وإبراهيم ومحمد- علهما الصلاة والسلام- هما خليلان لله عز وجل. قال الله تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾)329) [النساء:125]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد اتَّخذني خليلا كما اتَّخذ إبراهيمَ خليلا)) والخليل: معناه الحبيب الذي بلغت محبته الغاية، ولا نعلم أنَّ أحدًا وُصف بهذا الوصف إلا محمدًا صلى الله عليه وسلم وإبراهيم، فهما الخليلان. وإنك تسمع أحيانا يقول بعض الناس: إبراهيم خليلُ الله، ومحمد حبيب الله، وموسى كَلِيم الله. والذي يقول: إن محمدا حبيب الله في كلامه نظر، لأن الخُلَّة أبلغ من المحبة، فإذا قال: محمد حبيب الله، فهذا فيه نوع نقصٍ من حق الرسول عليه الصلاة والسلام، لأن أحباب الله كثيرون، فالمؤمنون يحبهم الله، والمحسنون والمقسطون يحبهم الله، والأحباب كثيرون لله. لكن الخُلَّة لا نعلم أنها ثبتت إلا لمحمد وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام ، وعلى هذا فنقول: الصواب أن يقال: إبراهيم خليل الله، ومحمد خليل الله، وموسى كليم الله عليهم الصلاة والسلام. على أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد كلَّمه الله- سبحانه وتعالى - كلاما بدون واسطة، حيث عرج به إلى السماوات السبع. هذه الكلمة: ((حسبنا الله ونعم الوكيل)) قالها إبراهيم حينما أُلقيَ في النار، وذلك أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام دعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأبَوا، و أصَرُّوا على الكفر والشرك. فقام ذات يوم على أصنامهم فكسَّرها، وجعلهم جُذاذًا، إلا كبيرًا لهم، فلما رجعوا وجدوا آلهتهم كُسِّرت، فانتقموا- والعياذ بالله- لأنفسهم. فقالوا ما نصنع بإبراهيم؟ ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ﴾ انتصارا لآلهتهم ﴿وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ فأوقدوا نارًا عظيمة جدًّا، ثم رموا إبراهيم في هذه النار. ويقال إنهم لِعظَم النار لم يتمكَّنوا من القرب منها، وأنهم رموا إبراهيم فيها بالمنجنيق من بُعد، فلما رموه قال: ((حسبُنا الله ونعم الوكيل)) فما الذي حدث؟ قال الله تعالى: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾، بردًا: ضدُّ حر، وسلامًا: ضدُّ هلاكا، لأن النار حارّة ومحرقة ومهلكة، فأمر الله هذه النار أن تكون بردا وسلاما عليه، فكانت بردا وسلاما. والمفسّرون بعضهم ينقل عن بني إسرائيل في هذه القصة، أن الله لما قال ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ صارت جميع نيران الدنيا بردا! وهذا ليس بصحيح، لأن الله وجَّه الخطاب إلى نار معينة ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْداً﴾ وعلماء النحو يقولون إنه إذا جاء التركيب على هذا الوجه، صار نكرةً مقصودة، أي: لا يشمل كل نار، بل هو للنار التي ألقي فيها إبراهيم فقط، وهذا هو الصحيح، وبقية نيران الدنيا بقيت على ما هي عليه. وقال العلماء أيضا: ولما قال الله ﴿كُونِي بَرْداً﴾ قرنَ ذلك بقوله: ﴿وَسَلاماً﴾ لأنه لو اكتفى بقوله: ﴿ بَرْداً﴾ لكانت بردا حتى تهلكه، لأن كل شيء يمتثل لأمر الله عز وجل، انظر إلى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً﴾ فماذا قالتا: ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت:11]، ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا﴾ منقادين لأمر الله عز وجل. أما الخليل الثاني الذي قال: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ فهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حين رجعوا من أُحُد، قيل لهم: إن الناس قد جمعوا لكم، يريدون أن يأتوا إلى المدينة ويقضوا عليكم فقالوا: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾. قال الله تعالى: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران:173،174]. فينبغي لكل إنسان رأى من الناس جمعا له، أو عدوانا عليه، أن يقول: ((حسبنا الله ونعم الوكيل)) فإذا قال هكذا كفَاه الله شرَّهم، كما كفى إبراهيم ومحمدًا عليهما الصلاة والسلام، فاجعل هذه الكلمة دائما على بالك، إذا رأيت من الناس عدوانا عليك فقل: ((حسبُنا الله ونعم الوكيل)) يكفك الله عز وجل شرَّهم وهمَّهم. والله الموفق.
عدد المشاهدات *:
405168
405168
عدد مرات التنزيل *:
175518
175518
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 13/04/2015