هذه الأحاديث كلها تدل على تحريم قطيعة الرحم ، وعقوق الوالدين ، وقد سبق لها نظائر ، ومما فيه زيادة عما سبق حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( من الكبائر شتم الرجل والديه )) يعني سبهما ولعنهما كما جاء ذلك في رواية أخرى : (( لعن الله من لعن والديه )) قالوا : يا رسول الله ، كيف يشتم الرجل والديه ؟ لأن هذا أمر مستغرب ، وأمر بعيد .
قال (( نعم ، يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه )) .
وذلك تحذير من أن يكون الإنسان سبباً في شتم والديه بأن يأتي إلى شخص فيشتم والدي الشخص ، فيقابله الشخص الآخر بالمثل ويشتم والديه ، ولا يعني ذلك أنه يجوز للثاني أن يشتم والدي الرجل؛ لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى ، ولكنه في العادة والطبيعة أن الإنسان يجازي غيره يمثل ما فعل به ، فإذا سبه سبه .
وذلك كما قال تعالى : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) [الأنعام: 108] ، لذلك لما كان سبباً في سب والديه ؛ كان عليه إثم ذلك .
ثم ذكر المؤلف حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ، ومنعاً وهات ، ووأد البنات )) .
الشاهد من هذا الحديث قوله : (( عقوق الأمهات )) وهو قطع ما يجب لهن من البر ، أما وأد البنات فهو دفنهن أحياء ، وذلك لأنهم في الجاهلية كانوا يكرهون البنات ، ويقولون : إن إبقاء البنت عند الرجل مسبة له .
فكانوا والعياذ بالله يأتون بالبنت فيحفرون لها حفرة ويدفنونها وهي حية . قال الله تعالى : ( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ) [التكوير:8 ،9] ، فحرم الله ذلك ، وهو لاشك من أكبر الكبائر ، وإذا كان قتل الأجنبي المؤمن سبباً للخلود في النار كما قال تعالى : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) [النساء:93] ، فالقرابة أشد وأشد .
(( ومنعاً وهات )) يعني أن يكون الإنسان جموعاً منوعاً ؛ يمنع ما يجب عليه بذله من المال ، ويطلب ما ليس له ، فهات : يعني أعطوني المال ، ومنعاً : أي يمنع ما يجب عليه ، فإن هذا أيضاً مما حرمه الله عز وجل ؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يمنع ما يجب عليه بذله من الله ، ولا يجوز أن يسأل ما لا يستحق ، فكلاهما حرام، لهذا قال : (( إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ، ومنعاً وهات )) .
(( وكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال )) ، كره وحرم ليس بينهما فرق ؛ لأن الكراهة في لسان الشارع معناها التحريم ، ولكن هذا والله أعلم من باب اختلاف التعبير فقط .
(( كره لكم قيل وقال )) يعني نقل الكلام ، وكثرة ما يتكلم الإنسان ويثرثر به ، وأن يكون ليس له هم إلا الكلام في الناس ، قالوا كذا وقيل كذا ، ولا سيما إذا كان هذا في أعراض أهل العلم وأعراض ولاة الأمور ، فإنه يكون أشد وأشد كراهة عند الله عز وجل .
والإنسان المؤمن هو الذي لا يقول إلا خيراً كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ؛ فليقل خيراً أو ليصمت )) (165) .
وكثرة السؤال يحتمل أن يكون المراد السؤال عن العلم ، ويحتمل أن يكون المراد السؤال عن المال .
أما الأول : وهو كثرة السؤال عن العلم فهذا إنما يكره إذا كان الإنسان لا يريد إلا إعنات المسؤول ، والإشقاق عليه ، وإدخال السآمة والملل عيه ، أما إذا كان يريد العلم فإنه لا ينهى عن ذلك ، ولا يكره ذلك ، وقد كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كثير السؤال ، فقد قيل له : بم أدركت العلم ؟ قال : أدركت العلم بلسان سؤول ، وقلب عقول ، وبدن غير ملول .
لكن إذا كان قصد السائل الإشقاق على المسؤول والإعنات عليه ، وإلحاق السآمة به ، أو تلقط زلاته لعله يزل فيكون في ذلك قدح فيه ، فإن هذا المكروه .
وأما الثاني : وهو سؤال المال فإن كثرة السؤال قد تلحق الإنسان بأصحاب الشح والطمع ، ولهذا لا يجوز للإنسان سؤال المال إلا عند الحاجة ، أو إذا كان يرى أن المسؤول يمن عليه أن يسأله ، كما لو كان صديقاً لك قوي الصداقة ، قريباً جداً ، فسألته حاجة وأنت تعرف أنه يكون بذلك ممنوناً ، فهذا لا بأس به ، أما إذا كان الأمر على خلاف ذلك: ؛ فلا يجوز أن تسأل إلا عند الضرورة .
وأما إضاعة المال فهو بذله في غير فائدة لا دينية ولا دنيوية ؛ لأن هذا أيضاً إضاعة له لأن الله تعالى قال : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً ) [النساء: 5] ، فالمال قيام للناس ؛ تقوم به مصالح دينهم ودنياهم ، فإذا بذله الإنسان في غير ذلك فهذا إضاعة له ، وأقبح من ذلك أن يبذله في محرم ، فيرتكب في هذا محظورين :
المحظور الأول : إضاعة المال .
والمحظور الثاني : ارتكاب المحرم .
فالأموال يجب أن يحافظ عليها الإنسان ، وألا يضعها وألا يبذلها إلا فيما فيه مصلحة له دينية أو دنيوية .
(161) رواه البخاري ، كتاب الإيمان والنذور ، باب اليمين الغموس ، رقم ( 6675 ) .
(162) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب لا يسب الرجل والديه ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان الكبائر وأكبرها ، رقم ( 90 ) .
(163) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب إثم القاطع ، رقم ( 5984 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها ، رقم ( 2556 ) .
(164) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب عقوق الوالدين من الكبائر ، رقم (5975) ، ومسلم ، كتاب الأقضية ، باب عن كثرة المسائل من غير حاجة ، رقم (1715 ) [ 12 ] .
(165) رواه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب حفظ اللسان . . . ، رقم ( 6475 ) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب الحث على إكرام الجار . . . ، رقم ( 47 )
قال (( نعم ، يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه )) .
وذلك تحذير من أن يكون الإنسان سبباً في شتم والديه بأن يأتي إلى شخص فيشتم والدي الشخص ، فيقابله الشخص الآخر بالمثل ويشتم والديه ، ولا يعني ذلك أنه يجوز للثاني أن يشتم والدي الرجل؛ لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى ، ولكنه في العادة والطبيعة أن الإنسان يجازي غيره يمثل ما فعل به ، فإذا سبه سبه .
وذلك كما قال تعالى : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) [الأنعام: 108] ، لذلك لما كان سبباً في سب والديه ؛ كان عليه إثم ذلك .
ثم ذكر المؤلف حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ، ومنعاً وهات ، ووأد البنات )) .
الشاهد من هذا الحديث قوله : (( عقوق الأمهات )) وهو قطع ما يجب لهن من البر ، أما وأد البنات فهو دفنهن أحياء ، وذلك لأنهم في الجاهلية كانوا يكرهون البنات ، ويقولون : إن إبقاء البنت عند الرجل مسبة له .
فكانوا والعياذ بالله يأتون بالبنت فيحفرون لها حفرة ويدفنونها وهي حية . قال الله تعالى : ( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ) [التكوير:8 ،9] ، فحرم الله ذلك ، وهو لاشك من أكبر الكبائر ، وإذا كان قتل الأجنبي المؤمن سبباً للخلود في النار كما قال تعالى : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) [النساء:93] ، فالقرابة أشد وأشد .
(( ومنعاً وهات )) يعني أن يكون الإنسان جموعاً منوعاً ؛ يمنع ما يجب عليه بذله من المال ، ويطلب ما ليس له ، فهات : يعني أعطوني المال ، ومنعاً : أي يمنع ما يجب عليه ، فإن هذا أيضاً مما حرمه الله عز وجل ؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يمنع ما يجب عليه بذله من الله ، ولا يجوز أن يسأل ما لا يستحق ، فكلاهما حرام، لهذا قال : (( إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ، ومنعاً وهات )) .
(( وكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال )) ، كره وحرم ليس بينهما فرق ؛ لأن الكراهة في لسان الشارع معناها التحريم ، ولكن هذا والله أعلم من باب اختلاف التعبير فقط .
(( كره لكم قيل وقال )) يعني نقل الكلام ، وكثرة ما يتكلم الإنسان ويثرثر به ، وأن يكون ليس له هم إلا الكلام في الناس ، قالوا كذا وقيل كذا ، ولا سيما إذا كان هذا في أعراض أهل العلم وأعراض ولاة الأمور ، فإنه يكون أشد وأشد كراهة عند الله عز وجل .
والإنسان المؤمن هو الذي لا يقول إلا خيراً كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ؛ فليقل خيراً أو ليصمت )) (165) .
وكثرة السؤال يحتمل أن يكون المراد السؤال عن العلم ، ويحتمل أن يكون المراد السؤال عن المال .
أما الأول : وهو كثرة السؤال عن العلم فهذا إنما يكره إذا كان الإنسان لا يريد إلا إعنات المسؤول ، والإشقاق عليه ، وإدخال السآمة والملل عيه ، أما إذا كان يريد العلم فإنه لا ينهى عن ذلك ، ولا يكره ذلك ، وقد كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كثير السؤال ، فقد قيل له : بم أدركت العلم ؟ قال : أدركت العلم بلسان سؤول ، وقلب عقول ، وبدن غير ملول .
لكن إذا كان قصد السائل الإشقاق على المسؤول والإعنات عليه ، وإلحاق السآمة به ، أو تلقط زلاته لعله يزل فيكون في ذلك قدح فيه ، فإن هذا المكروه .
وأما الثاني : وهو سؤال المال فإن كثرة السؤال قد تلحق الإنسان بأصحاب الشح والطمع ، ولهذا لا يجوز للإنسان سؤال المال إلا عند الحاجة ، أو إذا كان يرى أن المسؤول يمن عليه أن يسأله ، كما لو كان صديقاً لك قوي الصداقة ، قريباً جداً ، فسألته حاجة وأنت تعرف أنه يكون بذلك ممنوناً ، فهذا لا بأس به ، أما إذا كان الأمر على خلاف ذلك: ؛ فلا يجوز أن تسأل إلا عند الضرورة .
وأما إضاعة المال فهو بذله في غير فائدة لا دينية ولا دنيوية ؛ لأن هذا أيضاً إضاعة له لأن الله تعالى قال : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً ) [النساء: 5] ، فالمال قيام للناس ؛ تقوم به مصالح دينهم ودنياهم ، فإذا بذله الإنسان في غير ذلك فهذا إضاعة له ، وأقبح من ذلك أن يبذله في محرم ، فيرتكب في هذا محظورين :
المحظور الأول : إضاعة المال .
والمحظور الثاني : ارتكاب المحرم .
فالأموال يجب أن يحافظ عليها الإنسان ، وألا يضعها وألا يبذلها إلا فيما فيه مصلحة له دينية أو دنيوية .
(161) رواه البخاري ، كتاب الإيمان والنذور ، باب اليمين الغموس ، رقم ( 6675 ) .
(162) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب لا يسب الرجل والديه ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان الكبائر وأكبرها ، رقم ( 90 ) .
(163) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب إثم القاطع ، رقم ( 5984 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها ، رقم ( 2556 ) .
(164) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب عقوق الوالدين من الكبائر ، رقم (5975) ، ومسلم ، كتاب الأقضية ، باب عن كثرة المسائل من غير حاجة ، رقم (1715 ) [ 12 ] .
(165) رواه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب حفظ اللسان . . . ، رقم ( 6475 ) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب الحث على إكرام الجار . . . ، رقم ( 47 )
عدد المشاهدات *:
404341
404341
عدد مرات التنزيل *:
175455
175455
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 19/04/2015