(وعن سهل بن سعد الساعديِّ رضي الله عنه قال جاءت امرأة) قال المصنف في الفتح لم أقف على اسمها (إلى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فقالت: يا رسول الله جئت أهب لك نفسي) أي أمر نفسي لأن الحرّ لا تملك رقبته (فنظر إليها رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فصعد النظر فيها وصوّبه) في النهاية: ومنه الحديث فصعد فيَّ النظر وصوّبه أي نظر أعلاي وأسفلي وتأملني وهو من أدلة جواز النظر إلى من يريد زواجها وقال المصنف إنه تحرر عنده أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يحرم عليه النظر إلى المؤمنات الأجنبيات بخلاف غيره (ثم طَأطَأ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم رَأسَهُ فلما رأت المرأةُ أَنّهُ لم يقضِ فيها شيئاً جَلَسَتْ فقامَ رجلٌ من الصحابة) قال المصنف لم أقف على اسمه (فقال: يا رسول الله إن لم يَكُنْ لك بها حاجة فزوجنيها فقال: "فَهَلْ عِنْدَك مِنْ شيءٌ؟" فقال: لا واللَّهِ يا رسول الله، قال: "اذْهَبَ إلىَ أَهْلكَ فانْظُرْ هَلْ تجِدْ شَيْئاً؟" فذهب ثم رجع فقال: لا واللَّهِ ما وجدت شيئاً. فقال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم "انْظُرْ ولَوْ خَاتماً) أي ولو نظرت خاتماً (مِنْ حَديدٍ" فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسولَ اللَّهِ ولا خَاتماً من حديد) أي موجود فخاتم مبتدأ حذف خبره (ولكِنْ هذا إزَاري ــــ قال) سهل بن سعد الراوي (ماله رداء ــــ فلها نصفه. فقال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "مَا تَصْنعُ بِإزَاركَ؟ إنْ لَبِسْتَهُ) أي كله (لَمْ يكُنْ عَلَيْها مِنْهُ شيءٌ وإنْ لبِسَتْهُ) أي كله (لَمْ يكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شيءٌ) ولعله بهذا الجواب بيّن له أن قسمة الرداء لا تنفعه ولا تنفع المرأَة (فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مولياً فأمر به فدعي به فلما جاءَ قال: "مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآن" قال معي سورة كذا وسورة كذا عدّدها فقال: "تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟" قال: نعم. قال: "اذْهَبْ فَقَدْ مَلّكْتُكَهَا بمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ" متفق عليه واللفظ لمسلم.
وفي رواية قال: "انْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فعَلِّمهَا من الْقُرْآنِ" وفي رواية للبخاري "أَمْكَنّاكَهَا بمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ" ولأبي داود عن أبي هريرة قال:) أي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (مَا تحْفَظ" قال: سورة البقرة والتي تليها قال: "قُمْ فَعَلِمْهَا عِشْرينَ آيَةً").
دل الحديث على مسائل عديدة وقد تتبعها ابن التين وقال: هذه إحدى وعشرين فائدة بوّب البخاري على أكثرها.
قلت: ولنأت بأنفسها وأوضحها.
الأولى: جواز عرض المرأة نفسها على رجل من أهل الصلاح.
وجواز النظر من الرجل وإن لم يكن خاطباً لإرادة التزوج يريد: أنه ليس جواز النظر خاصاً للخاطب بل يجوز لمن تخطبه المرأة فإنَّ نظره صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إليها أنه أراد زواجها بعد عرضها عليه نفسها وكأنها لم تعجبه فأضرب عنها.
والثانية: ولاية الإمام على المرأة التي لا قريب لها إذا أذنت، إلا أن في بعض ألفاظ الحديث أنها فوضت أمرها إليه وذلك توكيل.
وأنه يعقد للمرأة من غير سؤال عن وليها هل هو موجود أو لا، حاضر أو لا، وسؤالها هل هي في عصمة رجل أو عدمه.
قال الخطابي: وإلى هذا ذهب جماعة حملاً على ظاهر الحال.
وعند الهادوية أنها تحلف الغريبة احتياطاً.
الثالثة: أن الهبة لا تثبت إلا بالقبول.
الرابعة: أنه لا بد من الصداق في النكاح وأنه يصح أن يكون شيئاً يسيراً فإن قوله: ولو خاتماً من حديد مبالغة في تقليله فيصح بكل ما تراضى عليه الزوجان أو من إليه ولاية العقد مما فيه منفعة.
وضابطه أن كل ما يصلح أن يكون قيمة وثمناً لشيء يصح أن يكون مهراً.
ونقل القاضي عياض الإجماع على أنه لا يصح أن يكون مما لا قيمة له ولا يحل به النكاح.
وقال ابن حزم: يصح بكل ما يسمى شيئاً ولو حبة من شعير لقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم هل تجد شيئاً.
وأجيب بأن قوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ولو خاتماً من حديد مبالغة في التقليل وله قيمة.
وبأن قوله في الحديث: (من استطاع منكم الباءة) ومن لم يستطع دل على أنه شيء لا يستطيعه كل واحد وحبة الشعير مستطاعة لكل أحد وكذلك قوله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولا} وقوله تعالى: {أن تبتغوا بأموالكم} دال على اعتبار المالية في الصداق حتى قال بعضهم: أقله خمسون وقيل أربعون وقيل خمسة دراهم وإن كانت هذه التقادير لا دليل على اعتبارها بخصوصها.
والحق أنه يصح بما يكون له قيمة وإن تحقرت.
والأحاديث والآيات يحتمل أنها خرجت مخرج الغالب وأنه لا يقع الرضا هنا من الزوجة إلا بكونه مالاً له صورة ولا يطيق كل أحد تحصيله.
الخامسة: أنه ينبغي ذكر الصداق في العقد لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة فلو عقد بغير ذكر صداق صح العقد ووجب لها مهر المثل بالدخول وأنه يستحب تعجيل المهر.
السادسة: أنه يجوز الحلف وإن لم يكن عليه اليمين وأنه يجوز الحلف على ما يظنه لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال له بعد يمينه: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئاً فدل أن يمينه كانت على ظنه ولو كانت لا تكون إلا على العلم لم يكن للأمر بذهابه إلى أهله فائدة.
السابعة: أنه لا يجوز للرجل أن يخرج من ملكه ما لا بد له منه كالذي يستر عورته أو يسد خلته من الطعام والشراب لأنه صلى الله عليه وآله وسلم علل منعه عن قسمة ثوبه بقوله: (إن لبسته لم يكن عليك منه شيء).
الثامنة: اختبار مدعي الإعسار فإنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لم يصدقه في أول دعواه الإعسار حتى ظهر له قرائن صدقه وهو دليل على أنه لا يسمع اليمين من مدعي الإعسار حتى تظهر قرائن إعساره.
التاسعة: أنها لا تجب الخطبة للعقد لأنها لم تذكر في شيء من طرق الحديث وتقدم أن الظاهرية تقول بوجوبها وهذا يرد قولهم.
وأنه يصح أن يكون الصداق منفعة كالتعليم فإنه منفعة ويقاس عليه غيره ويدل عليه قصة موسى مع شعيب.
وقد ذهب إلى جواز كونه منفعة الهادوية وخالفت الحنفية وتكلفوا لتأويل الحديث وادعوا أن التزوج بغير مهر من خواصه صلى الله عليه وآله وسلم وهو خلاف الأصل.
العاشرة: قوله بما معك من القرآن، يحتمل كما قاله القاضي عياض وجهين: أظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن أو قدراً معيناً منه ويكون ذلك صداقاً ويؤيده قوله في بعض طرقه الصحيحة: "فعلمها من القرآن" وفي بعضها تعيين عشر من الآيات، ويحتمل أن الباء للتعليل وأنه زوجه بها بغير صداق إكراماً له لكونه حافظاً لبعض من القرآن.
ويؤيد هذا الاحتمال قصة أم سليم مع أبي سليم وذلك "أنه خطبها فقالت: والله ما مثلك يرد ولكنك كافر وأنا مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك فإن تسلم فذلك مهرك ولا أسألك غيره فأسلم فكان ذلك مهرها" أخرجه النسائي وصححه عن ابن عباس وترجم له النسائي: "باب التزويج على الإسلام".
وترجم على حديث سهل هذا بقوله "باب التزويج على سورة البقرة" وهذا ترجيح منه للاحتمال الثاني والاحتمال الأول أظهر كما قاله القاضي لثبوت رواية: فعلمها من القرآن.
الحادية عشرة: أن النكاح ينعقد بلفظ التمليك وهو مذهب الهادوية والحنفية ولا يخفى أنها قد اختلفت الألفاظ في الحديث فروي بالتمليك وبالتزويج وبالإمكان.
قال ابن دقيق العيد: هذه لفظة واحدة في قصة واحدة اختلفت مع اتحاد مخرج الحديث والظاهر أن الواقع من النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لفظ واحد فالمرجع في هذا إلى الترجيح.
وقد نقل عن الدارقطني أن الصواب رواية من روى قد زوجتكها وأنهم أكثر وأحفظ وأطال المصنف في الفتح الكلام على هذه الثلاثة الألفاظ ثم قال: فرواية التزويج والإنكاح أرجح.
وأما قول ابن التين: إنه اجتمع أهل الحديث على أن الصحيح رواية زوجتكها وأن رواية ملكتكها وهم فيه فقد قال المصنف: إن ذلك مبالغة منه.
وقال البغوي: الذي يظهر أنه كان بلفظ التزويج على وفق قول الخاطب زوجنيها إذ هو الغالب في لفظ العقود إذ قلما يختلف فيه لفظ المتعاقدين.
وقد ذهبت الهادوية والحنفية والمشهور عن المالكية إلى جواز العقد بكل لفظ يفيد معناه إذا قرن به الصداق أو قصد به النكاح كالتمليك ونحوه ولا يصح بلفظ العارية والإجارة والوصية.
عدد المشاهدات *:
532878
532878
عدد مرات التنزيل *:
0
0
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013