مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ لَقِيَ رَجُلًا قَدْ
أَخَذَ سَارِقًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ فَقَالَ لَا
حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ السُّلْطَانَ فَقَالَ الزُّبَيْرُ إِذَا بَلَغْتَ بِهِ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ
هَذَا خَبَرٌ مُنْقَطِعٌ وَيَتَّصِلُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَدْخَلَ مَالِكٌ خَبَرَ الزُّبَيْرِ بَيَانًا لِحَدِيثِ صَفْوَانَ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ
أَنْ يُعَطِّلَ حَدًّا مِنَ الْحُدُودِ الَّتِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِقَامَتُهَا عَلَيْهِ إِذَا بَلَغَتْهُ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ
يَتَجَسَّسَ عَلَيْهَا إِذَا اسْتُتِرَتْ عَنْهُ وَبِأَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي ذَوِي الْحُدُودِ حَسَنَةٌ جَائِزَةٌ وَإِنْ
كَانَتِ الْحُدُودُ فِيهَا وَاجِبَةً إِذَا لَمْ تَبْلُغِ السُّلْطَانَ
وَهَذَا كُلُّهُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَحَسْبُكَ بِذَلِكَ عِلْمًا
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي وكيع وحميد بن عبد الرحمن الرواسي عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنِ الْفُرَافِصَةِ الْحَنَفِيِّ قَالَ مَرُّوا عَلَى الزُّبَيْرِ بِسَارِقٍ
فَشَفَعَ لَهُ فَقَالُوا أَتَشْفَعُ لِلسَّارِقِ قَالَ نَعَمْ مَا لَمْ يُؤْتَ بِهِ إِلَى الْإِمَامِ فَإِذَا أُتِيَ بِهِ إِلَى
الْإِمَامِ فَلَا عَفْوَ لَهُ عَنْهُ إِنْ عَفَا عَنْهُ
وروى بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنِ الْفُرَافِصَةِ أَنَّ
الزُّبَيْرَ مَرَّ بِلِصٍّ قَدْ أُخِذَ فَقَالَ دَعُوهُ اعْفُوا عَنْهُ فَقَالُوا أَتَأْمُرُنَا بِهَذَا يَا أَبَا عبد الله
وانت صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فقال إِنَّ الْحُدُودَ يُعْفَى عَنْهَا مَا لَمْ
تَبْلُغْ إِلَى السُّلْطَانِ فَإِذَا رُفِعَتْ إِلَى السُّلْطَانِ فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إِنْ عُفِيَ عَنْهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَفْوَانَ (فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي
بِهِ) فَإِنَّهُ لَمْ يَهَبِ الرِّدَاءَ إِلَّا رَجَاءَ العفو عنه
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 540
قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَحَدَّثَنِي حُمَيْدٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ عَلِيًّا شَفَعَ لِسَارِقٍ فَقِيلَ لَهُ
أَتَشْفَعُ لِسَارِقٍ! قَالَ نَعَمْ إِنَّ ذَلِكَ لَيُفْعَلُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْإِمَامَ
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ مِثْلُ ذَلِكَ
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ مِثْلُ ذَلِكَ
وَالْآثَارُ فِي السَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرَةٌ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ بن عَبَّاسٍ وَعَمَّارًا
وَالزُّبَيْرَ أَخَذُوا سَارِقًا فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ قَالَ عِكْرِمَةُ فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ بِئْسَ مَا صَنَعْتُمْ حِينَ
خَلَّيْتُمْ سَبِيلَهُ فَقَالَ لَا أُمَّ لَكَ أَمَا لَوْ كُنْتَ أَنْتَ لَسَرَّكَ أَنْ يُخَلَّى سَبِيلُكَ
وَهَذَا كُلُّهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ إِلَى السُّلْطَانِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ
دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدَ ضَادَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي حُكْمِهِ)
وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ عن بن عُمَرَ
قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حدثني أبو بكر قال حدثني
بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلِّمَ
فِي شَيْءٍ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَأَقَمْتُ عَلَيْهَا الْحَدَّ)
قال ابو عمر في حديث بن شِهَابٍ فِي هَذَا الْبَابِ فِي قِصَّةِ رِدَاءِ صَفْوَانَ الْمَسْرُوقِ
مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ قَدْ تَوَسَّدَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحِرْزَ قَدْ يَكُونُ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الْفِعْلِ
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ أَئِمَّةُ الفتوى بالامصار واتباعهم على مراعاة الحرز في ما يَسْرِقُهُ
السَّارِقُ فَقَالُوا مَا سَرَقَهُ السَّارِقُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ بَلَغَ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَجِبُ
فِيهِ الْقَطْعُ أَمْ لَمْ يَبْلُغْ
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَصْحَابُهُمْ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 541
وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا قطع في حريسة الجبل حتى يؤويها الْمُرَاحُ
فَإِذَا أَوَاهَا الْمُرَاحُ فَالْقَطْعُ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْهَا ثَمَنَ الْمِجَنِّ)
وَرَوَاهُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَلِيُّ
بْنُ الْمَدِينِيِّ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حُجَّةٌ إِذْ رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ثِقَةٌ وَأَدْرَكَ أَبَاهُ وَأَبُوهُ شُعَيْبٌ أَدْرَكَ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا
مُخْتَلِسٍ)
فَلَمَّا كَانَ الْخَائِنُ لَا يحترز منه علم انهما لَمْ يَكُنْ فِي حِرْزٍ فَلَيْسَ بِسَرِقَةٍ يَجِبُ فِيهَا
الْقَطْعُ
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى الْمُضَارِبِ مِنْ مَالِ مُضَارِبِهِ وَكَذَلِكَ الْمُوَدَعُ عِنْدَهُ
الْوَدِيعَةُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَبْوَابٍ مِنْ مَعَانِي الْحِرْزِ يَطُولُ ذِكْرُهَا
فَجُمْلَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحِرْزَ كُلُّ مَا يَحْرِزُ النَّاسُ بِهِ أَمْوَالَهُمْ إِذَا أَرَادُوا
التَّحَفُّظَ مِنْ سَارِقٍ يَسْرِقُهَا وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الشَّيْءِ الْمَحْرُوزِ وَاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ
فَإِذَا ضُمَّ الْمَتَاعُ فِي السُّوقِ وَقَعَدَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ فَهُوَ حِرْزٌ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَتَاعُ فِي
ظَرْفٍ فَأَخْرَجَهُ السَّارِقُ مِنْ ظَرْفِهِ أَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ صَاحِبُهُ جَازَ ذَلِكَ
وَكَذَلِكَ إِبِلُ الْقَافِلَةِ وَدَوَابُّ الرُّفْقَةِ إِذَا قَطَرَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ أَوْ كَانَتْ غَنَمًا فِي
مُرَاحِهَا أَوْ مَتَاعًا فِي فُسْطَاطٍ أَوْ خِبَاءٍ وَعَلَيْهِ مَنْ يَحْفَظُهُ وَنَحْوُ هَذَا مِمَّا يَطُولُ
أَوْصَافُهُ
وَمَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ مُتَقَارِبٌ جِدًّا
وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ كُلُّ سَارِقٍ سَرَقَ رُبُعَ دِينَارٍ ذَهَبًا أَوْ
قِيمَتَهُ مِنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ مِنْ حِرْزٍ أَخَذَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ إِذَا أَخَذَهُ
مِنْ مِلْكِ مَالِكٍ لَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِقَطْعِ السَّارِقِ أَمْرًا مُطْلَقًا وَبَيَّنَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِقْدَارَ الْمَقْطُوعَ فِيهِ وَلَمْ يُبَيِّنِ الْحِرْزَ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 542
وَتَكَلَّمُوا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِمَا وَصَفْنَا وَمَا أَعْلَمُ لَهُمْ فِي
تَرْكِ مُرَاعَاةِ إِخْرَاجِ السَّرِقَةِ مِنْ حِرْزِهَا إِلَّا شيئا عن عائشة وبن الزُّبَيْرِ وَرِوَايَةً عَنِ
الْحَسَنِ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهَا
وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ السَّارِقَ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَسْرِقَ شَيْئًا مَحْرُوزًا
يُخْرِجُهُ مِنْ حِرْزِهِ
وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّارِقِ يَسْرِقُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَيُرْفَعُ إِلَى الْإِمَامِ فَيُقِرُّ أَوْ
تَثْبُتُ عَلَيْهِ السَّرِقَةُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ فَيَأْمُرُ الْإِمَامُ بِقَطْعِهِ فَيَهَبُ لَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ الشَّيْءَ
الْمَسْرُوقَ قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ صَفْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ يُقْطَعُ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَهُ وَالصَّدَقَةَ عَلَيْهِ بِمَا سَرَقَهُ
رُبَّمَا وَقَعَتْ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَطَائِفَةٌ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ
بِالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فَلَا تَقْطَعُ يَدُ أَحَدٍ في ما هُوَ مِلْكٌ لَهُ
وَهَذَا مِنْهُمْ دَفْعٌ لِحَدِيثِ صَفْوَانَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ)
وَلِمَ يَرْوُونَ شَيْئًا يَرُدُّونَهُ بِهِ
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَوْ وَقَعَتِ الْهِبَةُ مِنَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِلسَّارِقِ قَبْلَ أَنْ
يُرْفَعَ إِلَى الْأَمَامِ
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عَنْهُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا يُقْطَعُ
وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بن أَبِي لَيْلَى
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ بِالزَّانِي بِأَمَةِ غَيْرِهِ تُوهَبُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ
يَشْتَرِيهَا قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَنَّ مِلْكَهُ الطَّارِئَ لَا يُزِيلُ عنه الحد
ومن حجة ابي حنيفة ومن تابعه الحديث المرفوع (تعافوا الحدود في ما بَيْنَكُمْ فَمَا
بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقْدِ وَجَبَ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 543
وقال بن وهب سمعت بن جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا فَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ عُفِيَ عَنْهُ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَقَدْ
حَصَلَ الشَّيْءُ الْمَسْرُوقُ مِلْكًا لِلسَّارِقِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ السُّلْطَانَ فَلَمْ يَبْلُغِ الْحَدُّ السُّلْطَانَ
إِلَّا وَهُوَ يَعْفُو عَنْهُ
قَالُوا وَمَا صَارَ مِلْكًا لِلسَّارِقِ وَاسْتَحَالَ أَنْ يُقْطَعَ فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقْطَعُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ
لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ
قَالُوا وَالطَّارِئُ مِنَ الشُّبَهَاتِ فِي الْحُدُودِ بِمَنْزِلَةِ مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ قِيَاسًا عَلَى
الشَّهَادَاتِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَفْوَانَ (فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ) يَمْنَعُ مِنَ
اسْتِعْمَالِ النَّظَرِ مَا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ إِلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ صَحِيحِ الْقِيَاسِ فِي مِلْكِ الزَّانِي
نَظَرًا لَهُ قَبْلَ الْحَدِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
أَخَذَ سَارِقًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ فَقَالَ لَا
حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ السُّلْطَانَ فَقَالَ الزُّبَيْرُ إِذَا بَلَغْتَ بِهِ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ
هَذَا خَبَرٌ مُنْقَطِعٌ وَيَتَّصِلُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَدْخَلَ مَالِكٌ خَبَرَ الزُّبَيْرِ بَيَانًا لِحَدِيثِ صَفْوَانَ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ
أَنْ يُعَطِّلَ حَدًّا مِنَ الْحُدُودِ الَّتِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِقَامَتُهَا عَلَيْهِ إِذَا بَلَغَتْهُ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ
يَتَجَسَّسَ عَلَيْهَا إِذَا اسْتُتِرَتْ عَنْهُ وَبِأَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي ذَوِي الْحُدُودِ حَسَنَةٌ جَائِزَةٌ وَإِنْ
كَانَتِ الْحُدُودُ فِيهَا وَاجِبَةً إِذَا لَمْ تَبْلُغِ السُّلْطَانَ
وَهَذَا كُلُّهُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَحَسْبُكَ بِذَلِكَ عِلْمًا
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي وكيع وحميد بن عبد الرحمن الرواسي عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنِ الْفُرَافِصَةِ الْحَنَفِيِّ قَالَ مَرُّوا عَلَى الزُّبَيْرِ بِسَارِقٍ
فَشَفَعَ لَهُ فَقَالُوا أَتَشْفَعُ لِلسَّارِقِ قَالَ نَعَمْ مَا لَمْ يُؤْتَ بِهِ إِلَى الْإِمَامِ فَإِذَا أُتِيَ بِهِ إِلَى
الْإِمَامِ فَلَا عَفْوَ لَهُ عَنْهُ إِنْ عَفَا عَنْهُ
وروى بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنِ الْفُرَافِصَةِ أَنَّ
الزُّبَيْرَ مَرَّ بِلِصٍّ قَدْ أُخِذَ فَقَالَ دَعُوهُ اعْفُوا عَنْهُ فَقَالُوا أَتَأْمُرُنَا بِهَذَا يَا أَبَا عبد الله
وانت صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فقال إِنَّ الْحُدُودَ يُعْفَى عَنْهَا مَا لَمْ
تَبْلُغْ إِلَى السُّلْطَانِ فَإِذَا رُفِعَتْ إِلَى السُّلْطَانِ فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إِنْ عُفِيَ عَنْهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَفْوَانَ (فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي
بِهِ) فَإِنَّهُ لَمْ يَهَبِ الرِّدَاءَ إِلَّا رَجَاءَ العفو عنه
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 540
قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَحَدَّثَنِي حُمَيْدٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ عَلِيًّا شَفَعَ لِسَارِقٍ فَقِيلَ لَهُ
أَتَشْفَعُ لِسَارِقٍ! قَالَ نَعَمْ إِنَّ ذَلِكَ لَيُفْعَلُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْإِمَامَ
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ مِثْلُ ذَلِكَ
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ مِثْلُ ذَلِكَ
وَالْآثَارُ فِي السَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرَةٌ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ بن عَبَّاسٍ وَعَمَّارًا
وَالزُّبَيْرَ أَخَذُوا سَارِقًا فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ قَالَ عِكْرِمَةُ فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ بِئْسَ مَا صَنَعْتُمْ حِينَ
خَلَّيْتُمْ سَبِيلَهُ فَقَالَ لَا أُمَّ لَكَ أَمَا لَوْ كُنْتَ أَنْتَ لَسَرَّكَ أَنْ يُخَلَّى سَبِيلُكَ
وَهَذَا كُلُّهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ إِلَى السُّلْطَانِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ
دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدَ ضَادَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي حُكْمِهِ)
وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ عن بن عُمَرَ
قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ قَالَ حَدَّثَنِي قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ حدثني أبو بكر قال حدثني
بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلِّمَ
فِي شَيْءٍ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَأَقَمْتُ عَلَيْهَا الْحَدَّ)
قال ابو عمر في حديث بن شِهَابٍ فِي هَذَا الْبَابِ فِي قِصَّةِ رِدَاءِ صَفْوَانَ الْمَسْرُوقِ
مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ قَدْ تَوَسَّدَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحِرْزَ قَدْ يَكُونُ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الْفِعْلِ
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ أَئِمَّةُ الفتوى بالامصار واتباعهم على مراعاة الحرز في ما يَسْرِقُهُ
السَّارِقُ فَقَالُوا مَا سَرَقَهُ السَّارِقُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ بَلَغَ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَجِبُ
فِيهِ الْقَطْعُ أَمْ لَمْ يَبْلُغْ
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَصْحَابُهُمْ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 541
وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا قطع في حريسة الجبل حتى يؤويها الْمُرَاحُ
فَإِذَا أَوَاهَا الْمُرَاحُ فَالْقَطْعُ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْهَا ثَمَنَ الْمِجَنِّ)
وَرَوَاهُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَلِيُّ
بْنُ الْمَدِينِيِّ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حُجَّةٌ إِذْ رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ثِقَةٌ وَأَدْرَكَ أَبَاهُ وَأَبُوهُ شُعَيْبٌ أَدْرَكَ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا
مُخْتَلِسٍ)
فَلَمَّا كَانَ الْخَائِنُ لَا يحترز منه علم انهما لَمْ يَكُنْ فِي حِرْزٍ فَلَيْسَ بِسَرِقَةٍ يَجِبُ فِيهَا
الْقَطْعُ
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى الْمُضَارِبِ مِنْ مَالِ مُضَارِبِهِ وَكَذَلِكَ الْمُوَدَعُ عِنْدَهُ
الْوَدِيعَةُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَبْوَابٍ مِنْ مَعَانِي الْحِرْزِ يَطُولُ ذِكْرُهَا
فَجُمْلَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحِرْزَ كُلُّ مَا يَحْرِزُ النَّاسُ بِهِ أَمْوَالَهُمْ إِذَا أَرَادُوا
التَّحَفُّظَ مِنْ سَارِقٍ يَسْرِقُهَا وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الشَّيْءِ الْمَحْرُوزِ وَاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ
فَإِذَا ضُمَّ الْمَتَاعُ فِي السُّوقِ وَقَعَدَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ فَهُوَ حِرْزٌ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَتَاعُ فِي
ظَرْفٍ فَأَخْرَجَهُ السَّارِقُ مِنْ ظَرْفِهِ أَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ صَاحِبُهُ جَازَ ذَلِكَ
وَكَذَلِكَ إِبِلُ الْقَافِلَةِ وَدَوَابُّ الرُّفْقَةِ إِذَا قَطَرَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ أَوْ كَانَتْ غَنَمًا فِي
مُرَاحِهَا أَوْ مَتَاعًا فِي فُسْطَاطٍ أَوْ خِبَاءٍ وَعَلَيْهِ مَنْ يَحْفَظُهُ وَنَحْوُ هَذَا مِمَّا يَطُولُ
أَوْصَافُهُ
وَمَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ مُتَقَارِبٌ جِدًّا
وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ كُلُّ سَارِقٍ سَرَقَ رُبُعَ دِينَارٍ ذَهَبًا أَوْ
قِيمَتَهُ مِنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ مِنْ حِرْزٍ أَخَذَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ إِذَا أَخَذَهُ
مِنْ مِلْكِ مَالِكٍ لَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِقَطْعِ السَّارِقِ أَمْرًا مُطْلَقًا وَبَيَّنَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِقْدَارَ الْمَقْطُوعَ فِيهِ وَلَمْ يُبَيِّنِ الْحِرْزَ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 542
وَتَكَلَّمُوا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِمَا وَصَفْنَا وَمَا أَعْلَمُ لَهُمْ فِي
تَرْكِ مُرَاعَاةِ إِخْرَاجِ السَّرِقَةِ مِنْ حِرْزِهَا إِلَّا شيئا عن عائشة وبن الزُّبَيْرِ وَرِوَايَةً عَنِ
الْحَسَنِ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهَا
وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ السَّارِقَ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَسْرِقَ شَيْئًا مَحْرُوزًا
يُخْرِجُهُ مِنْ حِرْزِهِ
وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّارِقِ يَسْرِقُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَيُرْفَعُ إِلَى الْإِمَامِ فَيُقِرُّ أَوْ
تَثْبُتُ عَلَيْهِ السَّرِقَةُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ فَيَأْمُرُ الْإِمَامُ بِقَطْعِهِ فَيَهَبُ لَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ الشَّيْءَ
الْمَسْرُوقَ قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ صَفْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ يُقْطَعُ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَهُ وَالصَّدَقَةَ عَلَيْهِ بِمَا سَرَقَهُ
رُبَّمَا وَقَعَتْ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَطَائِفَةٌ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ
بِالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فَلَا تَقْطَعُ يَدُ أَحَدٍ في ما هُوَ مِلْكٌ لَهُ
وَهَذَا مِنْهُمْ دَفْعٌ لِحَدِيثِ صَفْوَانَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ)
وَلِمَ يَرْوُونَ شَيْئًا يَرُدُّونَهُ بِهِ
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَوْ وَقَعَتِ الْهِبَةُ مِنَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِلسَّارِقِ قَبْلَ أَنْ
يُرْفَعَ إِلَى الْأَمَامِ
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عَنْهُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا يُقْطَعُ
وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بن أَبِي لَيْلَى
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ بِالزَّانِي بِأَمَةِ غَيْرِهِ تُوهَبُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ
يَشْتَرِيهَا قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَنَّ مِلْكَهُ الطَّارِئَ لَا يُزِيلُ عنه الحد
ومن حجة ابي حنيفة ومن تابعه الحديث المرفوع (تعافوا الحدود في ما بَيْنَكُمْ فَمَا
بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقْدِ وَجَبَ
الجزء: 7 ¦ الصفحة: 543
وقال بن وهب سمعت بن جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا فَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ عُفِيَ عَنْهُ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَقَدْ
حَصَلَ الشَّيْءُ الْمَسْرُوقُ مِلْكًا لِلسَّارِقِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ السُّلْطَانَ فَلَمْ يَبْلُغِ الْحَدُّ السُّلْطَانَ
إِلَّا وَهُوَ يَعْفُو عَنْهُ
قَالُوا وَمَا صَارَ مِلْكًا لِلسَّارِقِ وَاسْتَحَالَ أَنْ يُقْطَعَ فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقْطَعُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ
لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ
قَالُوا وَالطَّارِئُ مِنَ الشُّبَهَاتِ فِي الْحُدُودِ بِمَنْزِلَةِ مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ قِيَاسًا عَلَى
الشَّهَادَاتِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَفْوَانَ (فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ) يَمْنَعُ مِنَ
اسْتِعْمَالِ النَّظَرِ مَا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ إِلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ صَحِيحِ الْقِيَاسِ فِي مِلْكِ الزَّانِي
نَظَرًا لَهُ قَبْلَ الْحَدِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

340215

83259

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 20/01/2018