِجَالٌ، فأجابه عُمَرُ فقال: لاَ سَوَاء، قَتْلانَا فى الجَنَّةِ، وَقَتْلاكُمْ فى النَّارِ.
وقال ابن عباس: ما نُصِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فى مَوْطِنٍ نَصْرَه يَوْمَ أُحُد، فأُنْكِرَ ذلِكَ عليه، فَقَالَ: بينى وبَيْنَ من يُنكِرُ كِتابُ الله، إنَّ الله يَقُولُ: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إذْ تَحُسُّونَهُم بِإذْنِهِ} [آل عمران: 152]، قال ابنُ عباس: والحَسُّ: القتلُ، ولقد كان لِرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولأصحابه أوَّلُ النهار حَتَّى قُتِلَ مِن أصحابِ المشركينَ سبعةٌ أو تسعةٌ... وذكر الحديث.
وأنزل اللهُ عليهم النُّعاسَ أمنةً مِنْهُ فى غَزاةِ بدرٍ وأُحُدٍ، والنعاسُ فى الحرب وعند الخوفِ دليل على الأمنِ، وهو من الله، وفى الصَّلاة ومجالِس الذكر والعِلم مِن الشيطان.
وقاتلت الملائكةُ يومَ أُحُدٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففى (( الصحيحين )): عن سعدِ بن أبى وقاص، قال: (( رأيتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهُ رَجُلانِ يُقََاتِلانِ عَنْهُ، عليهمَا ثِيَابٌ بِيْضٌ كَأَشَدِّ القِتَالِ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ )).
وفى (( صحيح مسلم )): أنه صلى الله عليه وسلم، أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فى سَبْعَةٍ مِنَ الأنصارِ، وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، فلما رَهِقُوه، قَالَ: (( مَنْ يَرُدُّهمْ عَنَّا، وَلَهُ الجَنَّة ))، أو (( هُوَ رفِيقى فى الجَنَّةِ )) ؟ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثم رَهِقُوهُ، فقال: (( مَنْ يَرُدُّهُم عنَّا، ولهُ الجَنَّةُ ))، أَو (( هُوَ رَفِيقى فى الجنَّة ))، فَتَقَدّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَاتَلَ حتَّى قُتِلَ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (( ما أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا ))، وهذا يُروى على وجهين: بسكون الفاء ونصبِ (( أصحابنا )) على المفعولية، وفتح الفاء ورفع (( أصحابنا )) على الفاعلية.
ووجه النصب: أن الأنصار لما خرجُوا للقتال واحداً بعد واحد حتى قُتِلُوا، ولم يخرج القرشيان، قال ذلك، أى: ما أنصفت قريشٌ الأنصار.
ووجه الرفع: أن يكون المراد بالأصحاب، الذين فرُّوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أُفْرِدَ فى النفر القليل، فَقُتِلُوا واحداً بعد واحد، فلم يُنْصِفُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَنْ ثبت معه.
وفى (( صحيح ابن حبان )) عن عائشة، قالت: قال أبو بكر الصِّديقُ: لـمَّا كان يومُ أُحُدٍ، انصرفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَنِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فكنتُ أوَّلَ مَنْ فَاءَ إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فرأيتُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلاً يُقَاتِلُ عنه ويَحْمِيه، قلتُ: كُنْ طَلْحَةَ فِدَاكَ أبى وأُمِّى، كُنْ طَلْحَةَ فِدَاكَ أبِى وأُمِّى. فلم أَنْشَبْ، أَنْ أَدْرَكَنِى أبو عُبَيْدَة بنُ الجرَّاحِ، وإذَا هُوَ يشتَدُّ كأنه طيرٌ حتى لحقنى، فدفعنا إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فإذا طلحةُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَرِيعاً، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (( دُونَكُمْ أَخَاكُم فقد أَوْجَبَ ))، وقد رُمىَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم فى جبينه، وروى: فى وَجْنَتِهِ حتَّى غَابَتْ حَلَقَةٌ مِنَ حَلَقِ المِغْفَرِ فى وَجْنَتِهِ، فَذَهَبْتُ لأنْزِعَهَا عَن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فقال أَبُو عبيدة: نَشَدْتُك باللهِ يا أبا بكر إلاَّ تَرَكْتَنى ؟ قال: فَأَخَذَ أبو عبيدة السَّهْمَ بفِيه، فَجَعَلَ يُنَضْنِضُهُ كَرَاهَةَ أَنْ يُؤْذِىَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ استلَّ السَّهْمَ بفِيه، فَنَدَرَتْ ثَنِيَّةُ أبى عُبيدة، قال أبو بكر: ثم ذَهَبْتُ لآخُذَ الآخَرَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: نَشَدْتُكَ باللهِ يا أبا بَكْرٍ، إلا تَركْتَنِى ؟ قال: فَأَخَذَهُ، فَجَعَلَ يُنَضْنِضُهُ حَتَّى اسْتَلَّهُ، فَنَدَرَتْ ثَنِيَّةُ أبى عُبَيْدَةَ الأُخْرَى، ثمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (( دُونكُمْ أخَاكُمْ فَقَدْ أَوْجَبَ ))، قال: فأقبلنا عَلَى طلحة نُعالِجُه، وقد أصابته بضعة عَشَر ضربة.
وفى (( مغازى الأموى )): أن المشرِكِينَ صَعِدُوا على الجبل، فقال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدٍ: (( اجنُبْهُمْ )) يقول: اردُدْهم. فقال: كيف أَجْنُبُهُمْ وَحْدِى ؟ فقال ذلك ثلاثاً، فأخذ سعدٌ سهماً مِن كِنانته، فرمى به رجلاً فقتله، قال: ثم أخذتُ سهمى أَعْرِفُهُ، فرميتُ بِهِ آخر فقتلتُه، ثم أخذتُه أعْرِفُه، فرميتُ به آخر فقتلتُه، فهبطُوا مِن مَكَانِهم، فقلتُ: هذا سهمٌ مبارك، فجعلته فى كِنانتى، فكان عند سعد حتى مات، ثمَّ كان عند بنيه.
وفى (( الصحيحين )) عن أبى حازم، أنه سئلَ عن جُرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (( واللهِ إنِّى لأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ومَنْ كَانَ يَسْكُبُ المَاءَ، وبِمَا دُووى، كَانَتْ فَاطِمَةُ ابنتهُ تَغْسِلُه، وعلىُّ بْنُ أبى طَالِبٍ يَسْكُبُ المَاءَ بِالمِجَنِّ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أنَّ المَاءَ لاَ يَزِيدُ الدَّمَ إلا كَثْرَةً، أَخَذَتْ قطعة مِنْ حَصيرٍ، فَأَحْرَقٌتَها فَأَلْصَقَتْهَا فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ)).
(يتبع...)
@ وفى (( الصحيح )): أنه كُسِرَت رَبَاعِيتُه، وشُجَّ فى رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدمَّ عنه، ويقُول: (( كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا وَجْهَ نبيِّهمْ، وكَسَرُوا رَبَاعِيَّتَه، وهُوَ يَدْعُوهم )) فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128].
ولـمَّا انهزم الناسُ، لم ينهزِمْ أنسُ بنُ النضر. وقال: اللَّهُمَّ إنِّى أَعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤلاَءِ، يعنى المُسْلِمِينَ، وَأَبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤلاَءِ، يَعنى المُشْرِكِينَ، ثم تقدَّم، فَلَقِيَه سعدُ بن معاذ، فقال: أينَ يا أبا عُمَرُ ؟ فَقَالَ أَنَسٌ: واهاً لِرِيحِ الجَنَّةِ يَا سَعْدُ، إنِّى أجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ، ثُمَّ مَضَى، فَقَاتَلَ القَوْمَ حَتَّى قُتِلَ، فَمَا عُرفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُه بِبَنَانِهِ، وَبِهِ بِضْعٌ وثَمَانُونَ، مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، وَضَرْبَةٍ بًسَيْفٍ، وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ.
وانهزم المشركون أوَّل النهارِ كما تقدَّم، فصرخ فيهم إبليسُ: أىْ عِبادَ الله، أخزاكم اللهُ، فارجِعُوا مِن الهزيمة، فاجتلدوا.
ونظر حُذيفة إلى أبيهِ، والمُسْلِمُونَ يريدون قتله، وهم يظنُّونه مِن المُشْرِكِينَ، فقال: أىْ عِبَادَ اللهِ؛ أبى، فَلَمْ يَفْهَمُوا قولَه حتَّى قتلُوه، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ، فأرادَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدِيَه، فَقَالَ: قَدْ تَصَدَّقْتُ بديته عَلَى المُسْلِمِينَ، فزادَ ذَلِكَ حُذَيْفَةَ خَيْراً عِنْدَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم.
وقال زيدُ بنُ ثابت: بعثنى رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يوم أُحُدٍ أطلُب سعدَ بنَ الرَّبيعِ، فقال لى: (( إنْ رَأَيْتَهُ فأقرئه منِّى السَّلاَمَ، وقُلْ لهُ: يقولُ لَكَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ تَجِدُكَ )) ؟ قالَ: فجعلتُ أطوفُ بَيْنَ القَتْلَى، فأتيتُه، وهو بآخِرِ رَمَق، وفيه سبعونَ ضربةً، ما بين طعنةٍ برُمح، وضربةٍ بسيف، ورميةٍ بسهم، فقلت: يا سعدُ؛ إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليكَ السَّلامَ، ويقول لك: أخبرنى كيف تَجِدُكَ ؟ فقال: وعلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم السلامُ، قل له: يا رسُولَ اللهِ؛ أَجِدُ ريحَ الجنة، وقل لقومى الأنصار: لا عُذْرَ لكم عند الله إن خُلِصَ إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وفيكم عَيْنٌ تَطْرِفُ، وفاضَتْ نفسُهُ من وقته.
ومرَّ رجل مِن المهاجرين برجُل مِن الأنصار، وهو يَتَشَحَّطُ فى دَمِهِ، فقال: يا فلانُ؛ أشعرتَ أن محمَّداً قد قُتل ؟ فقال الأنصَارِىُّ: إن كان محمد قد قُتلَ، فقد بلَّغ، فقاتِلُوا عَنْ دِينكم، فنزل: { وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144] الآية.
وقال عبد الله بن عمرو بن حرام: رأيتُ فى النَّومِ قَبْلَ أُحُد، مبشِّرَ بنَ عبدِ المنذر يقول لى: أنت قادِمٌ علينا فى أيَّام، فقلتُ: وأين أنتَ ؟ فقال: فى الجنة نَسْرَحُ فيها كَيْفَ نشاء، قلت له: ألم تُقتَلْ يومَ بدرٍ ؟ قال: بلى، ثم أُحْيِيْتُ، فذكر ذَلِكَ لِرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( هَذِهِ الشَّهَادَةُ يَا أبا جَابِر )).
وقال خيثمة أبو سعد، وكان ابنُه استُشْهِدَ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يومَ بدر:(( لَقَدْ أَخْطَأًَتْنِى وَقْعَةُ بَدْرٍ، وكُنْتُ واللهِ عليها حَرِيصَاً، حتى سَاهَمْتُ ابنى فى الخُرُوجِ، فخرجَ سهمُه، فَرُزِقَ الشَّهَادَةَ، وقد رأيتُ البَارِحَةَ ابنى فى النوم فى أَحْسَنِ صُورةٍ يَسْرَحُ فى ثِمارِ الجَنَّةِ وأَنْهَارِهَا، ويقولُ: الْحَقْ بِنَا تُرافِقْنَا فى الجَنَّةِ، فَقَدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِى رَبِّى حقاً، وقد واللهِ يَا رَسُولَ اللهِ أَصْبَحْتُ مُشْتَاقاً إلى مُرَافَقَتِهِ فى الجَنَّةِ، وقَد كَبِرَتْ سِنِّى، وَرَقَّ عَظْمِى، وأحبَبْتُ لِقَاءَ رَبِّى، فَادْعُ اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَرْزُقَنى الشَّهَادَة، ومُرافقة سَعْدٍ فى الجنَّةِ، فَدَعَا له رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، فَقُتِلَ بِأُحُدٍ شَهِيداً)).
وقال عبدُ الله بنُ جَحْشٍ فى ذلك اليوم: اللَّهُمَّ إنِّى أُقْسِمُ عَلَيْكَ أَنْ ألْقى العَدُوَّ غَدَاً، فَيَقْتُلُونِى، ثُمَّ يَبْقُرُوا بَطْنِى، ويَجْدعُوا أَنْفِى، وَأُذُنِى، ثُمَّ تَسْأَلُنِى: فيمَ ذلِكَ، فَأَقُولُ فيكَ.
وَكَانَ عَمْرُو بنُ الجَمُوحِ أَعْرَجَ شَدِيدَ العَرَجِ، وكانَ له أربَعَةُ بَنينَ شَبَاب، يَغْزُونَ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذَا غَزَا، فَلمَّا تَوَجَّهَ إلى أُحُدٍ، أرادَ أن يَتَوجَّهَ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ بَنُوهُ: إنَّ اللهَ قد جعلَ لك رخصةً، فلو قَعَدْتَ ونحنُ نَكْفِيكَ، وقد وَضَعَ اللهُ عَنْكَ الجِهَادَ، فأتى عَمْرُو بْنُ الجَمُوحِ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسُولَ اللهِ؛ إنَ بَنِىَّ هؤلاء يمنعُونى أن أخْرُجَ مَعَكَ، وواللهِ إنى لأَرْجُو أن أُسْتَشْهدَ فأطأَ بعَرْجَتِى هذِهِ فى الجَنَّةِ، فَقَال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أمَّا أَنْتَ، فَقَدْ وَضَعَ اللهُ عَنْكَ الجِهَادَ )) وَقَالَ لِبَنِيهِ: (( ومَا عَلَيْكُم أَنْ تَدَعُوهُ، لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ أَنْ يَرْزُقَهُ الشَّهَادَةَ ))، فخرجَ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شهيداً.
وانتهى أنسُ بنُ النَّضرِ إلى عُمَرَ بنِ الخطاب، وطلحةَ بن عبيد الله فى رِجالٍ من المهاجرين والأنصار، وقد ألقَوْا بأيديهِم، فقال: ما يُجْلِسُكم ؟ فَقَالُوا: قُتِلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: فما تَصْنَعُونَ بِالحَيَاةِ بَعْدَهُ ؟ فَقُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ استقبلَ القَوْمَ، فقاتَلَ حتَّى قُتِلَ.
وأقبل أُبىُّ بنُ خَلَفٍ عَدُوُّ اللهِ، وهو مُقَنَّعٌ فى الحديد، يقول: لا نجوتُ إنْ نجا محمَّد، وكان
حَلَفَ بمكة أن يقتُل رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فاستقبلهُ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ، فَقُتِلَ مُصْعَبٌ، وأبصَرَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرْقُوَةَ أُبىِّ بْنِ خَلَف مِنْ فُرْجةٍ بَيْنَ سَابِغَةِ الدِّرْع والبَيْضَةِ، فطعنَه بِحَرْبتِهِ، فوقَعَ عَنْ فَرَسِهِ، فاحتمله أصحابُه، وهو يخُور خُوارَ الثَّورِ، فقالُوا: ما أجزعَكَ ؟ إنمَا هو خَدْشٌ، فذَكر لهم قول النبى صلى الله عليه وسلم : (( بل أنا أقتله إن شاء الله تعالى )) فمات برابغ.
قال ابن عمر: (( إنى لأسيرُ ببطنِ رَابغ بعد هُوىٍّ من الليل، إذا نارٌ تأجَّجُ لى، فيممتُها، وإذا رجل يخرج منها فى سِلْسِلَة يجتذبُها يصيحُ: العطش، وإذا رجلٌ يقول: لا تَسْقِهِ، هذا قتيلُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، هذا أُبىُّ بنُ خلف )).
وقال نافعُ بن جُبير: سمعتُ رجلاً من المهاجرين يقولُ: شَهِدْتُ أُحُداً، فنظرتُ إلى النَّبل يأتى من كُلِّ ناحيةٍ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم وسَطَهَا، كُلُّ ذَلِكَ يُصرفُ عنه، ولقد رأيتُ عبدَ اللهِ بن شهاب الزهرى يقول يومئذ: دُلُّونى على محمد، لا نجوتُ إن نَجا، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ما معه أحد، ثم جاوزهُ، فعاتبه فى ذلك صَفوان، فقال: واللهِ ما رأيتُهُ، أَحْلِفُ باللهِ، إنه مِنَّا ممنوعٌ، فخرجنا أربعةً، فتعاهدنا، وتعاقدنا على قتله، فلم نخلُص إلى ذلك.
ولما مصَّ مالك أبو أبى سَعِيدٍ الخُدْرىّ جرحَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حتى أنقاهُ، قال له: (( مُجَّهُ )) قال: واللهِ لا أَمُجُّهُ أبداً، ثم أدبر، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلى رَجُلٍ منْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إلَى هذَا )).
قالَ الزُّهرى، وعاصم بن عمر، ومحمد بن يحيى بن حبان وغيرُهم: كان يومُ أحد يومَ بلاء وتَمحِيص، اختبر اللهُ عَزَّ وجَلَّ به المؤمنين، وأظهر به المنافقين ممن كان يُظْهِرُ الإسلام بلسانِهِ، وهو مُستخفٍ بالكُفر، فأَكْرَمَ اللهُ فيه مَن أراد كرامتَه بالشهادةِ من أهل ولايته، فكان مما نزل من القرآن فى يوم أُحُد ستون آية مِن آل عمران، أولها: {وَإذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ المُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران: 121] إلى آخر القصة.



عدد المشاهدات *:
466832
عدد مرات التنزيل *:
94356
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 19/02/2015

الكتب العلمية

روابط تنزيل : فصل في غزوة أُحُد
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  فصل في غزوة أُحُد لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
الكتب العلمية


@designer
1