شَاعِرُ العَصْرِ، أَبُو تَمَّامٍ حَبِيْبُ بنُ أَوْسِ بنِ الحَارِثِ بنِ قَيْسٍ الطَّائِيُّ، مِنْ حَوْرَانَ، مِنْ قَرْيَةِ جَاسِمٍ.أَسْلَمَ، وَكَانَ نَصْرَانِيّاً.مَدَحَ الخُلَفَاءَ وَالكُبَرَاءَ.وَشِعْرُهُ فِي الذِّرْوَةِ.وَكَانَ أَسْمَرَ، طُوَالاً، فَصِيْحاً، عَذْبَ العِبَارَةِ، مَعَ تَمْتَمَةٍ قَلِيْلَةٍ.وُلِدَ: فِي أَيَّامِ الرَّشِيْدِ.وَكَانَ أَوَّلاً حَدَثاً يَسقِي المَاءَ بِمِصْرَ، ثُمَّ جَالَسَ الأُدَبَاءَ، وَأَخَذَ عَنْهُمْ، وَكَانَ يَتَوَقَّدُ ذَكَاءً.وَسَحَّتْ قَرِيحَتُهُ بِالنَّظْمِ البَدِيعِ، فَسَمِعَ بِهِ المُعْتَصِمُ، فَطَلَبَهُ، وَقَدَّمَهُ الشُّعَرَاءُ، وَلَهُ فِيْهِ قَصَائِدُ.وَكَانَ يُوْصَفُ بِطِيبِ الأَخْلاَقِ وَالظُّرْفِ وَالسَّمَاحَةِ.وَقِيْلَ: قَدِمَ فِي زِيِّ الأَعْرَابِ، فَجَلَسَ إِلَى حَلْقَةٍ مِنَ الشُّعَرَاءِ، وَطَلَبَ مِنْهُم أَنْ يَسْمَعُوا مِنْ نَظْمِهِ، فَشَاعَ، وَذَاعَ، وَخَضَعُوا لَهُ،وَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ مَا صَارَ.فَمِنْ شِعرِهِ:فَحَوَاكَ عَيْنٌ عَلَى نَجْوَاكَ يَا مَذِلُ * حَتَّامَ لاَ يَتَقَضَّى قَوْلُكَ الخَطِلُالمَذِلُ: الخَدْرُ الفَاتِرُ.فَإِنَّ أَسْمَحَ مَنْ يَشْكُو إِلَيْهِ هَوَىً * مَنْ كَانَ أَحْسَنَ شَيْءٍ عِنْدَهُ العَذَلُمَا أَقْبَلَتْ أَوْجُهُ اللَّذَّاتِ سَافِرَةً * مُذْ أَدْبَرَتْ بِاللِّوَى أَيَّامُنَا الأُوَلُإِنْ شِئْتَ أَنْ لاَ تَرَى صَبْراً لِمُصْطَبِرٍ * فَانْظُرْ عَلَى أَيِّ حَالٍ أَصْبَحَ الطَّلَلُ(21/73)كَأَنَّمَا جَادَ مَغْنَاهُ فَغَيَّرَهُ * دُمُوْعُنَا يَوْمَ بَانُوا، فَهِيَ تَنْهَمِلُ (11/65)وَمَرَّ فِيْهَا، إِلَى أَنْ قَالَ - وَهِيَ فِي المُعْتَصِمِ -:تَغَايَرَ الشِّعْرُ فِيْهِ إِذْ سَهِرْتُ لَهُ * حَتَّى ظَنَنْتُ قَوَافِيهِ سَتَقْتَتِلُوَقَدْ كَانَ البُحْتُرِيُّ يَرْفَعُ مِنْ أَبِي تَمَّامٍ، وَيُقَدِّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَقُوْلُ: مَا أَكَلتُ الخُبْزَ إِلاَّ بِهِ، وَإِنِّي تَابِعٌ لَهُ.وَمِنْ شِعْرِهِ:غَدَتْ تَسْتَجِيرُ الدَّمْعَ خَوْفَ نَوَى الغَدِ * وَعَادَ قَتَاداً عِنْدَهَا كُلُّ مَرْقَدِوَأَنْقَذَهَا مِنْ غَمْرَةِ المَوْتِ أَنَّهُ * صُدُودُ فِرَاقٍ لاَ صُدُودُ تَعَمُّدِفَأَجرَى لَهَا الإِشْفَاقُ دَمْعاً مُوَرَّداً * مِنَ الدَّمِ يَجْرِي فَوْقَ خَدٍّ مُوَرَّدِهِيَ البَدْرُ يُغْنِيهَا تَوَرُّدُ وَجْهِهَا * إِلَى كُلِّ مَنْ لاَقَتْ وَإِنْ لَمْ تَوَدَّدِوَلَكِنَّنِي لَمْ أَحْوِ وَفراً مُجَمَّعاً * فَفُزْتُ بِهِ إِلاَّ لِشَمْلٍ مُبَدَّدِوَطُوْلُ مُقَامِ المَرْءِ بِالحَيِّ مُخلِقٌ * لِدِيبَاجَتَيْهِ، فَاغَتَرِبْ تَتَجَدَّدِفَإِنِّي رَأَيْتُ الشَّمْسَ زِيْدَتْ مَحَبَّةً * إِلَى النَّاسِ أَنْ لَيْسَتْ عَلَيْهِم بِسَرْمَدِ (11/66)وَهُوَ القَائِلُ:وَلَوْ كَانَتِ الأَرْزَاقُ تُجْرَى عَلَى الحِجَى * هَلَكْنَ إِذاً مِنْ جَهْلِهِنَّ البَهَائِمُوَلَمْ يَجْتَمِعْ شَرْقٌ وَغَرْبٌ لِقَاصِدٍ * وَلاَ المَجْدُ فِي كَفِّ امْرِئٍ وَالدَّرَاهِمُوَلَهُ:أَلَمْ تَرَنِي خَلَّيتُ نَفْسِي وَشَأْنَهَا * فَلَمْ أَحْفَلِ الدُّنْيَا وَلاَ حَدَثَانَهَالَقَدْ خَوَّفَتْنِي الحَادِثَاتُ صُرُوفَهَا * وَلَوْ أَمَّنَتْنِي، مَا قَبِلْتُ أَمَانَهَايَقُوْلُوْنَ: هَلْ يَبْكِي الفَتَى لِخَرِيْدَةٍ؟ * مَتَى مَا أَرَادَ اعْتَاضَ عَشْراً مَكَانَهَا(21/74)وَهَلْ يَسْتَعِيضُ المَرْءُ مِنْ خَمْسِ كَفِّهِ * وَلَوْ صَاغَ مِنْ حُرِّ اللُّجَينِ بَنَانَهَا؟ (11/67)وَدِيْوَانُ أَبِي تَمَّامٍ كَبِيْرٌ سَائِرٌ، وَلَمَّا مَاتَ، رَثَاهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الوَزِيْرُ، فَقَالَ:نَبَأٌ أَلَمَّ مُقَلْقِلُ الأَحْشَاءِ * لَمَّا أَتَى مِنْ أَعْظَمِ الأَنْبَاءِقَالُوا: حَبِيْبٌ قَدْ ثَوَى، فَأَجَبْتُهُمْ: * نَاشَدْتُكُمْ لاَ تَجْعَلُوهُ الطَّائِيوَلِلْحَسَنِ بنِ وَهْبٍ الوَزِيْرِ:فُجِعَ القَرِيضُ بِخَاتَمِ الشُّعَرَاءِ * وَغَدِيرِ رَوْضَتِهَا حَبِيْبِ الطَّائِيمَاتَا مَعاً، فَتَجَاوَرَا فِي حُفرَةٍ * وَكَذَاكَ كَانَا قَبْلُ فِي الأَحْيَاءِوَكَانَ ابْنُ وَهْبٍ قَدِ اعتَنَى بِأَبِي تَمَّامٍ، وَوَلاَّهُ بَرِيدَ المَوْصِلِ، فَأَقَامَ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ.وَمَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.وَقَالَ مَخْلَدٌ المَوْصِلِيُّ: مَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.وَأَمَّا نِفْطَوَيْه، وَغَيْرُهُ: فَوَرَّخُوا مَوْتَهُ بِسَامَرَّاءَ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.وَيُقَالُ: عَاشَ نَيِّفاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً - عَفَا اللهُ عَنْهُ وَرَحِمَهُ -. (11/68)قَالَ الصُّوْلِيُّ: كَانَ وَاحِدَ عَصْرِهِ فِي دِيْبَاجَةِ لَفْظِهِ، وَفَصَاحَةِ شِعْرِهِ، وَحُسْنِ أُسْلُوْبهِ.أَلَّفَ (الحَمَاسَةَ)، فَدَلَّتْ عَلَى غَزَارَةِ مَعْرِفَتِهِ بِحُسْنِ اخْتِيَارهِ، وَلَهُ كِتَابُ (فُحُوْلِ الشُّعَرَاءِ).وَقِيْلَ: كَانَ يَحْفَظُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ أُرْجُوْزَةٍ لِلْعَرَبِ.وَقِيْلَ: أَجَازَهُ أَبُو دُلَفٍ بِخَمْسِيْنَ أَلفَ دِرْهَمٍ، وَاعْتَذَرَ.وَلهُ فِي المُعْتَصِمِ - أَوِ ابْنِهِ -:(21/75)إِقْدَامُ عَمْرٍو فِي سَمَاحَةِ حَاتِمٍ * فِي حُلْمِ أَحْنَفَ، فِي ذَكَاءِ إِيَاسِفَقَالَ الوَزِيْرُ: شَبَّهتَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ بِأَجْلاَفِ العَرَبِ.فَأَطْرَقَ، ثُمَّ زَادَهَا:لاَ تُنْكِرُوا ضَرْبِي لَهُ مَنْ دُوْنَهُ * مَثَلاً شَرُوداً فِي النَّدَى وَالْبَاسِفَاللهُ قَدْ ضَرَبَ الأَقَلَّ لِنُوْرِهِ * مَثَلاً مِنَ المِشْكَاةِ وَالنِّبْرَاسِفَقَالَ الوَزِيْرُ: أَعْطِهِ مَا شَاءَ، فَإِنَّهُ لاَ يَعِيْشُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً؛ لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ فِي عَيْنَيْهِ الدَّمُ مِنْ شِدَّةِ فِكْرِهِ، وَصَاحِبُ هَذَا لاَ يَعِيشُ إِلاَّ هَذَا القَدْرَ.فَقَالَ لَهُ الخَلِيْفَةُ: مَا تَشتَهِي؟قَالَ: المَوْصِلُ.فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَتَوَجَّهَ إِلَيْهَا، وَمَاتَ بَعْدَ هَذِهِ المُدَّةِ.هَذِهِ حِكَايَةٌ غَيْرُ صَحِيْحَةٍ.وَأَمَّا البَيْتَ، فلَنْ يَحْتَاجَ إِلَى اعْتِذَارٍ أَصْلاً، وَلاَ وَلِيَ المَوْصِلَ.بَلَى، وَلِيَ بَرِيدَهَا، كَمَا مَرَّ. (11/69)(21/76) عدد المشاهدات *: 491546 عدد مرات التنزيل *: 0 حجم الخط : 10 12 14 16 18 20 22 24 26 28 30 32 * : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 12/12/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة - تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 12/12/2013 سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي