الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُفِيدُ، الكَبِيْرُ، المُصَنِّفُ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الحَافِظِ الكَبِيْرِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ مَنْدَه العَبْدِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ:سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَهُوَ أَكْبَر إِخْوَته.
لَهُ إِجَازَةُ زَاهِر السَّرْخَسِيّ، وَتَفَرَّد بِهَا.
وَحَدَّثَ عَنْ:أَبِيْهِ فَأَكْثَر، وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بن المَرْزُبَان، وَإِبْرَاهِيْمَ بن خُرَّشيذ قُوْله، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ الجَلاَّب، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ مَرْدَوَيْه، وَأَبِي ذَرٍّ ابْن الطَّبَرَانِيّ، وَأَبِي عُمَرَ الطَّلْحِي، وَمُحَمَّدِ بن إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيّ، وَخَلْق.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِ مائَة، فَسَمِعَ:أَبَا عُمَر بن مَهْدِيٍّ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بن البَيِّع، وَابْن الصَّلْت الأَهْوَازِيّ، وَالمَوْجُوْدين.
وَسَمِعَ بِوَاسِط مِنِ:ابْنِ خَزَفَة.
وَبِمَكَّةَ مِنْ:أَبِي الحَسَنِ بن جَهْضَم، وَابْن نَظيف الفَرَّاء.
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ:أَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَلَكِن مَا رَوَى عَنْهُ لاَ هُوَ وَلاَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ لأَشعرِيَّته.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّقَّاق:وُلِد عَبْد الرَّحْمَنِ فِي السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا أَبُو بَكْرٍ ابْنُ المُقْرِئ، وَمَنَاقِبُهُ أَكْثَر مِنْ أَنْ تُعَدَّ.
(35/319)
كَانَ صَاحِبَ خُلُق وَفتوَة وَسخَاء وَبهَاء، وَكَانَتِ الإِجَازَةُ عِنْدَهُ قويَةً، وَكَانَ يَقُوْلُ:مَا حَدّثتُ بِحَدِيْثٍ إِلاَّ عَلَى سَبِيْل الإِجَازَة كيلاَ أُوبق.
وَلَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ وَردودٌ عَلَى المُبْتَدِعَة.(18/351)
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ:لَهُ إِجَازَةُ زَاهِرِ بن أَحْمَدَ، وَعبد الرَّحْمَن بن أَبِي شُرَيْح، وَالجَوْزَقِي، وَالحَاكِم، وَحَمْدِ بن عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيّ.
رَوَى لَنَا عَنْهُ:أَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الخلاَّل، وَأَبُو بَكْرٍ البَاغْبَان، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّقَّاق.
قَالَ ابْنُ طَاهِر:حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاق بِأَصْبَهَانَ، سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ بن مَنْده يَقُوْلُ:
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي أَحْمَدَ الفَرَضِي بِبَغْدَادَ جُزْءاً، فَأَردت خطَّهُ بِذَلِكَ.
فَقَالَ:يَا بُنِي!لَوْ قِيْلَ لَكَ بِأَصْبَهَانَ لَيْسَ ذَا خَطَّ فُلاَن، بِمَ كُنْت تُجيبُه؟وَمَنْ كَانَ يَشْهَدُ لَكَ؟
فَبعدهَا لَمْ أَطْلُب مِنْ شَيْخٍ خَطّاً.
السَّمْعَانِيّ:سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّل، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ابْن منده يَقُوْلُ:
قَدْ عَجبتُ مِنْ حَالِي، فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ أَكْثَر مِنْ لَقِيْتُهُ إِن صَدَّقتُه فِيمَا يَقولُهُ مدَارَاةً لَهُ؛سمَّانِي مُوَافِقاً، وَإِن وَقَفْتُ فِي حَرْفٍ مِنْ قَوْله أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ فعله؛سَمَّانِي مُخَالفاً، وَإِن ذَكرتُ فِي وَاحِد مِنْهُمَا أَنَّ الكِتَاب وَالسّنَة بِخلاَف؛ذَلِكَ سمَّانِي خَارِجيّاً، وَإِن قُرِئَ عليّ حَدِيْثٌ فِي التَّوحيد؛سمَّانِي مشبهاً، وَإِنْ كَانَ فِي الرُّؤْيَة؛سمَّانِي سَالِمِياً...، إِلَى أَنْ قَالَ:
(35/320)
وَأَنَا متمسكٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مُتَبَرِّئٌ إِلَى اللهِ مِنَ الشِّبْه وَالمِثْلِ وَالنِّدِّ وَالضِّدِّ وَالأَعضَاء وَالجِسْم وَالآلاَت، وَمِنْ كُلِّ مَا يَنسُبه النَّاسبُوْنَ إِلَيَّ، وَيَدَّعيه المدعُوْنَ عليَّ مِنْ أَنْ أَقُوْلَ فِي الله - تَعَالَى - شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، أَوْ قُلته، أَوْ أَرَاهُ، أَوْ أَتَوَهَّمُه، أَوْ أَصفه بِهِ.(18/352)
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَنْده:كَانَ عمِي سَيْفاً عَلَى أَهْلِ البِدَع، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُثنِي عَلَيْهِ مِثْلِي، كَانَ - وَاللهِ - آمراً بِالمَعْرُوف، نَاهياً عَنِ المُنْكَر، كَثِيْرَ الذّكر، قَاهِراً لِنَفْسِهِ، عَظِيْمَ الحِلم، كَثِيْرَ العِلْمِ، قَرَأْتُ عَلَيْهِ قَوْلَ شُعْبَة:مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً فَأَنَا لَهُ عَبْد.
فَقَالَ عمِي:مَنْ كَتَب عَنِّي حَدِيْثاً فَأَنَا لَهُ عَبْد.
وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:أَفطرنَا فِي رَمَضَانَ لَيْلَةً شَدِيْدَةَ الحرّ، فَكنَا نَأْكل وَنشربُ، وَكَانَ أَخِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَأْكُل وَلاَ يَشربُ، فَخَرَجت وَقُلْتُ:إِنَّ مِنْ عَادَة أَخِي أَنَّهُ يأْكُلُ لَيْلَةً وَلاَ يَشربُ، وَيَشربُ لَيْلَة أُخْرَى وَلاَ يَأْكُل.
قَالَ:فَمَا شَرِبَ تِلْكَ اللَّيْلَة، وَفِي اللَّيْلَة الآتيَة كَانَ يَشربُ وَلاَ يَأْكُلُ أَلبتَة، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة قَالَ:يَا أَخِي!لاَ تلعب بَعْدَ هَذَا، فَإِنِّي مَا اشتهيتُ أَنْ أُكَذِّبَكَ.
قَالَ الدَّقَّاق فِي(رسَالته):أَوّل مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ الشَّيْخ الإِمَام السَّيِّد السَدِيْد الأَوْحَد أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَرزقنِي الله بِبركته وَحُسن نِيته، وَجمِيْل سيرته فَهمَ الحَدِيْث.
وَكَانَ جِذْعاً فِي أَعْيَن المخَالفِيْن، لاَ تَأخَذَهُ فِي الله لُوْمَة لاَئِم، وَوَصْفُه أَكْثَر مِنْ أَنْ يُحصَى.
(35/321)
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَعْد الزَّنْجَانِي بِمَكَّةَ يَقُوْلُ:حفظَ الله الإِسْلاَم بِرَجُلين:أَبِي إِسْمَاعِيْل الأَنْصَارِيّ، وَعبدِ الرَّحْمَن بن منده.(18/353)
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ:سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الرّضَا العَلَوِيّ يَقُوْلُ:سَمِعْتُ خَالِي أَبَا طَالب بنَ طَباطبا يَقُوْلُ:
كُنْتُ أَشْتُمُ أَبَداً عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَنْده، فَسَافرتُ إِلَى جَرْباذَقَان، فَرَأَيْتُ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عُمَر فِي النَّوْمِ، وَيدُه فِي يَد رَجُلٍ عَلَيْهِ جُبَّة زرقَاء، وَفِي عينه نَكتَةٌ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عليَّ، وَقَالَ:تَشتُمُ هَذَا.
فَقِيْلَ لِي فِي المَنَامِ:هَذَا عُمَرُ، وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مَنده.
فَانْتبهتُ، ثُمَّ رَجَعتُ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَقصدتُ عَبْد الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا دَخَلتُ عَلَيْهِ، صَادفتُهُ كَمَا رَأَيْتهُ فِي النَّوْمِ، فَلَمَّا سلَّمت عَلَيْهِ، قَالَ:وَعَلَيْك السَّلاَم يَا أَبَا طَالب، وَقبلَهَا مَا رَآنِي، وَلاَ رَأَيْتُهُ، فَقَالَ لِي قَبْلَ أَنْ أُكَلِّمه:شَيْءٌ حَرَّمه اللهُ وَرَسُوْلُه يَجوزُ لَنَا أَن نُحِلَّه؟
فَقُلْتُ:اجعلنِي فِي حِلٍّ، وَنَاشدْتُه الله، وَقبَّلْتُ عَينِيه، فَقَالَ:جَعَلتُك فِي حِلٍّ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَيَّ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:سَأَلتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَسَكَتَ، وَتَوَقَّفَ، فَرَاجعتُه، فَقَالَ:سَمِعَ الكَثِيْر، وَخَالف أَبَاهُ فِي مَسَائِل، وَأَعرضَ عَنْهُ مَشَايِخُ الوَقْت، مَا تركنِي أَبِي أَنْ أَسْمَع مِنْهُ.
كَانَ أَخُوْهُ خَيراً مِنْهُ.(18/354)
(35/322)
قَالَ المُؤَيَّد ابْنُ الإِخْوَة:سَمِعْتُ عبد اللَّطِيْف بن أَبِي سَعْدٍ البَغْدَادِيّ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ صَاعِدَ بن سَيَّار، سَمِعْتُ الإِمَام أَبَا إِسْمَاعِيْل الأَنْصَارِيّ يَقُوْلُ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن منده:
كَانَتْ مَضَرَّتُه أَكْثَرَ مِنْ مَنفعته فِي الإِسْلاَمِ.
قُلْتُ:أَطلق عبَارَاتٍ بَدَّعهُ بَعْضُهم بِهَا، اللهُ يُسَامِحُه.
وَكَانَ زَعِراً عَلَى مَنْ خَالفه، فِيْهِ خَارِجيَّةٌ، وَلَهُ مَحَاسِنُ، وَهُوَ فِي تَوَالِيفه حَاطِبُ ليلٍ؛يَرْوِي الغَثَّ وَالسَّمِين، وَيَنْظِمُ رديء الخَرَز مَعَ الدُّرِّ الثّمِين.
قَالَ يَحْيَى:مَاتَ عمِّي فِي سَادس عشر شَوَّال، سَنَة سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَخُوْهُ عَبْدُ الوَهَّابِ، وَشيَّعه عَالَم لاَ يُحصُوْنَ.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ:أَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ الحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ البَاغْبَان، وَبَالإِجَازَة مَسْعُوْدٌ الثَّقَفِيّ، وَأَوّل مَا حَدَّثَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة فِي حَيَاة كِبَارِ مَشَايِخه.
أَخْبَرَنَا قَاسِمُ بنُ مُظَفَّر، عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ إِذْناً، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى الأَهْوَازِيّ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بنُ جُنَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :(أَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً).
أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ.
أَخُوْهُ عَبْدُ الوَهَّابِ سَيَأْتِي.(18/355)
(35/323)
وُلِدَ:سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَهُوَ أَكْبَر إِخْوَته.
لَهُ إِجَازَةُ زَاهِر السَّرْخَسِيّ، وَتَفَرَّد بِهَا.
وَحَدَّثَ عَنْ:أَبِيْهِ فَأَكْثَر، وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بن المَرْزُبَان، وَإِبْرَاهِيْمَ بن خُرَّشيذ قُوْله، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ الجَلاَّب، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ مَرْدَوَيْه، وَأَبِي ذَرٍّ ابْن الطَّبَرَانِيّ، وَأَبِي عُمَرَ الطَّلْحِي، وَمُحَمَّدِ بن إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيّ، وَخَلْق.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِ مائَة، فَسَمِعَ:أَبَا عُمَر بن مَهْدِيٍّ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بن البَيِّع، وَابْن الصَّلْت الأَهْوَازِيّ، وَالمَوْجُوْدين.
وَسَمِعَ بِوَاسِط مِنِ:ابْنِ خَزَفَة.
وَبِمَكَّةَ مِنْ:أَبِي الحَسَنِ بن جَهْضَم، وَابْن نَظيف الفَرَّاء.
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ:أَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَلَكِن مَا رَوَى عَنْهُ لاَ هُوَ وَلاَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ لأَشعرِيَّته.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّقَّاق:وُلِد عَبْد الرَّحْمَنِ فِي السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا أَبُو بَكْرٍ ابْنُ المُقْرِئ، وَمَنَاقِبُهُ أَكْثَر مِنْ أَنْ تُعَدَّ.
(35/319)
كَانَ صَاحِبَ خُلُق وَفتوَة وَسخَاء وَبهَاء، وَكَانَتِ الإِجَازَةُ عِنْدَهُ قويَةً، وَكَانَ يَقُوْلُ:مَا حَدّثتُ بِحَدِيْثٍ إِلاَّ عَلَى سَبِيْل الإِجَازَة كيلاَ أُوبق.
وَلَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ وَردودٌ عَلَى المُبْتَدِعَة.(18/351)
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ:لَهُ إِجَازَةُ زَاهِرِ بن أَحْمَدَ، وَعبد الرَّحْمَن بن أَبِي شُرَيْح، وَالجَوْزَقِي، وَالحَاكِم، وَحَمْدِ بن عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيّ.
رَوَى لَنَا عَنْهُ:أَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الخلاَّل، وَأَبُو بَكْرٍ البَاغْبَان، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّقَّاق.
قَالَ ابْنُ طَاهِر:حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاق بِأَصْبَهَانَ، سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ بن مَنْده يَقُوْلُ:
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي أَحْمَدَ الفَرَضِي بِبَغْدَادَ جُزْءاً، فَأَردت خطَّهُ بِذَلِكَ.
فَقَالَ:يَا بُنِي!لَوْ قِيْلَ لَكَ بِأَصْبَهَانَ لَيْسَ ذَا خَطَّ فُلاَن، بِمَ كُنْت تُجيبُه؟وَمَنْ كَانَ يَشْهَدُ لَكَ؟
فَبعدهَا لَمْ أَطْلُب مِنْ شَيْخٍ خَطّاً.
السَّمْعَانِيّ:سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّل، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ابْن منده يَقُوْلُ:
قَدْ عَجبتُ مِنْ حَالِي، فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ أَكْثَر مِنْ لَقِيْتُهُ إِن صَدَّقتُه فِيمَا يَقولُهُ مدَارَاةً لَهُ؛سمَّانِي مُوَافِقاً، وَإِن وَقَفْتُ فِي حَرْفٍ مِنْ قَوْله أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ فعله؛سَمَّانِي مُخَالفاً، وَإِن ذَكرتُ فِي وَاحِد مِنْهُمَا أَنَّ الكِتَاب وَالسّنَة بِخلاَف؛ذَلِكَ سمَّانِي خَارِجيّاً، وَإِن قُرِئَ عليّ حَدِيْثٌ فِي التَّوحيد؛سمَّانِي مشبهاً، وَإِنْ كَانَ فِي الرُّؤْيَة؛سمَّانِي سَالِمِياً...، إِلَى أَنْ قَالَ:
(35/320)
وَأَنَا متمسكٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مُتَبَرِّئٌ إِلَى اللهِ مِنَ الشِّبْه وَالمِثْلِ وَالنِّدِّ وَالضِّدِّ وَالأَعضَاء وَالجِسْم وَالآلاَت، وَمِنْ كُلِّ مَا يَنسُبه النَّاسبُوْنَ إِلَيَّ، وَيَدَّعيه المدعُوْنَ عليَّ مِنْ أَنْ أَقُوْلَ فِي الله - تَعَالَى - شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، أَوْ قُلته، أَوْ أَرَاهُ، أَوْ أَتَوَهَّمُه، أَوْ أَصفه بِهِ.(18/352)
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَنْده:كَانَ عمِي سَيْفاً عَلَى أَهْلِ البِدَع، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُثنِي عَلَيْهِ مِثْلِي، كَانَ - وَاللهِ - آمراً بِالمَعْرُوف، نَاهياً عَنِ المُنْكَر، كَثِيْرَ الذّكر، قَاهِراً لِنَفْسِهِ، عَظِيْمَ الحِلم، كَثِيْرَ العِلْمِ، قَرَأْتُ عَلَيْهِ قَوْلَ شُعْبَة:مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً فَأَنَا لَهُ عَبْد.
فَقَالَ عمِي:مَنْ كَتَب عَنِّي حَدِيْثاً فَأَنَا لَهُ عَبْد.
وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:أَفطرنَا فِي رَمَضَانَ لَيْلَةً شَدِيْدَةَ الحرّ، فَكنَا نَأْكل وَنشربُ، وَكَانَ أَخِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَأْكُل وَلاَ يَشربُ، فَخَرَجت وَقُلْتُ:إِنَّ مِنْ عَادَة أَخِي أَنَّهُ يأْكُلُ لَيْلَةً وَلاَ يَشربُ، وَيَشربُ لَيْلَة أُخْرَى وَلاَ يَأْكُل.
قَالَ:فَمَا شَرِبَ تِلْكَ اللَّيْلَة، وَفِي اللَّيْلَة الآتيَة كَانَ يَشربُ وَلاَ يَأْكُلُ أَلبتَة، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة قَالَ:يَا أَخِي!لاَ تلعب بَعْدَ هَذَا، فَإِنِّي مَا اشتهيتُ أَنْ أُكَذِّبَكَ.
قَالَ الدَّقَّاق فِي(رسَالته):أَوّل مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ الشَّيْخ الإِمَام السَّيِّد السَدِيْد الأَوْحَد أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَرزقنِي الله بِبركته وَحُسن نِيته، وَجمِيْل سيرته فَهمَ الحَدِيْث.
وَكَانَ جِذْعاً فِي أَعْيَن المخَالفِيْن، لاَ تَأخَذَهُ فِي الله لُوْمَة لاَئِم، وَوَصْفُه أَكْثَر مِنْ أَنْ يُحصَى.
(35/321)
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَعْد الزَّنْجَانِي بِمَكَّةَ يَقُوْلُ:حفظَ الله الإِسْلاَم بِرَجُلين:أَبِي إِسْمَاعِيْل الأَنْصَارِيّ، وَعبدِ الرَّحْمَن بن منده.(18/353)
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ:سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الرّضَا العَلَوِيّ يَقُوْلُ:سَمِعْتُ خَالِي أَبَا طَالب بنَ طَباطبا يَقُوْلُ:
كُنْتُ أَشْتُمُ أَبَداً عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَنْده، فَسَافرتُ إِلَى جَرْباذَقَان، فَرَأَيْتُ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عُمَر فِي النَّوْمِ، وَيدُه فِي يَد رَجُلٍ عَلَيْهِ جُبَّة زرقَاء، وَفِي عينه نَكتَةٌ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عليَّ، وَقَالَ:تَشتُمُ هَذَا.
فَقِيْلَ لِي فِي المَنَامِ:هَذَا عُمَرُ، وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مَنده.
فَانْتبهتُ، ثُمَّ رَجَعتُ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَقصدتُ عَبْد الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا دَخَلتُ عَلَيْهِ، صَادفتُهُ كَمَا رَأَيْتهُ فِي النَّوْمِ، فَلَمَّا سلَّمت عَلَيْهِ، قَالَ:وَعَلَيْك السَّلاَم يَا أَبَا طَالب، وَقبلَهَا مَا رَآنِي، وَلاَ رَأَيْتُهُ، فَقَالَ لِي قَبْلَ أَنْ أُكَلِّمه:شَيْءٌ حَرَّمه اللهُ وَرَسُوْلُه يَجوزُ لَنَا أَن نُحِلَّه؟
فَقُلْتُ:اجعلنِي فِي حِلٍّ، وَنَاشدْتُه الله، وَقبَّلْتُ عَينِيه، فَقَالَ:جَعَلتُك فِي حِلٍّ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَيَّ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:سَأَلتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَسَكَتَ، وَتَوَقَّفَ، فَرَاجعتُه، فَقَالَ:سَمِعَ الكَثِيْر، وَخَالف أَبَاهُ فِي مَسَائِل، وَأَعرضَ عَنْهُ مَشَايِخُ الوَقْت، مَا تركنِي أَبِي أَنْ أَسْمَع مِنْهُ.
كَانَ أَخُوْهُ خَيراً مِنْهُ.(18/354)
(35/322)
قَالَ المُؤَيَّد ابْنُ الإِخْوَة:سَمِعْتُ عبد اللَّطِيْف بن أَبِي سَعْدٍ البَغْدَادِيّ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ صَاعِدَ بن سَيَّار، سَمِعْتُ الإِمَام أَبَا إِسْمَاعِيْل الأَنْصَارِيّ يَقُوْلُ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن منده:
كَانَتْ مَضَرَّتُه أَكْثَرَ مِنْ مَنفعته فِي الإِسْلاَمِ.
قُلْتُ:أَطلق عبَارَاتٍ بَدَّعهُ بَعْضُهم بِهَا، اللهُ يُسَامِحُه.
وَكَانَ زَعِراً عَلَى مَنْ خَالفه، فِيْهِ خَارِجيَّةٌ، وَلَهُ مَحَاسِنُ، وَهُوَ فِي تَوَالِيفه حَاطِبُ ليلٍ؛يَرْوِي الغَثَّ وَالسَّمِين، وَيَنْظِمُ رديء الخَرَز مَعَ الدُّرِّ الثّمِين.
قَالَ يَحْيَى:مَاتَ عمِّي فِي سَادس عشر شَوَّال، سَنَة سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَخُوْهُ عَبْدُ الوَهَّابِ، وَشيَّعه عَالَم لاَ يُحصُوْنَ.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ:أَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ الحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ البَاغْبَان، وَبَالإِجَازَة مَسْعُوْدٌ الثَّقَفِيّ، وَأَوّل مَا حَدَّثَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة فِي حَيَاة كِبَارِ مَشَايِخه.
أَخْبَرَنَا قَاسِمُ بنُ مُظَفَّر، عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ إِذْناً، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى الأَهْوَازِيّ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بنُ جُنَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :(أَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً).
أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ.
أَخُوْهُ عَبْدُ الوَهَّابِ سَيَأْتِي.(18/355)
(35/323)
عدد المشاهدات *:
277608
277608
عدد مرات التنزيل *:
0
0
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 15/12/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 15/12/2013