اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الجمعة 18 شوال 1445 هجرية
????? ??????????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ??????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? ? ????? ?????? ????? ?????? ???? ???????? ??? ????? ??? ??? ???? ????? ????????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?????? ?????????? ??????? ?? ?????? ? ??????????? ????????? ? ??? ?????? ?????? ? ? ??? ??????? ?? ????? ? ???????? ?????? ? ???????? ????? ?? ????? ????? ? ?? ????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

العلم

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين لكتاب رياض الصالحين للإمام النووي رحمهم الله تعالى
المجلد الثاني
المبادرة إلى فعل الخيرات
باب المجاهدة
100 ـ السادس : عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير . أحرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز . وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله ، ما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) . رواه مسلم(60) .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين لكتاب رياض الصالحين للإمام النووي رحمهم الله تعالى
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ) .
المؤمن القوي : يعني في إيمانه ، وليس المراد القوي في بدنه ؛ لأن قوة البدن قد تكون ضرراً على الإنسان إذا استعمل هذه القوة في معصية الله ، فقوة البدن ليست محمودة ولا مذمومة في ذاتها ، إن كان الإنسان استعمل هذه القوة فيما ينفعه في الدنيا والآخرة صارت محمودة وإن استعان بهذه القوة على معصية الله صارت مذمومة .
لكن القوة في قوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن القوي )، تعني قوة الإيمان ، لأن كلمة القوى تعود إلى الوصف السابق وهو الإيمان ، كما تقول : الرجل القوي ، أي في رجولته ، كذلك المؤمن القوي يعني في إيمانه ؛ لأن المؤمن القوي في إيمانه تحمله قوة إيمانه على أن يقوم بما أوجب الله عليه ، وعلى أن يزيد من النوافل ما شاء الله ، والضعيف الإيمان يكون إيمانه ضعيفاً لا يحمله على فعل الواجبات ، وترك المحرمات فيقصر كثيراً .
وقوله : (خير ) يعني خير من المؤمن الضعيف ، وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، ثم قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : ( وفي كل خير ) يعني المؤمن القوي والمؤمن الضعيف كل منهما فيه خير ، وإنما قال : (وفي كل خير ) لئلا يتوهم أحد من الناس أن المؤمن الضعيف لا خير فيه ، بل المؤمن الضعيف فيه خير ، فهو خير من الكافر لا شك .
وهذا الأسلوب يسميه البلاغيون الاحتراز ، وهو أن يتكلم الإنسان كلاماً يوهم معنى لا يقصده ، فيأتي بجملة تبين أنه يقصد المعنى المعين ، ومثال ذلك في القرآن قوله تبارك وتعالى : ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) (الحديد:10) ، لما كان قوله : (أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا) يوهم أن الآخرين ليس لهم حظ من هذا ، قال : (وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) .
ومن ذلك قوله تعالى : ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ) (الأنبياء:79) ، لما كان هذا يوهم أن داود عنده نقص ، قال تعالى : ( وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ) .
ومن ذلك قوله تعالى : ( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) (النساء:95) ، فهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وفي كل خير ) أي المؤمن القوي والمؤمن الضعيف ، لكن القوي خير وأحب إلى الله .
ثم قال عليه الصلاة والسلام : ( احرص على ما ينفعك ) هذه وصية من الرسول عليه الصلاة والسلام لأمته ، وهي وصية جامعة مانعة ( احرص على ما ينفعك ) يعني أجتهد في تحصيله ومباشرته ، وضد الذي ينفع الذي فيه ضرر ، وما لا ينفع فيه ولا ضرر ، وذلك لأن الأفعال تنقسم إلى ثلاثة أقسام : قسم ينفع الإنسان ، وقسم يضره ، وقسم لا ينفع ولا يضر .
فالإنسان العاقل الذي يقبل وصية صلى الله عليه وسلم هو الذي يحرص على ما ينفعه ، وما أكثر الذين يضيعون أوقاتهم اليوم في غير فائدة ، بل في مضرة على أنفسهم وعلى دينهم ، وعلى هذا فيجدر بنا أن نقول لمثل هؤلاء : إنكم لم تعملوا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إما جهلاً منكم وإما تهاوناً ، لكن المؤمن العاقل الحازم هو الذي يقبل هذه النصيحة ، ويحرص على ما ينفعه في دينه ودنياه .
وهذا حديث عظيم ينبغي للإنسان أن يجعله نبراساً له في عمله الديني والدنيوي ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( احرص على ما ينفعك ) وهذه الكلمة كلمة جامعة عامة ، ( على ما ينفعك ) أي على كل شيء ينفعك سواء في الدين أو في الدنيا ، فإذا تعارضت منفعة الدين ومنفعة الدنيا فقدم منفعة الدين ؛ لأن الدين إذا صلح صلحت الدنيا ، أما الدنيا إذا صلحت مع فساد الدين فإنها تفسد .
وفي قوله : ( احرص على ما ينفعك ) إشارة إلى أنه تعارضت منفعتان إحداهما أعلى من الأخرى ، فإننا نقدم المنفعة العليا ؛ لأن المنفعة العليا فيها المنفعة التي دونها وزيادة ، فتدخل في قوله ( احرص على ما ينفعك ) .
فإذا اجتمع صلة أخ وصلة عم كلاهما سواء في الحاجة ، وأنت لا يمكنك أن تصل الرجلين جميعاً ،فهنا تقدم صلة الأخ لأنها أفضل وأنفع ، وكذلك أيضاً لو أنك بين مسجدين كلاهما في البعد سواء لكن أحدهما أكثر جماعة فإننا نقدم الأكثر جماعة لأنه الأفضل ، فقوله ( على ما ينفعك ) يشير إلى أنه اجتمعت منفعتان إحداهما أعلى من الأخرى فإنها تقدم الأعلى .
وبالعكس إذا كان الإنسان لابد أن يرتكب منهياً عنه من أمرين منهي عنهما وكان أحدهما أشد، فإنه يرتكب الأخف ، فالمناهي يقدم الأخف منها ، والأوامر يقدم الأعلى منها .
وقوله عليه الصلاة والسلام : ( واستعن بالله ) : ما أروع هذه الكلمة بعد قوله ( احرص على ما ينفعك ) لأن الإنسان إذا كان عاقلاً ذكياً فإنه يتتبع المنافع ويأخذ بالأنفع ويجتهد ، ويحرص ، وربما تغره نفسه حتى يعتمد على نفسه وينسى الاستعانة بالله ، وهذا يقع لكثير من الناس ، حيث يعجب بنفسه ولا يذكر الله عز وجل ويستعين به ، فإذا رأى من نفسه قوة على الأعمال وحرصاً على النافع وفعلاً له ، أعجب بنفسه ونسى الاستعانة بالله ، ولهذا قال : ( أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ) أي لا تنس الاستعانة بالله ولو على الشيء اليسير ، وفي الحديث : (ليسأل أحدكم ربه حاجته حتى يسأله الملح ، وحتى يسأله شسع نعله إذا انقطع )(61) يعني حتى الشيء اليسير لا تنس الاستعانة بالله عز وجل ، حتى ولو أردت أن تتوضأ أو تصلى أو تذهب يميناً أو شمالاً أو تضع شيئاً فاستحضر أنك مستعين بالله عز وجل ، وأنه لولا عون الله ما حصل لك هذا الشيء .
ثم قال : ( ولا تعجز ) يعني استمر في العمل ولا تعجز وتتأخر ، وتقول : إن المدى طويل والشغل كثير ، فما دمت صممت في أول الأمر أن هذا هو الأنفع لك واستعنت بالله وشرعت فيه فلا تعجز .
وهذا الحديث في الحقيقة يحتاج إلى مجلدات يتكلم عليه فيها الإنسان ؛ لأن له من الصور والمسائل ما لا يحصى ، منها مثلاً طالب العلم الذي يشرع في كتاب يرى أن فيه منفعة ومصلحة له ، ثم بعد أسبوع أو شهر يمل ، وينتقل إلى كتاب آخر ، هذا نقول عنه : إنه استعان بالله وحرص على ما ينفعه ولكنه عجز ، كيف عجز ؟ بكونه لم يستمر ، لأن معنى قوله : ( لا تعجز ) أي لا تترك العمل ؛ بل ما دمت دخلت فيه على أنه نافع فاستمر فيه ، ولذا تجد هذا الرجل يمضي عليه الوقت ولم يحصل شيئاً ؛ لأنه أحياناً يقرأ في هذا ، وأحياناً في هذا .
حتى في المسألة الجزئية ؛ تجد بعض طلبة العلم مثلاً يريد أن يرجع مسألة من المسائل في كتاب ، ثم يتصفح الكتاب ، يبحث عن هذه المسألة ، فيعرض له أثناء تصفح الكتاب مسألة أخرى يقف عندها ، ثم مسألة ثانية ، فيقف عندها ، ثم ثالثة ، فيقف ، ثم يضيع الأصل الذي فتح الكتاب من أجله ، فيضيع عليه الوقت ، وهذا ما يقع كثيراً في مثل فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ تجد الإنسان يطالعها ليأخذ مسألة ، ثم تمر مسألة أخرى تعجبه وهكذا ، وهذا ليس بصحيح ؛ بل الصحيح أن تنظر الأصل الذي فتحت الكتاب من أجله .
كذلك أيضاً في تراجم الصحابة ، في الإصابة ـ مثلاً ـ لابن حجر ـ رحمه الله ـ حين يبحث الطالب عن ترجمة صحابي من الصحابة ، ثم يفتح الكتاب من أجل أن يصل إلى ترجمته ، فتعرض له ترجمة صحابي آخر ، فيقف عندها ويقرؤها ، ثم يفتح الكتاب ، يجد صحابياً آخر ، ثم هكذا يضيع عليه الوقت ولا يحصل الترجمة التي من أجلها فتح الكتاب ، وهذا فيه ضياع للوقت .
ولهذا كان من هدي الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يبدأ بالأهم الذي تحرك من أجله ، ولذلك لما دعا عتبان بن مالك الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال له : أريد أن تأتي لتصلي في بيتي ؛ لأتخذ من المكان الذي صليت فيه مصلى لي ، فخرج النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ومعه نفر من أصحابه ، فلما وصلوا ، إلي بيت عتبان واستأذنوا ودخلوا ، وإذا عتبان قد صنع لهم طعاماً ، ولكن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يبدأ بالطعام ، بل قال : ( أين المكان الذي تريد أن نصلي فيه ؟ ) فأراه إياه ، فصلى ، ثم جلس للطعام(62) ، فهذه دليل على أن الإنسان يبدأ بالأهم ، وبالذي تحرك من أجله ؛ من أجل ألا يضيع عمله سدى .
فقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا تعجز ) أي لا تكسل وتتأخر في العمل إذا شرعت فيه ، بل استمر ؛ لأنك إذا تركت ثم شرعت في عمل آخر ، ثم تركت ثم شرعت ثم تركت ، ما تم لك عمل .
ثم قال ـ عليه الصلاة والسلام : ( فإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت لكان كذا وكذا ) ويعني بعد أن تحرص وتبذل الجهد ، وتستعين بالله ، وتستمر ، ثم يخرج الأمر على خلاف ما تريد ، فلا تقل : لو أني فعلت لكان كذا لأن هذا أمر فوق إرادتك ، أنت فعلت الذي تؤمر به ، ولكن الله ـ عز وجل ـ غالب على أمره ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21)، ونضرب مثالاً لذلك : إذا سافر رجل يريد العمرة ، ولكنه في أثناء الطريق تعطلت السيارة ، ثم رجع فقال : لو أني أخذت السيارة والأخرى لكان أحسن ، ولما حصل على التعطل ، نقول : لا تقل هكذا ؛ لأنك أنت بذلت الجهد ، ولو كان الله ـ عز وجل ـ أراد أن تبلغ العمرة ليسر لك الأمر ، ولكن الله لم يرد ذلك .
فالإنسان إذا بذل ما يستطيع مما أمر ببذله ، وأخلفت الأمور ؛ فحينئذ يفوض الأمر إلى الله ؛ لأنه فعل ما يقدر عليه ، ولهذا قال : ( إن أصابك شيء ) يعني بعد بذل الجهد والاستعانة بالله ـ عز وجل ـ ( فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا كَذا ) .
وجزى الله عنا نبينا خير الجزاء ؛ فقد بين لنا الحكمة من ذلك ، حيث قال : ( فإن لو تفتح عمل الشيطان ) أي تفتح عليك الوساوس والأحزان والندم والهموم ، حتى تقول : لو أني فعلت لكان كذا . فلا تقل هكذا ، والأمر انتهى ، ولا يمكن أن يتغير عما وقع ، وهذا أمر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، وسيكون على هذا الوضع مهما عملت .
ولهذا قال ( ولكن قل : قدر الله ) أي هذا قدر الله ، أي تقدير الله وقضاؤه ، وما شاء الله ـ عز وجل ـ فعله ( إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (هود:107) ، لا أحد يمنعه أن يفعل في ملكه ما يشاء ، ما شاء فعل ـ عز وجل .
ولكن يجب أن نعلم أنه سبحانه وتعالى ـ لا يفعل شيئاً إلا لحكمة خفيت علينا أو ظهرت لنا ، والدليل على هذا قوله تعالى : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (الإنسان:30) ،فبين أن مشيئته مقرونة بالحكمة والعلم ، وكم من شيء كره الإنسان وقوعه ، فصار في العاقبة خيراً له ، كما قال تعالى : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) (البقرة:216) ، ولقد جرت حوادث كثيرة تدل على هذه الآية ، من ذلك : قبل عدة سنوات أقلعت طائرة من الرياض متجهة إلى جدة ، وفيها ركاب كثيرون ، يزيدون عن ثلاثمائة راكب ، وكان أحد الركاب الذين سجلوا في هذه الطائرة في قاعة الانتظار ، فغلبته عيناه حتى نام ، وأعلن عن إقلاع الطائرة ، وذهب الركاب وركبوا ، فإذا بالرجل يستيقظ بعد أن أغلق الباب ، فندم ندامة شديدة ؛ كيف فاتته الطائرة ؟ ثم إن الله قدر بحكمته أن تحترق الطائرة وركابها . فسبحان الله ! كيف نجا هذا الرجل ؟ كره أنه فاتته الطائرة ، ولكن كان ذلك خيراً له .
فأنت إذا بذلت الجهد ، واستعنت بالله ، وصار الأمر على خلاف ما تريد ، لا تندم ، ولا تقل : لو أني فعلت لكان كذا ، إذا قلت هذا انفتح عليك من الوساوس والندم والأحزان ما يكدر عليك الصفو ، فقد انتهى الأمر وراح ، وعليك أن تسلم الأمر للجبار ـ عز وجل ـ قل : قدر الله وما شاء فعل .
ووالله ، لو أننا سرنا على هدي هذا الحديث لاسترحنا كثيراً ، لكن تجد الإنسان منا ؛ أولاً : لا يحرص على ما ينفعه ، بل تمضي أوقاته ليلاً ونهاراً بدون فائدة ، تضع عليه سدي . ثانياً إذا قدر أنه اجتهد في أمر ينفعه ، ثم فات الأمر ، ولم يكن على ما توقع ، تجده يندم ، ويقول : ليتني ما فعلت كذا ، ولو أني فعلت كذا لكان كذا ، وهذا ليس بصحيح ، فأنت أدّ ما عليك ، ثم بعد هذا فوض الأمر لله ـ عز وجل .
فإذا قال قائل : كيف احتج بالقدر ؟ كيف أقول : قدر الله وما شاء فعل ؟
والجواب أن نقول : نعم ؛ هذا احتجاج بالقدر ، ولكن الاحتجاج بالقدر في موضعه لا بأس به ، ولهذا قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ) (الأنعام:106،107) ، فبين له أن شركهم بمشيئته ، والاحتجاج بالقدر على الاستمرار في المعصية هذا حرام لا يجوز ، لأن الله قال : ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا ) (الأنعام:148) ، لكن الاحتجاج بالقدر في موضعه هذا لا بأس به ، فإن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ دخل ذات ليلة على عليّ بن أبي طالب وفاطمة بنت محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فوجدهما نائمين ، فقال لهما : ( ما منعكما أن تقوما ؟ ) يعني تقوما تتهجدان ، فقال علي : يا رسول الله ، إن أنفسنا بيد الله ؛ لو شاء أن نقوم لقمنا ، فخرج النبي عليه الصلاة والسلام وهو يضرب على فخذيه ، ويقول : ( وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً )(63) (الكهف:54) .
هذا جدال لكن احتجاج علي بن أبي طالب في محله ؛ لأن النائم ليس عليه حرج ، فهو لم يترك القيام وهو مستيقظ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رفع القلم عن ثلاثة )(64) ولا يبعد أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أراد أن يختبر على بن أبي طالب : ماذا يقول في الجواب ؟ وسواء كان ذلك أم لم يكن . فاحتجاج علي بالقدر هنا حجة وذلك لأنه أمر ليس باختياره ؛ هل النائم يستطيع أن يستيقظ إذا لم يوقظه الله ؟... لا إذن هو حجة.
فالاحتجاج بالقدر ممنوع إذا أراد الإنسان أن يستمر على المعصية ليدفع اللوم عن نفسه ، نقول مثلاً : يا فلان ، صل مع الجماعة ، فيقول : والله لو هداني الله لصليت ، فهذا ليس بصحيح . يقال لآخر : اقلع عن حلق اللحية ، يقول : لو هداني الله لأقلعت ، واقلع عن الدخان ، يقول لو هداني الله لأقلعت ، فهذا ليس بصحيح ؛ لأن هذا يحتج بالقدر ليستمر في المعصية والمخالفة .
لكن إن وقع الإنسان في خطأ وتاب إلى الله ، وأناب إلى الله وندم وقال : إن هذا الشيء مقدر على ، ولكن أستغفر الله وأتوب إليه ؛ نقول هذا صحيح ، إن تاب واحتج بالقدر فليس هناك مانع .


(60) تقدم تخريجه .
(61) أخرجه الترمذي ، كتاب الدعوات ، باب في الاستعاذة ، رقم (3604) وأبن حبان رقم (866، 894،895ـ إحسان ) ،وقال الترمذي :هذا حديث غريب
(62) هذا الحديث أخرجه البخاري ، كتاب الصلاة ، باب إذا دخل بيتاً يصلي ... ، رقم (424) ومسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر رقم، (33م ).
(63) أخرجه البخاري ، كتاب التهجد ، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل ،رقم (1127) ، ومسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح ، رقم (775) .
(64) أخرجه أبو داود ، كتاب الحدود ، باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً ، رقم (4401) ، والنسائي ، كتاب الطلاق ، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج رقم (3432) ، وابن ماجة ، كتاب الطلاق ، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم ، رقم (2041) ، وأحمد في المسند (6/100، 10/ ،144) والحاكم في المستدرك (2/59) وقال : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني ، انظر : الارواء رقم (297) .


عدد المشاهدات *:
420498
عدد مرات التنزيل *:
177341
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 14/04/2015

شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين لكتاب رياض الصالحين للإمام النووي رحمهم الله تعالى

روابط تنزيل : 100 ـ السادس : عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير . أحرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز . وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله ، ما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) . رواه مسلم(60) .
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا لتنزيل البرنامج / المادةاضغط هنا لتنزيل  100 ـ السادس : عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير . أحرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز . وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله ، ما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) . رواه مسلم(60) .
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  100 ـ السادس : عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير . أحرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز . وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله ، ما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) . رواه مسلم(60) . لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
برنامج تلاوة القرآن الكريم
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين لكتاب رياض الصالحين للإمام النووي رحمهم الله تعالى


@designer
1