وعن سهل بن أبي حثمة بفتح المهملة وسكون المثلثة واسم أبي حثمة عبد الله بن ساعدة بن عامر أوسي أنصاري عن رجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة بضم الميم فحاء مهملة فمثناة تحتية مشددة فصاد مهملة ابن مسعود خرجا إلى خيبر من جهد بضم الجيم وفتحها المشقة هنا أصابهم فأتى محيصة مغير الصيغة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح مغيران أيضا في عين فأتى أي محيصة(يهود) اسم جنس يجمع على يهدان فقال أنتم والله قتلتموه قالوا والله ما قتلناه فأقبل هو وأخوه حويصة بضم المهملة وفتح الواو فمثناة تحتية فصاد مهملة مشددة وعبد الرحمن بن سهل فذهب محيصة ليتكلم وكان أصغر من حويصة وفي رواية فبدأ عبد الرحمن يتكلم وكان أصغر القوم فقال رسول الله صلى الله وسلم: "كبر كبر" بلفظ الأمر فيهما والثاني تأكيد للأول يريد السن مدرج تفسير لقوله كبر أي يتكلم من كان أكبر سنا فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إما أن يدوا" أي اليهود "صاحبكم" أي عبد الله بن سهل "وإما أن أذنوا بحرب فكتب" أي رسول الله
(3/253)
صلى الله عليه وسلم "إليهم في ذلك" أي فيما ذكر من أنهم قتلوا عبد الله فكتبوا أي اليهود إنا والله ما قتلناه فقال أي النبي صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن بن سهل: "أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم" قالوا لا وفي رواية عند مسلم قالوا لم نحضر ولم نشهد وفي بعض ألفاظ البخاري أنه قال "لهم تأتون بالبينة قالوا ما لنا بينة فقال أتحلفون" قال: "فتحلف لكم زفر" قالوا ليسوا مسلمين وفي لفظ قالوا لا نرضى بأيمان اليهود وفي لفظ كيف ينفذ بأيمان كفار فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم مائة ناقة قال سهل فلقد ركضتني منها ناقة حمراء متفق عليه
- باب دعوى الدم والقسامة
القسامة بفتح القاف وتخفيف المهملة مصدر أقسم قسما وقسامة وهي الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم أو على المدعى عليهم الدم وخص القسم على الدم بالقسامة قال إمام الحرمين القسامة عند أهل اللغة اسم للقوم الذين يقسمون وعند الفقهاء اسم للأيمان وفي القاموس القسامة الجماعة يقسمون على الشيء ويأخذونه أو يشهدون وفي الضياء القسامة الأيمان تقسم على خمسين رجلا من أهل البلد أو القرية التي يوجد فيها القتيل لا يعلم قاتله ولا يدعي أولياؤه قتله على أحد بعينه
اعلم أن هذا الحديث أصل كبير في ثبوت القسامة عند القائلين بها وهم الجماهير فإنهم أثبتوها وبينوا أحكامها ونتكلم على مسائل الأولى أنها لا تثبت القسامة بمجرد دعوى القتل على المدعى عليهم من دون شبهة إجماعا وقد روي عن الأوزاعي وداود ثبوتها شبهة ولا دليل لهما واختلف العلماء في الشبهة التي تثبت بها القسامة فمنهم من جعل الشبهة اللوث وهو كما في النهاية أن يشهد شاهد واحد على إقرار المقتول قبل أن يموت أن فلانا قتلني أو يشهد شاهدان على عداوة بينهما أو تهديد له منه أو نحو ذلك ومن اللوث التلطخ ومنهم من لم يشترطه كالهادوية والحنفية فإنهم قالوا وجود الميت وبه أثر القتل في محل يختص بمحصورين تثبت به القسامة عندهم إذا لم يدع المدعي على غيرهم قالوا لأن الأحاديث وردت في مثل هذه الحالة ورد بأن حديث الباب أصح ما ورد وفيه دليل على اللوث وحقيقته شبهة يغلب الظن بالحكم بها كما فصله في النهاية وهو هنا العداوة فلهذا ذهب مالك والشافعي إلى أنه لا يثبت بهذا قسامة إلا إذا كان بين المقتول والمدعى عليهم عداوة كما كان في قصة خيبر قالوا فإنه يقتل الرجل الرجل ويلقيه في محل طائفة لينسب إليهم وقد عدوا من صور اللوث قول المقتول قبل وفاته قتلني فلان وقال مالك إنه يقبل قوله وإن لم يكن به أثر أو يقول جرحني ويذكر العمد وادعى مالك أنه مما أجمع عليه الأئمة قديما وحديثا ورده ابن العربي بأنه لم يقله من فقهاء الأمصار غيره وتبعه عليه الليث واحتج مالك بقصة بقرة بني إسرائيل فإنه أحيي الرجل وأخبر بقاتله وأجيب بأن ذلك معجزة لنبي وتصديقها قطعي قلت ولأنه أحياه الله بعد موته فعين قاتله فإذا أحيا الله مقتولا بعد موته وعين قاتله قلنا به ولا يكون ذلك أبدا واحتج أصحابه بأن القاتل يطلب غفلة الناس فلو لم يقبل خبر المجروح أدى ذلك إلى إبطال الدماء غالبا وأنها حالة يتحرى فيها المجروح الصدق ويتجنب الكذب والمعاصي ويتحرى التقوى والبر فوجب قبول قوله ولا يخفى ضعف هذه الاستدلالات وقد عدوا صور اللوث مبسوطة في كتبهم المسألة الثانية أنه بعد ثبوت ما ذكر من القتل وكل على أصله تثبت دعوى أولياء القتيل القسامة فتثبت أحكامها فمنها القصاص عند كمال شروطها لقوله في الحديث "تستحقون قتيلكم أو صاحبكم بأيمان خمسين منكم على رجل منهم فيدفع بذمته" وقوله "دم صاحبكم" في لفظ مسلم "يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع بذمته" وإن كان قوله "إما أن بدوا صاحبكم" الحديث يشعر
(3/254)
بعدم القصاص إلا أن هذا التصريح في رواية مسلم أقوى في القول بالقصاص وهذا مذهب أهل المدينة فإن كانت الدعوى على واحد معين ثبت القود عليه وإن كانت على جماعة حلفوا وثبتت عليهم الدية عند الشافعية وفي قول يجب عليهم القصاص والأول الصحيح عنه فإن كان الوارث واحدا حلف خمسين يمينا فإن الإيمان لازمة للورثة ذكورا كانوا أو إناثا عمدا كان أو خطأ هذا مذهب الشافعي ومنها أن يبدأ بأيمان المدعي في القسامة بخلاف غيرها من الدعاوى كما في هذه الرواية ويدل له حديث أبي هريرة "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلا في القسامة" وفي إسناده لين إلا أنه قد أخرجه البيهقي من حديث عمرو بن شعيب ولم يتكلم فيه قالوا ولأن جنبة المدعي إذا قويت بشهادة أو شبهة صارت اليمين له وهنا الشبهة قوية فصار المدعي في القسامة مشابها للمدعى عليه المتأيد بالبراءة الأصلية وذهبت الهادوية والحنفية وآخرون إلى أنه يحلف المدعى عليه ولا يمين على المدعين فيحلف خمسون رجلا من أهل القرية ما قتلناه ولا علمنا قاتله وإلى هذا جنح البخاري وذلك لأن الروايات اختلفت في ذلك في قصة الأنصار ويهود خيبر فيرد المختلف فيه إلى المتفق عليه من أن اليمين على المدعى عليه فإن حلفوا فهل تلزمهم الدية أم لا ذهبت الهادوية إلى أنها تلزمهم الدية بعد الأيمان وذهب آخرون إلى أنهم إذا حلفوا خمسين يمينا برئوا ولا دية عليهم وعليه تدل قصة أبي طالب الآتية واستدل الجماعة المذكورة ومن معهم في إيجاب الدية بأحاديث لا تقوم بها حجة لعدم صحة رفعها عند أئمة هذا الشأن وقوله فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده وفي لفظ إنه وداه من إبل الصدقة فقيل المراد به أنه اقترضها منها وأنه لما تحملها صلى الله عليه وسلم للإصلاح بين الطائفتين كان حكمها حكم القضاء عن الغارم لما غرمه لإصلاح ذات البين فلم يأخذها صلى الله عليه وسلم لنفسه فإن الصدقة لا تحل له ولكن جرى إعطاء الدية منها مجرى إعطائها في الغرم لإصلاح ذات البين وأما من قال إنه صلى الله عليه وسلم أعطى ذلك من سهم الغارمين فلا يصح فإن غارم أهل الذمة لا يعطى من الزكاة كذا قيل قلت وفيه نظر فإن اليهود لم تلزمهم الدية لأنه لم يحلف المدعون كما عرفت فما وداه صلى الله عليه وسلم إلا تبرعا منه لئلا يهدر دمه وأما رواية النسائي أنه صلى الله عليه وسلم قسمها على اليهود وأعانهم ببعضها فقال ابن القيم إن هذا ليس بمحفوظ فإنه الدية لا أفطر المدعى عليهم بمجرد دعوى القتيل بل لا بد من إقرار أو بينة أو أيمان لمدعين ولم يوجد هنا شيء من ذلك وقد عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدعين أن يحلفوا فأبوا فكيف يلزم اليهود بالدية بمجرد الدعوى انتهى قلت ويظهر لي أنه ليس في هذا الحديث حكم منه صلى الله عليه وسلم بالقسامة أصلا كما أفاده الحديث وإنما دل الحديث على حكاية للواقع لا غير وذكر لهم صلى الله عليه وسلم قصة الحكم على التقديرين ومن ثمة كتب إلى يهود بعد أن دار بينهم الكلام المذكور وسيأتي تحقيقه وقوله فكتبوا إنا والله ما قتلناه فيه دليل على الاكتفاء بالمكاتبة وبخبر الواحد مع إمكان المشافهة
فائدة: اختار مالك إجراء هذه الدعوى في الأموال فأجاز شهادة المسلوبين على
(3/255)
السالبين وإن كانوا مدعين قال لأن قاطع الطريق إنما يفعل ذلك مع الغفلة والانفراد عن الناس انتهى ولا يخفى أنه لا يتم هذا إلا بعد ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم حكم بالقسامة وعرفناك هنا عدم نهوض ذلك وسنزيده بيانا عن قريب وإذا ثبت فهذا قياس من مالك مصادم لنص "البينة على المدعي واليمين على المنكر" إلا أن يكون مذهبه جواز تخصيص عموم النص بالقياس وللعلماء كلام في حجية العام بعد تخصيصه
(3/253)
صلى الله عليه وسلم "إليهم في ذلك" أي فيما ذكر من أنهم قتلوا عبد الله فكتبوا أي اليهود إنا والله ما قتلناه فقال أي النبي صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن بن سهل: "أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم" قالوا لا وفي رواية عند مسلم قالوا لم نحضر ولم نشهد وفي بعض ألفاظ البخاري أنه قال "لهم تأتون بالبينة قالوا ما لنا بينة فقال أتحلفون" قال: "فتحلف لكم زفر" قالوا ليسوا مسلمين وفي لفظ قالوا لا نرضى بأيمان اليهود وفي لفظ كيف ينفذ بأيمان كفار فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم مائة ناقة قال سهل فلقد ركضتني منها ناقة حمراء متفق عليه
- باب دعوى الدم والقسامة
القسامة بفتح القاف وتخفيف المهملة مصدر أقسم قسما وقسامة وهي الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم أو على المدعى عليهم الدم وخص القسم على الدم بالقسامة قال إمام الحرمين القسامة عند أهل اللغة اسم للقوم الذين يقسمون وعند الفقهاء اسم للأيمان وفي القاموس القسامة الجماعة يقسمون على الشيء ويأخذونه أو يشهدون وفي الضياء القسامة الأيمان تقسم على خمسين رجلا من أهل البلد أو القرية التي يوجد فيها القتيل لا يعلم قاتله ولا يدعي أولياؤه قتله على أحد بعينه
اعلم أن هذا الحديث أصل كبير في ثبوت القسامة عند القائلين بها وهم الجماهير فإنهم أثبتوها وبينوا أحكامها ونتكلم على مسائل الأولى أنها لا تثبت القسامة بمجرد دعوى القتل على المدعى عليهم من دون شبهة إجماعا وقد روي عن الأوزاعي وداود ثبوتها شبهة ولا دليل لهما واختلف العلماء في الشبهة التي تثبت بها القسامة فمنهم من جعل الشبهة اللوث وهو كما في النهاية أن يشهد شاهد واحد على إقرار المقتول قبل أن يموت أن فلانا قتلني أو يشهد شاهدان على عداوة بينهما أو تهديد له منه أو نحو ذلك ومن اللوث التلطخ ومنهم من لم يشترطه كالهادوية والحنفية فإنهم قالوا وجود الميت وبه أثر القتل في محل يختص بمحصورين تثبت به القسامة عندهم إذا لم يدع المدعي على غيرهم قالوا لأن الأحاديث وردت في مثل هذه الحالة ورد بأن حديث الباب أصح ما ورد وفيه دليل على اللوث وحقيقته شبهة يغلب الظن بالحكم بها كما فصله في النهاية وهو هنا العداوة فلهذا ذهب مالك والشافعي إلى أنه لا يثبت بهذا قسامة إلا إذا كان بين المقتول والمدعى عليهم عداوة كما كان في قصة خيبر قالوا فإنه يقتل الرجل الرجل ويلقيه في محل طائفة لينسب إليهم وقد عدوا من صور اللوث قول المقتول قبل وفاته قتلني فلان وقال مالك إنه يقبل قوله وإن لم يكن به أثر أو يقول جرحني ويذكر العمد وادعى مالك أنه مما أجمع عليه الأئمة قديما وحديثا ورده ابن العربي بأنه لم يقله من فقهاء الأمصار غيره وتبعه عليه الليث واحتج مالك بقصة بقرة بني إسرائيل فإنه أحيي الرجل وأخبر بقاتله وأجيب بأن ذلك معجزة لنبي وتصديقها قطعي قلت ولأنه أحياه الله بعد موته فعين قاتله فإذا أحيا الله مقتولا بعد موته وعين قاتله قلنا به ولا يكون ذلك أبدا واحتج أصحابه بأن القاتل يطلب غفلة الناس فلو لم يقبل خبر المجروح أدى ذلك إلى إبطال الدماء غالبا وأنها حالة يتحرى فيها المجروح الصدق ويتجنب الكذب والمعاصي ويتحرى التقوى والبر فوجب قبول قوله ولا يخفى ضعف هذه الاستدلالات وقد عدوا صور اللوث مبسوطة في كتبهم المسألة الثانية أنه بعد ثبوت ما ذكر من القتل وكل على أصله تثبت دعوى أولياء القتيل القسامة فتثبت أحكامها فمنها القصاص عند كمال شروطها لقوله في الحديث "تستحقون قتيلكم أو صاحبكم بأيمان خمسين منكم على رجل منهم فيدفع بذمته" وقوله "دم صاحبكم" في لفظ مسلم "يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع بذمته" وإن كان قوله "إما أن بدوا صاحبكم" الحديث يشعر
(3/254)
بعدم القصاص إلا أن هذا التصريح في رواية مسلم أقوى في القول بالقصاص وهذا مذهب أهل المدينة فإن كانت الدعوى على واحد معين ثبت القود عليه وإن كانت على جماعة حلفوا وثبتت عليهم الدية عند الشافعية وفي قول يجب عليهم القصاص والأول الصحيح عنه فإن كان الوارث واحدا حلف خمسين يمينا فإن الإيمان لازمة للورثة ذكورا كانوا أو إناثا عمدا كان أو خطأ هذا مذهب الشافعي ومنها أن يبدأ بأيمان المدعي في القسامة بخلاف غيرها من الدعاوى كما في هذه الرواية ويدل له حديث أبي هريرة "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلا في القسامة" وفي إسناده لين إلا أنه قد أخرجه البيهقي من حديث عمرو بن شعيب ولم يتكلم فيه قالوا ولأن جنبة المدعي إذا قويت بشهادة أو شبهة صارت اليمين له وهنا الشبهة قوية فصار المدعي في القسامة مشابها للمدعى عليه المتأيد بالبراءة الأصلية وذهبت الهادوية والحنفية وآخرون إلى أنه يحلف المدعى عليه ولا يمين على المدعين فيحلف خمسون رجلا من أهل القرية ما قتلناه ولا علمنا قاتله وإلى هذا جنح البخاري وذلك لأن الروايات اختلفت في ذلك في قصة الأنصار ويهود خيبر فيرد المختلف فيه إلى المتفق عليه من أن اليمين على المدعى عليه فإن حلفوا فهل تلزمهم الدية أم لا ذهبت الهادوية إلى أنها تلزمهم الدية بعد الأيمان وذهب آخرون إلى أنهم إذا حلفوا خمسين يمينا برئوا ولا دية عليهم وعليه تدل قصة أبي طالب الآتية واستدل الجماعة المذكورة ومن معهم في إيجاب الدية بأحاديث لا تقوم بها حجة لعدم صحة رفعها عند أئمة هذا الشأن وقوله فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده وفي لفظ إنه وداه من إبل الصدقة فقيل المراد به أنه اقترضها منها وأنه لما تحملها صلى الله عليه وسلم للإصلاح بين الطائفتين كان حكمها حكم القضاء عن الغارم لما غرمه لإصلاح ذات البين فلم يأخذها صلى الله عليه وسلم لنفسه فإن الصدقة لا تحل له ولكن جرى إعطاء الدية منها مجرى إعطائها في الغرم لإصلاح ذات البين وأما من قال إنه صلى الله عليه وسلم أعطى ذلك من سهم الغارمين فلا يصح فإن غارم أهل الذمة لا يعطى من الزكاة كذا قيل قلت وفيه نظر فإن اليهود لم تلزمهم الدية لأنه لم يحلف المدعون كما عرفت فما وداه صلى الله عليه وسلم إلا تبرعا منه لئلا يهدر دمه وأما رواية النسائي أنه صلى الله عليه وسلم قسمها على اليهود وأعانهم ببعضها فقال ابن القيم إن هذا ليس بمحفوظ فإنه الدية لا أفطر المدعى عليهم بمجرد دعوى القتيل بل لا بد من إقرار أو بينة أو أيمان لمدعين ولم يوجد هنا شيء من ذلك وقد عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدعين أن يحلفوا فأبوا فكيف يلزم اليهود بالدية بمجرد الدعوى انتهى قلت ويظهر لي أنه ليس في هذا الحديث حكم منه صلى الله عليه وسلم بالقسامة أصلا كما أفاده الحديث وإنما دل الحديث على حكاية للواقع لا غير وذكر لهم صلى الله عليه وسلم قصة الحكم على التقديرين ومن ثمة كتب إلى يهود بعد أن دار بينهم الكلام المذكور وسيأتي تحقيقه وقوله فكتبوا إنا والله ما قتلناه فيه دليل على الاكتفاء بالمكاتبة وبخبر الواحد مع إمكان المشافهة
فائدة: اختار مالك إجراء هذه الدعوى في الأموال فأجاز شهادة المسلوبين على
(3/255)
السالبين وإن كانوا مدعين قال لأن قاطع الطريق إنما يفعل ذلك مع الغفلة والانفراد عن الناس انتهى ولا يخفى أنه لا يتم هذا إلا بعد ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم حكم بالقسامة وعرفناك هنا عدم نهوض ذلك وسنزيده بيانا عن قريب وإذا ثبت فهذا قياس من مالك مصادم لنص "البينة على المدعي واليمين على المنكر" إلا أن يكون مذهبه جواز تخصيص عموم النص بالقياس وللعلماء كلام في حجية العام بعد تخصيصه
عدد المشاهدات *:
514810
514810
عدد مرات التنزيل *:
0
0
حجم الخط :
* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 21 ماي 2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 25/12/2016