اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الجمعة 18 شوال 1445 هجرية
?? ??? ????? ??? ??? ???? ????? ????????? ?????? ???????????????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ????????? ??????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

اللهم أعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي
المُجَلَّدُ الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ
الطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ وَالثَّلاَثُوْنَ مِنَ التَّابِعِيْنَ
النَّاصِرُ لِدِيْنِ اللهِ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ المُسْتَضِيْءِ
النَّاصِرُ لِدِيْنِ اللهِ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ المُسْتَضِيْءِ ث
سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي
لِقِلَّةِ مَنْ عِنْدَهِ مِنَ العَسَاكِرِ، فَتَقَهْقَرَ.
وَدَخَلتْ سَنَةُ 615: فَنَازَلَتِ الفِرَنْجُ دِمْيَاطَ، وَأَقْبَلَ الكَامِلُ ليكشِفَ عَنْهَا، فَدَامَ الحصَارُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَمَاتَ العَادلُ، وَخلصَ وَاسْترَاحَ.
وَفِيْهَا: كَسَرَ الأَشْرَفُ صَاحِبَ الرُّوْمِ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَخَذَ مَعَهُ عَسْكَرَ حَلَبَ مُغِيراً عَلَى سوَاحلِ الفِرَنْجِ.
(42/247)

وَأَخَذتِ الفِرَنْجُ بُرْجَ السِّلْسِلَةِ مِنْ دِمْيَاطَ، وَهُوَ قُفْلٌ عَلَى مِصْرَ؛ بُرجٌ عَظِيْمٌ فِي وَسطِ النِّيلِ، فَدِمْيَاطُ بحذَائِهِ، وَالجِيْزَةُ مِنَ الحَافَّةِ الغربيَّةِ، وَفِيْهِ سِلْسِلَتَانِ، تَمتَدُّ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى وَجْهِ النِّيلِ إِلَى سُورِ دِمْيَاطَ، وَإِلَى الجِيْزَةِ، يَمنعَانِ مَرْكَباً يَدخلُ مِنَ البَحْرِ فِي النِّيلِ، وَعَدَتِ الفِرَنْجُ إِلَى بَرِّ دِمْيَاطَ، فَفَرَّ العَسَاكِرُ مِنَ الخِيَامِ، فَطَمِعَ العَدُوُّ، ثُمَّ كَرَّ عَلَيْهِمُ الكَامِلُ، فَطَحَنَهُم، فَعَادُوا إِلَى دِمْيَاطَ.
وَمَاتَ كِيكَاوسُ صَاحِبُ الرُّوْمِ، وَكَانَ جَبَّاراً ظَلُوْماً.
وَمَاتَ القَاهِرُ مَسْعُوْدٌ صَاحِبُ المَوْصِلِ. (22/233)
وَرجعَ مِنْ بلاَدِ بُخَارَى خُوَارِزْم شَاه إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَقَدْ بلغَهُ أَنَّ التَّتَارَ قَاصِدُوْهُ، وَجَاءهُ رَسُوْلُ جِنْكِزْ خَان يَطلبُ الهدنَةَ يَقُوْلُ: إِنَّ القَانَ الأَعْظَمَ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ وَيَقُوْلُ: مَا يَخفَى عليَّ عِظَمُ سُلْطَانِكَ، وَأَنْت كَأَعزِّ أَوْلاَدِي، وَأَنَا بيدِي مَمَالِكُ الصِّيْنِ، فَاعقِدْ بَيْنَنَا المَوَدَّةَ، وَتَأَذَّنْ لِلتُّجَّارِ، وَتنْعَمِرُ البِلاَدُ.
فَقَالَ السُّلْطَانُ لِمَحْمُوْدٍ الخُوَارِزْمِيِّ الرَّسُولِ: أَنْتَ مِنَّا وَإِلَينَا.
وَأَعْطَاهُ جَوَاهرَ، وَطلبَ أَنْ يَكُوْنَ مُنَاصحاً لَهُ، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: اصدُقْنِي، تَملَّكَ جِنْكِزْ خَان طمغَاجَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَمَا المصلحَةُ؟
قَالَ: الصُّلحُ.
فَأَجَابَ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ جِنْكِزْ خَان، وَمَشَى الحَالُ.
(42/248)

ثُمَّ جَاءَ مِنْ جِهَةِ التَّتَارِ تُجَّارٌ، فَشَرِهَتْ نَفْسُ خَالِ السُّلْطَانِ مُتَوَلِّي مَا وَرَاءَ النَّهْرِ إِلَى أَخْذِ أَمْوَالِهِم، وَقبضَ عَلَيْهِم، وَظنَّهُم جَوَاسيسَ لِلتَّتَارِ، فَجَاءَ رَسُوْلُ جِنْكِزْخَانَ يَقُوْلُ:
إِنَّك أَمَّنْتَ تُجَّارَنَا، وَالغَدْرُ قَبِيحٌ، فَإِنْ قُلْتَ: فَعلَهُ خَالِي، فَسلِّمْهُ إِلَيْنَا، وَإِلاَّ سَترَى مِنِّي مَا تَعرِفُنِي بِهِ.
فَحَارَتْ نَفْسُ خُوَارِزْم شَاه، وَتَجَلَّدَ، وَأَمرَ بِقَتْلِ الرُّسُلِ - فَيَا بِئسَ مَا صَنَعَ - وَحصَّنَ سَمَرْقَنْدَ، وَشحنهَا بِالمُقَاتِلَةِ، فَمَا نَفعَ، وَقُضِيَ الأَمْرُ.
وَدَخَلتْ سَنَةُ 616: فَتقهقَرَ خُوَارِزْم شَاه، وَأَقْبَلتِ المُغْلُ كَاللَّيْلِ المُظْلِمِ، وَمَا زَالَ أَمرُ خُوَارِزْم شَاه فِي إِدبارٍ، وَسعدُهُ فِي سَفَالٍ، وَمُلْكُهُ فِي زوَالٍ، وَهُوَ فِي تَقهقُرٍ وَاندفَاعٍ، إِلَى أَنْ قَارَبَ هَمَذَانَ، وَتَفرَّقَ عَنْهُ جَمْعُهُ حَتَّى بَقِيَ فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَمَا بَلَعَ رِيقَهُ إِلاَّ وَطلاَئِعُ المُغْلِ قَدْ أَظلَّتْهُ وَأَحَدقُوا بِهِ، فَنجَا بِنَفْسِهِ، وَاسْتَحَرَّ القتلُ بِجُندِهِ، وَفَرَّ إِلَى الجبلِ، ثُمَّ إِلَى مَازَندرَان، وَنَزَلَ بِمسجدٍ عَلَى حَافَّةِ البَحْرِ يُصَلِّي بِجَمَاعَةٍ، وَيَتلُو وَيَبْكِي، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ كَبَسَهُ العَدُوُّ، فَهَرَبَ فِي مَرْكبٍ صَغِيْرٍ، فَوَصَلَ إِلَيْهِ نَشَّابُهُم، وَخَاضَ وَرَاءهُ طَائِفَةٌ، فَبقِيَ فِي لُجَّةٍ، وَمَرِضَ بِذَاتِ الجَنْبِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا بَقِيَ لَنَا مِنْ مَمْلَكَتِنَا قدرَ ذِرَاعَينِ نُدْفَنُ فِيْهَا.
فَوَصَلَ إِلَى جَزِيْرَةٍ، فَأَقَامَ بِهَا طرِيْداً وَحيداً مجهوداً، وَمَاتَ، فَكَفَّنَهُ فَرَّاشُهُ فِي عِمَامَتِهِ سَنَة سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ. (22/234)
(42/249)

وَفِي أَوَّلِ سَنَةِ 616: خرَّبَ أَسوَارَ القُدْسِ المُعَظَّم خَوْفاً مِنْ تَملُّكِ الفِرَنْجِ، وَهجَّ النَّاسُ مِنْهُ عَلَى وُجُوْهِهِم، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَحصنَ مَا يَكُوْنُ وَأَعمرَهُ، وَذَاكَ لأَنَّه كَانَ فِي نَجدَةِ أَخِيْهِ عَلَى دِمْيَاطَ، وَسَمِعَ أَنَّ الفِرَنْجَ عَلَى قصْدِهِ، وَكَانَ بِهِ أَخُوْهُ الملكُ العَزِيْزُ وَعزُّ الدِّينِ أَيْبَكُ صَاحِبُ صَرْخَدَ، فَشرعُوا فِي هَدْمِهِ، وَتَمَزَّقَ أَهْلُهُ، وَتعثَّرُوا، وَنَهَبُوا، وَبِيْعَ رَطْلُ النُّحَاسِ بنِصْفٍ، وَالزَّيْتُ عَشْرَةُ أَرطَالٍ بِدِرْهَمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(42/250)

قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: لَمَّا أَخذَتِ الفِرَنْجُ برجُ السِّلْسِلَةِ، عَمِلَ الكَامِلُ عَلَى النِّيلِ جِسْراً عَظِيْماً، فَالتحَمَ القِتَالُ حَتَّى قطعَتْهُ الفِرَنْجُ، فَعمدَ الكَامِلُ إِلَى عِدَّةِ مَرَاكِبَ، وَملأَهَا حجَارَةً وَغَرَّقَهَا فِي المَاءِ ليمنَعَ مَرْكَباً مِنْ سُلُوْكٍ، فَحَفَرَتِ الفِرَنْجُ خَلِيْجاً وَأَخَّرُوهُ، وَأَدخلُوا مَرَاكِبَهُم مِنْهُ، حَتَّى دَخَلُوا بُورَةً، وَحَاذَوُا الكَامِلَ، وَقَاتَلُوْهُ مَرَّاتٍ فِي المَاءِ، وَلَمْ يَتغَيَّرْ عَنْ أَهْلِ دِمْيَاطَ شَيْءٌ، لأَنَّ المِيْرَةَ وَاصِلَةٌ إِلَيْهِم، وَمَاتَ العَادلُ، فَهَمَّ جَمَاعَةٌ بِتَملِيكِ الفَائِزِ بِمِصْرَ، فَبَادرَ الكَامِلُ وَأَصْبَحَ الجَيْشُ فِي خَبْطَةٍ، وَقَدْ فَقَدُوا الكَامِلَ، فَشدَّتِ الفِرَنْجُ عَلَى دِمْيَاطَ، وَأَخَذُوا بَرَّهَا بِلاَ كُلْفَةٍ، وَلَوْلاَ لُطْفُ اللهِ وَقُدومُ المُعَظَّم بَعْدَ يَوْمَيْنِ لَرَاحتْ مِصْرُ، فَفَرحَ بِهِ الكَامِلُ، وَبعثَوا عِمَادَ الدِّيْنِ أَحْمَدَ بنَ المَشْطُوْبِ الَّذِي سَعَى لِلْفَائِزِ إِلَى الشَّامِ، وَتَمَادَى حِصَارُ الفِرَنْجِ لدِمْيَاطَ، وَصَبَرَ أَهْلُهَا صَبْراً عَظِيْماً، وَقُتِلَ مِنْهُم خلقٌ، وَقَلُّوا وَجَاعُوا، فَسلَّمُوهَا بِالأَمَانِ، فَحَصَّنَهَا العَدُوُّ، وَأَشرفَ النَّاسُ عَلَى خِطَّةٍ صَعْبَةٍ، وَهَمَّ أَهْلُ مِصْرَ بِالجلاَءِ، وَأُخِذَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَدَامَ الكَامِلُ مُرَابِطاً إِلَى سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَأَقْبَلَ الأَشْرَفُ مُنْجِداً لأَخِيهِ، وَقَوِيَ المُسْلِمُوْنَ، وَحَاربُوا الفِرَنْجَ مَرَّاتٍ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ فِي هُدنَةٍ، وَبَذَلُوا لِلْفرنجِ القُدْسَ وَعَسْقَلاَنَ وَقِلاَعاً سِوَى الكَرَكِ، فَأَبَوْا، وَطَلَبُوا ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ عِوَضاً عَنْ تَخرِيبِ
(42/251)

سُورِ القُدْسِ، فَاضطرَّ المُسْلِمُوْنَ إِلَى حَرْبِهِم. (22/235)
فَقَلَّتِ المِيْرَةُ عَلَى الفِرَنْجِ، فَفَجَّرَ المُسْلِمُوْنَ النِّيلَ عَلَى مَنْزِلَةِ الفِرَنْجِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُم مَسْلَكٌ غَيْرُ جهَةٍ ضَيِّقَةٍ، فَنَصَبَ الكَامِلُ الجسورَ عَلَى النِّيلِ، وَدَخَلتِ العَسَاكِرُ، فَملَكُوا المضِيْقَ، وَسُقِطَ فِي أَيدِي الفِرَنْجِ، وَجَاعُوا، فَأَحرقُوا خِيَامَهُم وَأَثقَالَهُم وَمَجَانِيْقَهُم، وَعزمُوا عَلَى الزَّحْفِ إِلَى المُسْلِمِيْنَ، فَعَجَزُوا وَذلّوا، وَعَزَّ المُسْلِمُوْنَ عَلَيْهِم، فَطَلبُوا مِنَ الكَامِلِ الأَمَانَ، وَيَتْرُكُوا لَهُ دِمْيَاطَ، فَبَيْنَمَا هُم فِي ذَلِكَ إِذَا رَهَجٌ عَظِيْمٌ، وَضجَّةٌ مِنْ جِهَةِ دِمْيَاطَ، فَظنُّوهَا نَجدَةً لِلْفرنجِ جَاءت، وَإِذَا بِهِ المَلِكُ المُعَظَّمُ فِي جُندِهِ، فَخُذِلَتِ الملاعِينُ وَسَلّمُوا دِمْيَاطَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَدخلَهَا المُسْلِمُوْنَ، وَقَدْ بَالَغَتِ الكِلاَبُ فِي تَحْصِينِهَا - وَللهِ الحَمْدُ -.
(42/252)

أَنْبَأَنِي مَسْعُوْدُ بنُ حمويَه، قَالَ: لَمَّا تَقرَّرَ الصُّلحُ، جلسَ السُّلْطَانُ فِي مُخَيَّمِهِ، عَنْ يَمِيْنِهِ المُجَاهِدُ شِيرْكُوْهُ، ثُمَّ الأَشْرَفُ، ثُمَّ المُعَظَّم، ثُمَّ صَاحِبُ حَمَاةَ، ثُمَّ الحَافِظُ صَاحِبُ جَعْبَرَ، وَمقدَّمُ عَسْكَرِ حَلَبَ، وَمقدَّمُ المَوَاصِلَةِ، وَالمَاردَانِيْنَ، وَمقدَّمُ جُنْدِ إِرْبِلَ وَمَيَّافَارِقِيْنَ، وَعَنْ شِمَالِهِ نَائِبُ البَابَا، ثُمَّ صَاحِبُ عَكَّا، ثُمَّ صَاحِبُ قُبْرصَ، وَصَاحِبُ طَرَابُلُسَ، وَصَاحِبُ صَيْدَا، ثُمَّ أَربَابُ القلاعِ، وَمقدَّمُ الدّيويَةَ، وَمقدَّمُ الإِسبتَارِ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، فَأَذِنَ السُّلْطَانُ بِأَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِم المَأْكولُ، فَكَانَ يَدخلُ إِلَيْهِم كُلَّ يَوْمٍ خَمْسُوْنَ أَلْفَ رَغِيْفٍ، وَمائتَا أَردب شعير، وَكَانُوا يَبيعُوْنَ سِلاَحَهُم بِالخبزِ، وَكَانَ السُّلْطَانُ قَدْ أَنشَأَ هُنَاكَ مدينَةً سَمَّاهَا المَنْصُوْرَةَ، نَزلَهَا بِجَيْشِهِ وَسَوَّرَهَا. (22/236)
وَفِي سَنَةِ 617: التقَى مُظَفَّرُ الدِّيْنِ صَاحِبُ إِرْبِلَ وَبدرُ الدِّينِ لُؤْلُؤ نَائِبُ المَوْصِلِ، فَانْهَزَمَ لُؤْلُؤٌ، وَنَازَلَ مُظَفَّرُ الدِّيْنِ المَوْصِلَ، فَنجَدَهَا الأَشْرَفُ وَاصطلحُوا.
وَفِي رَجَبٍ وَقْعَةُ البَرَلُّسِ بَيْنَ الكَامِلِ وَالفِرَنْجِ، فَنَصَرَ اللهُ، وَقُتِلَ مِنَ الفِرَنْجِ عَشْرَةُ آلاَفٍ، وَانْهَزَمُوا، فَاجْتَمَعُوا بِدِمْيَاطَ.
وَفِيْهَا أَخذَتِ التَّتَارُ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ بِالسَّيْفِ، وَعَدَوا جَيْحُونَ.
(42/253)

قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: لَوْ قِيْلَ: إِنَّ العَالِمَ مُنْذُ خُلِقَ إِلَى الآنَ لَمْ يُبْتَلَوا بِمِثْلِ كَائِنَةِ التَّتَارِ، لَكَانَ صَادِقاً، فَإِنَّ التَّوَارِيخَ لَمْ تَتضمَّنْ مَا يُقَارِبُهَا، قَوْمٌ خَرَجُوا مِنْ أَطرَافِ الصِّينِ، فَقصدُوا بِلاَدَ تركستَانَ، ثُمَّ إِلَى بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ، فَتملَّكُوهَا، ثُمَّ تَعبُرُ طَائِفَةٌ مِنْهُم إِلَى خُرَاسَانَ فَيَفْرَغُونَ مِنْهَا تَخرِيباً وَقَتلاً إِلَى الرَّيِّ وَهَمَذَانَ، ثُمَّ يَقصدُوْنَ أَذْرَبِيْجَانَ وَنوَاحيهَا، وَيستبيحونَهَا فِي أَقلَّ مِنْ سَنَةٍ، أَمرٌ لَمْ نَسْمَعْ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ سَارُوا إِلَى دَرْبَند شروين، فَملَكُوا مُدنَهُ، وَعبرُوا إِلَى بلاَدِ اللاَنِ وَاللّكز قتلاً وَأَسراً، ثُمَّ قصدُوا بلاَدَ قَفْجَاقَ، فَقتلُوا مَنْ وَقَفَ، وَهَرَبَ مَنْ بَقِيَ إِلَى الشُّعَرَاءِ وَالجِبَالِ، وَاسْتولَتِ التَّتَارُ عَلَى بِلاَدِهِم، وَمَضتْ فِرقَةٌ أُخْرَى إِلَى غَزْنَةَ وَسِجِسْتَان وَكِرمَانَ، فَفَعلُوا كَذَلِكَ وَأَشَدَّ.
هَذَا مَا لَمْ يَطرقِ الأَسْمَاعَ مِثْلُهُ، فَإِنَّ الإِسْكَنْدَرَ مَا ملَكَ الدُّنْيَا بِهَذِهِ السُّرْعَةِ، بَلْ فِي نَحْوِ عَشرِ سِنِيْنَ، وَلَمْ يَقتُلْ أَحَداً. (22/237)
وَقَالَ: وَخيلُهُم لاَ تَعرِفُ الشَّعيرَ، إِنَّمَا تَحفُرُ بِحوَافرِهَا وَتَأْكلُ عُرُوْقَ النَّبَاتِ، وَهُم يَسْجُدُوْنَ لِلشَّمْسِ، وَلاَ يُحَرِّمُوْنَ شَيْئاً، وَيَأْكلُوْنَ الحيوَانَاتِ وَبنِي آدَمَ، وَلاَ يَعرفُوْنَ زَوَاجاً، وَهُم صِنْفٌ مِنَ التُّرْكِ، مَسَاكِنُهُم جبالُ طمغَاج.
(42/254)

وَبَعَثَ خُوَارِزْم شَاه جَوَاسيسَ، فَأَتَوْهُ، فَأَخبرُوهُ أَنَّ التَّتَرَ يَفوقُوْنَ الإِحصَاءَ، وَأَنَّهُم أَصبرُ شَيْء عَلَى القِتَالِ، لاَ يَعرفُوْنَ هَزِيْمَةً، فَندِمَ خُوَارِزْم شَاه عَلَى قَتْلِ تُجَّارِهِم، وَتَقَسَّمَ فَكَرِهَ، ثُمَّ عَمِلَ مَعَهُم مَصَافّاً مَا سُمِعَ بِمِثْلِهِ، دَامَ ثَلاَثاً، وَقُتِلَ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ خَلاَئِقُ لاَ يُحصَوْنَ، حَتَّى لَقُتِلَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ عِشْرُوْنَ أَلْفاً، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الوَاقعَةَ، وَأَنَّهَا مَا حَضَرهَا جِنْكِزْ خَان، وَتَحَاجَزَ الجمعَانِ، وَمَرَّ خُوَارِزْم شَاه، فَتركَ بِبُخَارَى عِشْرِيْنَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَبِسَمَرْقَنْدَ خَمْسِيْنَ أَلْفاً، وَقَالَ: احْفظُوا البِلاَدَ حَتَّى أَجْمَعَ الجُيُوْشَ وَأَعُوْدَ.
فَعَسْكَرَ عَلَى بَلْخَ، فَلَمَّا أَحَاطَتِ التَّتَارُ بِبُخَارَى، خَرَجَ عَسْكَرُهَا فِي اللَّيْلِ عَلَى حَمِيَّةٍ وَتركُوهَا، فَخَرَجَ إِلَى القَانِ بدرُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي خَان يَطلبُ الأَمَانَ، فَأَعْطَاهُم، وَدخلوهَا فِي رَابعِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَمْ يَتعرَّضُوا أَوَّلاً إِلَى غَيْرِ الحوَاصِلِ السُّلطَانِيَّةِ، وَطَلَبُوا مِنْهُم العَوْنَ عَلَى حربِ مَنْ بِقَلعَتِهَا، فَطَمُّوا خَنْدَقهَا بِالتُّرَابِ وَالأَخشَابِ، حَتَّى بِالرَّبعَات، وَأُخِذَتْ بِالسَّيْفِ، وَصدَقَ أَهْلُهَا اللِّقَاءَ حَتَّى أُبِيدُوا، ثُمَّ غدَرَ جِنْكِزْ خَان بِالنَّاسِ، وَهلكُوا وَتَمزَّقُوا وَسَبُوا الذُّرِّيَّةَ، وَبقيَتْ بُخَارَى كَأَمسِ الذَّاهبِ، ثُمَّ أَحَاطُوا بِسَمَرْقَنْدَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ 617. (22/238)
(42/255)

فَقِيْلَ: بَرزَ مِنْ أَهْلِهَا نَحْوُ سَبْعِيْنَ أَلْفاً، فَقَاتلُوا، فَانْهَزَمَ لَهُم التَّتَرُ، ثُمَّ حَالُوا بَيْنهُم وَبَيْنَ البلَدِ، وَحَصدُوْهُم، ثُمَّ جَهَّزَ جِنْكِزْ خَان خَلْفَ خُوَارِزْم شَاه، فَعبَرُوا جَيْحُونَ خوضاً وَسباحَةً، فَانْهَزَمَ مِنْهُم وَهُم وَرَاءهُ، ثُمَّ عطفُوا فَأَخذُوا الرَّيَّ وَمَازَندرَانَ، وَظفرُوا بِأُمِّ خُوَارِزْم شَاه، وَمَعَهَا خَزَائِنُهُ، فَأَسَرُوهَا، ثُمَّ أَخذُوا قَزْوِيْنَ بِالسَّيْفِ، وَبلغَتِ القَتْلَى أَرْبَعِيْنَ أَلفاً، ثُمَّ أَخذُوا أَذْرَبِيْجَانَ، وَصَالَحَهُم ملكُ تَبرِيزَ ابْنُ البَهْلَوَانِ عَلَى أَمْوَالٍ، فَمضَوْا لِيَشْتُوا بِمُوقَانَ، وَهَزمُوا الكُرْجَ، وَأَخَذُوا مَرَاغَةَ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ قَصدُوا إِرْبِلَ، فَتَحَزَّبَ لَهُم عَسْكَرٌ، فَعَادُوا إِلَى هَمَذَانَ، وَكَانُوا قَدْ بدعُوا فِيْهَا، وَقرَّرُوا بِهَا شحنَةً، فَطَالبَهُم بِأَمْوَالٍ، فَقَتَلُوْهُ، وَتَمنَّعُوا، فَحَاصَرَهُم التَّتَارُ، فَبَرَزُوا لِمُحَارَبَتِهِم، وَقَتلُوا مِنَ التَّتَارِ، وَجُرِحَ فَقِيهُهُم جِرَاحَاتٍ، ثُمَّ بَرَزُوا مِنَ الغَدِ، فَالتحمَ القِتَالُ، ثُمَّ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ عَجِزَ الفَقِيْهُ عَنِ الرُّكوبِ، وَعزمَتِ التَّتَارُ عَلَى الرَّحيلِ لِكَثْرَةِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُم، فَمَا رَأَوا مَنْ خَرَجَ لقِتَالِهِم، فَطمِعُوا وَزَحَفُوا عَلَى البلَدِ فِي رَجَبٍ سَنَة ثَمَانِي عَشْرَةَ، فَدَخَلُوْهُ بِالسَّيْفِ، فَاقْتَتَلُوا فِي الأَزِقَّةِ قِتَالَ المَوْتِ، وَقُتِلَ مَا لاَ يُحصَى، وَأُحرِقَتْ هَمَذَانُ، وَسَارَتِ التَّتَارُ إِلَى تَبْرِيزَ، فَبذلَ أَهْلُهَا أَمْوَالاً، فَسَارُوا إِلَى بَيْلَقَانَ فَأَخَذُوهَا عَنْوَةً فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَحَصَدُوا أَهْلَهَا حَتَّى كَانُوا يَزنُوْنَ بِالمَرْأَةِ، ثُمَّ
(42/256)

يَقتلُونَهَا، وَسَارُوا إِلَى كنجَةَ وَهِيَ أُمُّ أرَانَ، فَصَانَعُوهُم بِالأَمْوَالِ، ثُمَّ التَقَوُا الكُرْجَ، فَطحَنُوهُم، وَقُتِلَ مِنَ الكُرْجِ ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً، ثُمَّ قصدُوا الدَّرْبَنْدَ، فَافْتتحُوا مدينَةَ سَمَاخِي عَنْوَةً، وَلَمْ يَقدرُوا عَلَى وُلُوجِ الدَّرْبَنْدِ، فَبعثَوا يَطلبُوْنَ مِنْ شَرْوَانَ شَاه رَسُوْلاً، فَبَعَثَ عَشْرَةً، فَقتَلُوا وَاحِداً، وَقَالُوا لِمَنْ بَقِيَ: إِنْ لَمْ تَدُلُّونَا عَلَى طَرِيْقٍ، قَتَلْنَاكُم.
قَالُوا: لاَ طَرِيْقَ، لَكِنْ هُنَا مَسلَكٌ ضَيِّقٌ.
فَمَرُّوا فِيْهِ قتلاً وَسبياً، وَأَسرفُوا فِي قَتْلِ اللاَنِ، ثُمَّ بَيَّتُوا القَفْجَاقَ، وَأَبَادُوا فِيهِم، وَأَتَوا سُودَاقَ، فَملَكُوهَا، وَأَقَامُوا هُنَاكَ إِلَى سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ. (22/239)
وَأَمَّا جِنْكِزْ خَان فَجَهَّزَ فِرقَةً إِلَى تِرْمِذَ، وَطَائِفَةً إِلَى كلاَثَةَ عَلَى جَانبِ جَيْحُونَ، فَاسْتبَاحُوهَا، ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهِ، وَهُوَ بِسَمَرْقَنْدَ، فَجَهَّزَ جَيْشاً كَثِيفاً مَعَ وَلدِهِ لِحَرْبِ جَلاَلِ الدِّيْنِ ابْنِ خُوَارِزْم شَاه، وَحَاصرُوا خُوَارِزْم ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، وَأَخَذوهَا وَعَلَيْهِم أوكتَاي الَّذِي تَمَلَّكَ بَعْدَ جِنْكِزْ خَان، وَقُتِلَ بِهَا أُمَمٌ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ قَتَلُوا خَلاَئِقَ مِنَ التَّتَارِ، وَأَخَذُوا بِالسَّيْفِ مَرْوَ وَبلْخَ وَنَيْسَابُوْرَ وَطُوسَ وَسَرْخَسَ وَهرَاةَ، فَلاَ يُحصَى مَنْ رَاحَ تَحْتَ السَّيْفِ.
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: قصدَتْ فِرقَةٌ أَذْرَبِيْجَانَ وَأَرَّانَ وَالكُرْجَ، وَفِرقَةٌ هَمَذَانَ وَأَصْبَهَانَ، وَخَالطَتْ حُلْوَانَ قَاصدَةً بَغْدَادَ، وَمَاجُوا فِي الدُّنْيَا بِالإِفسَادِ يَعضُّونَ عَلَى مَنْ سَلَّمَ الأَنَاملَ مِنَ الغِيظِ...
(42/257)

إِلَى أَنْ قَالَ: وَعَبرُوا إِلَى أُمَمِ القَفْجَاقِ وَاللاَنِ، فَغسلُوهُم بِالسَّيْفِ، وَخَرَجَ مِنْ رَقِيْقِ التُّرْكِ خلقٌ حَتَّى فَاضُوا عَلَى البِلاَدِ.
وَأَمَّا الخَلِيْفَةُ فَإِنَّهُ جَمعَ الجُمُوْعَ، وَجَيَّشَ الجُيُوْشَ، وَحشرَ فَنَادَى، وَأَتتْهُ البُعُوثُ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُوْنَ، وَلَمَّا جَاءَ رَسُوْلُ التَّتَارِ، احْتَفَلَ الجَيْشُ وَبَالغُوا، حَتَّى امتلأَ قَلْبُهُ رُعْباً، وَدِمَاغُهُ خيَالاً، فَرَجَعَ مُخَبِّراً.
وَأَمَّا أَهْلُ أَصْبَهَانَ فَفَتَحُوا، وَدَخَلَتِ التَّتَارُ، فَمَالَ عَلَيْهِمُ النَّاسُ قتلاً، فَقَلَّ مَنْ نَجَا مِنَ التَّتَارِ.
سُئِلَ عَنْهُمُ الملكُ الأَشْرَفُ، فَقَالَ: مَا أَقُوْلُ فِي قَوْمٍ لَمْ يُؤسَرْ أَحَدٌ مِنْهُم قَطُّ.
وَعَنْ نَيْسَابُوْرِيٍّ قَالَ: أُحْصِيَ مَنْ قُتِلَ بِنَيْسَابُوْرَ، فَبلَغُوا أَزْيَدَ مِنْ خَمْسِ مائَةِ أَلْفٍ، وَمِمَّا أَبَادُوْهُ بلاَدَ فَرغَانَةَ، وَهِيَ سَبْعُ مَمَالِكَ، وَمتَى التَمَسَ الشَّخْصُ رَحمتَهُم ازدَادُوا عُتُوّاً، وَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى خَمْرٍ، أَحضرُوا أُسَارَى وَيُمَثِّلُوْنَ بِهِم، بِأَنْ يُقَطِّعُوا أَعضَاءهُم، فَكلَّمَا صَاحَ ضَحِكُوا - نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ - وَقَدْ جُمِعَ فِيهِم مِنْ كُلِّ وَحْشٍ رَدِيءُ خُلُقِهِ. (22/240)
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: أَحصَيْتُ القَتْلَى بِمَرْوَ فَكَانُوا سَبْعَ مائَةِ أَلْفٍ.
(42/258)

وَفِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ: التقَى خُوَارِزْم شَاه وَتُولِّي بنُ جِنْكِزْ خَان فَانْهَزَمُوا، وَقُتِلَ تُولِّي، وَبلغَ الخَبَرَ أَبُوْهُ، فَجُنَّ وَتنمَّرَ وَأَسرعَ مُجِدّاً، فَالتقَاهُ خُوَارِزْم شَاه فِي شَوَّالِهَا، فَحَمَلَ عَلَى قَلْبِ جِنْكِزْ خَان، فَمَزَّقَهُ، وَانْهَزَمُوا لَوْلاَ كَمِينٍ لَهُم خَرَجُوا عَلَى المُسْلِمِيْنَ، فَانكَسَرُوا، وَأَسرُوا وَلدَ جَلاَلِ الدِّيْنِ، وَتَقهقَرَ إِلَى نَهْرِ السِّنْدِ، فَغَرِقَ حرمُهُ، وَنجَا فِي نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ حُفَاةً عُرَاةً لِيختفِي فِي الجِبَالِ وَالآجَامِ، يَعِيْشُوْنَ مِنَ النَّهْبِ، فَحَارَبَهُ ملكٌ مِنْ مُلُوْكِ الهِنْدِ، فَرمَاهُ جَلاَلُ الدِّيْنِ بِسَهْمٍ فِي فؤَادِهِ، فَسَقَطَ وَتَمَزَّقَ جَيْشُهُ، وَحَازَ جَلاَلُ الدِّيْنِ الغَنَائِمَ، وَعَاشَ، فَسَارَ إِلَى سِجِسْتَان، وَبِهَا خَزَائِنُ لَهُ، فَأَنفقَ فِي جندِهِ.
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: التقَاهُم جَلاَلُ الدِّيْنِ بكَابُلَ، فَهَزمَهُم، ثُمَّ فَارقَهُ شطْرُ جَيْشِهِ لفِتْنَةٍ جَرتْ، وَفَاجَأَهُ جِنْكِزْ خَان، فَتحَيَّرَ جَلاَلُ الدِّيْنِ، وَسَارَ إِلَى نَهْرِ السِّنْدِ، فَلَمْ يَجِدْ سُفُناً تَكفِيهِم، وَضَايقَهُ جِنْكِزْ خَان، فَالتقَاهُ حَتَّى دَامَ الحَرْبُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، وَجَاءت سُفُنٌ، فَعَدَوا فِيْهَا، وَنَازلَتِ التَّتَارُ غَزْنَةَ فَاسْتبَاحوهَا.
قُلْتُ: هَذَا كُلُّهُ وَجَيْشُ مِصْرَ وَالشَّامِ فِي مُصَابِرَةِ الفِرَنْجِ بدِمْيَاطَ، وَالأَمْرُ شَدِيدٌ. (22/241)
(42/259)

وَدَخَلتْ سَنَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ: فَتحزَّبَتْ مُلُوْكُ الهِنْدِ عَلَى جَلاَلِ الدِّيْنِ لأَذِيَّتِهِ لَهُم، فَاسْتنَابَ أَخَاهُ جَهَان عَلَى مَا فَتحَهُ مِنْ طَرِيْقِ الهِنْدِ، وَقصدَ العِرَاقَ، وَقَاسَى المشَاقَّ، فَتَوَصَّلَ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ مِنْهُم مَنْ هُوَ رَاكِبُ البقرِ وَالحُمُرِ فِي سَنَةِ 621، فَقَدِمَ شيرَازَ، فَأَتَاهُ علاَءُ الدَّوْلَةِ أَتَابَك مُذْعِناً بِطَاعتِهِ، فَتَزَوَّجَ جَلاَلُ الدِّيْنِ بِابْنتِهِ، وَقَدِمَ أَصْبَهَانَ، فَسَرَّهُم قُدومُهُ، وَكَانَ أَخُوْهُ غِيَاثُ الدِّيْنِ فِي ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَبَينَهُم إِحَنٌ، وَهَرَبَ غِيَاثُ الدِّيْنِ، ثُمَّ اصطَلَحَا وَاجتَمَعَا، وَالتفَّتِ العَسَاكِرُ عَلَى جَلاَلِ الدِّيْنِ، وَعظُمَ شَأْنُهُ.
وَفِي العَامِ: كَانَتِ الوقعَةُ بَيْنَ التَّتَارِ الدَّاخلينَ مِنَ الدَّرْبَنْد، وَبَيْنَ القفجَاقِ وَالرُّوْسِ، وَصَبَرُوا أَيَّاماً، ثُمَّ اسْتَحَرَّ القتلُ بِالرُّوْسِ وَالقفجَاقِ.
وَفِي سَنَةِ 621: أَخَذَ الأَشْرَفُ مِنْ أَخِيْهِ غَازِي خِلاَطَ، وَأَبقَى عَلَيْهِ مَيَّافَارِقِيْنَ.
وَفِيْهَا: سَارَ جَلاَلُ الدِّيْنِ خُوَارِزْم شَاه إِلَى أَذْرَبِيْجَانَ، فَاسْتولَى عَلَيْهَا، وَرَاسلَهُ المُعَظَّم لِينصُرَهُ عَلَى أَخِيْهِ الأَشْرَفِ.
وَفِيْهَا: خَنَقَ بدرُ الدِّينِ لُؤْلُؤٌ الملكَ القَاهِرَ سِرّاً، وَتَمَلَّكَ المَوْصِلَ.
وَبُنِيَتْ دَارُ الحَدِيْثِ الكَامِليَّةُ، وَشيخُهَا ابْنُ دِحْيَةَ.
وَقَدِمَ صَاحِبُ اليَمَنِ أَقسيس ابْنُ الملكِ الكَامِلِ طَامعاً فِي أَخْذِ الشَّامِ، فَمَاتَ، وَورِثَ مِنْهُ أَبُوْهُ أَمْوَالاً عَظِيْمَةً.
وَفِيْهَا: رَجَعَتِ التَّتَارُ مِنْ بلاَدِ القَفْجَاقِ، فَاسْتبَاحُوا الرَّيَّ وَسَاوه وَقُمّ، ثُمَّ التَقَوا الخُوَارِزْمِيَّةَ. (22/242)
(42/260)

وَفِيْهَا: قصدَ غِيَاثُ الدِّيْنِ أَخُو خُوَارِزْم شَاه بلاَدَ شِيرَازَ، فَأَخَذَهَا مِنْ أَتَابَك سَعْدٍ، وَعَصَى أَتَابَك فِي قَلْعَةٍ، وَتَصَالَحَا.
وَفِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ 622: وَصلَ جَلاَلُ الدِّيْنِ، فَأَخَذَ دقوقا بِالسَّيْفِ، وَفعلَ كُلَّ قبيحٍ لِكَوْنِهِم سَبُّوهُ عَلَى الأَسْوَارِ، وَعَزَمَ عَلَى مُنَازِلَةِ بَغْدَادَ، فَانزعجَ الخَلِيْفَةُ، وَكَانَ قَدْ فُلِجَ، فَأَنفقَ أَلفَ أَلفِ دِيْنَارٍ، وَفرَّقَ العُدَدَ وَالأَهرَاءَ.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: قَالَ لِي المُعَظَّم: كَتَبَ إِلَيَّ جَلاَلُ الدِّيْنِ يَقُوْلُ:
تَجِيْءُ أَنْتَ، وَاتَّفِقْ مَعِي حَتَّى نَقصدَ الخَلِيْفَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ السَّبَبَ فِي هَلاَكِ أَبِي، وَفِي مَجِيْءِ التَّتَارِ، وَجَدْنَا كُتُبَهُ إِلَى الخَطَا، وَتَواقيعَهُ لَهُم بِالبِلاَدِ وَالخِلَعِ وَالخيلِ.
فَكَتَبتُ إِلَيْهِ: أَنَا مَعَكَ إِلاَّ عَلَى الخَلِيْفَةِ، فَإِنَّهُ إِمَامُ الإِسْلاَمِ.
قَالَ: وَخَرَجَتْ عَلَيْهِ الكُرْجُ، فَكَرَّ نَحْوَهُم، وَعَمِلَ مَصَافّاً، فَقتلَ مِنْهُم سَبْعِيْنَ أَلْفاً - قَالَهُ أَبُو شَامَةَ - وَأَخَذَ تَفلَيْسَ بِالسَّيْفِ، وَافتَتَحَ مَرَاغَةَ، ثُمَّ حَاصرَ تَبرِيزَ، وَتسلَّمَهَا، وَبدَّعَ وَظلَمَ كعوَائِدِهِ.
وَفِي سَلْخِ رَمَضَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ: تُوُفِّيَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَبُوْيِعَ ابْنُهُ الظَّاهِرُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدٌ كَهْلاً، فَكَانَتْ دَوْلَةُ النَّاصِرِ سَبْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: بَقِيَ النَّاصِرُ ثَلاَثَ سِنِيْنَ عَاطلاً عَنِ الحركَةِ بِالكُلِّيَّةِ، وَقَدْ ذَهَبَتْ عينُهُ -رَحِمَهُ اللهُ- ثُمَّ مَاتَ، وَبُوْيِعَ الظَّاهِرُ ابْنُهُ. (22/243)

عدد المشاهدات *:
277347
عدد مرات التنزيل *:
0
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 15/12/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 15/12/2013

سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي

روابط تنزيل : النَّاصِرُ لِدِيْنِ اللهِ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ المُسْتَضِيْءِ ث
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط   النَّاصِرُ لِدِيْنِ اللهِ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ المُسْتَضِيْءِ ث لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي


@designer
1