فتح الباري في شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني
قوله: "باب هل يصلي الإمام بمن حضر" أي وجود العلة المرخصة للتخلف، فلو تكلف قوم الحضور فصلى بهم الإمام لم يكره، فالأمر بالصلاة في الرحال على هذا للإباحة لا للندب، ومطابقة ذلك لحديث ابن عباس من قوله فيه: "فنظر بعضهم إلى بعض " لما أمر المؤذن أن يقول: "الصلاة في الرحال " فإنه دال على أن بعضهم حضر وبعضهم لم يحضر ومع ذلك خطب وصلى بمن حضر، وأما قوله: "وهل يخطب يوم الجمعة في المطر " فظاهر من حديث ابن عباس وقد تقدم الكلام عليه في الأذان أيضا وفيه أن ذلك كان يوم الجمعة وأن قوله: "إنها عزمة " أي الجمعة، وأما مطابقة حديث أبي سعيد فمن جهة أن العادة في يوم المطر أن يتخلف بعض الناس، وأما قول بعض الشراح يحتمل أن يكون ذلك في الجمعة فمردود لأنه سيأتي في الاعتكاف أنها كانت في صلاة الصبح، وحديث أنس لا ذكر للخطبة فيه. ولا يلزم أن يدل كل حديث في الباب على كل ما في الترجمة. قوله: "باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله" ذكر العلة من عطف العام على الخاص لأنها أعم من أن تكون بالمطر أو غيره، والصلاة في الرحل أعم من أن تكون بجماعة أو منفردا لكنها مظنة الانفراد، والمقصود الأصلي في الجماعة إيقاعها في المسجد، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في كتاب الأذان، وعلى حديث عتبان في " باب المساجد في البيوت " وسياقه هناك أتم، وإسماعيل شيخه هنا هو ابن أبي أويس. قوله: "سألت أبا سعيد " أي عن ليلة القدر. قوله في حديث أنس "قال رجل من الأنصار" قيل إنه عتبان بن مالك، وهو محتمل لتقارب القصتين، لكن لم أر ذلك صريحا. وقد وقع في رواية ابن ماجه الآتية أنه بعض عمومة أنس وليس عتبان عما لأنس إلا على سبيل المجاز لأنهما من قبيلة واحدة وهي الخزرج لكن كل منهما من بطن. قوله: "معك" أي في الجماعة في المسجد. قوله: "وكان رجلا ضخما" أي سمينا، وفي هذا الوصف إشارة إلى علة تخلفه، وقد عده ابن حبان من الأعذار المرخصة في التأخر عن الجماعة، وزاد عبد الحميد عن أنس " وإني أحب أن تأكل في بيتي وتصلي فيه". قوله: "فبسط له حصيرا" سبق الكلام فيه في حديث أنس في أوائل الصلاة في " باب الصلاة على الحصير". قوله: "فصلى عليه ركعتين" زاد عبد الحميد " فصلى وصلينا معه". قوله: "فقال رجل من آل الجارود" في رواية على بن الجعد عن شعبة الآتية للمصنف في صلاة الضحى " فقال فلان ابن فلان ابن الجارود " وكأنه عبد الحميد بن المنذر بن الجارود البصري، وذلك أن البخاري أخرج هذا الحديث من رواية شعبة، وأخرجه في موضع آخر من رواية خالد الحذاء كلاهما عن أنس ابن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس، وأخرجه ابن ماجه وابن حبان من رواية عبد الله ابن عون عن أنس بن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس، فاقتضى ذلك أن في رواية البخاري انقطاعا، وهو مندفع بتصريح أنس بن سيرين عنده بسماعه من أنس، فحينئذ رواية ابن ماجه إما من المزيد في متصل الأسانيد، وإما أن يكون فيها وهم لكون ابن الجارود كان حاضرا عند أنس لما حدث بهذا الحديث وسأله عما سأله من ذلك، فظن بعض الرواة أن له فيه رواية. وسيأتي الكلام على فوائده في " باب صلاة الضحى "
(2/158)
ومطابقته لهذه الترجمة إما من جهة ما يلزم من الرخصة لمن له عذر أن يتخلف عن الحضور فإن ضرورة مواظبته صلى الله عليه وسلم على الصلاة بالجماعة أن يصلي بمن بقي، وإما من جهة ما ورد في طريق عبد الحميد المذكورة حيث قال أنس " فصلى وصلينا معه " فإنه مطابق لقوله: "وهل يصلي بمن حضر " والله أعلم.
(2/159)
عدد المشاهدات *:
373395
عدد مرات التنزيل *:
139834
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013
فتح الباري في شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني