مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ أَنَّ نَاقَةَ الْبَرَاءِ بْنِ
عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ
عَلَى أَهْلَ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ ضَامِنٌ هُنَا بِمَعْنَى مَضْمُونٍ
هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةُ رُوَاةِ (الْمُوَطَّأِ) فِيمَا رَوَوْا مُرْسَلًا
وَاخْتَلَفَ اصحاب بن شهاب عن بن شِهَابٍ فِيهِ فَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ
وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ
وَكَذَلِكَ رواه بن عُيَيْنَةَ إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ مَعَ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ
جَمِيعًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ غَيْرُ
مَعْمَرٍ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ مَعْمَرٌ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَالَ فيه بن أبي ذئب عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ
عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ وَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ مَالِكٍ سَوَاءً إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ
حَرَامَ بْنَ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ وَلَا غيره
ورواه بن جريج عن بن شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ نَاقَةً
دَخَلَتْ فِي حَائِطِ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَذَهَبَ أَهْلُ الْحَائِطِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظُ أَمْوَالِهِمْ نَهَارًا) فَجَعَلَ
الْحَدِيثَ لِابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ النَّاقَةَ كَانَتْ لِلْبَرَاءِ
وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الحديث عند بن شهاب عن بن مُحَيِّصَةَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَحَدَّثَ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ عَلَى مَا حَضَرَهُ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ
أَثْبَاتٌ
وَعَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ فَالْحَدِيثُ مِنْ مَرَاسِيلِ الثِّقَاتِ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ ثِقَةٌ وَهُوَ حَدِيثٌ تَلَقَّاهُ
أَهْلُ الْحِجَازِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ
وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَصَّهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي كِتَابِهِ عَنْ (دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ
فِي الْحَرْثِ) الْأَنْبِيَاءِ 78 وَأَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمَا فِيمَنْ أَمَرَهُ
بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ مِنْ أَنْبِيَائِهِ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)
الْأَنْعَامِ 90
وقال تبارك وتعالى (ودود وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ
وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) الْأَنْبِيَاءِ 78 79
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَلُغَةِ اهل العرب ان النفش لا يكون الا
بِاللَّيْلِ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ النَّفْشُ بِاللَّيْلِ وَالْهَمَلُ بِالنَّهَارِ
قَالَ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ شَاةً وَقَعَتْ فِي غَزَلٍ حَائِكٍ وَاخْتَصَمُوا
إِلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ انْظُرُوا فَإِنَّهُ سَيَسْأَلُهُمْ أَلَيْلًا وَقَعَتْ فِيهِ أَمْ نَهَارًا فَفَعَلَ ثُمَّ قَالَ
إِنْ كَانَ بِاللَّيْلِ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ بِالنَّهَارِ لَمْ يَضْمَنْ ثُمَّ قَرَأَ شُرَيْحٌ (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ
الْقَوْمِ) الْأَنْبِيَاءِ 78
وَقَالَ النَّفْشُ بِاللَّيْلِ والهمل بالنهار
قال وقال معمر وبن جُرَيْجٍ بَلَغَنَا أَنَّ حَرْثَهُمْ كَانَ عِنَبًا
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْمَعْنَى عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ
أَحَدُهَا كُلُّ دَابَّةٍ مُرْسَلَةٍ فَصَاحِبُهَا ضَامِنٌ
وَالثَّانِي لَا ضَمَانَ فِيمَا أَصَابَ الْمُنْفَلِتَةَ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْمَوَاشِي
وَالثَّالِثُ مَا أَصَابَتْ بِاللَّيْلِ فَهُوَ مَضْمُونٌ وَمَا أَصَابَتْ بِالنَّهَارِ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ
وَالرَّابِعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ
فَأَمَّا أَقْوَالُ الْفُقَهَاءِ في هذا الباب فذكر بن عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ قَالَ مَالِكٌ مَا أَفْسَدَتِ
الْمَوَاشِي وَالدَّوَابُّ مِنَ الزَّرْعِ وَالْحَوَائِطِ بِاللَّيْلِ فَضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِهَا وَمَا كَانَ بِالنَّهَارِ
فَلَا شَيْءَ عَلَى أَصْحَابِ الدَّوَابِّ وَيَقُومُ الزَّرْعُ عَلَى الَّذِي أَفْسَدَتْ بِاللَّيْلِ عَلَى الرَّجَاءِ
وَالْخَوْفِ
قَالَ وَالْحَوَائِطُ الَّتِي تُحْرَثُ وَالَّتِي لَا تُحْرَثُ سَوَاءٌ وَالْمُخَطَّرُ عَلَيْهِ وَغَيْرُ الْمُخَطَّرِ سَوَاءٌ
يَغْرَمُ أَهْلُهَا مَا أَصَابَتْ بِاللَّيْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا
قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ بِاللَّيْلِ فَوَطِئَتْ عَلَى رَجُلٍ قَائِمٍ لَمْ يَغْرَمْ صَاحِبُهَا شَيْئًا وَإِنَّمَا
هَذَا فِي الْحَوَائِطِ وَالزَّرْعِ وَالْحَرْثِ
قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا تَقَدَّمَ إِلَى صَاحِبِ الْكَلْبِ الضَّارِي أَوِ الْبَعِيرِ أَوِ الدَّابَّةِ بِمَا أَفْسَدَتْ لَيْلًا
أَوْ نَهَارًا فَعَلَيْهِمْ غُرْمُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بن عبد الحكم
في كتابه
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ إِلَّا فِيمَا ذَكَرَ مِنَ التَّقَدُّمِ إِلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ الضَّارِيَةِ أَوِ
الكلب الضاري والبعير الصؤول فَإِنَّ التَّقَدُّمَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ عِنْدَهُمْ
فِي الدَّوَابِّ وَالْمَوَاشِي مَا أَفْسَدَتْ فِي الْحَائِطِ وَالزَّرْعِ وَالْأَعْتَابِ وَالثِّمَارِ بِاللَّيْلِ دُونَ
النهار
وستأتي مسألة الجمل الصؤول وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَإِنَّمَا وَجَبَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - الضَّمَانُ عَلَى أَرْبَابِ الْمَوَاشِي فِيمَا أَفْسَدَتْ مِنَ الزَّرْعِ
وَشِبْهِهِ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ لِأَنَّ اللَّيْلَ وَقْتُ رُجُوعِ الْمَاشِيَةِ إِلَى مَوَاضِعِ مَبِيتِهَا مِنْ دَوْرِ
أَصْحَابِهَا وَرِحَالِهِمْ لِيَحْفَظُوهَا وَيُمْسِكُوهَا عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى حَرْثِ النَّاسِ وَحَوَائِطِهِمْ لِأَنَّهَا
لَا يُمْكِنُ أَرْبَابُهَا حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ لِأَنَّهُ وَقْتُ سُكُونٍ وَرَاحَةٍ لَهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ الْمَوَاشِيَ
قَدْ أَوَاهَا أَرْبَابُهَا إِلَى أَمَاكِنِ قَرَارِهَا وَمَبِيتِهَا وَأَمَّا النَّهَارُ فَيُمْكِنُ فِيهِ حَفِظُ الْحَوَائِطِ
وَحِرْزُهَا وَتَعَاهُدُهَا وَدَفْعُ الْمَوَاشِي عنها
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206
وَلَا غِنَى لِأَصْحَابِ الْمَوَاشِي عَنْ مَشْيِهَا لِتَرْعَى فَهُوَ عَيْشُهَا فَأُلْزِمَ أَهْلُ الْحَوَائِطِ
حِفْظَهَا نَهَارًا لِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأُلْزِمُ أَرْبَابُ الْمَاشِيَةِ ضَمَانَ مَا أَفْسَدَتْ لَيْلًا لِتَفْرِيطِهِمْ
فِي ضَبْطِهَا وَحَبْسِهَا عَنِ الِانْتِشَارِ بِاللَّيْلِ
وَلَمَّا كَانَ عَلَى أَرْبَابِ الْحَوَائِطِ حِفْظُ حَوَائِطِهِمْ فِي النَّارِ فَلَمْ يَفْعَلُوا كَانَتِ الْمُصِيبَةُ
مِنْهُمْ لِتَفْرِيطِهِمْ أَيْضًا وَتَضْيِيعِهِمْ مَا كَانَ يَلْزَمُهُمْ مِنْ حِرَاسَةِ أَمْوَالِهِمْ
وَهَذَا عِنْدِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِذَا أُطْلِقَتِ الدَّوَابُّ وَالْمَوَاشِي دُونَ رَاعٍ يَرْعَاهَا
وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ تَرْعَى وَمَعَهَا صَاحِبُهَا فَلَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ زَرْعِ غَيْرِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى
مَنْعِهَا فَهُوَ الْمُسَلِّطُ لَهَا وَهُوَ - حِينَئِذٍ - كَالسَّائِقِ وَالرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ
وَسَيَأْتِي ذِكْرُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْعَجْمَاءُ
جَرَحُهَا جُبَارٌ) - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَضْمَنُ رَبُّ الْمَاشِيَةِ مَا أَفْسَدَتْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَلَا يَضْمَنُ أَكْثَرَ
مِنْ قِيمَةِ الْمَاشِيَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يُفَرِّقِ اللَّيْثُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَمْ يَتَجَاوَزْ بِالضَّمَانِ
قِيمَةَ الْمَاشِيَةِ وَأَظُنُّهُ قَاسَهُ عَلَى الْعَبْدِ الْجَانِي أَلَّا يَفْتَكَّهُ سَيِّدُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَنَّ
جِنَايَتَهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سَوَاءٌ فَخَالَفَ الْحَدِيثُ فِي (الْعَجْمَاءِ جَرَحُهَا جُبَارٌ) وَخَالَفَ
حَدِيثَ نَاقَةِ الْبَرَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَهُ إِلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنَ العلماء منهم عطاء
قال بن جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ الْحَرْثُ تُصِيبُهُ الْمَاشِيَةُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا قَالَ يَضْمَنُ صَاحِبُهَا
وَيَغْرَمُ
قُلْتُ كَانَ عَلَيْهِ حَظْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ مَا يَغْرَمُ قَالَ يَغْرَمُ قِيمَةَ مَا أَكَلَ
حِمَارُهُ وَدَابَّتُهُ وَمَاشِيَتُهُ
وَقَالَ مَعْمَرٌ عن بن شُبْرُمَةَ يَقُومُ الزَّرْعُ عَلَى حَالِهِ الَّتِي أُصِيبَ عَلَيْهَا دَرَاهِمَ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ مَا
أَصَابَ الْمُنْفَلِتُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ وَمَنْ أَصَابَ الْمُنْفَلِتُ ضَمِنَ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207
وَقَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلَامِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الحسن عن بن سيرين - في الدابة المرسلة
تصيب مالا لَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ - قَالَ وَحَدَّثَنِي أَبُو خَالِدٍ عن أشعث عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ
كُلُّ مُرْسَلَةٍ فَصَاحِبُهَا ضَامِنٌ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَضْمِينُ رَبِّ الْمَاشِيَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا
مِنْ طُرُقٍ لَا تَصِحُّ
وَرُوِيَ عَنْهُمَا فِي البعير الضاري الجمل والحمار والبقرة الضاريه انه يَعْهَدَ إِلَى رَبِّهَا
ثَلَاثًا ثُمَّ يُعْقَرْنَ وَكَانَا يَأْمُرَانِ كُلَّ مِنْ لَهُ حَائِطٌ أَنْ يَحْظُرَهُ حِظَارًا مِنَ النَّصَارَى يَكُونُ
إِلَى نَحْرِ الْبَعِيرِ فَإِنْ تَسَوَّرَ رُدَّ إِلَى أَهْلِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ عُقِرَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الصَّوَابُ فِي هَذَا الْبَابِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَضْمَنَ رَبُّ الْمَاشِيَةِ مَا
أَفْسَدَتْ لَيْلًا بَالِغًا مَا بَلَغَتِ الْجِنَايَةُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَدِيثِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ الضَّمَانُ مُطْلَقًا
غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِقِيمَةِ النَّاقَةِ وَغَيْرِهَا وَأَنَّ حُكْمَ اللَّيْلِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ حُكْمِ النَّهَارِ
وَكَانَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى يُفْتِي بِقَوْلِ اللَّيْثِ فِي ذَلِكَ يُحْمَلُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَقَضَى بِهِ أَكْثَرُ
الْقُضَاةِ عِنْدَنَا بَعْدَهُ وَاعْتَلَّ عِنْدَهُمْ بِأَنَّ مَالِكًا يَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ فِي الدَّابَّةِ الضارية
المعتادة الانطلاق عى زَرْعِ النَّاسِ
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ فِي هَذِهِ المسألة
فروى بن الْمُبَارَكِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى أَصْحَابِ الْمَاشِيَةِ بِاللَّيْلِ وَلَا بِالنَّهَارِ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ قَالُوا لَا ضَمَانَ عَلَى أَرْبَابِ الْبَهَائِمِ فِيمَا تُفْسِدُهُ أَوْ
تَجْنِي عَلَيْهِ لَا فِي اللَّيْلِ وَلَا فِي النَّهَارِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا أَوْ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْعَجْمَاءُ جَرَحُهَا جُبَارٌ)
وَقَالُوا هَذَا حُكْمٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ مَا شُرِعَ لِدَاوُدَ
وَسُلَيْمَانَ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) الْمَائِدَةِ 48
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنِ الثَّوْرِيِّ فِي شَاةٍ وَقَعَتْ فِي غَزْلٍ حَائِكٍ بِالنَّهَارِ أَنَّهُ يَضْمَنُ
فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ تَصْحِيحُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهَا مَحْفُوظَةً لَمْ يَضْمَنْ بِاللَّيْلِ وَلَا
بِالنَّهَارِ وَإِذَا أَرْسَلَهَا سَائِبَةً ضَمِنَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِذَا كَانَ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظُهَا بِالنَّهَارِ فَقَدْ فَعَلَ أَرْبَابُ الْمَوَاشِي
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208
إِذَا سَيَّبُوهَا مَا أُبِيحُ لَهُمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ
عَلَى أَهْلَ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ ضَامِنٌ هُنَا بِمَعْنَى مَضْمُونٍ
هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةُ رُوَاةِ (الْمُوَطَّأِ) فِيمَا رَوَوْا مُرْسَلًا
وَاخْتَلَفَ اصحاب بن شهاب عن بن شِهَابٍ فِيهِ فَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ
وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ
وَكَذَلِكَ رواه بن عُيَيْنَةَ إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ مَعَ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ
جَمِيعًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ غَيْرُ
مَعْمَرٍ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ مَعْمَرٌ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَالَ فيه بن أبي ذئب عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ
عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ وَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ مَالِكٍ سَوَاءً إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ
حَرَامَ بْنَ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ وَلَا غيره
ورواه بن جريج عن بن شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ نَاقَةً
دَخَلَتْ فِي حَائِطِ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَذَهَبَ أَهْلُ الْحَائِطِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظُ أَمْوَالِهِمْ نَهَارًا) فَجَعَلَ
الْحَدِيثَ لِابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ النَّاقَةَ كَانَتْ لِلْبَرَاءِ
وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الحديث عند بن شهاب عن بن مُحَيِّصَةَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَحَدَّثَ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ عَلَى مَا حَضَرَهُ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ
أَثْبَاتٌ
وَعَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ فَالْحَدِيثُ مِنْ مَرَاسِيلِ الثِّقَاتِ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ ثِقَةٌ وَهُوَ حَدِيثٌ تَلَقَّاهُ
أَهْلُ الْحِجَازِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ
وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَصَّهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي كِتَابِهِ عَنْ (دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ
فِي الْحَرْثِ) الْأَنْبِيَاءِ 78 وَأَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمَا فِيمَنْ أَمَرَهُ
بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ مِنْ أَنْبِيَائِهِ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)
الْأَنْعَامِ 90
وقال تبارك وتعالى (ودود وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ
وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) الْأَنْبِيَاءِ 78 79
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَلُغَةِ اهل العرب ان النفش لا يكون الا
بِاللَّيْلِ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ النَّفْشُ بِاللَّيْلِ وَالْهَمَلُ بِالنَّهَارِ
قَالَ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ شَاةً وَقَعَتْ فِي غَزَلٍ حَائِكٍ وَاخْتَصَمُوا
إِلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ انْظُرُوا فَإِنَّهُ سَيَسْأَلُهُمْ أَلَيْلًا وَقَعَتْ فِيهِ أَمْ نَهَارًا فَفَعَلَ ثُمَّ قَالَ
إِنْ كَانَ بِاللَّيْلِ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ بِالنَّهَارِ لَمْ يَضْمَنْ ثُمَّ قَرَأَ شُرَيْحٌ (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ
الْقَوْمِ) الْأَنْبِيَاءِ 78
وَقَالَ النَّفْشُ بِاللَّيْلِ والهمل بالنهار
قال وقال معمر وبن جُرَيْجٍ بَلَغَنَا أَنَّ حَرْثَهُمْ كَانَ عِنَبًا
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْمَعْنَى عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ
أَحَدُهَا كُلُّ دَابَّةٍ مُرْسَلَةٍ فَصَاحِبُهَا ضَامِنٌ
وَالثَّانِي لَا ضَمَانَ فِيمَا أَصَابَ الْمُنْفَلِتَةَ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْمَوَاشِي
وَالثَّالِثُ مَا أَصَابَتْ بِاللَّيْلِ فَهُوَ مَضْمُونٌ وَمَا أَصَابَتْ بِالنَّهَارِ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ
وَالرَّابِعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ
فَأَمَّا أَقْوَالُ الْفُقَهَاءِ في هذا الباب فذكر بن عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ قَالَ مَالِكٌ مَا أَفْسَدَتِ
الْمَوَاشِي وَالدَّوَابُّ مِنَ الزَّرْعِ وَالْحَوَائِطِ بِاللَّيْلِ فَضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِهَا وَمَا كَانَ بِالنَّهَارِ
فَلَا شَيْءَ عَلَى أَصْحَابِ الدَّوَابِّ وَيَقُومُ الزَّرْعُ عَلَى الَّذِي أَفْسَدَتْ بِاللَّيْلِ عَلَى الرَّجَاءِ
وَالْخَوْفِ
قَالَ وَالْحَوَائِطُ الَّتِي تُحْرَثُ وَالَّتِي لَا تُحْرَثُ سَوَاءٌ وَالْمُخَطَّرُ عَلَيْهِ وَغَيْرُ الْمُخَطَّرِ سَوَاءٌ
يَغْرَمُ أَهْلُهَا مَا أَصَابَتْ بِاللَّيْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا
قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ بِاللَّيْلِ فَوَطِئَتْ عَلَى رَجُلٍ قَائِمٍ لَمْ يَغْرَمْ صَاحِبُهَا شَيْئًا وَإِنَّمَا
هَذَا فِي الْحَوَائِطِ وَالزَّرْعِ وَالْحَرْثِ
قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا تَقَدَّمَ إِلَى صَاحِبِ الْكَلْبِ الضَّارِي أَوِ الْبَعِيرِ أَوِ الدَّابَّةِ بِمَا أَفْسَدَتْ لَيْلًا
أَوْ نَهَارًا فَعَلَيْهِمْ غُرْمُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بن عبد الحكم
في كتابه
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ إِلَّا فِيمَا ذَكَرَ مِنَ التَّقَدُّمِ إِلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ الضَّارِيَةِ أَوِ
الكلب الضاري والبعير الصؤول فَإِنَّ التَّقَدُّمَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ عِنْدَهُمْ
فِي الدَّوَابِّ وَالْمَوَاشِي مَا أَفْسَدَتْ فِي الْحَائِطِ وَالزَّرْعِ وَالْأَعْتَابِ وَالثِّمَارِ بِاللَّيْلِ دُونَ
النهار
وستأتي مسألة الجمل الصؤول وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَإِنَّمَا وَجَبَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - الضَّمَانُ عَلَى أَرْبَابِ الْمَوَاشِي فِيمَا أَفْسَدَتْ مِنَ الزَّرْعِ
وَشِبْهِهِ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ لِأَنَّ اللَّيْلَ وَقْتُ رُجُوعِ الْمَاشِيَةِ إِلَى مَوَاضِعِ مَبِيتِهَا مِنْ دَوْرِ
أَصْحَابِهَا وَرِحَالِهِمْ لِيَحْفَظُوهَا وَيُمْسِكُوهَا عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى حَرْثِ النَّاسِ وَحَوَائِطِهِمْ لِأَنَّهَا
لَا يُمْكِنُ أَرْبَابُهَا حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ لِأَنَّهُ وَقْتُ سُكُونٍ وَرَاحَةٍ لَهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ الْمَوَاشِيَ
قَدْ أَوَاهَا أَرْبَابُهَا إِلَى أَمَاكِنِ قَرَارِهَا وَمَبِيتِهَا وَأَمَّا النَّهَارُ فَيُمْكِنُ فِيهِ حَفِظُ الْحَوَائِطِ
وَحِرْزُهَا وَتَعَاهُدُهَا وَدَفْعُ الْمَوَاشِي عنها
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206
وَلَا غِنَى لِأَصْحَابِ الْمَوَاشِي عَنْ مَشْيِهَا لِتَرْعَى فَهُوَ عَيْشُهَا فَأُلْزِمَ أَهْلُ الْحَوَائِطِ
حِفْظَهَا نَهَارًا لِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأُلْزِمُ أَرْبَابُ الْمَاشِيَةِ ضَمَانَ مَا أَفْسَدَتْ لَيْلًا لِتَفْرِيطِهِمْ
فِي ضَبْطِهَا وَحَبْسِهَا عَنِ الِانْتِشَارِ بِاللَّيْلِ
وَلَمَّا كَانَ عَلَى أَرْبَابِ الْحَوَائِطِ حِفْظُ حَوَائِطِهِمْ فِي النَّارِ فَلَمْ يَفْعَلُوا كَانَتِ الْمُصِيبَةُ
مِنْهُمْ لِتَفْرِيطِهِمْ أَيْضًا وَتَضْيِيعِهِمْ مَا كَانَ يَلْزَمُهُمْ مِنْ حِرَاسَةِ أَمْوَالِهِمْ
وَهَذَا عِنْدِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِذَا أُطْلِقَتِ الدَّوَابُّ وَالْمَوَاشِي دُونَ رَاعٍ يَرْعَاهَا
وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ تَرْعَى وَمَعَهَا صَاحِبُهَا فَلَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ زَرْعِ غَيْرِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى
مَنْعِهَا فَهُوَ الْمُسَلِّطُ لَهَا وَهُوَ - حِينَئِذٍ - كَالسَّائِقِ وَالرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ
وَسَيَأْتِي ذِكْرُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْعَجْمَاءُ
جَرَحُهَا جُبَارٌ) - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَضْمَنُ رَبُّ الْمَاشِيَةِ مَا أَفْسَدَتْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَلَا يَضْمَنُ أَكْثَرَ
مِنْ قِيمَةِ الْمَاشِيَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يُفَرِّقِ اللَّيْثُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَمْ يَتَجَاوَزْ بِالضَّمَانِ
قِيمَةَ الْمَاشِيَةِ وَأَظُنُّهُ قَاسَهُ عَلَى الْعَبْدِ الْجَانِي أَلَّا يَفْتَكَّهُ سَيِّدُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَنَّ
جِنَايَتَهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سَوَاءٌ فَخَالَفَ الْحَدِيثُ فِي (الْعَجْمَاءِ جَرَحُهَا جُبَارٌ) وَخَالَفَ
حَدِيثَ نَاقَةِ الْبَرَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَهُ إِلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنَ العلماء منهم عطاء
قال بن جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ الْحَرْثُ تُصِيبُهُ الْمَاشِيَةُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا قَالَ يَضْمَنُ صَاحِبُهَا
وَيَغْرَمُ
قُلْتُ كَانَ عَلَيْهِ حَظْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ مَا يَغْرَمُ قَالَ يَغْرَمُ قِيمَةَ مَا أَكَلَ
حِمَارُهُ وَدَابَّتُهُ وَمَاشِيَتُهُ
وَقَالَ مَعْمَرٌ عن بن شُبْرُمَةَ يَقُومُ الزَّرْعُ عَلَى حَالِهِ الَّتِي أُصِيبَ عَلَيْهَا دَرَاهِمَ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ مَا
أَصَابَ الْمُنْفَلِتُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ وَمَنْ أَصَابَ الْمُنْفَلِتُ ضَمِنَ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207
وَقَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلَامِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الحسن عن بن سيرين - في الدابة المرسلة
تصيب مالا لَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ - قَالَ وَحَدَّثَنِي أَبُو خَالِدٍ عن أشعث عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ
كُلُّ مُرْسَلَةٍ فَصَاحِبُهَا ضَامِنٌ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَضْمِينُ رَبِّ الْمَاشِيَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا
مِنْ طُرُقٍ لَا تَصِحُّ
وَرُوِيَ عَنْهُمَا فِي البعير الضاري الجمل والحمار والبقرة الضاريه انه يَعْهَدَ إِلَى رَبِّهَا
ثَلَاثًا ثُمَّ يُعْقَرْنَ وَكَانَا يَأْمُرَانِ كُلَّ مِنْ لَهُ حَائِطٌ أَنْ يَحْظُرَهُ حِظَارًا مِنَ النَّصَارَى يَكُونُ
إِلَى نَحْرِ الْبَعِيرِ فَإِنْ تَسَوَّرَ رُدَّ إِلَى أَهْلِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ عُقِرَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الصَّوَابُ فِي هَذَا الْبَابِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَضْمَنَ رَبُّ الْمَاشِيَةِ مَا
أَفْسَدَتْ لَيْلًا بَالِغًا مَا بَلَغَتِ الْجِنَايَةُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَدِيثِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ الضَّمَانُ مُطْلَقًا
غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِقِيمَةِ النَّاقَةِ وَغَيْرِهَا وَأَنَّ حُكْمَ اللَّيْلِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ حُكْمِ النَّهَارِ
وَكَانَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى يُفْتِي بِقَوْلِ اللَّيْثِ فِي ذَلِكَ يُحْمَلُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَقَضَى بِهِ أَكْثَرُ
الْقُضَاةِ عِنْدَنَا بَعْدَهُ وَاعْتَلَّ عِنْدَهُمْ بِأَنَّ مَالِكًا يَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ فِي الدَّابَّةِ الضارية
المعتادة الانطلاق عى زَرْعِ النَّاسِ
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ فِي هَذِهِ المسألة
فروى بن الْمُبَارَكِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى أَصْحَابِ الْمَاشِيَةِ بِاللَّيْلِ وَلَا بِالنَّهَارِ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ قَالُوا لَا ضَمَانَ عَلَى أَرْبَابِ الْبَهَائِمِ فِيمَا تُفْسِدُهُ أَوْ
تَجْنِي عَلَيْهِ لَا فِي اللَّيْلِ وَلَا فِي النَّهَارِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا أَوْ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْعَجْمَاءُ جَرَحُهَا جُبَارٌ)
وَقَالُوا هَذَا حُكْمٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ مَا شُرِعَ لِدَاوُدَ
وَسُلَيْمَانَ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) الْمَائِدَةِ 48
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنِ الثَّوْرِيِّ فِي شَاةٍ وَقَعَتْ فِي غَزْلٍ حَائِكٍ بِالنَّهَارِ أَنَّهُ يَضْمَنُ
فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ تَصْحِيحُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهَا مَحْفُوظَةً لَمْ يَضْمَنْ بِاللَّيْلِ وَلَا
بِالنَّهَارِ وَإِذَا أَرْسَلَهَا سَائِبَةً ضَمِنَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِذَا كَانَ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظُهَا بِالنَّهَارِ فَقَدْ فَعَلَ أَرْبَابُ الْمَوَاشِي
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208
إِذَا سَيَّبُوهَا مَا أُبِيحُ لَهُمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
عدد المشاهدات *:
468797
468797
عدد مرات التنزيل *:
94590
94590
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 20/01/2018