الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الوَاعِظُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، الأُسْتَاذُ، أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ سَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الحِيْرِيُّ، الصُّوْفِيُّ.مَوْلِدُهُ:سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِالرَّيِّ.فَسَمِعَ بِهَا مِنْ:مُحَمَّدِ بنِ مُقَاتِلٍ الرَّازِيِّ، وَمُوْسَى بنِ نَصْرٍ.وَبَالعِرَاقِ مِنْ:حُمَيْدِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الأَحْمَسِيِّ، وَعِدَّةٍ، وَلَمْ يَزَلْ يَطْلُبُ الحَدِيْثَ وَيَكْتبُهُ إِلَى آخِرِ شَيْءٍ.حَدَّثَ عَنْهُ:الرَّئِيْسُ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ، وَابْنَاهُ؛أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الحَسَنِ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ مَطَرٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ نُجَيْدٍ، وَعِدَّةٌ.قَالَ الحَاكِمُ:قَدِمَ نَيْسَابُوْرَ لِصُحْبَةِ الأُسْتَاذِ أَبِي حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيِّ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَشَايِخُنَا أَنَّ أَبَا عُثْمَانَ كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَكَانَ مَجْمَعَ العُبَّادِ وَالزُّهَّادِ.وَلَمْ يَزَلْ يَسْمَعُ وَيُجِلُّ العُلَمَاءَ وَيُعَظِّمُهُم.سَمِعَ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ بنِ حَمْدَانِ(صَحِيْحَهِ)المُخَرَّجَ عَلَى مُسْلِمٍ بِلَفْظِهِ، وَكَانَ إِذَا بَلَغَ سُنَّةً لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا، وَقَفَ عِنْدَهَا حَتَّى يَسْتَعْمِلَهَا.قُلْتُ:هُوَ لِلْخُرَاسَانِيِّيْنَ نَظِيْرُ الجُنَيْدِ لِلْعِرَاقِيِّينَ.وَمِنْ كَلاَمِهِ:سُرُورُكَ بِالدُّنْيَا أَذْهَبَ سُرُورَكَ بِاللهِ عَنْ قَلْبِكَ.(27/64)قَالَ ابْنُ نُجَيدٍ:سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:لاَ تَثِقَنَّ بِمَوَدَةِ مَنْ لاَ يُحِبَّكَ إِلاَّ مَعْصُوْماً.(14/64)قَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ:سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلاً وَفِعْلاً، نَطَقَ بِالحِكْمَةِ، وَمَنْ أَمَّرَ الهَوَى عَلَى نَفْسِهِ، نَطَقَ بِالبِدْعَةِ، قَالَ تَعَالَى:{وَإِنْ تُطِيْعُوْهُ تَهْتَدُوا} [النُّوْرُ:54].قُلْتُ:وَقَالَ تَعَالَى:{وَلاَ تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيْلِ اللهِ} [ص:26].وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ الحِيْرِيِّ، قَالَ:لاَ يَكْمُلُ الرَّجُلُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَلْبُهُ فِي المَنْعِ وَالعَطَاءِ، وَفِي العِزِّ وَالذُّلِّ.وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ لأَبِي جَعْفَرٍ بنِ حَمْدَانَ:أَلَسْتُمْ تَرْوُونَ أَنَّ عِنْدَ ذِكْرِ الصَّالِحِيْنَ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ؟قَالَ:بَلَى.قَالَ:فَرَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدُ الصَّالِحِيْنَ.قَالَ الحَاكِمُ:أَخْبَرَنِي سَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ السَّمَرْقَنْدِيُّ العَابِدُ، سَمِعَ أَبَا عُثْمَانَ يَقُوْلُ - يَعْنِي:عَنِ اللهِ - :مَنْ طَلَبَ جِوَارِي وَلَمْ يُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى ثَلاَثٍ، أَوَّلُهَا:إِلقَاءُ العِزِّ وَحَمْلُ الذُّلِّ، الثَّانِي:سُكُوْنُ قَلْبِهُ عَلَى جُوْعٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، الثَّالِثُ:لاَ يَغْتَمُّ وَلاَ يَهْتَمُّ إِلاَّ لِدِينِهِ أَوْ طَلَبِ إِصْلاَحِ دِيْنِهِ...(14/65)الحَاكِمُ:سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ يَقُوْلُ:(27/65)لَمَّا قُتِلَ يَحْيَى بنُ الذُّهْلِيِّ، مُنِعَ النَّاسُ مِنْ حُضُوْرِ مَجَالِسِ الحَدِيْثِ مِنْ جِهَةِ أَحْمَدَ الخُجُسْتَانِيِّ، فَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ يَحْمِلُ مِحْبَرَةٍ، إِلَى أَنْ وَردَ السَّرِيُّ بنُ خُزَيْمَةَ، فَقَامَ الزَّاهِدُ أَبُو عُثْمَانَ الحِيْرِيُّ، وَجَمَعَ المُحَدِّثِيْنَ فِي مَسْجِدِهِ، وَعَلَّقَ بِيَدِهِ مِحْبَرَةً، وَتَقَدَّمَهُم، إِلَى أَنْ جَاءَ إِلَى خَانِ مَحْمَشٍ، فَأَخْرَجَ السَّرِيَّ، وَأَجْلَسَ المُسْتَمْلِي، فَحَزَرْنَا مَجْلِسَهُ زِيَادَةً عَلَى أَلفِ مِحْبَرَةٍ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَامُوا، وَقَبَّلُوا رَأْسَ أَبِي عُثْمَانَ، وَنَثَرَ النَّاسُ عَلَيْهِمُ الدَّرَاهِمَ وَالسُّكَّرَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.قُلْتُ:ذَكَرَ الحَاكِمُ أَخْبَارَ أَبِي عُثْمَانَ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَرَقَةً، وَفِي غُضُوْنِ ذَلِكَ مِنْ كَلاَمِهِ فِي التَّوَكُّلِ وَاليَقِيْنِ وَالرِّضَى، قَالَ الحَاكِمُ:وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:لَمَّا قَتَلَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخُجُسْتَانِيُّ - الَّذِي اسْتَولَى عَلَى البِلاَدِ - الإِمَامَ حَيْكَانَ بنَ الذُّهْلِيِّ، أَخَذَ فِي الظُّلْمِ وَالعَسَفِ، وَأَمَرَ بِحَرْبَةٍ رُكِزَتْ عَلَى رَأْسِ المُرَبَّعَةِ، وَجَمَعَ الأَعيَانَ، وَحَلَفَ:إِنْ لَمْ يَصُبُّوا الدَّرَاهِمَ حَتَّى يَغِيْبَ رَأْسُ الحَرْبَةِ، فَقَدْ أَحَلُّوا دِمَاءهُم.فَكَانُوا يَقْتَسِمُوْنَ الغَرَامَةِ بَيْنَهُم، فَخُصَّ تَاجِرٌ بِثَلاَثِيْنَ أَلفَ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ إِلاَّ عَلَى ثَلاَثَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَحَمَلَهَا إِلَى أَبِي عُثْمَانَ، وَقَالَ:أَيُّهَا الشَّيْخُ!قَدْ حَلَفَ هَذَا كَمَا بَلَغَكَ، وَوَاللهِ لاَ أَهْتَدِي إِلاَّ إِلَى هَذِهِ.قَالَ:تَأَذَنُ لِي أَنْ أَفْعَلَ فِيْهَا مَا يَنْفَعُكَ؟قَالَ:نَعَمْ.(27/66)فَفَرَّقهَا أَبُو عُثْمَانَ، وَقَالَ لِلتَّاجِرِ:امْكُثْ عِنْدِي.وَمَا زَالَ أَبُو عُثْمَانَ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ السِّكَّةِ وَالمَسْجَدِ لَيْلَتَهُ حَتَّى أَصْبَحَ، وَأَذَّنَ المُؤَذِّنُ، ثُمَّ قَالَ لِخَادِمِهِ:اذْهَبْ إِلَى السُّوقِ، وَانْظُرْ مَاذَا تَسْمَعُ.فَذَهَبَ، وَرَجَعَ، فَقَالَ:لَمْ أَرَ شَيْئاً.قَالَ:اذْهَبْ مَرَّةً أُخْرَى، وَهُوَ فِي مُنَاجَاتِهِ يَقُوْلُ:وَحَقِّكَ لاَ أَقَمْتُ مَا لَمْ تُفَرِّجْ عَنِ المَكرُوْبِيْنَ.قَالَ:فَأَتَى خَادِمُهُ الفَرْغَانِيُّ يَقُوْلُ:وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِيْنَ القِتَالَ، شُقَّ بَطْنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ.فَأَخَذَ أَبُو عُثْمَانَ فِي الإِقَامَةِ.قُلْتُ:بِمِثْلِ هَذَا يَعْظُمُ مَشَايِخُ الوَقْتِ.قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ:تُوُفِّيَ أَبِي لِعَشْرٍ بَقِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ الأَمِيْرُ أَبُو صَالِحٍ.(14/66)(27/67) عدد المشاهدات *: 494111 عدد مرات التنزيل *: 0 حجم الخط : 10 12 14 16 18 20 22 24 26 28 30 32 * : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 14/12/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة - تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 14/12/2013 سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي