[ الحديث 614- طرفه في :4719]
قوله: "باب الدعاء عند النداء" أي عند تمام النداء، وكأن المصنف لم يقيده بذلك اتباعا لإطلاق الحديث كما سيأتي البحث فيه. قوله: "حدثني علي بن عياش" بالياء الأخيرة والشين المعجمة وهو الحمصي من كبار شيوخ البخاري ولم يلقه من الأئمة الستة غيره، وقد حدث عنه القدماء بهذا الحديث، أخرجه أحمد في مسنده عنه، ورواه علي بن المديني شيخ البخاري مع تقدمه على أحمد عنه، أخرجه الإسماعيلي من طريقه. قوله: "عن محمد بن المنكدر" ذكر الترمذي أن شعيبا تفرد به عن ابن المنكدر فهو غريب مع صحته، وقد توبع ابن المنكدر عليه عن جابر أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أبي الزبير عن جابر نحوه، ووقع في زوائد الإسماعيلي: أخبرني ابن المنكدر. قوله: "من قال حين يسمع النداء" أي الأذان، واللام للعهد، ويحتمل أن يكون التقدير: من قال حين يسمع نداء المؤذن. وظاهره أنه يقول الذكر المذكور حال سماع الأذان ولا يتقيد بفراغه، لكن يحتمل أن يكون المراد من النداء تمامه، إذ المطلق يحمل على الكامل، ويؤيده حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم بلفظ: "قولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، ثم سلوا الله لي الوسيلة " ففي هذا أن ذلك يقال عند فراغ الأذان. واستدل الطحاوي بظاهر حديث جابر على أنه لا يتعين إجابة المؤذن بمثل ما يقول، بل لو اقتصر على الذكر المذكور كفاه. وقد بين حديث عبد الله بن عمرو المراد، وأن الحين محمول على ما بعد الفراغ، واستدل به ابن بزيزة على عدم وجوب ذلك لظاهر إيراده، لكن لفظ الأمر في رواية مسلم قد يتمسك به من يدعي الوجوب، وبه
(2/94)
قال الحنفية وابن وهب من المالكية وخالف الطحاوي أصحابه فوافق الجمهور. قوله: "رب هذه الدعوة" بفتح الدال، زاد البيهقي من طريق محمد بن عون عن علي بن عياش " اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة التامة " والمراد بها دعوة التوحيد كقوله تعالى: {له دعوة الحق} وقيل لدعوة التوحيد " تامة " لأن الشركة نقص. أو التامة التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل، بل هي باقية إلى يوم النشور، أو لأنها هي التي تستحق صفة التمام وما سواها فمعرض للفساد. وقال ابن التين: وصفت بالتامة لأن فيها أتم القول وهو " لا إله إلا الله". وقال الطيبي: من أوله إلى قوله: "محمد رسول الله " هي الدعوة التامة، والحيعلة هي الصلاة القائمة في قوله يقيمون الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة الدعاء وبالقائمة الدائمة من قام على الشيء إذا داوم عليه، وعلى هذا فقوله: "والصلاة القائمة " بيان للدعوة التامة، ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة المعهودة المدعو إليها حينئذ وهو أظهر. قوله: "الوسيلة" هي ما يتقرب به إلى الكبير، يقال توسلت أي تقربت، وتطلق على المنزلة العلية، ووقع ذلك في حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم بلفظ: "فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله " الحديث، ونحوه للبزار عن أبي هريرة، ويمكن ردها إلى الأول بأن الواصل إلى تلك المنزلة قريب من الله فتكون كالقربة التي يتوسل بها. قوله: "والفضيلة" أي المرتبة الزائدة على سائر الخلائق، ويحتمل أن تكون منزلة أخرى أو تفسيرا للوسيلة. قوله: "مقاما محمودا" أي يحمد القائم فيه، وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات، ونصب على الظرفية، أي ابعثه يوم القيامة فأقمه مقاما محمودا، أو ضمن ابعثه معنى أقمه، أو على أنه مفعول به ومعنى ابعثه أعطه، ويجوز أن يكون حالا أي ابعثه ذا مقام محمود. قال النووي: ثبتت الرواية بالتنكير وكأنه حكاية للفظ القرآن. وقال الطيبي: إنما نكره لأنه أفخم وأجزل، كأنه قيل مقاما أي مقاما محمودا بكل لسان. قلت: وقد جاء في هذه الرواية بعينها من رواية علي بن عياش شيخ البخاري فيه بالتعريف عند النسائي، وهي في صحيح ابن خزيمة وابن حبان أيضا، وفي الطحاوي والطبراني في الدعاء والبيهقي، وفيه تعقب على من أنكر ذلك كالنووي. قوله: "الذي وعدته" زاد في رواية البيهقي " إنك لا تخلف الميعاد " وقال الطيبي: المراد بذلك قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} وأطلق عليه الوعد لأن عسى من الله واقع كما صح عن ابن عيينة وغيره، والموصول إما بدل أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف وليس صفة للنكرة، ووقع في رواية النسائي وابن خزيمة وغيرهما: "المقام المحمود " بالألف واللام فيصح وصفه بالموصول والله أعلم. قال ابن الجوزي: والأكثر على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة، وقيل إجلاسه على العرش، وقيل على الكرسي، وحكى كلا من القولين عن جماعة، وعلى تقدير الصحة لا ينافي الأول لاحتمال أن يكون الإجلاس علامة الإذن في الشفاعة، ويحتمل أن يكون المراد بالمقام المحمود الشفاعة كما هو مشهور وأن يكون الإجلاس هي المنزلة المعبر عنها بالوسيلة أو الفضيلة. ووقع في صحيح ابن حبان من حديث كعب بن مالك مرفوعا: "يبعث الله الناس، فيكسوني ربي حلة خضراء، فأقول ما شاء الله أن أقول " فذلك المقام المحمود، ويظهر أن المراد بالقول المذكور هو الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة. ويظهر أن المقام المحمود هو مجموع ما يحصل له في تلك الحالة، ويشعر قوله في آخر الحديث: "حلت له شفاعتي " بأن الأمر المطلوب له الشفاعة، والله أعلم. قوله: "حلت له" أي استحقت ووجبت أو نزلت عليه، يقال حل يحل بالضم إذا نزل، واللام بمعنى على، ويؤيده رواية مسلم: "حلت عليه". ووقع في الطحاوي حديث ابن مسعود " وجبت له " ولا يجوز أن يكون حلت من
(2/95)
الحل لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة. قوله: "شفاعتي" استشكل بعضهم جعل ذلك ثوابا لقائل ذلك مع ما ثبت من أن الشفاعة للمذنبين، وأجيب بأن له صلى الله عليه وسلم شفاعات أخرى: كإدخال الجنة بغير حساب، وكرفع الدرجات فيعطى كل أحد ما يناسبه. ونقل عياض عن بعض شيوخه أنه كان يرى اختصاص ذلك بمن قاله مخلصا مستحضرا إجلال النبي صلى الله عليه وسلم، لا من قصد بذلك مجرد الثواب ونحو ذلك، وهو تحكم غير مرضي، ولو كان أخرج الغافل اللاهي لكان أشبه. وقال المهلب: في الحديث الحض على الدعاء في أوقات الصلوات لأنه حال رجاء الإجابة، والله أعلم.
(2/96)
...
عدد المشاهدات *:
501334
501334
عدد مرات التنزيل *:
153960
153960
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013