(1) حكم الرضاع حكم النسب في التحريم والمحرمية فمتى أرضعت المرأة طفلًا صار ابنًا لها وللرجل الذي ثاب اللبن بوطئه
مسألة 1: (حكم الرضاع حكم النسب في التحريم والمحرمية) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عباس: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» متفق عليه (فمتى أرضعت المرأة طفلًا صار ابنًا لها وللرجل الذي ثاب اللبن بوطئه) فإذا حملت من رجل ثبت نسب ولدها منه فثاب لها لبن فأرضعت به طفلًا صار ولدًا لهما في تحريم النكاح وإباحة النظر والخلوة وثبوت المحرمية، وأولاده وإن سفلوا أولاد ولدهما وصارا أبويه، وآباؤهما أجداده وجداته، وإخوة المرأة وأخواتها أخواله وخالاته، وإخوة الرجل وأخواته أعمامه وعماته لقوله سبحانه: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] نص على هاتين في المحرمات فدل على ما سواهما. وروت عائشة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة» (رواه مسلم) وحديث ابن عباس قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ابنة حمزة: " لا تحل لي، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وهي ابنة أخي من الرضاعة» متفق عليه. وروت عائشة «أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعدما أنزل الحجاب، فقلت: والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس، فدخلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أخيه، قال: إيذني له فإنه عمك تربت يمينك» متفق عليه، ولأن اللبن حدث للولد والولد ولدهما، فكان المرضع بلبنه ولدهما.
(2) فيحرم عليه كل من يحرم على ابنها من النسب
ص : 405
(3) وإن أرضعت طفلة صارت بنتًا لهما تحرم على كل من تحرم عليه ابنتهما من النسب لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب»
(4) والمحرم من الرضاع ما دخل الحلق من اللبن، سواء دخل بارتضاع من الثدي أو وجور أو سعوط، محضًا كان أو مشوبًا إذا لم يستهلك
وقال أبو بكر: قياس قول الإمام أحمد أن المشوب لا ينشر الحرمة لأنه وجور، وقال أبو حامد: إن غلب اللبن حرم وإن غلب خلطه لم يحرم لأن الحكم للأغلب ويزول اسم المغلوب، والأول أصح لأن ما تعلق به الحكم غالبًا تعلق به مغلوبًا كالنجاسة والخمر.
(5) ولا يحرم إلا بشروط ثلاثة: أحدها: أن يكون لبن امرأة، بكرًا كانت أو ثيبًا، في حياتها أو بعد موتها
ص : 406
(6) فأما لبن البهيمة أو الرجل
(7) أو الخنثى المشكل فلا يحرم شيئاً الثاني: أن يكون في الحولين لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام» الثالث: أن يرتضع خمس رضعات لقول عائشة: أنزل في القرآن عشر رضعات
الشرط (الثاني: أن يكون في الحولين) لقوله سبحانه: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فجعل تمام الرضاعة حولين فيدل على أنه لا حكم لما بعدهما، وعن عائشة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عليها وعندها رجل، فتغير وجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انظرن إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة» متفق عليه. وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام» أخرجه الترمذي وقال: حديث صحيح.
الشرط (الثالث: أن يرتضع خمس رضعات) فصاعدًا، هذا الصحيح من المذهب وروي عن جماعة من الصحابة، وعنه أن قليل الرضاع وكثيره يحرم لقوله: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من يحرمن، فنسخ من ذلك خمس فصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والأمر على ذلك النسب» ، وأنه فعل يتعلق به تحريم مؤبد فلم يعتبر فيه العدد كتحريم أمهات النساء، وعنه لا يثبت التحريم إلا بثلاث رضعات لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحرم المصة ولا المصتان» روته عائشة، وروى عن أم الفضل بنت الحارث قالت: قال نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان» رواهما مسلم، ووجه الرواية الأولى ما روى عن عائشة «عن سهلة بنت سهيل أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها: " أرضعي سالمًا خمس رضعات فيحرم بلبنها» (رواه مسلم) وروى عن عائشة أنها قالت: " أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات، فنسخ من ذلك خمس، وصار إلى خمس رضعات يحرمن، فتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والأمر على ذلك " رواه مسلم، والآية تقول بها والسنة فسرت الرضاعة المحرمة، وصريح ما رويناه يخص مفهوم ما رووه فيجمع بين الأخبار بحملها على الصريح الصحيح الذي رويناه.
ص : 407
(8) ولبن الفحل محرم وإن كان لرجل امرأتان فأرضعت إحداهما بلبنه طفلًا والأخرى طفلة صارا أخوين لأن اللقاح واحد، وإن أرضعت إحداهما بلبنه طفلة ثلاث رضعات ثم أرضعتها الأخرى رضعتين صارت بنتًا له دونهما
(9) فلو كانت الطفلة زوجة له انفسخ نكاحها ولزمه نصف مهرها يرجع به عليهما أخماسًا ولم ينفسخ نكاحهما
ص : 408
(10) ولو أرضعت إحدى امرأتيه الطفلة خمس رضعات: ثلاثًا من لبنه واثنتين من لبن غيره صارت أمًا لها وحرمتا عليه وحرمت الطفلة على الرجل الآخر على التأبيد، وإن لم تكن الطفلة امرأة له لم ينفسخ نكاح المرضعة
(11) ولو تزوجت المرأة طفلًا فأرضعته خمس رضعات حرمت عليه وانفسخ نكاحها وحرمت على صاحب اللبن تحريمًا مؤبدًا لأنها صارت من حلائل أبنائه
فصل: ولو تزوج رجل كبيرة ولم يدخل بها وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة وثبت نكاح الصغيرة
(فصل: ولو تزوج رجل كبيرة ولم يدخل بها وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة) على التأبيد لأنها صارت من أمهات النساء (وثبت نكاح الصغيرة) لأنها ربيبة لم يدخل بأمها فلا تحرم لقوله سبحانه: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] ، وعنه يفسخ نكاحها وهو مذهب الشافعي، لأنهما صارتا أمًا وبنتًا واجتمعتا في نكاحه والجمع بينهما محرم فانفسخ نكاحها كالأختين، وكما لو عقد عليهما بعد الرضاع عقدًا واحدًا. ولنا أنه أمكن إزالة الجمع بانفساخ نكاح الكبيرة وهي أولى به لأن نكاحهما محرم على التأبيد فلم يبطل نكاحهما معًا كما لو ابتدأ العقد على أخته وأجنبية، ولأن الجمع طرأ على نكاح الأم والبنت فاختصت الأم بفسخ نكاحها كما لو أسلم وتحته امرأة وبنتها، وفارق الأختين لأنه ليست إحداهما بالفسخ أولى من الأخرى، وفارق ما إذا ابتدأ العقد عليهما لأن الدوام أقوى من الابتداء.
ص : 409
(12) وإن كانتا صغيرتين فأرضعتهما الكبرى حرمت الكبرى وانفسخ نكاح الصغيرتين وله نكاح من شاء من الصغيرتين
(13) وإن كن ثلاثا فأرضعتهن متفرقات حرمت الكبرى وانفسخ نكاح المرضعتين أولاً وثبت نكاح الثالثة
(14) وإن أرضعت إحداهن منفردة واثنتين بعدها معا انفسخ نكاح الثلاث
ص : 410
(15) وله نكاح من شاء منهن منفردة
(16) وإن كان دخل بالكبرى حرم الكل عليه على الأبد
(17) ولا مهر للكبرى إن كان لم يدخل بها
(18) وإن كان قد دخل بها فلها مهرها، وعليه نصف مهر الأصاغر يرجع به على الكبرى
(19) ولو دبت الصغرى على الكبرى وهي نائمة فارتضعت منها خمس رضعات حرمتها على الزوج ولها نصف مهرها يرجع به على الصغرى إن كان قبل الدخول، وإن كان بعده فلها مهرها كله لا يرجع به على أحد ولا مهر للصغرى
(20) ولو نكح امرأة ثم قال: هي أختي من الرضاع انفسخ نكاحها، ولها المهر إن كان دخل بها ونصف المهر إن كان لم يدخل بها ولم تصدقه، وإن صدقته قبل الدخول فلا شيء لها
ص : 411
(21) وإن كانت هي التي قالت هو أخي من الرضاع فأكذبها ولا بينة لها فهي امرأته في الحكم
ص : 412
466843
94357
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 09/02/2017