بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الذي أنعم علينا بالهداية لدينه القويم ، و أشهد أن لا إلاه إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه أجمعين ،
أما بعد
قال الله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( البقرة 183).
هذا الخطاب الرباني خص الله به الفئة المؤمنة التي ينفعها إيمانها في الدنيا و الآخرة ،إذ أننا نجد الله يوجه في القرآن الكريم خطابا عاما و خطابا خاصا لعباده فمن ذلك :
- الخطاب العام الذي يشمل المسلم و الكافر و يبدأ هذا الخطاب بقوله تعالى : يا أيها الناس .... و بقوله تعالى : يا بني آدم .... و بقوله تعالى : يا أيها الإنسان ....
- الخطاب الخاص و ينقسم إلى أنواع و هي:
القسم الأول:
-
النوع الأول خطاب الله لأنبيائه و رسله كآدم و إبراهيم و نوح و موسى و عيسى و زكرياء و يحيى و داود عليهم السلام من خلال القصص القرآني و خطاب الله تعالى لأصفياءه نحو قوله تعالى : يا آدم ... و نحو قوله تعالى : يا عيسى أأنت قلت ......
-
النوع الثاني يخص النبي صلى الله عليه و سلم و يتميز على إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة و السلام بخطاب الله له بقوله تعالى : يا أيها الرسول ...... و بقوله : يا أيها النبي .....
-
النوع الثالث يخص أزواج النبي صلى الله عليه و سلم و من قوله تعالى : يا نساء النبي .... و قوله تعالى : قل إن كنتن .....
-
النوع الرابع يخص المؤمنون و هم من أمن بالله تعالى و اتبع نبيه صلى الله عليه و سلم ظاهرا و باطنا و يأتي بالنداء نحو قوله تعالى : يا أيها الذين أمنوا ..... و منه قوله تعالى : قل للمؤمنين ..... و منه قوله تعالى : قل للمؤمنات .....
القسم الثاني:
-
و النوع الأول منه موجه لعامة المشركين و منه قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( التحريم 7) و أحيانا يوجه الخطاب بشكل غير مباشر بأمره النبي صلى الله عليه و سلم بتبليغ أمره و نهيه كما في قوله تعالى : قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ ( الأنفال 38)
-
و النوع الثاني منه يتعلق بأهل الكتاب و هم اليهود و النصارى لأن أنزل التوراة على موسى عليه و سلم و هذه شريعة الله لبني إسرائيل من اليهود الذين اتبعوا موسى عليه السلام و أنزل الله على عيسى بن مريم عليه السلام الإنجيل و من اتبعه من النصارى .و يبدأ الخطاب نحو قوله تعالى : قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64).و منه قولى تعالى خطاب يشمل كلا الطائفتين نحو قوله تعالى : يا بني إسرائيل .....
-
و النوع الثالث منه يخص الأعراب و هذا النوع من الخطاب يأتي نكرة فلا يخاطبهم الله بشكل مباشر و هو نحو قوله تعالى : قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ۖ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا ۖ وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)
-
و النوع الرابع موجه للمنافقين و يأتي بالرد المباشر على مكائدهم و فضح دسائسهم كما في اول البقرة، آل عمران ،النساء ، الأنفال ، الأحزاب ، النور ، سورة التوبة و سورة المنافقون و غيرها من السور الكريمة و منه قوله تعالى : يخادعون الله و هو خادعهم، و ربنا يخاطبهم دائما بصيغة الإستنكار و بضمير الغائب .
و منه خطاب أدق كما في سورة المجادلة ، أم موسى و هذا ليس مجال البحث و نكتفي بما ذكر .
بعد هذا التفصيل البسيط لخطاب المولى جل جلاله لعباده يمكننا أن نقول بأن الخطاب إذا تعلق بأهل الإيمان من المؤمنين فهو عام يدخله في عمومه المسلمون و المسلمات و المؤمنون و المؤمنات و كل من اتصف بهذا المعنى .
قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه : كنّا إذا سمعنا قول الله عزّ وجلّ : يا أيّها الذين آمنوا ، أنصتنا وأصغينا وقلنا لبيك اللهم لبيك .. ولبيك تعنى إجابةً لك بعد إجابة .. وذلك لأنه إمّا أن يكون أمراً يأمرنا به ، أو نهىٌ ينهانا عنه و ذلك أن كل مؤمن يقرأ هذا الخطاب فيفهم منه أن هذا الخطاب موجه له بشكل خاص .
قال القرطبي رحمه الله : وخص المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون به، فالمنة عليهم أعظم.