اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الجمعة 11 شوال 1445 هجرية
???????????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ??????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? ? ????? ?????? ????? ?????? ???? ??????? ??? ???????? ???? ??? ???? ????? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????????? ????????? ??????? ?? ?????? ? ??????????? ????????? ? ??? ?????? ?????? ? ? ??? ??????? ?? ????? ? ???????? ?????? ? ???????? ????? ?? ????? ????? ? ?? ????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

سم الله

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
الكتب العلمية
علوم الحديث
زاد المعاد في هدي خير العباد
المجلد الثاني
فصل في مسلك المانعون من الفسخ
الكتب العلمية
وقد سلك المانعون من الفسخ طريقتين أخريين ، نذكرهُما ونبيِّنُ فسادهما ..
الطريقة الأولى : قالوا : إذا اختلف الصحابَةُ ومَنْ بعدهم فى جواز الفسخ ، فالاحتياطُ يقتضى المنعَ منه صِيانةً للعبادة عما لا يجوزُ فيها عند كثير من أهل العلم ، بل أكثرهم .
والطريقة الثانية : أن النبى صلى الله عليه وسلم أمرهم بالفسخ لِيبيِّن لهم جوازَ العُمرة فى أشهر الحج ، لأن أهْلَ الجاهلية كانوا يكرهون العُمرة فى أشهر الحج ، وكانوا يقُولون : إذا بَرَأَ الدَّبَرُ ، وعَفَا الأَثَرُ ، وانْسَلَخَ صَفَرُ ، فقد حلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ ، فأمرهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم بالفسخ ، ليبين لهم جوازَ العُمرة فى أشهر الحج ، وهاتان الطريقتان باطلتان .
أما الأولى : فلأن الاحتياطَ إنما يشرع ، إذا لم تتبين السُّـنَّةُ ، فإذا تبيَّنت فالاحتياطُ هو اتِّباعُها وتركُ ما خالفها ، فإن كان تركُها لأجل الاختلاف احتياطاً ، فتركُ ما خالفها واتَباعُها ، أحوطُ وأحوطُ ، فالاحتياطُ نوعان :
احتياطٌ للخروج مِن خلاف العلماء ، واحتياطٌ للخروج من خِلاف السُّـنَّة ، ولا يخفى رُجحانُ أحدهما على الآخر .
وأيضاً .. فإن الاحتياط ممتنعٌ هنا ، فإنَّ للناس فى الفسخ ثلاثةَ أقوال :
أحدها : أنه محرَّم .
الثانى : أنه واجب ، وهو قولُ جماعة من السَلَف والخَلَف .
الثالث : أنه مستحَبٌ ، فليس الاحتياط بالخروج من خلاف مَن حرَّمه أولى بالاحتياط بالخروج من خلاف مَن أوجبه ، وإذا تعذَّر الاحتياطُ بالخروج من الخلاف ، تعيَّن الاحتياطُ بالخروج من خلاف السُّـنَّة .
فصل
وأما الطريقة الثانية : فأظهرُ بُطلاناً من وجوه عديدة .
أحدُها : أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل ذلك عُمَرَهُ الثلاث فى أشهر الحج فى ذى القِعْدَة ، كما تقدَّم ذلك ، وهو أوسطُ أشهرِ الحج ، فكيف يُظن أن الصحابة لم يعلموا جوازَ الاعتمار فى أشهر الحج إلا بعد أمرهم بفسخ الحج إلى العُمرة ، وقد تقدَّم فعله لذلك ثلاثَ مرات ؟
الثانى : أنه قد ثبت فى (( الصحيحين )) ، أنه قال لهم عند الميقات : (( مَنْ شَاءَ أنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلُ ، ومَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ فَلْيَفْعَلْ ، ومَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلِّ بحَجٍّ وعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ )) فبيَّن لهم جوازَ الاعتمار فى أشهر الحج عند الميقات ، وعامةُ المسلمين معه ، فكيف لم يعلموا جوازها إلا بالفسخ ؟ ولعمرُ اللَّه إن لم يكونوا يعلمون جوازَها بذلك ، فهم أجدرُ أن لا يعلموا جوازَها بالفسخ .
الثالث : أنه أمَرَ مَن لم يَسُقِ الهَدْىَ أن يتحلَّل ، وأمرَ مَن ساق الهَدْىَ أن يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدىُ مَحِلَّه ، ففرق بين محرِم ومحرِم ، وهذا يدل على أن سوقَ الهَدْى هو المانعُ من التحلل ، لا مجردُ الإحرام الأول ، والعِلَّة التى ذكروها لا تختص بمحرِم دوم محرم ، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم جعل التأثير فى الحِل وعدمه للهَدْى وجوداً وعدماً لا لغيره .
الرابع : أن يقال : إذا كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم قصَد مخالفَة المشركين ، كان هذا دليلاً على أن الفسخَ أفضلُ لهذه العِلَّة ، لأنه إذا كان إنما أمرهم بذلك لمخالفة المشركين ، كان يكونُ دليلاً على أن الفسخ يبقى مشروعاً إلى يوم القيامة ، إما وجوباً وإما استحباباً ، فإن ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم وشرعه لأُمته فى المناسك مخالفةً لهَدْى المشركين ، هو مشروع إلى يوم القيامة ، إما وجوباً أو استحباباً ، فإن المشركين كانوا يُفِيضُون من عرفةَ قبل غروب الشمس ، وكانوا لا يُفيضون من مزدلفة حتى تَطْلُع الشمسُ ، وكانوا يقولون : أشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرَ ، فخالفهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم ، وقال : (( خَالَفَ هَدْيُنا هدْىَ المُشْرِكِين ، فَلَمْ نُفِضْ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ )) .
وهذه المخالفة ، إما ركن ، كقول مالك ، وإما واجبٌ يَجبرُه دم ، كقول أحمد ، وأبى حنيفة ، والشافعى فى أحد القولين ، وإما سُّـنَّة ، كالقول الآخر له .
والإفاضة من مزدلفة قبل طلوع الشمس سُّـنَّة باتفاق المسلمين ، وكذلك قريشٌ كانت لا تَقفُ بعرفة ، بل تفيض من جَمْع ، فخالفهم النبى صلى الله عليه وسلم ، ووقف بعرفاتٍ ، وأفاضَ منها ، وفى ذلك نزل قوله تعالى : {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]، وهذه المخالفة من أركانِ الحجِّ باتفاق المسلمين ، فالأمُور التى نُخَالِفُ فيها المشركين هى الواجبُ أو المستحبُّ ، ليس فيها مكروه ، فكيف يكون فيها مُحرَّم ؟ وكيف يُقال : إن النبىَّ صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بِنُسُكٍ يُخالِفُ نُسُك َ المشركين ، مع كون الذى نهاهم عنه ، أفضلَ مِن الذى أمرهم به ؟ أو يقال : مَنْ حجَّ كما حج المشركون فلم يتمتع ، فحجُّه أفضلُ مِن حجِّ السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار ، بأمرِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .
الخامس : أنه قد ثبت فى (( الصحيحين )) عنه ، أنه قال : (( دَخَلَتِ العُمْرَةُ فى الحَجِّ إلى يَوْم القِيامَة )) . وقيل له : عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هََذَا ، أم لِلأبَدِ ؟ فَقَالَ : (( لا ، بَلْ لأَبدِ الأَبَدِ ، دَخَلَت العُمْرَةُ فى الحَجِّ إلى يَوْم القِيامَة )) .
وكان سؤالهم عن عُمْرة الفسخ ، كما جاء صريحاً فى حديث جابر الطويل . قال : حتى إذا كان آخرُ طوافه عَلَى المروَةِ ، قال : (( لو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ ، لَمْ أَسُق الهَدْىَ ، ولَجَعَلْتُها عُمْرَةً ، فمَنْ كَانَ مِنْكُم لَيْسَ مَعَهُ هَدْى، فَلْيُحِلَّ ، وَلْيَجْعَلْها عُمْرَةً )) ، فقامَ سُراقة بنُ مالك فقال : يا رسول اللَّه ؛ ألعامنا هذا ، أم للأبد ؟ فشبَّكَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أصابِعَه واحِدَةً فى الأخرى ، وقال : (( دَخَلَتِ العُمْرَة فى الحَجِّ مَرَّتيْن ، لا بَلْ لأَبَدِ الأَبَد )) .
وفى لفظ : قَدِمَ رسولُ صلى الله عليه وسلم صبح رابِعةٍ مَضَتْ مِن ذى الحِجة ، فأمرنا أن نحلَّ ، فقلنا : لما لم يكن بيننا وبين عرفةَ إلا خَمْسٌ أَمَرَنَا أنْ نُفْضِىَ إلى نِسَائِنا ، فَنَأْتىَ عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا المَنِىَّ .. فذكر الحديثَ . وفيه : فقال سُراقة بنُ مالك : لِعامنا هذا أم للأبد ؟ فقال : (( لأبد )) .
وفى (( صحيح البخارى )) عنه : أن سُراقة قال للنبىِّ صلى الله عليه وسلم : ألَكُمْ خَاصَةً هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّه ؟ قَالَ : (( بل لِلأَبَدِ )) فبيَّن رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، أن تلك العُمرة التى فسخ مَن فسخ منهم حجّه إليها لِلأبد ، وأن العُمرة دخلت فى الحجِّ إلى يومِ القيامة . وهذا يُبيِّن أن عمرة التمتع بعضُ الحج .
وقد اعترض بعضُ الناس على الاستدلال بقوله : (( بَلْ لأبَدِ الأَبَدِ )) باعتراضين ، أحدهما : أن المراد ، أن سقوطَ الفرض بها لا يختصُّ بذلك العام ، بل يُسقِطُه إلى الأبد ، وهذا الاعتراضُ باطل ، فإنه لو أراد ذلك لم يَقُلْ : للأبد ، فإن الأبد لا يكون فى حق طائفة معيَّنة ، بل إنما يكون لجميع المسلمين ، ولأنه قال : (( دَخَلَتِ العُمْرَةُ فى الحَجِّ إلَى يَوْم القِيَامَةِ )) ، ولأنهم لو أرادوا بذلك السؤالَ عن تكرار الوجوب ، لما اقتصروا على العُمرة ، بل كان السؤالُ عن الحج ، ولأنهم قالوا له : (( عُمرتنا هذه لِعامِنَا هَذَا ، أم لِلأَبَدِ )) ؟ ولو أرادوا تكرار وجوبها كُلَّ عام ، لقالُوا له ، كما قالوا له فى الحج : أكلَّ عام يا رسولَ اللَّهِ ؟ ولأجابهم بما أجابهم به فى الحجِّ بقوله : (( ذَرُونى مَا تَرَكْتُكُم ، لَوْ قُلْتُ : نَعَمْ لَوَجَبَتْ )) . ولأنهم قالوا له : هذه لكم خاصة . فقال : (( بَلْ لأَبَدِ الأبَد )) . فهذا السؤال والجواب ، صريحان فى عدم الاختصاص .
الثانى : قوله : إن ذلك إنما يُريد به جوازَ الاعتمار فى أشهرِ الحجِّ ، وهذا الاعتراضُ أبطلُ مِن الذى قبله ، فإن السائلَ إنما سأل النبىَّ صلى الله عليه وسلم فيه عن المُتعة التى هى فَسخُ الحجِّ ، لا عن جواز العُمرة فى أشهرِ الحجِّ ، لأنه إنما سأله عَقِبَ أمره مَن لا هَدْىَ معه بفسخ الحجِّ ، فقال له سراقةُ حينئذ : هذا لِعامِنَا ، أم للأبد ؟ فأجابه صلى اللَّه عليه وسلم عن نفس ما سأله عنه ، لا عمَّا لم يسأله عنه . وفى قوله : (( دَخَلَتِ العُمْرَةُ فى الحَجِّ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ )) ، عقب أمره مَن لا هَدْى معه بالإحلال ، بيانٌ جلىٌ أن ذلك مستمِر إلى يومِ القِيامَة ، فبطل دعوى الخُصوص.. وباللَّه التوفيق .
السادس : أن هذه العِلَّة التى ذكرتموها ، ليست فى الحديثِ ، ولا فيه إشارةٌ إليها ، فإن كانت باطلةً ، بطل اعتراضُكم بها ، وإنْ كانت صحيحةً ، فإنها لا تلزم الاختصاص بالصحابة بوجه مِن الوجوه ، بل إن صحَّتْ اقتضت دوامَ معلولها واستمراره ، كما أن الرَّمَلَ شُرِعَ لِيُرِىَ المشركينَ قوَّتَه وقوَّةَ أصحابه ، واستمرت مشروعيتُه إلى يوم القيامة ، فبطل الاحتجاجُ بتلك العِلَّة على الاختصاص بهم على كل تقدير .
السابع : أنَّ الصحابَةَ رضى اللَّه عنهم ، إذا لم يكتفوا بالعلم بجواز العُمرة فى أشهر الحجِّ على فعلهم لها معه ثلاثةَ أعوام ، ولا بإذنه لهم فيها عند الميقات حتى أمرهم بفسخ الحجِّ إلى العُمرة ، فَمَنْ بعدهم أحرى أن لا يَكْتَفىَ بذلك حتى يَفْسَخَ الحجَّ إلى العُمرة ، اتِّباعاً لأمر النبى صلى الله عليه وسلم ، واقتداءً بأصحابه ، إلا أن يقولَ قائل : إنَّا نحن نكتفى من ذلك بدون ما اكتفى به الصحابَة ، ولا نحتاج فى الجواز إلى ما احتاجوا هم إليه ، وهذا جهلٌ نعوذُ باللَّه منه .
الثامن : أنه لا يُظَنُّ برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، أن يأمر أصحابَه بالفسخ الذى هو حرام ، لِيعلِّمهم بذلك مباحاً يُمكن تعليمُه بغير ارتكاب هذا المحظور ، وبأسهل منه بياناً ، وأوضح دلالةً ، وأقل كلفةً .
فإن قيل : لم يكن الفسخ حين أمرهم به حراماً . قيل : فهو إذاً إما واجب أو مستحَب . وقد قال بكل واحد منهما طائفة ، فمَن الذى حرَّمه بعد إيجابه أو استحبابه ، وأىُّ نص أو إجماع رفع هذا الوجوبَ أو الاستحبابَ ، فهذه مطالبة لا محيص عنها .
التاسع : أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال : (( لو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِى ما اسْتَدْبَرْتُ، لَمَا سُقْتُ الهَدْىَ ، ولَجَعَلْتُها عُمْرَةً )) ، أفترى تجدَّد له صلى اللَّه عليه وسلم عند ذلك العلم بجواز العمرة فى أشهر الحج ، حتى تأسَّف على فواتها ؟ هذا من أعظم المحال .
العاشر : أنه أمر بالفسخ إلى العُمرة ، مَن كان أفرد ، ومَنْ قرن ، ولم يَسُقِ الهَدْى . ومعلوم : أن القارن قد اعتمر فى أشهر الحج مع حجته ، فكيف يأمره بفسخِ قِرانه إلى عُمرة ليبيِّن له جواز العُمرة فى أشهر الحج ، وقد أتى بها ، وضم إليها الحج ؟
الحادى عشر : أن فسخ الحجِّ إلى العُمرة ، موافق لقياس الأصول ، لا مخالف له . ولو لم يرد به النصُّ ، لكان القياسُ يقتضى جوازه ، فجاء النصُّ به على وفق القياس ، قاله شيخ الإسلام ، وقرره بأن المحرِم إذا التزم أكثرَ مما كان لزمه ، جاز باتفاق الأئمة . فلو أحرم بالعُمرة ، ثم أدخل عليها الحج ، جاز بلا نزاع ، وإذا أحرم بالحجِّ ، ثم أدخل عليه العُمرة ، لم يجز عند الجمهور ، وهو مذهب مالك ، وأحمد ، والشافعى فى ظاهر مذهبه ، وأبو حنيفة يُجوِّز ذلك ، بناءً على أصله فى أن القارن يطوف طوافين ، ويسعى سعيين . قال : وهذا قياس الرواية المحكيَّةِ عن أحمد فى القارن : أنه يطوفُ طوافين ، ويسعى سعيين . وإذا كان كذلك ، فالمحرِمُ بالحج لم يلتزم إلا الحج . فإذا صار متمتعاً ، صار ملتزماً لعُمرة وحج ، فكان ما التزمه بالفسخ أكثرَ مما كان عليه ، فجازَ ذلك . ولما كان أفضلَ ، كان مستحباً ، وإنما أشكل هذا على مَن ظنَّ أنه فسخ حجاً إلى عُمرة ، وليس كذلك ، فإنه لو أراد أن يفسخ الحج إلى عُمرة مفردة ، لم يجز بلا نزاع ، وإنما الفسخُ جائز لمن كان مِن نِيَّته أن يحج بعد العُمرة ، والمتمتع من حين يحرم بالعُمرة فهو داخل فى الحج ، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم : (( دَخَلَتِ العُمْرَةُ فى الحجِّ إلى يَوْمِ القِيَامَة )) . ولهذا ، يجوز له أن يصومَ الأيامَ الثلاثةَ مِن حين يُحرِمُ بالعُمرة ، فدل على أنه فى تلك الحال فى الحج .
وأما إحرامُه بالحج بعد ذلك ، فكما يبدأ الجُنبُ بالوضوء ، ثم يغتسِلُ بعده . وكذلك كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم يفعل ، إذا اغتسل من الجنابة . وقال لِلنسوة فى غسل ابنته : (( ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا ، ومَوَاضِع الوُضُوءِ مِنْهَا )) . فغسل مواضع الوضوء بعض الغسل .
فإن قيل : هذا باطل لثلاثة أوجه . أحدها : أنه إذا فسخ ، استفاد بالفسخ حِلاً كان ممنوعاً منه بإحرامه الأول ، فهو دون ما التزمه .
الثانى : أن النُّسُكَ الَّذى كان قد التزمه أولاً ، أكملُ مِن النُّسُكِ الذى فسخ إليه ، ولهذا لا يحتاج الأول إلى جُبران ، والذى يُفسخ إليه ، يحتاج إلى هَدْى جُبراناً له ، ونُسُكٌ لا جُبران فيه ، أفضلُ من نُسُكٍ مجبور .
الثالث : أنه إذا لَم يَجُزْ إدخالُ العُمرة على الحج ، فلأن لا يجوزَ إبدالها به وفسخه إليها بطريق الأَوْلى والأحرى .
فالجواب عن هذه الوجوه ، من طريقين ، مجمل ومفصَّل . أما المجمل : فهو أن هذه الوجوه اعتراضات على مجرد السُّـنَّة ، والجواب عنها بالتزام تقديم الوحى على الآراء ، وأن كل رأى يُخالف السُّـنَّة ، فهو باطل قطعاً ، وبيان بطلانه لمخالفة السُّـنَّة الصحيحة الصريحة له ، والآراء تبع للسُّـنَّة ، وليست السُّـنَّة تبعاً للآراء .
وأما المفصَّل : وهو الذى نحن بصدده ، فإنَّا التزمنا أن الفسخَ على وفق القياس ، فلا بد من الوفاء بهذا الالتزام ، وعلى هذا فالوجه الأول جوابه : بأن التمتع وإن تَخلَّله التحلل فهو أفضل من الإفراد الذى لا حِلَّ فيه ، لأمر النبى صلى الله عليه وسلم مَن لا هَدْى معه بالإحرام به ، ولأمره أصحابه بفسخ الحجِّ إليه ، ولتمنِّيه أنه كان أحرم به ، ولأنه النُّسكُ المنصوصُ عليه ، فى كتاب اللَّه ، ولأن الأُمَّة أجمعت على جوازه ، بل على استحبابه ، واختلفُوا فى غيره على قولين ، فإن النبى صلى الله عليه وسلم ، غَضِبَ حين أمرهم بالفسخ إليه بعدَ الإحرام بالحجِّ ، فتوقَّفوا ، ولأنه من المُحال قطعاً أن تكون حَجَّة قطُّ أفضلَ من حَجَّة خيرِ القرون ، وأفضل العالمين مع نبيِّهم صلى الله عليه وسلم ، وقد أمرهم كُلَّهم بأن يجعلوها متعة إلا مَنْ ساق الهَدْى ، فمن المحال أن يكون غيرُ هذا الحج أفضلَ منه ، إلا حَجَّ من قرن وساق الهَدْى ، كما اختاره اللَّهُ سبحانه لنبيِّه ، فهذا هو الذى اختاره اللَّه لنبيِّه ، واختار لأصحابه التمتعَ ، فأىُّ حجٍّ أفضلُ من هذين . ولأنه من المحال أن ينقُلَهم من النُّسُكِ الفاضِل إلى المفضول المرجوحِ ، ولوجوه أُخَر كثيرة ليس هذا موضِعَها ، فرجحان هذا النُّسُكِ أفضلُ من البقاء على الإحرام الذى يفوته بالفسخ ، وقد تبين بهذا بطلانُ الوجه الثانى .
وأما قولُكم : إنه نُسُك مجبور بالهَدْى ، فكلام باطل من وجوه .
أحدها : أن الهَدْىَ فى التمتع عبادة مقصودة ، وهو مِن تمام النُسُك ، وهو دم شُكران لا دم جُبران ، وهو بمنزلة الأُضحية للمقيم ، وهو من تمام عبادة هذا اليوم ، فالنُّسُكُ المشتمِل على الدم ، بمنزلة العيد المشتمل على الأضحية ، فإنه ما تُقُرِّبَ إلى اللَّه فى ذلك اليوم ، بمثل إراقة دم سائل .
وقد روى الترمذى وغيره ، من حديث أبى بكر الصِّدِّيق ، أن النبى صلى الله عليه وسلم سُئِل : أىُّ الحجِّ أَفْضَلُ ؟ فقال : (( العَجُّ والثَّجُّ )) . والعجُّ رفعُ الصوت بالتلبية ، والثَّجُّ : إراقةُ دم الهَدْى . فإن قيل : يُمكِنُ المفردُ أن يُحصِّلَ هذه الفضيلة . قيل : مشروعيتها إنما جاءت فى حق القارِن والمتمتِّع ، وعلى تقدير استحبابها فى حقه ، فأين ثوابُها من ثواب هَدْى المتمتع والقارن ؟
الوجه الثانى : أنه لو كان دمَ جُبران ، لما جاز الأكلُ منه ، وقد ثبت عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه أكلَ مِن هَدْيه ، فإنه أَمَرَ مِن كل بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ ، فَجُعِلَتْ فى قِدْرِ ، فأكلَ مِن لحمها ، وشَرِبَ مِن مَرَقِهَا، وإن كان الواجبُ عليه سُبْعَ بدنة ، فإنَّه أكَلَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةِ مِنَ المِائة ، والواجبُ فيها مُشاعٌ لم يتعيَّن بقسمة ، وأيضاً : فإنه قد ثبت فى (( الصحيحين )) : أنه أطعَم نِسَاءَه مِنَ الهَدْى الَّذِى ذَبحَهُ عَنْهُنَّ وَكُنَّ مُتَمَتِّعَاتٍ ، احتج به الإمام أحمد ، فثبت فى (( الصحيحين )) عن عائشة رضى اللَّه عنها ، أنَّه أهدى عَنْ نسائه ، ثم أرْسَلَ إليهنَّ مِن الهَدْى الذى ذَبَحَهُ عَنْهُنَّ ، وأيضاً : فإن سبحانه وتعالى قال فيما يُذبح بمِنَى مِنَ الهَدِى : {فَكُلُوا مِنْهَا وَأطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ} [الحج: 28]، وهذا يتناولُ هَدْىَ التمتع والقِران قطعاً إن لم يختصَّ به ، فـإن المشروعَ هناك ذبحُ هَدْى المُتعة والقِران . ومن هاهنا واللَّهُ أعلمُ أمر النبىُّ صلى الله عليه وسلم ، من كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ ، فُجعِلَتْ فى قِدر امتثالاً لأمر ربه بالأكل لِيَعُمَّ به جميع هَدْيه .
الوجه الثالث: أن سبب الجُبران محظورٌ فى الأصل، فلا يجوز الإقدامُ عليه إلا لعذر، فإنه إما تركُ واجب، أو فعلُ محظور، والتمتُع مأمور به، إما أمر إيجاب عند طائفة كابن عباس وغيره، أو أمر استحباب عند الأكثرين، فلو كان دَمُهُ دَمَ جُبران . لم يَجُزِ الإقدامُ على سببه بغير عذر، فبطل قولُهم: إنه دمجُبران، وعُلِم أنه دم نُسُك، وهذا وسَّعَ اللَّه به على عباده، وأباح لهم بسببه التحلل فى أثناء الإحرام لما فى استمرار الإحرام عليهم من المشقة، فهو بمنزلة القصر والفِطر فى السفر، وبمنزلة المسح على الخُفَّين، وكان من هَدْى النبى صلى الله عليه وسلم وهَدْى أصحابه فعلُ هذا وهذا، ((واللَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ، كَما يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيتُهُ)) فمحبتُه لأخذ العبد بما يَسَّرَه عليه وسهَّله له، مثلُ كراهته منه لارتكاب ما حرَّمه عليه ومنعه منه، والهَدْىُ وإن كان بدلاً عن ترفُّهه بسقُوط أحد السفرين، فهو أفضلُ لمن قدم فى أشهر الحج من أن يأتىَ بحجٍّ مفرد ويعتمِر عقيبه، والبدل قد يكون واجباً كالجمعة عند مَن جعلها بدلاً، وكالتيمم للعاجز عن استعمال الماء، فإنه واجب عليه وهو بدل، فإذا كان البدلُ قد يكون واجباً، فكونه مستحَباً أولى بالجواز، وتخلل التحلُّلِ لا يمنع أن يكون الجميعُ عبادة واحدة كطواف الإفاضة، فإنه ركن بالاتفاق، ولا يُفعل إلا بعد التحلُّل الأول، وكذلك رمىُ الجمار أيام مِنَى، وهو يُفعل بعد الحِلِّ التام، وصومُ رمضان يتخلَّله الفطرُ فى لياليه، ولا يمنع ذلك أن يكون عبادةً واحدة، ولهذا قال مالك وغيره: إنه يجزئ بِنِيَّة واحدة للشهر كله، لأنه عبادة واحدة... واللَّه أعلم.
فصل
وأما قولُكم: إذا لم يجز إدخالُ العُمرة على الحجِّ، فلأن لا يجوزَ فسخُه إليها أولى وأحرى، فنسمع جَعَجَعَةً ولا نرى طِحناً. وما وجهُ التلازُم بين الأمرين، وما الدليلُ على هذه الدعوى التى ليس بأيديكم برهانٌ عليها؟ ثم القائلُ بهذا إن كان مِن أصحاب أبى حنيفة رحمه اللَّه، فهو غيرُ معترف بفساد هذا القياس. وإن كان من غيرهم، طولب بصحة قياسه فلا يجد إليه سبيلاً، ثم يُقال: مُدْخِلُ العُمرة قد نقص مما كان التزمه، فإنه كان يطوفُ طوافاً للحجِّ، ثم طوافاً آخر للعمرة. فإذا قرن، كفاه طوافٌ واحد وسعىٌ واحد بالسُّـنَّة الصحيحة، وهو قول الجمهور، وقد نقص مما كان يلتزمه. وأما الفاسخ، فإنه لم ينقُضْ مما التزمه، بل نقل نُسُكه إلى ما هو أكملُ منه، وأفضلُ، وأكثر واجبات، فبطل القياسُ على كل تقدير، وللّه الحمد.



عدد المشاهدات *:
466160
عدد مرات التنزيل *:
94283
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 13/02/2015

الكتب العلمية

روابط تنزيل : فصل في مسلك المانعون من الفسخ
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  فصل في مسلك المانعون من الفسخ لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
الكتب العلمية


@designer
1