مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
ثَوْبَانَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا حديث بن وَعْلَةَ فَقَدْ ذَكَّرْنَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) أَنَّ مِمَّنْ روى عن بن
وَعْلَةَ مَعَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيمٍ وَأَبُو الْخَيْرِ الْيَزَنِيِّ
وَذَكَرْنَا مَنْ رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَتَيْنَا بِالْأَحَادِيثِ بِأَسَانِيدِهَا
فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((أَيُّمَا إِهَابٍ قد دبغ فقد طهر)) هو مَا لَمْ
يَكُنْ طَاهِرًا مِنَ الْأُهُبِ كَجُلُودِ الْمَيْتَاتِ وَمَا لَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ مِنَ السِّبَاعِ عِنْدَ مَنْ
حَرَّمَهَا لِأَنَّ الطَّاهِرَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الدِّبَاغِ لِيَتَطَهَّرَ
وَمُحَالٌ أَنْ يُقَالَ فِي الْجِلْدِ الطَّاهِرِ إِذَا دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300
وهذا يَكَادُ عِلْمُهُ أَنْ يَكُونَ ضَرُورَةً
وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ نَصٌّ وَدَلِيلٌ
فَالنَّصُّ مِنْهُ طَهَارَةُ الْإِهَابِ بِالدِّبَاغِ وَالدَّلِيلُ مِنْهُ أَنَّ إِهَابَ كُلِّ مَيْتَةٌ إِنْ لَمْ يُدْبَغْ فَلَيْسَ
بِطَاهِرٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَاهِرًا فَهُوَ نَجِسٌ وَالنَّجِسُ رِجْسٌ مُحَرَّمٌ وَإِذَا كان ذلك كذلك كان
هذا الحديث معارضا لرواية بن شِهَابٍ فِي الشَّاةِ الْمَيْتَةِ إِنَّمَا حَرَّمَ أَكْلَهَا وَإِنَّمَا حَرَّمَ
لَحْمَهَا وَكَانَ مُبَيِّنًا لِلْمُرَادِ مِنْهُ وَبَطَلَ بِنَصِّهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْجِلْدَ مِنَ الْمَيْتَةِ لَا يُنْتَفَعُ
بِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ وَبَطَلَ بِالدَّلِيلِ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ - وَإِنْ لَمْ يُدْبَغْ -
يُسْتَمْتَعْ بِهِ وينتفع
وهو قول بن شِهَابٍ
وَرُوِيَ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مِثْلُهُ
وَذَكَرَهُ مَعْمَرٌ بِإِثْرِ حَدِيثِهِ الْمُسْنَدِ الْمَذْكُورِ
قَالَ مَعْمَرٌ وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يُنْكِرُ الدِّبَاغَ وَيَقُولُ يُسْتَمْتَعُ به على كل حال
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ الزهري
وروى الليث عن يونس عن بن شِهَابٍ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ قَالَ بِإِثْرِهِ فَلِذَلِكَ لَا نَرَى
بِالسِّقَاءِ فِيهَا بَأْسًا وَلَا بِبَيْعِ جِلْدِهَا وَابْتِيَاعِهِ وَعَمَلِ الْفِرَاءِ مِنْهَا
قَالَ أَبُو عمر برواية معمر عن بن شِهَابٍ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ نَقْلِ
مَنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ بن شهاب الدباغ
وقد ذكر الدباغ فيه بن عُيَيْنَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَعَقِيلٌ الزُّبَيْدِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ إِلَّا أَنَّهُمُ
اضْطُرِبَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ
وَذِكْرُ الدِّبَاغِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ ثَابِتٌ لَمْ يَضْطَّرِبْ فِيهِ
نَاقِلُوهُ
وَرَوَى بن جُرَيْجٍ وَعُمَرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةٍ مَطْرُوحَةٍ مِنَ الصَّدَقَةِ فَقَالَ ((أَفَلَا أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ
فَانْتَفَعُوا بِهِ))
وأما قول الليث فهي هذه المسألة فمثل قول بن شهاب رواه بن وَهْبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
صَالِحٍ عَنْهُ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ نَجِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ جَوَازُ بَيْعِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ إِلَّا عَنِ
اللَّيْثِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذكر بن عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ مَا يُشْبِهُ مَذْهَبَ بن شِهَابٍ وَاللَّيْثِ فِي
ذَلِكَ قَالَ مَنِ اشْتَرَى جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ وَقَطَعَهُ نِعَالًا فَلَا يَبِعْهَا حَتَّى يُبَيِّنَ
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ أَغْفَلَ فِيهَا نَاقِلُهَا وَلَمْ يُبِنْ
وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ الْمَعْرُوفِ أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ لَا يَنْتَفِعُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الدِّبَاغِ
فَكَيْفَ الْبَيْعُ الَّذِي لَا يُجِزْهُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ
وَفِي المدونة مسألة تشبه ما ذكره بن عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ مَنِ اغْتَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ غير
مدبوغ فأتلفه فعليه قيمته
وحكى بن الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ قَالَ مَالِكٌ مَنِ اغْتَصَبَ لِرَجُلٍ جِلْدَ ميتة غير مدبوغ فلا شيء عليه
قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَجُوسِيٍّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ فِي تَقْصِيرِ مَنْ قَصَرَ عَنْ ذِكْرِ الدباغ في حديث بن عباس حجة
على ما ذكره لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ سَكَتَ عَنْهُ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ حَفِظَ شَيْئًا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ دَبَاغِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا
حَدِيثُ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((دِبَاغُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ ذَكَاتُهُ))
وَقَدْ رواه قوم عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ
وَقَدْ جَاءَ حَدِيثُ مَيْمُونَةَ من غير رواية بن عباس
روى بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ
أَنَّ عبد الله بن مالك بْنَ حُذَافَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ بِنْتِ سُبَيْعٍ أَنْ مَيْمُونَةَ - زَوْجِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَتْهَا أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ وهم
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302
يَجُرُّونَ شَاةً لَهُمْ مِثْلَ الْحِمَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَوِ اتَّخَذْتُمْ
إِهَابَهَا)) فَقَالُوا إِنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ
وَالْقَرْظُ))
وَرَوَى قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ أَنَّ النَّبِيَّ
عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَتَى أهل بيت فدعا بما عِنْدَ امْرَأَةٍ قَالَتْ مَا عِنْدِي مَاءٌ
إِلَّا قربة ميتة قال أو ليس قد دبغتها قَالَتْ بَلَى قَالَ ((فَإِنَّ ذَكَاتَهَا دِبَاغُهَا))
رَوَاهُ شُعْبَةُ وَهِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ
وَذَكَرَ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ
سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَخِيهِ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
جِلْدِ الْمَيْتَةِ أَنَّ دِبَاغَهُ أَذْهَبَ خُبْثَهُ وَنَجَسَهُ أَوْ قَالَ رِجْسَهُ
وَالْآثَارُ بِهَذَا كَثِيرَةٌ فَلَا وَجْهَ لِمَنْ قَصَّرَ عَنْ ذِكْرِ الدِّبَاغِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى
أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ دِبَاغُهُ طَهُورٌ كَامِلٌ لَهُ تَجُوزُ بِذَلِكَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَالْوُضُوءُ وَالِاسْتِقَاءُ
وَالْبَيْعُ وَسَائِرُ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي جَمَاعَةِ أَهْلِ
الشَّامِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وبن الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ
وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْبَصْرِيِّينَ وَقَوْلُ دَاوُدَ وَالطَّبَرِيِ
وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا كَانَ يُرَخِّصُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا بَعْدَ الدِّبَاغِ
وَلَا يَرَى الصَّلَاةَ فِيهَا وَيَكْرَهُ بَيْعَهَا وَشِرَاءَهَا
وَعَلَى ذلك أصحابه إلا بن وَهْبٍ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ دِبَاغَ الْإِهَابِ طَهُورٌ كَامِلٌ لَهُ
فِي الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ وَالْبَيْعِ وَكُلِّ شَيْءٍ
وَقَدْ ذَكَرَ فِي ((مُوَطَّئِهِ)) عَنِ بن لَهِيعَةَ وَحَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ
قَالَ سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ أَأْكُلُ مَا
جُعِلَ فِيهَا قَالَ نَعَمْ وَيَحِلُّ ثَمَنُهَا إِذَا بُيِّنَتْ مِمَّا كَانَتْ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303
قال وحدثنا محمد بن عمرو عن بن جُرَيْجٍ قَالَ قُلْتُ لِعَطَاءٍ الْفَرْوُ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ
يُصَلَّى فِيهِ قَالَ نَعَمْ وَمَا بَأْسُهُ وَقَدْ دُبِغَ
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ لَا يُخْتَلَفُ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ أَنَّ دِبَاغَ جُلُودِ
الْمَيْتَةِ طَهُورُهَا
وَقَالَ بن وَهْبٍ سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ
وَإِلَى هَذَا ذهب بن الْحَكَمِ فِي طَهَارَةِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ كَامِلَةٌ كَالذَّكَاةِ
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ رَابِعٌ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ فِي الشُّذُوذِ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ
ذَهَبَ إِلَى تَحْرِيمِ الْجِلْدِ وَتَحْرِيمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ بِحَدِيثِ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْضِ جُهَيْنَةَ وَأَنَا غُلَامٌ شاب أَنْ لَا تَسْتَمْتِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ
بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ خُولِفَ فِيهِ شُعْبَةُ فَرُوِيَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُهَيْنَةَ لَمْ يَذْكُرْهُمْ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ عَنْ مَشْيَخَةٍ لَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا
لَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الدِّبَاغُ كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ
الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ قَبْلَ الدِّبَاغِ
فَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذلك به مخالفا لخبر بن عَبَّاسٍ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ فِي الدِّبَاغِ
فَإِنْ قِيلَ إِنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ أَتَانَا كِتَابِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ فَقَدْ يُحْتَمَلُ أن يكون حديث بن عَبَّاسٍ قَبْلَ مَوْتِهِ بِجُمُعَةٍ أَوْ مَا
شَاءَ اللَّهُ
وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ
وَقَدْ تَقَصَّيْنَا حُجَجَ الْفِرَقِ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَحُجَّةُ مَالِكٍ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ فِي الْأَشْيَاءِ الْيَابِسَةِ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304
كَالْجُلُوسِ عَلَيْهَا وَالْغَرْبَلَةِ وَالِامْتِهَانِ وَشِبْهِهِ وَكَرَاهِيَتِهِ لِبَيْعِهَا وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا حَدِيثُهُ بِذَلِكَ
عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ
وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وقال أَمَّا أَنَا فَأَسْتَقِي بِهِ فِي
خَاصَّةِ نَفْسِي وَأَكْرَهُهُ لِغَيْرِي
وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْبَابٌ لَا يَقُومُ عليه دليل
والدليل بمشهور الحديث عن بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
((أَيُّمَا إِهَابٌ دُبِغَ فَقَدْ طهر)) على أَنَّ الْبَيْعَ عِنْدَهُمْ مِنْ بَابِ الِانْتِفَاعِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ أَيُّمَا إِهَابٌ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي جَمِيعَ الْأُهُبِ وَهِيَ الْجُلُودُ كُلُّهَا لِأَنَّ
اللَّفْظَ جَاءَ فِي ذَلِكَ مَجِيءَ عُمُومٍ وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِثْلَهَا
وَهَذَا أَيْضًا مَوْضِعُ اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ
فَأَمَّا مَالِكٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَهُ فِي أَنَّهَا طَهَارَةٌ غَيْرُ كَامِلَةٍ عَلَى مَا وصفنا عنه وعليه
أصحابه إلا بن وَهْبٍ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ
وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ إِلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ
فِي عُمُومِ قَوْلِهِ أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ حَيًّا وَمَيِّتًا وَجِلْدُهُ مِثْلُ
لَحْمِهِ فَلَمَّا لَمْ تَعْمَلْ فِي لَحْمِهِ وَلَا فِي جِلْدِهِ الذَّكَاةُ لَمْ يَعْمَلِ الدِّبَاغُ فِي إِهَابِهِ شَيْئًا
وَرَوَى مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ جِلْدِ الْخِنْزِيرِ إِذَا دُبِغَ فقال لا ينتفع
به
رواه بن وَضَّاحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ مَعْنِ بن عيسى
قال بن وَضَّاحٍ قَالَ لِي سَحْنُونُ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا دُبِغَ
وَكَذَلِكَ قَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ
وَحُجَّتُهُمْ عُمُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ
وَأَنْكَرَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْقَوْلَ
وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ مِنْهُمْ النَّضِرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَنَّ الْإِهَابَ جِلْدُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَمَا عَدَاهُ
فَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ جِلْدٌ لَا إِهَابٌ
حَكَى ذَلِكَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ الْكَوْسَجُ عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)) إِنَّمَا يُقَالُ الْإِهَابُ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ
وَالْغَنَمِ وَأَمَّا السِّبَاعُ فجلود
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305
وَقَالَ الْكَوْسَجُ وَقَالَ لِي إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ كَمَا قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ
وَقَالَ أَحْمَدُ لَا أَعْرِفُ مَا قَالَ النَّضْرُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْإِهَابُ اسْمًا جَامِعًا لِلْجُلُودِ كُلِّهَا مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا
لا يؤكل لحمه لأن بن عَبَّاسٍ رَوَى حَدِيثَ شَاةِ مَيْمُونَةَ ثُمَّ رَوَى عُمُومَ الْخَبَرِ فِي كُلِّ
إِهَابٍ
وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافُ النَّاسِ فِي جُلُودِ السِّبَاعِ وَهَلْ تَعْمَلُ فِيهَا الذَّكَاةُ فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا
وَأَمَّا الدِّبَاغُ فَعَامِلٌ فِي كُلِّ إِهَابٍ وَجِلْدٍ وَمَسْكٍ
إِلَّا أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ تَحْرِيفُ التَّأْوِيلِ وَيَلْزَمُ مَنْ شَذَّ عَنْهُمُ
الرُّجُوعُ إِلَيْهِمْ خَصُّوا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْجُمْلَةِ فَلَمْ يُجِيزُوا فِيهِ الدِّبَاغَ
هَذَا عَلَى أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ الْخِنْزِيرَ جِلْدٌ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ بِالِانْتِفَاعِ فَاخْتَلَفَ
الْفُقَهَاءُ فِي الدِّبَاغِ الَّتِي تَطْهُرُ بِهِ جُلُودُ الْمَيْتَةِ
فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ كُلُّ شَيْءٍ دُبِغَ بِهِ الْجِلْدُ مِنْ مِلْحٍ أَوْ قَرَظٍ أَوْ شَبٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ
فَقَدْ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ
وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ قَالُوا كُلُّ شَيْءٍ دُبِغَ بِهِ جِلْدُ الْمَيْتَةِ فَأَزَالَ شَعْرَهُ
وَرَائِحَتَهُ وَذَهَبَ بِدَسَمِهِ وَنَشَفِهِ فَقَدْ طَهَّرَهُ وَهُوَ بِذَلِكَ الدِّبَاغِ طاهر
وهو قول داود
وذكر بن وَهْبٍ قَالَ قَالَ - يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ مَا دُبِغَتْ بِهِ الْجُلُودُ مِنْ دَقِيقٍ
أَوْ قَرَظٍ أَوْ مِلْحٍ فَهُوَ لَهَا طَهُورٌ
وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ
أَحَدُهُمَا هَذَا
وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَا يُطَهِّرُهُ إِلَّا الشَّبُّ أَوِ الْقَرْظُ لِأَنَّهُ الدِّبَاغُ الْمَعْهُودُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعَلَيْهِ خَرَجَ الْخِطَابُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ
ثَوْبَانَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا حديث بن وَعْلَةَ فَقَدْ ذَكَّرْنَا فِي ((التَّمْهِيدِ)) أَنَّ مِمَّنْ روى عن بن
وَعْلَةَ مَعَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيمٍ وَأَبُو الْخَيْرِ الْيَزَنِيِّ
وَذَكَرْنَا مَنْ رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَتَيْنَا بِالْأَحَادِيثِ بِأَسَانِيدِهَا
فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ((أَيُّمَا إِهَابٍ قد دبغ فقد طهر)) هو مَا لَمْ
يَكُنْ طَاهِرًا مِنَ الْأُهُبِ كَجُلُودِ الْمَيْتَاتِ وَمَا لَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ مِنَ السِّبَاعِ عِنْدَ مَنْ
حَرَّمَهَا لِأَنَّ الطَّاهِرَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الدِّبَاغِ لِيَتَطَهَّرَ
وَمُحَالٌ أَنْ يُقَالَ فِي الْجِلْدِ الطَّاهِرِ إِذَا دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300
وهذا يَكَادُ عِلْمُهُ أَنْ يَكُونَ ضَرُورَةً
وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ نَصٌّ وَدَلِيلٌ
فَالنَّصُّ مِنْهُ طَهَارَةُ الْإِهَابِ بِالدِّبَاغِ وَالدَّلِيلُ مِنْهُ أَنَّ إِهَابَ كُلِّ مَيْتَةٌ إِنْ لَمْ يُدْبَغْ فَلَيْسَ
بِطَاهِرٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَاهِرًا فَهُوَ نَجِسٌ وَالنَّجِسُ رِجْسٌ مُحَرَّمٌ وَإِذَا كان ذلك كذلك كان
هذا الحديث معارضا لرواية بن شِهَابٍ فِي الشَّاةِ الْمَيْتَةِ إِنَّمَا حَرَّمَ أَكْلَهَا وَإِنَّمَا حَرَّمَ
لَحْمَهَا وَكَانَ مُبَيِّنًا لِلْمُرَادِ مِنْهُ وَبَطَلَ بِنَصِّهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْجِلْدَ مِنَ الْمَيْتَةِ لَا يُنْتَفَعُ
بِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ وَبَطَلَ بِالدَّلِيلِ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ - وَإِنْ لَمْ يُدْبَغْ -
يُسْتَمْتَعْ بِهِ وينتفع
وهو قول بن شِهَابٍ
وَرُوِيَ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مِثْلُهُ
وَذَكَرَهُ مَعْمَرٌ بِإِثْرِ حَدِيثِهِ الْمُسْنَدِ الْمَذْكُورِ
قَالَ مَعْمَرٌ وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يُنْكِرُ الدِّبَاغَ وَيَقُولُ يُسْتَمْتَعُ به على كل حال
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ الزهري
وروى الليث عن يونس عن بن شِهَابٍ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ قَالَ بِإِثْرِهِ فَلِذَلِكَ لَا نَرَى
بِالسِّقَاءِ فِيهَا بَأْسًا وَلَا بِبَيْعِ جِلْدِهَا وَابْتِيَاعِهِ وَعَمَلِ الْفِرَاءِ مِنْهَا
قَالَ أَبُو عمر برواية معمر عن بن شِهَابٍ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ نَقْلِ
مَنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ بن شهاب الدباغ
وقد ذكر الدباغ فيه بن عُيَيْنَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَعَقِيلٌ الزُّبَيْدِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ إِلَّا أَنَّهُمُ
اضْطُرِبَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ
وَذِكْرُ الدِّبَاغِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ ثَابِتٌ لَمْ يَضْطَّرِبْ فِيهِ
نَاقِلُوهُ
وَرَوَى بن جُرَيْجٍ وَعُمَرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةٍ مَطْرُوحَةٍ مِنَ الصَّدَقَةِ فَقَالَ ((أَفَلَا أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ
فَانْتَفَعُوا بِهِ))
وأما قول الليث فهي هذه المسألة فمثل قول بن شهاب رواه بن وَهْبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
صَالِحٍ عَنْهُ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ نَجِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ جَوَازُ بَيْعِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ إِلَّا عَنِ
اللَّيْثِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذكر بن عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ مَا يُشْبِهُ مَذْهَبَ بن شِهَابٍ وَاللَّيْثِ فِي
ذَلِكَ قَالَ مَنِ اشْتَرَى جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ وَقَطَعَهُ نِعَالًا فَلَا يَبِعْهَا حَتَّى يُبَيِّنَ
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ أَغْفَلَ فِيهَا نَاقِلُهَا وَلَمْ يُبِنْ
وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ الْمَعْرُوفِ أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ لَا يَنْتَفِعُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الدِّبَاغِ
فَكَيْفَ الْبَيْعُ الَّذِي لَا يُجِزْهُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ
وَفِي المدونة مسألة تشبه ما ذكره بن عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ مَنِ اغْتَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ غير
مدبوغ فأتلفه فعليه قيمته
وحكى بن الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ قَالَ مَالِكٌ مَنِ اغْتَصَبَ لِرَجُلٍ جِلْدَ ميتة غير مدبوغ فلا شيء عليه
قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَجُوسِيٍّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ فِي تَقْصِيرِ مَنْ قَصَرَ عَنْ ذِكْرِ الدباغ في حديث بن عباس حجة
على ما ذكره لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ سَكَتَ عَنْهُ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ حَفِظَ شَيْئًا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ دَبَاغِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا
حَدِيثُ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((دِبَاغُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ ذَكَاتُهُ))
وَقَدْ رواه قوم عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ
وَقَدْ جَاءَ حَدِيثُ مَيْمُونَةَ من غير رواية بن عباس
روى بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ
أَنَّ عبد الله بن مالك بْنَ حُذَافَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ بِنْتِ سُبَيْعٍ أَنْ مَيْمُونَةَ - زَوْجِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَتْهَا أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ وهم
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302
يَجُرُّونَ شَاةً لَهُمْ مِثْلَ الْحِمَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَوِ اتَّخَذْتُمْ
إِهَابَهَا)) فَقَالُوا إِنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ
وَالْقَرْظُ))
وَرَوَى قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ أَنَّ النَّبِيَّ
عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَتَى أهل بيت فدعا بما عِنْدَ امْرَأَةٍ قَالَتْ مَا عِنْدِي مَاءٌ
إِلَّا قربة ميتة قال أو ليس قد دبغتها قَالَتْ بَلَى قَالَ ((فَإِنَّ ذَكَاتَهَا دِبَاغُهَا))
رَوَاهُ شُعْبَةُ وَهِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ
وَذَكَرَ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ
سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَخِيهِ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
جِلْدِ الْمَيْتَةِ أَنَّ دِبَاغَهُ أَذْهَبَ خُبْثَهُ وَنَجَسَهُ أَوْ قَالَ رِجْسَهُ
وَالْآثَارُ بِهَذَا كَثِيرَةٌ فَلَا وَجْهَ لِمَنْ قَصَّرَ عَنْ ذِكْرِ الدِّبَاغِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى
أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ دِبَاغُهُ طَهُورٌ كَامِلٌ لَهُ تَجُوزُ بِذَلِكَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَالْوُضُوءُ وَالِاسْتِقَاءُ
وَالْبَيْعُ وَسَائِرُ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي جَمَاعَةِ أَهْلِ
الشَّامِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وبن الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ
وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْبَصْرِيِّينَ وَقَوْلُ دَاوُدَ وَالطَّبَرِيِ
وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا كَانَ يُرَخِّصُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا بَعْدَ الدِّبَاغِ
وَلَا يَرَى الصَّلَاةَ فِيهَا وَيَكْرَهُ بَيْعَهَا وَشِرَاءَهَا
وَعَلَى ذلك أصحابه إلا بن وَهْبٍ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ دِبَاغَ الْإِهَابِ طَهُورٌ كَامِلٌ لَهُ
فِي الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ وَالْبَيْعِ وَكُلِّ شَيْءٍ
وَقَدْ ذَكَرَ فِي ((مُوَطَّئِهِ)) عَنِ بن لَهِيعَةَ وَحَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ
قَالَ سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ أَأْكُلُ مَا
جُعِلَ فِيهَا قَالَ نَعَمْ وَيَحِلُّ ثَمَنُهَا إِذَا بُيِّنَتْ مِمَّا كَانَتْ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303
قال وحدثنا محمد بن عمرو عن بن جُرَيْجٍ قَالَ قُلْتُ لِعَطَاءٍ الْفَرْوُ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ
يُصَلَّى فِيهِ قَالَ نَعَمْ وَمَا بَأْسُهُ وَقَدْ دُبِغَ
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ لَا يُخْتَلَفُ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ أَنَّ دِبَاغَ جُلُودِ
الْمَيْتَةِ طَهُورُهَا
وَقَالَ بن وَهْبٍ سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ
وَإِلَى هَذَا ذهب بن الْحَكَمِ فِي طَهَارَةِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ كَامِلَةٌ كَالذَّكَاةِ
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ رَابِعٌ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ فِي الشُّذُوذِ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ
ذَهَبَ إِلَى تَحْرِيمِ الْجِلْدِ وَتَحْرِيمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ بِحَدِيثِ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْضِ جُهَيْنَةَ وَأَنَا غُلَامٌ شاب أَنْ لَا تَسْتَمْتِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ
بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ خُولِفَ فِيهِ شُعْبَةُ فَرُوِيَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُهَيْنَةَ لَمْ يَذْكُرْهُمْ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ عَنْ مَشْيَخَةٍ لَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا
لَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الدِّبَاغُ كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ
الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ قَبْلَ الدِّبَاغِ
فَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذلك به مخالفا لخبر بن عَبَّاسٍ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ فِي الدِّبَاغِ
فَإِنْ قِيلَ إِنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ أَتَانَا كِتَابِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ فَقَدْ يُحْتَمَلُ أن يكون حديث بن عَبَّاسٍ قَبْلَ مَوْتِهِ بِجُمُعَةٍ أَوْ مَا
شَاءَ اللَّهُ
وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ
وَقَدْ تَقَصَّيْنَا حُجَجَ الْفِرَقِ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَحُجَّةُ مَالِكٍ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ فِي الْأَشْيَاءِ الْيَابِسَةِ
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304
كَالْجُلُوسِ عَلَيْهَا وَالْغَرْبَلَةِ وَالِامْتِهَانِ وَشِبْهِهِ وَكَرَاهِيَتِهِ لِبَيْعِهَا وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا حَدِيثُهُ بِذَلِكَ
عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ
وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وقال أَمَّا أَنَا فَأَسْتَقِي بِهِ فِي
خَاصَّةِ نَفْسِي وَأَكْرَهُهُ لِغَيْرِي
وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْبَابٌ لَا يَقُومُ عليه دليل
والدليل بمشهور الحديث عن بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
((أَيُّمَا إِهَابٌ دُبِغَ فَقَدْ طهر)) على أَنَّ الْبَيْعَ عِنْدَهُمْ مِنْ بَابِ الِانْتِفَاعِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ أَيُّمَا إِهَابٌ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي جَمِيعَ الْأُهُبِ وَهِيَ الْجُلُودُ كُلُّهَا لِأَنَّ
اللَّفْظَ جَاءَ فِي ذَلِكَ مَجِيءَ عُمُومٍ وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِثْلَهَا
وَهَذَا أَيْضًا مَوْضِعُ اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ
فَأَمَّا مَالِكٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَهُ فِي أَنَّهَا طَهَارَةٌ غَيْرُ كَامِلَةٍ عَلَى مَا وصفنا عنه وعليه
أصحابه إلا بن وَهْبٍ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ
وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ إِلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ
فِي عُمُومِ قَوْلِهِ أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ حَيًّا وَمَيِّتًا وَجِلْدُهُ مِثْلُ
لَحْمِهِ فَلَمَّا لَمْ تَعْمَلْ فِي لَحْمِهِ وَلَا فِي جِلْدِهِ الذَّكَاةُ لَمْ يَعْمَلِ الدِّبَاغُ فِي إِهَابِهِ شَيْئًا
وَرَوَى مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ جِلْدِ الْخِنْزِيرِ إِذَا دُبِغَ فقال لا ينتفع
به
رواه بن وَضَّاحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ مَعْنِ بن عيسى
قال بن وَضَّاحٍ قَالَ لِي سَحْنُونُ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا دُبِغَ
وَكَذَلِكَ قَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ
وَحُجَّتُهُمْ عُمُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ
وَأَنْكَرَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْقَوْلَ
وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ مِنْهُمْ النَّضِرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَنَّ الْإِهَابَ جِلْدُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَمَا عَدَاهُ
فَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ جِلْدٌ لَا إِهَابٌ
حَكَى ذَلِكَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ الْكَوْسَجُ عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)) إِنَّمَا يُقَالُ الْإِهَابُ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ
وَالْغَنَمِ وَأَمَّا السِّبَاعُ فجلود
الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305
وَقَالَ الْكَوْسَجُ وَقَالَ لِي إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ كَمَا قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ
وَقَالَ أَحْمَدُ لَا أَعْرِفُ مَا قَالَ النَّضْرُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْإِهَابُ اسْمًا جَامِعًا لِلْجُلُودِ كُلِّهَا مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا
لا يؤكل لحمه لأن بن عَبَّاسٍ رَوَى حَدِيثَ شَاةِ مَيْمُونَةَ ثُمَّ رَوَى عُمُومَ الْخَبَرِ فِي كُلِّ
إِهَابٍ
وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافُ النَّاسِ فِي جُلُودِ السِّبَاعِ وَهَلْ تَعْمَلُ فِيهَا الذَّكَاةُ فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا
وَأَمَّا الدِّبَاغُ فَعَامِلٌ فِي كُلِّ إِهَابٍ وَجِلْدٍ وَمَسْكٍ
إِلَّا أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ تَحْرِيفُ التَّأْوِيلِ وَيَلْزَمُ مَنْ شَذَّ عَنْهُمُ
الرُّجُوعُ إِلَيْهِمْ خَصُّوا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْجُمْلَةِ فَلَمْ يُجِيزُوا فِيهِ الدِّبَاغَ
هَذَا عَلَى أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ الْخِنْزِيرَ جِلْدٌ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ بِالِانْتِفَاعِ فَاخْتَلَفَ
الْفُقَهَاءُ فِي الدِّبَاغِ الَّتِي تَطْهُرُ بِهِ جُلُودُ الْمَيْتَةِ
فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ كُلُّ شَيْءٍ دُبِغَ بِهِ الْجِلْدُ مِنْ مِلْحٍ أَوْ قَرَظٍ أَوْ شَبٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ
فَقَدْ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ
وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ قَالُوا كُلُّ شَيْءٍ دُبِغَ بِهِ جِلْدُ الْمَيْتَةِ فَأَزَالَ شَعْرَهُ
وَرَائِحَتَهُ وَذَهَبَ بِدَسَمِهِ وَنَشَفِهِ فَقَدْ طَهَّرَهُ وَهُوَ بِذَلِكَ الدِّبَاغِ طاهر
وهو قول داود
وذكر بن وَهْبٍ قَالَ قَالَ - يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ مَا دُبِغَتْ بِهِ الْجُلُودُ مِنْ دَقِيقٍ
أَوْ قَرَظٍ أَوْ مِلْحٍ فَهُوَ لَهَا طَهُورٌ
وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ
أَحَدُهُمَا هَذَا
وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَا يُطَهِّرُهُ إِلَّا الشَّبُّ أَوِ الْقَرْظُ لِأَنَّهُ الدِّبَاغُ الْمَعْهُودُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعَلَيْهِ خَرَجَ الْخِطَابُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ
عدد المشاهدات *:
466763
466763
عدد مرات التنزيل *:
94349
94349
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 20/01/2018