ساق المؤلف النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين من آيات الجهاد منها ما سبق ومنها ما يلحق إن شاء الله فمن ذلك قوله تعالى كتب عليكم القتال وقد سبق أن القتال واجب على المسلمين أن يقاتلوا أعداء الله وأعداءهم من اليهود والنصارى والمشركين والشيوعيين وغيرهم كل من ليس بمسلم
فالواجب على المسلمين أن يقاتلوه حتى تكون كلمة الله هي العليا وذلك إما بإسلام هؤلاء وإما بأن يبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون نحن لا نكرههم على الإسلام لا نقول لابد أن تسلموا ولكن نقول: لابد أن يكون الإسلام هو الظاهر فإما أن تسلموا وحياكم الله وإما أن تبقوا على دينكم ولكن أعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون فإن أبوا لا الإسلام ولا الجزية وجب علينا قتالهم ولكن يجب قبل قتالهم أن نعد ما استطعنا من قوة لقوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} والقوة نوعان قوة معنوية وقوة مادية حسية القوة المعنوية الإيمان الإيمان بالله والعمل الصالح قبل أن نبدأ بجهاد غيرنا قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فالإيمان قبل الجهاد ثم بعد ذلك الإعداد بالقوة المادية ولكن مع الأسف أن المسلمين لما كان بأسهم بينهم من أزمنة متطاولة نسوا أن يعدوا هذا وهذا لا إيمان قوي ولا مادة سبقنا الكفار بالقوة المادية بالأسلحة وغيرها وتأخرنا عنهم بهذه القوة كما أننا تأخرنا عن إيماننا الذي يجب علينا تأخرا كبيرا وسار بأسنا بيننا نسأل الله السلامة والعافية.
فالقتال واجب ولكنه كغيره من الواجبات لابد من القدرة والأمة الإسلامية اليوم عاجزة لا شك عاجزة ليس عندها قوة معنوية ولا قوة مادية إذا يسقط الجواب لعدم القدرة عليه فاتقوا الله ما استطعتم
قال تعالى:} وهو كره لكم {أي القتال كره لكم ولكن الله قال} وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم {.
أول الآية خاص بماذا بالقتال وآخر الآية عام} وعسى أن تكرهوا شيئا {ولم يقل وعسى أن تكرهوا القتال ولكن قال: شيئا أي شيء يكون ربما يكره الإنسان شيئا يقع ويكون الخير فيه وربما يحب شيئا أن يقع ويكون الشر فيه وكم من شيء وقع وكرهته ثم في النهاية تجد أن الخير فيه مصداقا لقوله تعالى:} وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم {.
وهذه الآية يشبهها قوله تبارك وتعالى في النساء} فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خير كثيرا {قال: فعسى أن تكرهوا شيئا ولم يقل: فعسى أن تكرهوهن ويجعل الله فيهن خيرا كثيرا.
فهذا آمن في كل شيء قد يجري الله عز وجل بقضائه وقدره وحكمته شيئا تكرهه ثم في النهاية يكون الخير فيه والعكس ربما يجري الله عز وجل شيئا تظنه خيرا ولكنه شر عاقبته شر ولهذا ينبغي للإنسان أن يسأل الله تعالى حسن العاقبة دائما.
ثم قال:} والله يعلم وأنتم لا تعلمون {نعم الله يعلم ونحن لا نعلم لأن علم الله تعالى واسع بكل شيء عليم علم الله علم واسع للمستقبل يعلم الغيب ونحن لا نعلم يعلم كل شيء ونحن لا نعلم
بل يعلم ما توسوس به النفوس قبل أن يبدو وقبل أن يظهر ونحن لا نعلم وسأسألكم عن شيء سهل غير بعيد هل تعرفون عن روحكم شيئا الروح التي بها الحياة تعرفون عنها شيئا الجواب لا} ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا {الروح التي بين جنبيك لا تعرفها ولا تدري عنها وجملة} قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا {هذه الجملة وما أوتيتم من العلم إلا قليلا كأن فيها التوبيخ كأنه يقول: وما خفي عليكم من العلم إلا أن تعلموا هذه الروح ما أكثر العلوم التي فاتتكم والحاصل أن الله يقول:} والله يعلم وأنتم لا تعلمون {.
وقال تعالى:} انفروا خفافا وثقالا {انفروا إلى أي شيء إلى الجهاد} انفروا خفافا وثقالا {يعني انفروا حال ما يكون النفر خفيفا عليكم أو ثقيلا عليكم} انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون {أي إن كنتم من ذوي العلم فاعلموا أن ذلك خير لكم.
وقال تعالى:} إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والأنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله {انظروا لهذه الصفقة صفقة بيع تامة الشروط والأركان والوسائل: من المشتري الله والبائع المؤمنون والعوض من المؤمنين الأنفس والأموال
والعوض من الله الجنة والوثيقة وعد من الله ما هي أوراق تمزق وترمى في التوراة والإنجيل والقرآن أوثق الوثائق هذه وثيقة مكتوبة في التوراة والإنجيل والقرآن ليس هناك شيء أوثق منها وذكر التوراة والإنجيل والقرآن لأنها أوثق الكتب المنزلة على الرسل القرآن أشرفها ثم التوراة ثم الإنجيل هذه صفقة لا يمكن لها نظير كل الشروط كاملة وصفقة كبيرة عظيمة النفس والمال هو العوض من الإنسان والمعوض وهو المليك وهو الله عز وجل وهو الجنة التي قال عنها الرسول عليه الصلاة والسلام لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها موضع سوط: يعني حوالي (متر أو نحوه) خير من الدنيا وما فيها أي دنيا دنياك هذه؟ لا.
قد تكون دنياك دنيا مملؤة بالتنغيص والتنفير والعمر قصير ولكن خير من الدنيا منذ خلقت إلى يوم القيامة بما فيها من السرور والنعيم موضع السوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها.
أيهما أغلى الأنفس والأموال أم الجنة الجنة إذا البائع رابح لأنه باع النفس والمال الذي لابد من فناءه بنعيم لا يزول ومن الذي عاهد على هذا البيع الله ومن أوفى بعهده من الله من هنا استفهام بمعنى النفي يعني لا أحد أصدق وأوفى بعهده من الله وصدق الله عز وجل
(والله لا يخلف الميعاد) .
ثم قال:} فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به {يعني تستبشر النفوس بذلك وليبشر بعضكم بعضا ولهذا قال الله تعالى:} ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون {يستبشروا بهذا البيع بيع عظيم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم الجملة هذه فيها ضمير الفصل وذلك هو الفوز العظيم.
وضمير الفصل يقول العلماء يستفاد منه ثلاث فوائد: 1 - الاختصاص 2 - التوفيق 3 - التمييز بين الخبر والصفة يعني معنى ذلك هو الفوز العظيم الذي لا فوز مثله وصدق الله ورسوله ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من هؤلاء ممن باعوا أنفسهم لله عز وجل والله الموفق.
قال تعالى:} لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما {.
يعني: لا يستوي القاعدون والمجاهدون ونفي الاستواء ظاهر لأن المجاهد قد بذل نفسه وماله لله عز وجل والقاعد خائف إلا من استثنى الله عز وجل في قوله تعالى:} غير أولي الضرر {غير الذين يتضررون إذا ذهبوا إلى الجهاد وهو ثلاثة أصناف ذكرهم الله تعالى في قوله:} ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج {وكذلك الذين لا يجدون ما ينفقون أو كانوا ضعفاء في أبدانهم لقول الله تعالى:} ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم {والثالث: من قعدوا للتفقه في الدين لقوله تعالى:} وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون {.
فهؤلاء ثلاثة أصناف: 1 - أولو الضرر والضعفاء 2 - والذين لا يجدون مالا 3 - من قعدوا ليتفقهوا في الدين.
فهؤلاء معذورون إما لوجود مصلحة في بقائهم أعلى من مصلحة الجهاد وهم الذين قعدوا للتفقه في الدين وإما لعذر لا يستطيعون معه أن يذهبوا إلى الجهاد.
وقول الله تعالى:} ولا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم {المجاهدون أفضل وفي هذه الآية نفي الاستواء بين المؤمنين وأن المؤمنين ليسوا سواء فمثل ذلك قوله تعالى:
} لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى {ونفي الاستواء في القرآن العزيز كثير} قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور {وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج} والآيات كثيرة.
وأحب أن أنبه هنا على كلمة يطلقها بعض الناس قد يريدون بها خيرا وقد يطلقها بعض الناس يريدون بها شرا وهي قولهم: إن الدين الإسلامي دين المساواة فهذا كذب على الدين الإسلامي لأن الدين الإسلامي ليس دين مساواة الدين الإسلامي دين عدل وهو إعطاء كل شخص ما يستحق فإذا استوى شخصان في الأحقية فحين إذا يتساويان فيما يترتب على هذه الأحقية أما مع الاختلاف فلا ولا يمكن أن يطلق على أن الدين الإسلامي دين مساواة أبدا بل إنه دين العدل لقول الله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى} .
هذه الكلمة: الدين الإسلامي دين المساواة قد يطلقها بعض الناس ويريد بها شرا فمثلا يقول: لا فرق بين الذكر والأنثى الدين دين مساواة الأنثى أعطوها من الحقوق مثل ما تعطون الرجل ...
لماذا لأن الدين الإسلامي دين المساواة الاشتراكيون يقولون: الدين دين مساواة لا يمكن هذا غني جدا وهذا فقير جدا لابد أن نأخذ من مال الغني ونعطي الفقير لأن الدين دين المساواة فيريدون بهذه الكلمة شرا ولما كانت هذه الكلمة قد يراد بها خير وقد يراد
بها شر لم يوصف الدين الإسلامي بها بل يوصف بأنه دين العدل الذي أمر الله به {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} ما قال: بالمساواة ولا يمكن أن يتساوى اثنان أحدهما أعمى والثاني بصير أحدهما عالم والثاني جاهل أحدهما نافع للخلق والثاني شرير لا يمكن أن يستوون.
العدل الصحيح: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى} لهذا أحببت التنبيه عليها لأن كثيرا من الكتاب العصريين أو غيرهم يطلق هذه الكلمة ولكنه لا يتفطن لمعناها ولا يتفطن أن الدين الإسلامي لا يمكن أن يأتي بالمساواة من كل وجه مع الاختلاف أبدا لو أنه حكم بالمساواة مع وجود الفارق لكان دينا غير مستقيم فعلى المسلم ألا يسوي بين اثنين بينهما تضاد أبدا لكن إذا استووا من كل وجه صار العدل أن يعطي كل واحد منهما ما يعطي الآخر.
وعلى كل حال فهذه الكلمة ينبغي لطالب العلم أن يتفطن لها وأن يتفطن لغيرها أيضا من الكلمات التي يطلقها بعض الناس وهو لا يعلم معناها ولا يعلم مغزاها.
ومن ذلك أيضا قول بعضهم: اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه هذه كلمة عظيمة لا تجوز لا أسألك رد القضاء؟ وقد قال النبي: لا يرد القضاء إلا الدعاء الدعاء لا يرد القضاء لكن من أثر الدعاء إذا دعوت الله تعالى بكشف ضر فهذا قد كتب في الأزل في اللوح المحفوظ أن الله تعالى يرفع هذا الضر عنك بدعائك فكله مكتوب وأنت إذا قلت لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه كأنك تقول: ما يهمني ترفع
أو لا ترفع لكن الإنسان يطلب رفع كل ما نزل به فلا تقل اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه قل: اللهم إني أسألك العفو والعافية اللهم اشفني من مرضي اللهم أغنني من فقري الهم اقض عني الدين اللهم علمني ما جهلت وما أشبه ذلك أما لا أسألك رد القضاء فالله تعالى يفعل ما يشاء ولا أحد يرده لكن أنت مفتقر إلى الله أما هذا الكلام لا أصل له ولا يجوز بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت وهي أهون من اللهم لا أسألك رد القضاء لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت وليعزم المسألة فإن الله تعالى لا مكره له وفي لفظ فإن الله لا يتعاظمه شيء.
وأرجو منكم حين جرى التنبيه على هاتين الكلمتين الدين الإسلامي دين المساواة واللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه إذا سمعتم أحدا يقول ذلك أن تنبهوه وتتعاونوا على البر والتقوى وأكثر ما في القرآن العزيز هو نفي الاستواء لم يأت ذكر الاستواء إلا في مواطن قليلة مثل قوله تعالى: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء}
فالمراد نفي المساواة {هل لكم} هذا الاستفهام بمعنى النفي هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء والجواب لا إذا فالمراد نفي المساواة وعلى كل حال فإني أنصح وأريد منكم إذا سمعتم أحدا يقول هذا فقل له لا ليس دين المساواة بل هو الدين العدل فهو إعطاء كل واحد ما يستحق.
والقول الآخر لا أسألك رد القضاء ...
هذا كلام لغو من يرد القضاء لكن من قضاء الله أن يرفع عنك المرض أو يرفع عنك الجهل نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في ديننا وألا يجعلنا إمعة نقول ما يقول الناس ولا ندري ما نقول والله الموفق.
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين} والآيات & في الباب كثيرة مشهورة.
{يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} صدر الله تعالى هذه الآيات بهذا النداء الشريف الموجه للمؤمنين من أجل إثارة هممهم وتنشيطهم على قبول ما يسمعون من كلام الله عز وجل.
{يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} القائل هو ربنا عز وجل وهذا الاستفهام للتشويق يشوقنا جل وعلا بهذه التجارة التي يدلنا عليها ويستفاد من قوله: {هل أدلكم} أنه ليس لنا طريق إلى هذه التجارة إلا الطريق الذي شرعه الله عز وجل هو الدال على ذلك {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} وهذه التجارة ليست تجارة الدنيا لأن تجارة الدنيا قد تنجي من العذاب الأليم وقد تكون سببا للعذاب الأليم فالرجل الذي عنده مال لا يزكي يكون ماله عذابا عليه والعياذ بالله {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير} .
تجارة الدنيا قد تنجي من العذاب وقد توقع في العذاب لكن هذه التجارة التي عرضها الله عز وجل علينا ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يقبلونها يقول: (تنجيكم من عذاب أليم) أي عذاب مؤلم لأنه لا
عذاب أشد ألما من عذاب النار أعاذني الله وإياكم منها.
ما هذه التجارة قال: {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} هذه التجارة: الإيمان بالله ورسوله وهذا يتضمن جميع شرائع الإسلام كلها لكن نص على الجهاد لأن السورة سورة الجهاد من أولها إلى آخرها كلها جهاد {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص} ثم ذكر ما يتعلق بذلك وهنا يقول {تجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم} أي: تبذلوا جهدكم في سبيل الله ببذل المال وبذل النفس {ذلكم خير لكم} خير لكم من كل شيء {أن كنتم تعلمون} يعني إن كنتم من ذوي العلم وفي هذه الآية وأمثالها يحسن الوقوف على قوله {ذلكم خير لكم} ولا تصل لا تقل {ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} لأنك لو وصلت لأفهمت معنى باطلا في الآية لكان المعنى: (ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون وإن كنتم لا تعلمون فليس خيرا لكم) وهذا ليس مراد الله عز وجل بل إن المعنى: ذلكم خير لكم ثم قال: إن كنتم من ذوي العلم كأنه يقول: فاعلموا ذلك إن كنتم أهلا للعلم.
هذا هو العمل فما هو الثواب {يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم} .
جنات: هي ما أعده الله عز وجل لعباده الصالحين وبالأخص المجاهدين في سبيل الله إن في الجنة مائة درجة أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله ولهذا جمع جنات تجري من تحتها الأنهار
أي من تحت قصورها وأشجارها وهي أنهار ليست كأنهار الدنيا أربعة أصناف: أنهار من ماء غير آسن يعني: لا يمكن أن يتغير بخلاف ماء الدنيا فإنه إذا بقي يتغير وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى أنهار تجري أنهار العسل فيها لم يخرج من النحل واللبن لم يخرج من ضرع بهيمة والماء لم يخرج من نبع أرض وكذلك الخمر لم يخرج من زبيب أو تمر أو شعير أو غير ذلك أنهار خلقها الله عز وجل في الجنة تجري هذه الأنهار ورد في الحديث أنها أنهار لا تحتاج إلى شق ولا إلى سد يعني ما يحتاج أن تضع له أخدودا تمنعه من التسرب يمينا وشمالا.
قال ابن القيم في النونية:
أنهارها في غير أخدود جرت ...
سبحان ممسكها عن الفيضان
جل وعلا ثم هذا النهر يأتي طوعك ذلك أن تطلب أن الماء يذهب يمينا يذهب يسارا يذهب أماما يذهب يتوقف يتوقف كما تشاء.
وقوله: {ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم} مساكن طيبة: طيبة في بنائها طيبة في غرفها طيبة في منظرها طيبة في مسكنها طيبة من كل ناحية والساكن فيها حور مقصورات في الخيام خيام من لؤلؤ مرتفعة من أحسن ما تراه بصرا قال النبي صلى الله عليه وسلم: جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما
فيهما اللبن: لبن البناء ليس من الطوب والتراب بل هو من الذهب أو من الفضة ولهذا وصفها الله بالطيب.
ثم إن من طيبها أن ساكنها لا يبغي عنها حولا..
مساكن الدنيا مهما حسنت سترى ما هو أحسن من بيتك فتقول: ليت هذا لي.
لكن في الجنة لا تبغي حولا عن مسكنك ولا انتقال كل إنسان يرى أنه هو أنعم أهل الجنة لكي لا ينكسر قلبه لو رأى من هو أفضل منه ولكن يرى أنه أنعم أهل الجنة عكس ذلك أهل النار أهل النار يرى أنه أشد أهل النار عذابا وإن كان هو أهونهم.
فهذه المساكن الطيبة في جنات عدن قال العلماء العدن بمعنى الإقامة..
ومنه المعدن في الأرض لطول إقامته بمعدنه ومكانه.
أي في جنات إقامة لا يمكن أن تزول أبد الآبدين ...
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.
(ذلك الفوز العظيم) الفوز أن ينال الإنسان ما يريد وينجو مما يخاف العظيم الذي لا أعظم منه ريح ليس فوقه ريح عوض ليس فوقه عوض لهؤلاء الذين آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيل الله أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم منهم ولا يحرمنا هذا الفضل بسوء أعمالنا وأن يعاملنا بعفوه إنه على كل شيء قدير.
فالواجب على المسلمين أن يقاتلوه حتى تكون كلمة الله هي العليا وذلك إما بإسلام هؤلاء وإما بأن يبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون نحن لا نكرههم على الإسلام لا نقول لابد أن تسلموا ولكن نقول: لابد أن يكون الإسلام هو الظاهر فإما أن تسلموا وحياكم الله وإما أن تبقوا على دينكم ولكن أعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون فإن أبوا لا الإسلام ولا الجزية وجب علينا قتالهم ولكن يجب قبل قتالهم أن نعد ما استطعنا من قوة لقوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} والقوة نوعان قوة معنوية وقوة مادية حسية القوة المعنوية الإيمان الإيمان بالله والعمل الصالح قبل أن نبدأ بجهاد غيرنا قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فالإيمان قبل الجهاد ثم بعد ذلك الإعداد بالقوة المادية ولكن مع الأسف أن المسلمين لما كان بأسهم بينهم من أزمنة متطاولة نسوا أن يعدوا هذا وهذا لا إيمان قوي ولا مادة سبقنا الكفار بالقوة المادية بالأسلحة وغيرها وتأخرنا عنهم بهذه القوة كما أننا تأخرنا عن إيماننا الذي يجب علينا تأخرا كبيرا وسار بأسنا بيننا نسأل الله السلامة والعافية.
فالقتال واجب ولكنه كغيره من الواجبات لابد من القدرة والأمة الإسلامية اليوم عاجزة لا شك عاجزة ليس عندها قوة معنوية ولا قوة مادية إذا يسقط الجواب لعدم القدرة عليه فاتقوا الله ما استطعتم
قال تعالى:} وهو كره لكم {أي القتال كره لكم ولكن الله قال} وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم {.
أول الآية خاص بماذا بالقتال وآخر الآية عام} وعسى أن تكرهوا شيئا {ولم يقل وعسى أن تكرهوا القتال ولكن قال: شيئا أي شيء يكون ربما يكره الإنسان شيئا يقع ويكون الخير فيه وربما يحب شيئا أن يقع ويكون الشر فيه وكم من شيء وقع وكرهته ثم في النهاية تجد أن الخير فيه مصداقا لقوله تعالى:} وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم {.
وهذه الآية يشبهها قوله تبارك وتعالى في النساء} فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خير كثيرا {قال: فعسى أن تكرهوا شيئا ولم يقل: فعسى أن تكرهوهن ويجعل الله فيهن خيرا كثيرا.
فهذا آمن في كل شيء قد يجري الله عز وجل بقضائه وقدره وحكمته شيئا تكرهه ثم في النهاية يكون الخير فيه والعكس ربما يجري الله عز وجل شيئا تظنه خيرا ولكنه شر عاقبته شر ولهذا ينبغي للإنسان أن يسأل الله تعالى حسن العاقبة دائما.
ثم قال:} والله يعلم وأنتم لا تعلمون {نعم الله يعلم ونحن لا نعلم لأن علم الله تعالى واسع بكل شيء عليم علم الله علم واسع للمستقبل يعلم الغيب ونحن لا نعلم يعلم كل شيء ونحن لا نعلم
بل يعلم ما توسوس به النفوس قبل أن يبدو وقبل أن يظهر ونحن لا نعلم وسأسألكم عن شيء سهل غير بعيد هل تعرفون عن روحكم شيئا الروح التي بها الحياة تعرفون عنها شيئا الجواب لا} ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا {الروح التي بين جنبيك لا تعرفها ولا تدري عنها وجملة} قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا {هذه الجملة وما أوتيتم من العلم إلا قليلا كأن فيها التوبيخ كأنه يقول: وما خفي عليكم من العلم إلا أن تعلموا هذه الروح ما أكثر العلوم التي فاتتكم والحاصل أن الله يقول:} والله يعلم وأنتم لا تعلمون {.
وقال تعالى:} انفروا خفافا وثقالا {انفروا إلى أي شيء إلى الجهاد} انفروا خفافا وثقالا {يعني انفروا حال ما يكون النفر خفيفا عليكم أو ثقيلا عليكم} انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون {أي إن كنتم من ذوي العلم فاعلموا أن ذلك خير لكم.
وقال تعالى:} إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والأنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله {انظروا لهذه الصفقة صفقة بيع تامة الشروط والأركان والوسائل: من المشتري الله والبائع المؤمنون والعوض من المؤمنين الأنفس والأموال
والعوض من الله الجنة والوثيقة وعد من الله ما هي أوراق تمزق وترمى في التوراة والإنجيل والقرآن أوثق الوثائق هذه وثيقة مكتوبة في التوراة والإنجيل والقرآن ليس هناك شيء أوثق منها وذكر التوراة والإنجيل والقرآن لأنها أوثق الكتب المنزلة على الرسل القرآن أشرفها ثم التوراة ثم الإنجيل هذه صفقة لا يمكن لها نظير كل الشروط كاملة وصفقة كبيرة عظيمة النفس والمال هو العوض من الإنسان والمعوض وهو المليك وهو الله عز وجل وهو الجنة التي قال عنها الرسول عليه الصلاة والسلام لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها موضع سوط: يعني حوالي (متر أو نحوه) خير من الدنيا وما فيها أي دنيا دنياك هذه؟ لا.
قد تكون دنياك دنيا مملؤة بالتنغيص والتنفير والعمر قصير ولكن خير من الدنيا منذ خلقت إلى يوم القيامة بما فيها من السرور والنعيم موضع السوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها.
أيهما أغلى الأنفس والأموال أم الجنة الجنة إذا البائع رابح لأنه باع النفس والمال الذي لابد من فناءه بنعيم لا يزول ومن الذي عاهد على هذا البيع الله ومن أوفى بعهده من الله من هنا استفهام بمعنى النفي يعني لا أحد أصدق وأوفى بعهده من الله وصدق الله عز وجل
(والله لا يخلف الميعاد) .
ثم قال:} فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به {يعني تستبشر النفوس بذلك وليبشر بعضكم بعضا ولهذا قال الله تعالى:} ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون {يستبشروا بهذا البيع بيع عظيم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم الجملة هذه فيها ضمير الفصل وذلك هو الفوز العظيم.
وضمير الفصل يقول العلماء يستفاد منه ثلاث فوائد: 1 - الاختصاص 2 - التوفيق 3 - التمييز بين الخبر والصفة يعني معنى ذلك هو الفوز العظيم الذي لا فوز مثله وصدق الله ورسوله ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من هؤلاء ممن باعوا أنفسهم لله عز وجل والله الموفق.
قال تعالى:} لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما {.
يعني: لا يستوي القاعدون والمجاهدون ونفي الاستواء ظاهر لأن المجاهد قد بذل نفسه وماله لله عز وجل والقاعد خائف إلا من استثنى الله عز وجل في قوله تعالى:} غير أولي الضرر {غير الذين يتضررون إذا ذهبوا إلى الجهاد وهو ثلاثة أصناف ذكرهم الله تعالى في قوله:} ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج {وكذلك الذين لا يجدون ما ينفقون أو كانوا ضعفاء في أبدانهم لقول الله تعالى:} ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم {والثالث: من قعدوا للتفقه في الدين لقوله تعالى:} وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون {.
فهؤلاء ثلاثة أصناف: 1 - أولو الضرر والضعفاء 2 - والذين لا يجدون مالا 3 - من قعدوا ليتفقهوا في الدين.
فهؤلاء معذورون إما لوجود مصلحة في بقائهم أعلى من مصلحة الجهاد وهم الذين قعدوا للتفقه في الدين وإما لعذر لا يستطيعون معه أن يذهبوا إلى الجهاد.
وقول الله تعالى:} ولا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم {المجاهدون أفضل وفي هذه الآية نفي الاستواء بين المؤمنين وأن المؤمنين ليسوا سواء فمثل ذلك قوله تعالى:
} لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى {ونفي الاستواء في القرآن العزيز كثير} قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور {وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج} والآيات كثيرة.
وأحب أن أنبه هنا على كلمة يطلقها بعض الناس قد يريدون بها خيرا وقد يطلقها بعض الناس يريدون بها شرا وهي قولهم: إن الدين الإسلامي دين المساواة فهذا كذب على الدين الإسلامي لأن الدين الإسلامي ليس دين مساواة الدين الإسلامي دين عدل وهو إعطاء كل شخص ما يستحق فإذا استوى شخصان في الأحقية فحين إذا يتساويان فيما يترتب على هذه الأحقية أما مع الاختلاف فلا ولا يمكن أن يطلق على أن الدين الإسلامي دين مساواة أبدا بل إنه دين العدل لقول الله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى} .
هذه الكلمة: الدين الإسلامي دين المساواة قد يطلقها بعض الناس ويريد بها شرا فمثلا يقول: لا فرق بين الذكر والأنثى الدين دين مساواة الأنثى أعطوها من الحقوق مثل ما تعطون الرجل ...
لماذا لأن الدين الإسلامي دين المساواة الاشتراكيون يقولون: الدين دين مساواة لا يمكن هذا غني جدا وهذا فقير جدا لابد أن نأخذ من مال الغني ونعطي الفقير لأن الدين دين المساواة فيريدون بهذه الكلمة شرا ولما كانت هذه الكلمة قد يراد بها خير وقد يراد
بها شر لم يوصف الدين الإسلامي بها بل يوصف بأنه دين العدل الذي أمر الله به {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} ما قال: بالمساواة ولا يمكن أن يتساوى اثنان أحدهما أعمى والثاني بصير أحدهما عالم والثاني جاهل أحدهما نافع للخلق والثاني شرير لا يمكن أن يستوون.
العدل الصحيح: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى} لهذا أحببت التنبيه عليها لأن كثيرا من الكتاب العصريين أو غيرهم يطلق هذه الكلمة ولكنه لا يتفطن لمعناها ولا يتفطن أن الدين الإسلامي لا يمكن أن يأتي بالمساواة من كل وجه مع الاختلاف أبدا لو أنه حكم بالمساواة مع وجود الفارق لكان دينا غير مستقيم فعلى المسلم ألا يسوي بين اثنين بينهما تضاد أبدا لكن إذا استووا من كل وجه صار العدل أن يعطي كل واحد منهما ما يعطي الآخر.
وعلى كل حال فهذه الكلمة ينبغي لطالب العلم أن يتفطن لها وأن يتفطن لغيرها أيضا من الكلمات التي يطلقها بعض الناس وهو لا يعلم معناها ولا يعلم مغزاها.
ومن ذلك أيضا قول بعضهم: اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه هذه كلمة عظيمة لا تجوز لا أسألك رد القضاء؟ وقد قال النبي: لا يرد القضاء إلا الدعاء الدعاء لا يرد القضاء لكن من أثر الدعاء إذا دعوت الله تعالى بكشف ضر فهذا قد كتب في الأزل في اللوح المحفوظ أن الله تعالى يرفع هذا الضر عنك بدعائك فكله مكتوب وأنت إذا قلت لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه كأنك تقول: ما يهمني ترفع
أو لا ترفع لكن الإنسان يطلب رفع كل ما نزل به فلا تقل اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه قل: اللهم إني أسألك العفو والعافية اللهم اشفني من مرضي اللهم أغنني من فقري الهم اقض عني الدين اللهم علمني ما جهلت وما أشبه ذلك أما لا أسألك رد القضاء فالله تعالى يفعل ما يشاء ولا أحد يرده لكن أنت مفتقر إلى الله أما هذا الكلام لا أصل له ولا يجوز بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت وهي أهون من اللهم لا أسألك رد القضاء لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت وليعزم المسألة فإن الله تعالى لا مكره له وفي لفظ فإن الله لا يتعاظمه شيء.
وأرجو منكم حين جرى التنبيه على هاتين الكلمتين الدين الإسلامي دين المساواة واللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه إذا سمعتم أحدا يقول ذلك أن تنبهوه وتتعاونوا على البر والتقوى وأكثر ما في القرآن العزيز هو نفي الاستواء لم يأت ذكر الاستواء إلا في مواطن قليلة مثل قوله تعالى: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء}
فالمراد نفي المساواة {هل لكم} هذا الاستفهام بمعنى النفي هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء والجواب لا إذا فالمراد نفي المساواة وعلى كل حال فإني أنصح وأريد منكم إذا سمعتم أحدا يقول هذا فقل له لا ليس دين المساواة بل هو الدين العدل فهو إعطاء كل واحد ما يستحق.
والقول الآخر لا أسألك رد القضاء ...
هذا كلام لغو من يرد القضاء لكن من قضاء الله أن يرفع عنك المرض أو يرفع عنك الجهل نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في ديننا وألا يجعلنا إمعة نقول ما يقول الناس ولا ندري ما نقول والله الموفق.
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين} والآيات & في الباب كثيرة مشهورة.
{يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} صدر الله تعالى هذه الآيات بهذا النداء الشريف الموجه للمؤمنين من أجل إثارة هممهم وتنشيطهم على قبول ما يسمعون من كلام الله عز وجل.
{يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} القائل هو ربنا عز وجل وهذا الاستفهام للتشويق يشوقنا جل وعلا بهذه التجارة التي يدلنا عليها ويستفاد من قوله: {هل أدلكم} أنه ليس لنا طريق إلى هذه التجارة إلا الطريق الذي شرعه الله عز وجل هو الدال على ذلك {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} وهذه التجارة ليست تجارة الدنيا لأن تجارة الدنيا قد تنجي من العذاب الأليم وقد تكون سببا للعذاب الأليم فالرجل الذي عنده مال لا يزكي يكون ماله عذابا عليه والعياذ بالله {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير} .
تجارة الدنيا قد تنجي من العذاب وقد توقع في العذاب لكن هذه التجارة التي عرضها الله عز وجل علينا ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يقبلونها يقول: (تنجيكم من عذاب أليم) أي عذاب مؤلم لأنه لا
عذاب أشد ألما من عذاب النار أعاذني الله وإياكم منها.
ما هذه التجارة قال: {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} هذه التجارة: الإيمان بالله ورسوله وهذا يتضمن جميع شرائع الإسلام كلها لكن نص على الجهاد لأن السورة سورة الجهاد من أولها إلى آخرها كلها جهاد {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص} ثم ذكر ما يتعلق بذلك وهنا يقول {تجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم} أي: تبذلوا جهدكم في سبيل الله ببذل المال وبذل النفس {ذلكم خير لكم} خير لكم من كل شيء {أن كنتم تعلمون} يعني إن كنتم من ذوي العلم وفي هذه الآية وأمثالها يحسن الوقوف على قوله {ذلكم خير لكم} ولا تصل لا تقل {ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} لأنك لو وصلت لأفهمت معنى باطلا في الآية لكان المعنى: (ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون وإن كنتم لا تعلمون فليس خيرا لكم) وهذا ليس مراد الله عز وجل بل إن المعنى: ذلكم خير لكم ثم قال: إن كنتم من ذوي العلم كأنه يقول: فاعلموا ذلك إن كنتم أهلا للعلم.
هذا هو العمل فما هو الثواب {يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم} .
جنات: هي ما أعده الله عز وجل لعباده الصالحين وبالأخص المجاهدين في سبيل الله إن في الجنة مائة درجة أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله ولهذا جمع جنات تجري من تحتها الأنهار
أي من تحت قصورها وأشجارها وهي أنهار ليست كأنهار الدنيا أربعة أصناف: أنهار من ماء غير آسن يعني: لا يمكن أن يتغير بخلاف ماء الدنيا فإنه إذا بقي يتغير وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى أنهار تجري أنهار العسل فيها لم يخرج من النحل واللبن لم يخرج من ضرع بهيمة والماء لم يخرج من نبع أرض وكذلك الخمر لم يخرج من زبيب أو تمر أو شعير أو غير ذلك أنهار خلقها الله عز وجل في الجنة تجري هذه الأنهار ورد في الحديث أنها أنهار لا تحتاج إلى شق ولا إلى سد يعني ما يحتاج أن تضع له أخدودا تمنعه من التسرب يمينا وشمالا.
قال ابن القيم في النونية:
أنهارها في غير أخدود جرت ...
سبحان ممسكها عن الفيضان
جل وعلا ثم هذا النهر يأتي طوعك ذلك أن تطلب أن الماء يذهب يمينا يذهب يسارا يذهب أماما يذهب يتوقف يتوقف كما تشاء.
وقوله: {ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم} مساكن طيبة: طيبة في بنائها طيبة في غرفها طيبة في منظرها طيبة في مسكنها طيبة من كل ناحية والساكن فيها حور مقصورات في الخيام خيام من لؤلؤ مرتفعة من أحسن ما تراه بصرا قال النبي صلى الله عليه وسلم: جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما
فيهما اللبن: لبن البناء ليس من الطوب والتراب بل هو من الذهب أو من الفضة ولهذا وصفها الله بالطيب.
ثم إن من طيبها أن ساكنها لا يبغي عنها حولا..
مساكن الدنيا مهما حسنت سترى ما هو أحسن من بيتك فتقول: ليت هذا لي.
لكن في الجنة لا تبغي حولا عن مسكنك ولا انتقال كل إنسان يرى أنه هو أنعم أهل الجنة لكي لا ينكسر قلبه لو رأى من هو أفضل منه ولكن يرى أنه أنعم أهل الجنة عكس ذلك أهل النار أهل النار يرى أنه أشد أهل النار عذابا وإن كان هو أهونهم.
فهذه المساكن الطيبة في جنات عدن قال العلماء العدن بمعنى الإقامة..
ومنه المعدن في الأرض لطول إقامته بمعدنه ومكانه.
أي في جنات إقامة لا يمكن أن تزول أبد الآبدين ...
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.
(ذلك الفوز العظيم) الفوز أن ينال الإنسان ما يريد وينجو مما يخاف العظيم الذي لا أعظم منه ريح ليس فوقه ريح عوض ليس فوقه عوض لهؤلاء الذين آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيل الله أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم منهم ولا يحرمنا هذا الفضل بسوء أعمالنا وأن يعاملنا بعفوه إنه على كل شيء قدير.
عدد المشاهدات *:
536384
536384
عدد مرات التنزيل *:
200546
200546
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 30/04/2015