( باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء [ 71 ] قوله ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف قال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال قال اصبح من عبادي )
(2/59)
مؤمن بى وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بى كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بى مؤمن بالكوكب ) أما الحديبية ففيها لغتان تخفيف الياء وتشديدها والتخفيف هو الصحيح المشهور المختار وهو قول الشافعى وأهل اللغة وبعض المحدثين والتشديد قول الكسائى وبن وهب وجماهير المحدثين واختلافهم فى الجعرانة كذلك فى تشديد الراء وتخفيفها والمختار فيها أيضا التخفيف وقوله على اثر سماء هو بكسر الهمزة واسكان الثاء وبفتحهما جميعا لغتان مشهورتان والسماء المطر وأما معنى الحديث فاختلف العلماء فى كفر من قال مطرنا بنوء كذا على قولين أحدهما هو كفر بالله سبحانه وتعالى سالب لأصل الايمان مخرج من ملة الاسلام قالوا وهذا فيمن قال ذلك معتقدا أن الكوكب فاعل مدبر منشىء للمطر كما كان بعض أهل الجاهلية يزعم ومن أعتقد هذا فلا شك فى كفره وهذا القول هو الذى ذهب إليه جماهير العلماء والشافعى منهم وهو ظاهر الحديث قالوا وعلى هذا لو قال مطرنا بنوء كذا معتقدا أنه من الله تعالى
(2/60)
وبرحمته وأن النوء ميقات له وعلامة اعتبارا بالعادة فكأنه قال مطرنا فى وقت كذا فهذا لا يكفر واختلفوا فى كراهته والأظهر كراهته لكنها كراهة تنزيه لا اثم فيها وسبب الكراهة انها كلمة مترددة بين الكفر وغيره فيساء الظن بصاحبها ولأنها شعار الجاهلية ومن سلك مسلكهم والقول الثانى فى أصل تأويل الحديث أن المراد كفر نعمة الله تعالى لاقتصاره على اضافة الغيث إلى الكوكب وهذا فيمن لا يعتقد تدبير الكوكب ويؤيد هذا التأويل الرواية الاخيرة فى الباب أصبح من الناس شاكر وكافر وفى الرواية الأخرى ما أنعمت على عبادى من نعمة الا اصبح فريق منهم بها كافرين وفى الرواية الاخرى ما أنزل الله تعالى من السماء من بركة الا اصبح فريق من الناس بها كافرين فقوله بها يدل على أنه كفر بالنعمة والله اعلم وأما النوء ففيه كلام طويل قد لخصه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله فقال النوء فى أصله ليس هو نفس الكوكب فانه مصدر ناء النجم ينوء نوءا أى سقط وغاب وقيل أى نهض وطلع وبيان ذلك أن ثمانية وعشرين نجما معروفة المطالع فى أزمنة السنة كلها وهى المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين يسقط فى كل ثلاثة عشرة ليلة منها نجم فى المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله فى المشرق من ساعته وكان أهل الجاهلية اذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منهما وقال الاصمعى إلى الطالع منهما قال ابو عبيد ولم أسمع احدا ينسب النوء للسقوط الا فى هذا الموضع ثم ان النجم نفسه قد يسمى نوءا تسمية للفاعل بالمصدر قال أبو إسحاق الزجاج فى بعض أماليه الساقطة فى الغرب هي الانواء والطالعة فى المشرق هي البوارح والله اعلم [ 73 ] وأما قوله فى رواية بن عباس رضى الله عنهما ( مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم
(2/61)
فقال النبى صلى الله عليه و سلم أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا هذه رحمة الله وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا قال فنزلت هذه الآية فلا أقسم بمواقع النجوم حتى بلغ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) فقال الشيخ أبو عمرو رحمه الله ليس مراده أن جميع هذا نزل فى قولهم فى الأنواء فان الامر فى ذلك وتفسيره يأبى ذلك وانما النازل فى ذلك قوله تعالى وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون والباقى نزل فى غير ذلك ولكن اجتمعا فى وقت النزول فذكر الجميع من أجل ذلك قال الشيخ أبوعمرو رحمه الله ومما يدل على هذا أن فى بعض الروايات عن بن عباس رضى الله عنهما فى ذلك الاقتصار على هذا القدر اليسير فحسب هذا آخر كلام الشيخ رحمه الله وأما تفسير الآية فقيل تجعلون زرقكم أى شكركم كذا قاله بن عباس والأكثرون وقيل تجعلون شكر رزقكم قاله الازهرى وأبو على الفارسى وقال الحسن أى تجعلون حظكم وأما مواقع النجوم فقال الأكثرون المراد نجوم السماء ومواقعها مغاربها وقيل مطالعها وقيل انكدارها وقيل انتثارها يوم القيامة وقيل النجوم نجوم القرآن وهى أوقات نزوله وقال مجاهد مواقع النجوم محكم القرآن والله أعلم وأما ما يتعلق بالأسانيد ففيه عمرو بن سواد بتشديد الواو آخره دال وفيه أبو يونس مولى أبى هريرة واسمه سليم بن جبير بضم أولهما وفيه عباس بن عبد العظيم العنبرى هو بالسين المهملة والعنبرى بالعين المهملة والنون بعدها موحدة قال القاضي وضبطه العذرى الغبرى بالغين المعجمة وهو تصحيف بلا شك وفيه أبو زميل بضم الزاى وفتح الميم واسمه سماك بن الوليد الحنفى اليمامى قال بن عبدالبر اجمعوا على أنه ثقة والله اعلم وأما قول مسلم رحمه الله حدثنى محمد بن سلمة المرادى حدثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث قال مسلم رحمه الله وحدثنى عمرو بن سواد أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث أن أبا يونس مولى أبى هريرة حدثه عن أبى هريرة فهذا الاسناد كله بصريون الا أبا
(2/62)
هريرة فمدنى وأنما أتى مسلم بعبد الله بن وهب وعمرو بن الحارث أولا ثم أعادهما ولم يقتصر على قوله حدثنا محمد وعمرو بن سواد لاختلاف لفظ الروايات كما ترى وقد نبهنا على مثل هذا التدقيق والاحتياط لمسلم رحمه الله فى مواضع والله اعلم بالصواب
(2/59)
مؤمن بى وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بى كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بى مؤمن بالكوكب ) أما الحديبية ففيها لغتان تخفيف الياء وتشديدها والتخفيف هو الصحيح المشهور المختار وهو قول الشافعى وأهل اللغة وبعض المحدثين والتشديد قول الكسائى وبن وهب وجماهير المحدثين واختلافهم فى الجعرانة كذلك فى تشديد الراء وتخفيفها والمختار فيها أيضا التخفيف وقوله على اثر سماء هو بكسر الهمزة واسكان الثاء وبفتحهما جميعا لغتان مشهورتان والسماء المطر وأما معنى الحديث فاختلف العلماء فى كفر من قال مطرنا بنوء كذا على قولين أحدهما هو كفر بالله سبحانه وتعالى سالب لأصل الايمان مخرج من ملة الاسلام قالوا وهذا فيمن قال ذلك معتقدا أن الكوكب فاعل مدبر منشىء للمطر كما كان بعض أهل الجاهلية يزعم ومن أعتقد هذا فلا شك فى كفره وهذا القول هو الذى ذهب إليه جماهير العلماء والشافعى منهم وهو ظاهر الحديث قالوا وعلى هذا لو قال مطرنا بنوء كذا معتقدا أنه من الله تعالى
(2/60)
وبرحمته وأن النوء ميقات له وعلامة اعتبارا بالعادة فكأنه قال مطرنا فى وقت كذا فهذا لا يكفر واختلفوا فى كراهته والأظهر كراهته لكنها كراهة تنزيه لا اثم فيها وسبب الكراهة انها كلمة مترددة بين الكفر وغيره فيساء الظن بصاحبها ولأنها شعار الجاهلية ومن سلك مسلكهم والقول الثانى فى أصل تأويل الحديث أن المراد كفر نعمة الله تعالى لاقتصاره على اضافة الغيث إلى الكوكب وهذا فيمن لا يعتقد تدبير الكوكب ويؤيد هذا التأويل الرواية الاخيرة فى الباب أصبح من الناس شاكر وكافر وفى الرواية الأخرى ما أنعمت على عبادى من نعمة الا اصبح فريق منهم بها كافرين وفى الرواية الاخرى ما أنزل الله تعالى من السماء من بركة الا اصبح فريق من الناس بها كافرين فقوله بها يدل على أنه كفر بالنعمة والله اعلم وأما النوء ففيه كلام طويل قد لخصه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله فقال النوء فى أصله ليس هو نفس الكوكب فانه مصدر ناء النجم ينوء نوءا أى سقط وغاب وقيل أى نهض وطلع وبيان ذلك أن ثمانية وعشرين نجما معروفة المطالع فى أزمنة السنة كلها وهى المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين يسقط فى كل ثلاثة عشرة ليلة منها نجم فى المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله فى المشرق من ساعته وكان أهل الجاهلية اذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منهما وقال الاصمعى إلى الطالع منهما قال ابو عبيد ولم أسمع احدا ينسب النوء للسقوط الا فى هذا الموضع ثم ان النجم نفسه قد يسمى نوءا تسمية للفاعل بالمصدر قال أبو إسحاق الزجاج فى بعض أماليه الساقطة فى الغرب هي الانواء والطالعة فى المشرق هي البوارح والله اعلم [ 73 ] وأما قوله فى رواية بن عباس رضى الله عنهما ( مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم
(2/61)
فقال النبى صلى الله عليه و سلم أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا هذه رحمة الله وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا قال فنزلت هذه الآية فلا أقسم بمواقع النجوم حتى بلغ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) فقال الشيخ أبو عمرو رحمه الله ليس مراده أن جميع هذا نزل فى قولهم فى الأنواء فان الامر فى ذلك وتفسيره يأبى ذلك وانما النازل فى ذلك قوله تعالى وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون والباقى نزل فى غير ذلك ولكن اجتمعا فى وقت النزول فذكر الجميع من أجل ذلك قال الشيخ أبوعمرو رحمه الله ومما يدل على هذا أن فى بعض الروايات عن بن عباس رضى الله عنهما فى ذلك الاقتصار على هذا القدر اليسير فحسب هذا آخر كلام الشيخ رحمه الله وأما تفسير الآية فقيل تجعلون زرقكم أى شكركم كذا قاله بن عباس والأكثرون وقيل تجعلون شكر رزقكم قاله الازهرى وأبو على الفارسى وقال الحسن أى تجعلون حظكم وأما مواقع النجوم فقال الأكثرون المراد نجوم السماء ومواقعها مغاربها وقيل مطالعها وقيل انكدارها وقيل انتثارها يوم القيامة وقيل النجوم نجوم القرآن وهى أوقات نزوله وقال مجاهد مواقع النجوم محكم القرآن والله أعلم وأما ما يتعلق بالأسانيد ففيه عمرو بن سواد بتشديد الواو آخره دال وفيه أبو يونس مولى أبى هريرة واسمه سليم بن جبير بضم أولهما وفيه عباس بن عبد العظيم العنبرى هو بالسين المهملة والعنبرى بالعين المهملة والنون بعدها موحدة قال القاضي وضبطه العذرى الغبرى بالغين المعجمة وهو تصحيف بلا شك وفيه أبو زميل بضم الزاى وفتح الميم واسمه سماك بن الوليد الحنفى اليمامى قال بن عبدالبر اجمعوا على أنه ثقة والله اعلم وأما قول مسلم رحمه الله حدثنى محمد بن سلمة المرادى حدثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث قال مسلم رحمه الله وحدثنى عمرو بن سواد أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث أن أبا يونس مولى أبى هريرة حدثه عن أبى هريرة فهذا الاسناد كله بصريون الا أبا
(2/62)
هريرة فمدنى وأنما أتى مسلم بعبد الله بن وهب وعمرو بن الحارث أولا ثم أعادهما ولم يقتصر على قوله حدثنا محمد وعمرو بن سواد لاختلاف لفظ الروايات كما ترى وقد نبهنا على مثل هذا التدقيق والاحتياط لمسلم رحمه الله فى مواضع والله اعلم بالصواب
عدد المشاهدات *:
432104
432104
عدد مرات التنزيل *:
0
0
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 10/03/2015