الاستقامة: هي أن يَثْبت الإنسان على شريعة الله_ سبحانه وتعالى_ كما أمر الله، ويتقدَّمها الإخلاص لله عز وجل. ثم ذَكَرَ المؤلف عدة آيات في هذا، فذكر قول الله تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم والخطاب الموجَّه للرسول صلى الله عليه وسلم يكون له ولأمته، إلا إذا قام دليل على أنه خاصٌّ به ،فإنه يختص به،وأما إذا لم يقم الدليل على أنه خاص به، فإنه له وللأمة. فمما دل الدليل على أنه خاص به قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَك (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ [الشرح:1ـ3]، فإن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم. ومثلَ قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر:87]، هذا أيضا خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم. وأما إذا لم يقل الدليل على أن الخطاب للخصوصية، فهو له ولأمته، وعلى هذه القاعدة يكون قوله: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ عامًّا له ولأمَّته، كل واحد يجب عليه أن يستقيم كما أمر، فلا يبدِّل في دين الله، ولا يزيد فيه ولا ينقص، ولهذا قال في آية أخرى: ﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾[الشورى:15].الآية الثانية قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا...﴾ [فصلت:30ـ33] . ﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾ أي: خالقُنا ومالكُنا ومدِّبر أمورنا، فنحن نخلص له، ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ على ذلك؛ أي: على قولهم ربُّنا الله، فقاموا بشريعة الله. هؤلاء الذين اتصفوا بهذين الوصفين: ﴿قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ﴾ مَلَكا بعد مَلَك ﴿أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا﴾ يعني : أن الملائكة تتنزل عليهم بأمر الله في كل موطن مخوف ولاسيما عند الموت ؛ يقولون لهم: ﴿أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا﴾ لا تخافوا: فيما تستقبلون من أُمُوركم، ولا تحزنوا على ما مضى من أُموركم ، ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ والبشرى هي الإخبار بما يسُرُّ، ولا شك أن الإنسان يَسُرُّهُ أن يكون من أهل الجنة ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم ، ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ لأنَّ كلَّ من قال ربِّي الله، واستقام على دين الله، فإنه من أهل الجنة، ويقولن لهم أيضا: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ فالملائكة أولياء للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا في الحياة الدنيا، تسددهم وتساعدهم وتعينهم، وكذلك في الآخرة تتلقاهم الملائكة يوم البعث والحساب ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ فيبشروهم بالخير في مقام الخوف والشدة. قال الله عز وجل ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ «لَكُمْ فِيْهَا» أي: في الآخرة ما تشتهي أنفسكم، وذلك في نعيم الجنة، لأن الجنة فيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ أي: تطلبون، بل لهم فوق ذلك: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق:35]، لهم زيادة على مايدعونه ويطلبونه ويتمنونه. ﴿نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ يعني: أن الجنة نزُلٌ لهم وضيافة من غفور رحيم. ﴿غَفُور﴾ غفر لهم سيِّئاتهم ﴿ رَحِيمٍ﴾ بهم، رفع لهم درجاتهم، هذا جزاء الذين يقولون ربنا الله ثم يستقيمون. وفي هذا دليل على أهمية الاستقامة على دين الله، بإن يكون الإنسان ثابتا لا يزيد، ولا ينقص، ولا يبدِّل، ولا يغير، فأمَّا من غلا في دين الله، أو جفا عنه، أو بدل فإنه لم يكن مستقيما على شريعة الله عزَّ وجلَّ، والاستقامة لا بُدَّ لها من الاعتدال في كل شيء، حتى يكون الإنسان مستقيما على شريعة الله عزَّ وجلَّ.
عدد المشاهدات *:
562669
562669
عدد مرات التنزيل *:
202971
202971
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 13/04/2015