اللعان وهو مشتق من اللعن، لأن كل واحد منهما يلعن نفسه في الخامسة، واللعنة الطرد والإبعاد، والأصل فيه قول الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] الآيات، وروى سهل بن سعد «أن عويمر العجلاني أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك، فاذهب فأت بها، قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما فرغا قال عويم: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» متفق عليه، وحديث ابن عباس في لعان هلال بن أمية رواه أبو داود.
(1) إذا قذف الرجل امرأته البالغة العاقلة الحرة العفيفة المسلمة بالزنا لزمه الحد إن لم يلاعن
إحداهما: يشترط لأنه أحد شرطي التكليف فأشبه العقل، ولأن زنا الصبي لا يوجب حدًا فلا يجب الحد بالقذف به كزنا المجنون، والأخرى: لا يشترط لأنه حر عاقل عفيف يتغير بهذا القول الممكن صدقه، أشبه الكبير، فعلى هذه الرواية لا بد أن يكون الكبير، يجامع مثله، وأدناه عشر سنين للغلام، وللجارية تسع.
وللعان شروط لا يصح إلا بها:
الأول: أن يكون من زوجين عاقلين بالغين، سواء كانا مسلمين أو كتابيين أو رقيقين أو فاسقين، أو كان أحدهما كذلك في إحدى الروايتين، وفي الأخرى: لا يصح إلا من زوجين مسلمين حرين عدلين لأن اللعان شهادة بقوله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] وقال: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] وإن كانت المرأة ممن لا يحد بقذفها لم يجب اللعان، لأنه يراد لإسقاط الحد ولا حد هاهنا فينتفي اللعان. ودليل الأولى عموم قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الآية، ولأن اللعان يمين فلا يفتقر إلى ما شرطوه كسائر الأيمان، ودليل أنه يمين قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لولا الأيمان لكان لي ولها شأن» (رواه البخاري) وأنه يفتقر إلى اسم الله تعالى، ويستوي فيه الذكر والأنثى. وأما تسميته شهادة فلقوله في يمينه أشهد بالله، فسمي شهادة وإن كان يمينًا، كما قال الله سبحانه: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} [المنافقون: 1] ، ولأن الزوج يحتاج إلى نفي الولد فشرع له طريق إلى نفيه كما لو كانت زوجته ممن لا يحد بقذفها.
الشرط الثاني: أن يقذفها بالزنا لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الآية يعني بالزنا، وهذا رام لزوجته.
الشرط الثالث: أن تكذبه زوجته ويستمر ذلك إلى انقضاء اللعان؛ لأن الملاعنة لا تنتظم إلا من الزوجين، وإن لم تكذبه ولم تلاعنه فلم يصح اللعان.
ص : 471
(2) وإن كانت ذمية أو أمة فعليه التعزير إن لم يلاعن
إسقاطه باللعان كما له إسقاط الحد باللعان، وشرع اللعان هاهنا لإسقاط التعزير ولنفي الولد إن كان ثَمّ ولد.
ص : 472
(3) ولا يعرض له حتى تطالبه
(4) واللعان أن يقول بحضرة الحاكم أو نائبه: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا، ويشير إليها، فإن لم تكن حاضرة سماها ونسبها، ثم يوقف عند الخامسة فيقال له: اتق الله فإنها الموجبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فإن أبى إلا أن يتم فليقل: وإن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا، ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، ثم توقف عند الخامسة تُخَوَّف كما يخوف الرجل، فإن أبت إلا أن تتم فلتقل: وإن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به زوجي هذا من الزنا، ثم يقول الحاكم: قد فرقت بينكما، فتحرم عليه تحريما مؤبدا
ص : 473
(5) وإن كان بينهما ولد فنفاه انتفى عنه - سواء كان حملًا أو مولودًا -
ما لم يكن أقر به (6) أو وجد منه ما يدل على الإقرار، لما روى ابن عمر «أن رجلا لاعن امرأته وانتفى من ولدها ففرق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما وألحق الولد بالأم»
ص : 474
فصل: ومن ولدت امرأته أو أمته التي أقر بوطئها ولدًا يمكن كونه منه لحقه نسبه، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»
فصل فيما إذا ولدت امرأته أو أمته التي أقر بوطئها
(فصل: ومن ولدت امرأته أو أمته التي أقر بوطئها ولدًا يمكن كونه منه) بأن تأتي به لأكثر من ستة أشهر من حين وطئها (لحقه نسبه، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» متفق عليه.
(7) ولا ينتفي ولد المرأة إلا باللعان ولا ولد الأمة إلا بدعوى عدم استبرائها
(8) وإن لم يمكن كونه منه مثل أن تلد أمته لأقل من ستة أشهر منذ وطئها، أو امرأته لأقل من ذلك منذ أمكن اجتماعهما، ولو كان الزوج ممن لا يولد لمثله - كمن له دون عشر سنين، أو الخصي المجبوب - لم يلحقه
المجبوب المقطوع الذكر والخصيتين لم يلحق به) ولا يحتاج إلى نفيه باللعان لأنه يستحيل أن ينزل مع قطعهما فلا يكون الولد منه فلا يحتاج إلى نفيه لما سبق.
ص : 475
فصل: وإذا وطئ رجلان امرأة في طهر واحد بشبهة أو وطئ رجلان شريكان أمتهما في طهر واحد فأتت بولد، أو ادعى نسب مجهول النسب رجلان أري القافة معهما أو مع أقاربهما فألحق بمن ألحقوه منهما، فإن ألحقوه بهما لحق بهما
فصل إذا وطئ رجلان امرأة في طهر واحد بشبهة
(فصل: وإذا وطئ رجلان امرأة في طهر واحد بشبهة أو وطئ الشريكان أمتهما في طهر واحد فأتت بولد، أو ادعى نسب مجهول النسب رجلان أري القافة معهما أو مع أقاربهما بعد موتهما فألحق بمن ألحقوه به منهما، فإن ألحقوه بهما لحق بهما) لأن قول القافة معتبر في نظر الشرع، بدليل ما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عليها مسرورًا تبرق أسارير وجهه فقال: " ألم تري أن مجززًا المدلجي نظر آنفًا إلى زيد وأسامة وقد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض» متفق عليه. فلولا جواز الاعتماد على القافة لما سر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا اعتمد عليه، ولأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى به بحضرة الصحابة فلم ينكره أحد منهم فكان إجماعًا، ولأنه حكم بظن غالب ورأي راجح ممن هو من أهل الخبرة فجاز كقول المقومين.
(9) وإن أشكل أمره أو تعارض أمر القافة أو لم يوجد قافة ترك حتى يبلغ فيلحق بمن انتسب إليه منهما
(10) ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون عدلًا مجربًا في الإصابة
ص : 476

238121

79830

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 10/02/2017