قوله: ((ما ظنُّكَ يا أبا بكرٍ باثنَينِ الله ثالِثُهُما)) أي: ما ظنُّك، هل أحد يقدر عليهما أو ينالهما بسوء؟ وهذه القصة كانت حينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جهَرَ بالدعوة، ودعا الناس، وتبعوه، وخاف المشركون، وقاموا ضد دعوته، وضايقوه، وآذوه بالقول وبالفعل، فأذن الله له بالهجرة من مكة إلى المدينة ولم يصحبْه إلا أبو بكر رضي الله عنه، والدليل، والخادم، فهاجر بأمر الله، وصحِبَهُ أبو بكر رضي الله عنه. ولما سمع المشركون بخروجه من مكة، جعلوا لمن جاء به مئتي بعير، ولمن جاء بأبي بكر مائة بعير، وصار الناس يطلبون الرجلين في الجبال، وفي الأودية وفي المغارات، وفي كل مكان، حتى وقفوا على الغار الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وهو غار ثور الذي اختفيا فيه ثلاث ليال، حتى يبرد عنهما الطلب، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصَرَنا، لأننا في الغار تحته، فقال: ((ما ظنُّكَ باثْنَينِ اللهُ ثالثُهُما)) وفي كتاب الله أنه قال: ﴿لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾[التوبة40]، فيكون قال الأمرين كلاهما، أي: قال: ((ما ظنُّكَ باثْنَيْنِ اللهُ ثالثُهُما)) وقال ﴿لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾. فقوله: ((ما ظنك باثنين الله ثالثهما)) يعني: هل أحد يقدر عليهما بأذية أو غير ذلك؟ والجواب: لا أحد يقدر، لأنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع، ولا مذل لمن أعزَّ ولا معز لمن أذل: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران:26]. وفي هذه القصة: دليل على كمال توكُّل النبي صلى الله عليه وسلم على ربه، وأنه معتمد عليه، ومفوض إليه أمره، وهذا هو الشاهد من وضع هذا الحديث في باب اليقين والتوكل. وفيه دليل على أن قصَّة نسج العنكبوت غير صحيحة، فما يوجد في بعض التَّواريخ، أن العنكبوت نَسَجَت على باب الغار، وأنه نبت فيه شجرة، وأنه كان على غصنها حمامة، وأن المشركين لما جاءوا إلى الغار قالوا هذا ليس فيه أحد، فهذه الحمامة على غصن شجرة على بابه، وهذه العنكبوت قد عشَّشَت على بابه، كل هذا لا صحة له، لأن الذي مَنَعَ المشركين من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر ليست أمورًا حسية- تكون لها ولغيرهما- بل هي أمور معنوية، وآية من آيات الله عز وجل، حجب الله أبصار المشركين عن رؤية الرسول عليه الصلاة والسلام، وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه، أما لو كانت أمورًا حسية، مثل العنكبوت التي نسجت، والحمامة، والشجرة، فكلها أمور حسية، كلٌّ يختفي بها عن غيره، لكن الأمر آية من آيات الله عز وجل، فالحاصل أن ما يُذكر في كتب التاريخ في هذا لا صحة له، بل الحق الذي لا شك فيه، أن الله - تعالى - أعمى أعيُنَ المشركين عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه- رضي الله عنه- في الغار. والله الموفق.

641560

217439

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 13/04/2015