(1) خلق الماء طهوراً، يطهر من الأحداث والنجاسات
مسألة 1: (خلق الماء طهوراً، يطهر من الأحداث والنجاسات) لقوله سبحانه: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد» متفق عليه، والطهور: هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره، وهو الذي نزل من السماء أو نبع من الأرض وبقي على أصل خلقته، فهذا يرفع الأحداث ويزيل الأنجاس للآية.
(2) ولا تحصل الطهارة بمائع غيره
مسألة 2: (ولا تحصل الطهارة بمائع غيره) أما طهارة الحدث فلقوله سبحانه وتعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] نقلنا سبحانه وتعالى عند عدم الماء إلى التراب، فلو كان ثم مائع يجوز الوضوء به لنقلنا إليه، فلما نقلنا عنه إلى التراب دل على أنه لا تصح الطهارة للحدث إلا به.
وأما الطهارة من النجاسات فلا تجوز إلا بالماء لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأسماء في دم الحيضة: «حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء» أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
وخص الماء بالذكر فيدل على أنه لا يجوز بمائع غيره، ولأنها طهارة فلا تجوز بغير الماء كطهارة الحدث.
ص : 13
(3) فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جارياً لم ينجسه شيء
مسألة 3: (فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جارياً لم ينجسه شيء) . أما إذا بلغ قلتين لم ينجسه شيء فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء» أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن، ولفظه: «لم يحمل الخبث» ، وأخرجه الإمام أحمد في المسند، وأما إذا كان جارياً فلا ينجسه شيء وإن قل، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سئل عن بئر بضاعة وما يلقى فيها من الحيض ولحوم الكلاب والنتن: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» رواه الترمذي قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث بئر بضاعة صحيح، وهو عام في القليل والكثير.
فإن قيل: يعارضه حديث القلتين، قلنا: عنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أن حديث بئر بضاعة أصح فلا يعارضه، ولأن حديث القلتين ضعيف من حيث الاستدلال به فإن القلال تختلف، وتقديرهما بخمس قرب من أين ذلك؟ وتقدير القربة بمائة رطل يحتاج إلى دليل، فإن التقدير إنما يصار إليه بالنص ولا نص، وحديث ابن جريج «رأيت قلال هجر تسع القلة قربتين أو قربتين وشيئا» غير مقبول.
الثاني: أن دلالته على تنجيس اليسير إنما هو بالمفهوم، وحديث بئر بضاعة يدل على طهارته بالمنطوق فكان مقدماً.
الثالث: أن حديث القلتين محمول على الماء الواقف، فإنا قد أجمعنا على أن ما قبل النجاسة في الماء الجاري لا يتنجس، لأنه لم يصل إليها وما بعدها كذلك لأنها لن تصل إليه بخلاف الواقف.
فإن قيل: حديث بئر بضاعة دخله التخصيص بالقليل الواقف فإنا قد أجمعنا على أنه ينجس بوقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير فنقيس عليه القليل الجاري.
قلنا: لا يصح ذلك، وبيانه من وجهين:
أحدهما: أن الجاري له قوة ليست للواقف، فإنه يدفع التغير عن نفسه، لأنه يدفع بعضه بعضاً وليس كذلك الواقف.
والثاني: أن الجاري لو ورد على النجاسة طهرها فكذا إذا وردت عليه قياساً لأحد الواردين على الآخر، وليس هذا للواقف، فإن صب الواقف على النجاسة صار جارياً، والله تعالى أعلم وأحكم.
ص : 14
(4) إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه
مسألة 4: (إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه) . يعني أن الماء إذا تغيرت إحدى صفاته بالنجاسة ينجس على كل حال قلتين أو أكثر أو أقل وهذا أمر مجمع عليه، قال الإمام أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ليس فيه حديث، ولكن الله سبحانه حرم الميتة فإذا تغير بها فكذلك طعم الميتة وريحها فلا يحل له، وقول أحمد: " ليس فيه حديث " يعني ليس فيه حديث صحيح.
(5) وما سوى ذلك ينجس بمخالطة النجاسة
مسألة 5: (وما سوى ذلك ينجس بمخالطة النجاسة) : يعني أن ما دون القلتين يتنجس بمخالطة النجاسة وإن لم يتغير، لأن تحديده بالقلتين يدل على أن ما دونهما يتنجس، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات» متفق عليه، فدل على نجاسته من غير تغير، وفي رواية: «طهور إناء أحدكم» ... " وعنه أنه طاهر لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» قال أحمد: حديث بئر بضاعة صحيح، ولأنه لم يتغير بالنجاسة أشبه الكثير.
(6) والقلتان ما قارب مائة وثمانية أرطال بالدمشقي
مسألة 6: (والقلتان ما قارب مائة وثمانية أرطال بالدمشقي) سميت قلة لأنها تقل بالأيدي وهما خمسمائة رطل بالعراقي. وعنه أربعمائة رطل؛ لأنه يروى عن ابن جريج أنه قال: «رأيت قلال هجر فرأيت القلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئاً» ، فالاحتياط أن يجعل الشيء نصفاً فيكونان خمس قرب كل قربة مائة رطل وهو تقريب لا تحديد في الأصح، لأن القربة إنما جعلت مائة رطل تقريباً، والشيء إنما جعل نصفاً احتياطاً فإنه يستعمل بما دون النصف وهذا لا تحديد فيه.
وفيه قول آخر أنه تحديد لأن ما وجب بالاحتياط صار فرضاً كغسل جزء من الرأس،
وفائدة هذا إذا نقص الرطل أو الرطلان إذا قلنا: إنه تقريب لا ينجس الماء، وإن قلنا: إنه تحديد نجس.
ص : 15
(7) وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور وكذلك ما خالطه فغلب على اسمه أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته
مسألة 7: (وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور) سلب طهوريته إجماعا (وكذلك ما خالطه فغلب على اسمه) فصار حبراً أو صبغاً (أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته) أيضاً، لأنه زال عنه إطلاق اسم الماء أشبه ما لو تغير بزعفران، وعنه لا يسلب طهوريته لأنه استعمال لم يغير الماء أشبه ما لو تبرد به.
(8) وإذا شك في طهارة الماء أو غيره ونجاسته بنى على اليقين
مسألة 8: (وإذا شك في طهارة الماء أو غيره ونجاسته بنى على اليقين) لأنه الأصل.
(9) وإن خفي موضع النجاسة من الثوب أو غيره غسل ما يتيقن به غسلها
مسألة 9: (وإن خفي موضع النجاسة من الثوب أو غيره غسل ما يتيقن به غسلها) يعني يغسل حتى يتيقن أن الغسل قد أتى على النجاسة، كمن تنجست إحدى كميه لا يعلم أيهما غسل الكمين، أو تيقن أن الثوب قد وقعت عليه نجاسة لا يعلم موضعها غسل جميع الثوب لتحصل الطهارة بيقين.
(10) وإن اشتبه ماء طاهر بنجس ولم يجد غيرهما تيمم وتركهما
مسألة 10: (وإن اشتبه ماء طاهر بنجس ولم يجد غيرهما تيمم وتركهما) .
(11) وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما
مسألة 11: (وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما) وصلى صلاة واحدة لأنه إذا فعل ذلك حصلت له الطهارة بيقين.
(12) وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس وزاد صلاة
مسألة 12: (وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس وزاد صلاة) لأنه أمكنه تأدية فرضه بيقين من غير مشقة تلزمه كما لو اشتبه المطلق بالمستعمل.
ص : 16
(13) وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعاً إحداهن بالتراب
مسألة 13: (وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعاً إحداهن بالتراب) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب» متفق عليه، فنقيس عليه نجاسة الخنزير.
(14) ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية
مسألة 14: (ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قام أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده» علل بوهم النجاسة، ولا يزيل وهم النجاسة إلا ما يزيل حقيقتها. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما يجزئ أحدكم إذا ذهب إلى الغائط ثلاثة أحجار منقية» (رواه الدارقطني) فإذا أجزأت ثلاثة أحجار في الاستجمار فالماء أولى، لأنه أبلغ في الإنقاء، وعنه سبع مرات في غير نجاسة الكلب والخنزير قياساً عليها، وعنه مرة قياساً على النجاسة على الأرض.
(15) وإن كانت النجاسة على الأرض فصبة واحدة تذهب بعينها لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صبوا على بول الأعرابي ذنوباً من ماء»
مسألة 15: (وإن كانت النجاسة على الأرض فصبة واحدة تذهب بعينها لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صبوا على بول الأعرابي ذنوباً من ماء» وفي رواية: «سجلاً من ماء» (رواه أبو داود) .
(16) ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح
مسألة 16: (ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح) وهو أن يغمره بالماء وإن لم يزل عينه، لما روت «أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأجلسه في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله» (متفق عليه) .
(17) وكذلك المذي
مسألة 17: (وكذلك المذي) ، وفي كيفية تطهيره روايتان:
إحداهما: يجزئ نضحه لما روى «سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء فقلت: يا رسول الله، فكيف بما أصاب ثوبي منه؟ قال: " يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه» قال الترمذي: حديث صحيح،
والثانية: يجب غسله لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بغسل الذكر منه، ولأنه نجاسة من كبير أشبه البول، وعنه أنه كالمني لأنه خارج بسبب الشهوة أشبه المني، ويعفى عن يسيره لأنه يشق التحرز منه لكونه يخرج من غير اختيار.
ص : 17
(18) ويعفى عن يسيره ويسير الدم وما تولد منه من القيح والصديد ونحوه وحد اليسير هو ما لا يفحش في النفس
مسألة 18: (ويعفى عن يسير الدم) في غير المائعات (وما تولد منه من القيح والصديد) لأنه لا يمكن التحرز منه، فإن الغالب أن الإنسان لا يخلو من حكة أو بثرة. وروي عن جماعة من الصحابة الصلاة مع يسير الدم ولم يعرف لهم مخالف، (وحد اليسير هو ما لا يفحش في النفس) ، لقول ابن عباس - قال الخلال: الذي استقر عليه قوله -: إن الفاحش ما يستفحشه كل إنسان في نفسه.
(19) ومني الآدمي
مسألة 19: (ومني الآدمي) طاهر، لأن «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كانت تفرك المني من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» متفق عليه، ولأنه بدء خلق الآدمي أشبه الطين، وعنه أنه نجس ويعفى عن يسيره كالدم، لأن «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كانت تغسله من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (رواه البخاري) حديث صحيح، وعنه لا يعفى عن يسيره لأنه يمكن التحرز منه.
(20) وبول ما يؤكل لحمه طاهر
مسألة 20: (وبول ما يؤكل لحمه طاهر) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال إبل الصدقة وألبانها، ولو كان نجساً ما أمرهم به» . متفق عليه، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا في مرابض الغنم» (رواه الترمذي) ولا تخلو من أبعارها، ولم يكن لهم مصليات، فدل على طهارته. قال الترمذي: حديث حسن.
فإن قيل: إنما أذن في شرب أبوال الإبل للتداوي.
قلنا: لا يصح ذلك لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله لم يجعل فيما حرم عليكم شفاء» رواه أحمد في كتاب الأشربة. وفي لفظ رواه ابن أبي الدنيا في ذم المسكر: «إن الله لم يجعل في حرام شفاء» وعنه أنه نجس، لأنه رجيع من حيوان أشبه بول ما لا يؤكل لحمه، وحكم الروث والمني حكم البول قياساً عليه.
ص : 18
590357
106989
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/01/2017